بعد قرار لجنة التحكيم..مشكلات وتداعيات محتملة عند التنفيذ (نزعته الرقابة الامنية)
تقرير: آدم أبكر علي
مسودة لجمع وحفظ الكتابات المحظورة عن النشر في السودان. إشراف: مؤيد شريف sharifmuayad@yahoo.com
من محن الوطن .. أشياخ التكفير .. أساتذة جامعات؟!
منع من النشر
د.عمر القراي
)إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم(
صدق الله العظيم
اطلعت مؤخراً، على كتيب بعنوان ( فتاوي العقيدة والمذاهب)، مؤلفه هو د. عبد الحي يوسف. ولقد لفت نظري في البداية، ان كاتبه مشار إليه بلقب (الدكتور) بدلاً من (الشيخ)!! كما ان الكتاب ليس فيه اسم الجهة التي أصدرته، أو دار النشر التي طبعته، ووزعته، الأمر المخالف لكل نظم المسؤولية، في التوثيق العلمي.. وحين اطلعت على الكتيب، وجدت انه ملئ بالفتاوي المتطرفة، التي تجنح للتكفير، والإثارة، والتحريض، والاستعداء على فئات مختلفة من الشعب السوداني.. مما يعد جهلاً بحقائق الدين، واستهتاراً بالدستور، وباتفاقية السلام، التي ارتضت التباين الديني، والفكري، والثقافي، والسياسي.. وأقرت مبدأ الحق في العيش الكريم، لأبناء الوطن الواحد، رغم اختلاف أديانهم، ومعتقداتهم..
ولقد افتتح الكتاب، بكلمة للناشر- الذي لم يورد اسمه - جاء فيها (وهذه المجموعة تمثل نماذج منتقاه لبعض الأسئلة التي وردت إلى موقع شبكة المشكاة الإسلامية وأجاب عليها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم)!! ولم يوضح لنا الكتيب، لماذا قدمت هذه الأسئلة لذلك الموقع بالذات، ولا عن اي جماعة إسلامية، يعبر ذلك الموقع، الذي يفخر بنشر فتاوي التكفير، ولماذا قدم الموقع الأسئلة للشيخ عبد الحي، دون سائر الفقهاء والوعاظ، الذين درجوا على إصدار الفتاوي قبله..
ولقد كان من الممكن ان نتجاوز عن هذه الفتاوي الجاهلة، الحاقدة، البعيدة عن واقع العصر، لو انها صدرت من شيخ عادي، بسيط، لا يتجاوز علمه "متن العشماوية"، أو "ألفية ابن مالك"، وما شابهها من الحواشي والمتون.. ولكن ان تأتي الفتاوي المتطرفة، من شيخ بلقب (دكتور) في جامعة الخرطوم، ثم هو، رغم هذه العقلية، المسؤول عن الثقافة الإسلامية، في هذه المؤسسة العريقة، فأمر لابد من الوقوف عنده.. ذلك ان هذه الظاهرة الغريبة، انما تشير الى أمرين خطيرين: أولهما انتشار التيارات الدينية المتطرفة، التي تسيء إلى الإسلام أبلغ الإساءة، بما تعكسه من ممارسات إرهابية، تخالف جوهر الدين، وتشوه صورته، في نظر العالم.. ثم هي منسوبة بصورة أو أخرى، لحكومة الإنقاذ، التي سمحت بها، رغم أن الحكومة تحاول جاهدة، تبرئة ساحتها، من تهم الإرهاب، وتصرح مراراً، بانها تسعى لإقرار السلام، في دارفور، كما أقرته في الجنوب، علها بذلك تمحو تهمة الإرهاب، وتدفع شبح تدخل القوات الدولية، الذي لا يبرره شئ مثل الإرهاب والعنف..
أما الأمر الآخر فهو تسرب هذه الاتجاهات الارهابية، التكفيرية، الى مؤسسات التعليم العالي، دون كفاءة علمية، ودون اعتبار للوائح، والنظم، ومعاييرالتعيين، في هذه المؤسسات.. مما أسقط هيبة الجامعات، وحد من قدرتها على المنافسة، في التقييم العالمي، وأثر سلباً على تربية، وتأهيل النشئ وأكد ما ظلت المنظمات الدولية لحقوق الانسان تردده، من ان ما حدث للتعليم العالي، في السودان، يرقى الى حد الانتهاك لحقوق الانسان..
داعية الفتنة.. كيف يفكر؟
والشيخ عبد الحي يوسف، لم يبدأ الفتنة بهذه الفتاوي العجيبة، وانما درج على تصدر كافة المناسبات العامة، التي تتعلق بأي موقف سياسي، أو فكري، ليحولها الى مأساة، بزرع بذور الفتنة، والفوضى، وتهديد أمن المواطنين.. فقد قاد مجموعة من الشبان، تهتف (الحد الحد للمرتد) أمام قاعة المحكمة، التي برأت المرحوم محمد طه محمد أحمد، من تهمة الردّة، التي حاول جاهداً أن يلصقها به!! وسبق أن هاجم معرض الأخوة المسيحيين، بجامعة الخرطوم، وحرض عليه، واستنكر وجوده، مما اثارسخط المتطرفين، فقاموا بحرقه، واهدروا بذلك، حق اولئك المواطنين، في التعبير عن معتقداتهم، وعرضوا ارواحهم للخطر، واتلفوا ممتلكاتهم!! ولقد كانت تلك الفتوى الجاهلة، مخالفة واضحة، لقوله تبارك وتعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين)، ولقوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن).. ثم إنها مخالفة للدستور، واخذ للقانون في اليد، وكل ذلك لا يليق بالطالب الجامعي، فأعجب ان يقوم به الاستاذ الجامعي، داخل الحرم الجامعي!! ثم لا يساءل عما اقترف من جريمة التحريض!! لقد كان أجدر بالشيخ عبد الحي ان يعرض للافكار التي يختلف معها فيبين حقها من باطلها، ويمكن ان يحاور اصحابها فيهدي الله لنوره من يشاء ، ولكن اسلوب التكفير والاثارة وتحريض البسطاء، ليقوموا هم نيابة عنه، بما يدعي انه واجب ديني، حتى يكون هو بمعزل عن المساءلة القانونية، انما هو عمل ينقصه الصدق، وتنقصه المروءة!!
ولم يكن سبب تحريض عبد الحي، ضد المسيحيين، غضب مفاجئ، لم يستطع تمالكه، وانما يرجع الى ايمانه الراسخ، بعدم التقارب بين الاديان المختلفة!! فقد سأله أحدهم (كثر الحديث هذه الأيام عن التقارب بين الأديان فما صحة هذا القول؟) فاجاب عبد الحي (... فان الدعوة الى التقارب بين الاديان يراد من ورائها التسوية بين الحق والباطل والهدى والضلال والكفر والايمان..... فالتقارب بين الاديان بدعة ضلالة تولى كبرها الماسون ومن خدع بهم أو باع آخرته بدنياه) (فتاوي العقيدة والمذاهب - الجزء الأول صفحة 20).. ولو كان الشيخ عبد الحي، يعرف اقل القليل، عن الاديان، لعرف انها متقاربة لأن مصدرها واحد، وأصلها واحد، وغايتها واحدة.. أما مصدرها فهو الله سبحانه وتعالى، واما أصلها فهو كلمة التوحيد " لا اله الا الله "، واما غايتها فهي تجسيد كلمة التوحيد، في الخلق.. قال تعالى عن وحدة الأديان ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب)، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله).. ولو كان الشيخ عبد الحي يعرف، لعرف ان من اسباب التقارب بين الاديان، ان ما جاء به القرآن، هو ما ورد في الكتب المقدسة قبله، قال تعالى (ان هذا لفي الصحف الأولى صحف ابراهيم وموسى).. وان الاختلاف وقع في الشرائع، قال تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) لاختلاف الزمان، وحاجة كل زمان لما يناسبه من التشريع.. فالتقارب إذاً هو الاساس، والاختلاف فرعي، وهو لا يبرر التباعد، الذي افتعله الجهلاء، من اتباع الأديان، وليس ادل على ذلك من هذه الفتوى!!
ومن نماذج الفتاوي، التي تنطوي على النفاق، تحريم الشيخ عبد الحي، العمل في الأمم المتحدة!! فقد سألته إحدى النساء (بحكم عملي أخالط كثيراً من النصارى، نتناول الطعام سوياً أثناء العمل، اشاركهم في بعض الدعوات والحفلات في منازلهم وبعض الاماكن العامة فما مدى حرمة ذلك؟ مع العلم بأني التزم بالزي الاسلامي حتى في هذه الحفلات) فكانت اجابة عبد الحي ( فالحكم على عمل ما بالحل أو الحرمة يتوقف على معرفة ماهية ذلك العمل، وهل يندرج تحت التعاون على البر والتقوى أم التعاون على الإثم والعدوان؟ وها هنا أسئلة تستطيعين من خلال الجواب عنها معرفة حكم عملك في تلك الهيئة: هل الأمم المتحدة تنتصر لقضايا المسلمين أم العكس؟ هل هي في احكامها ونظمها تخضع لما انزل الله أم العكس؟...... أما مخالطتك لهم وانت أنثى فما ينبغي لك ذلك بل المطلوب من المسلمة أن تلزم حدود الاسلام بالا تخالط الرجال الا لضرورة أو حاجة، وحسبك ان تعلمي ان النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء حتى في المسجد وفي الصلاة، فاتقي الله في نفسك ودينك) (المصدر السابق ص 22-23) فهل كان الشيخ عبد الحي، صادقاً في هذه الفتوى، وهل هو مطبق لها في الجامعة، حيث الطلاب والطالبات في المعمل، وفي المكتبة، وفي الفصل، وفي فناء الجامعة، في حالة اختلاط؟ وهل يطلب الشيخ عبد الحي، من أي طالبة تسأله في الجامعة سؤالاً، أن تخاطبه من وراء حجاب؟! وهل ركب عبد الحي، يوماً، المواصلات العامة، أو ركب الطائرة، وجلست بقربه امرأة، فترك المركبة في الحال؟! واذا كانت الأمم المتحدة، لا تخضع في أحكامها، ونظمها، لما انزل الله، فمن أولى بان يقال له ذلك، موظفة بسيطة، أم حكومة السودان، التي تتعامل، وتتعاون، وتستلم المعونات من الأمم المتحدة؟
تكفيره للحركة الشعبية لقد ورد السؤال كالآتي: (مارأي الشرع في انضمام رجل مسلم الى الحركة الشعبية كتنظيم سياسي مع العلم ان قيادتها لم يكونوا مؤمنين؟) فاجاب الشيخ عبد الحي (فلا يجوز لعبد يؤمن بالله واليوم الآخر ان ينضم لحركة تعادي الإسلام وأهله سواء ن كانت الحركة الشعبية أو غيرها من الاحزاب الإلحادية والعلمانية التي تجاهر بعدواة الاسلام أو تكون برامجها مشتملة على الدعوة الى إقصاء الدين عن الحياة... والحركة الشعبية على وجه الخصوص لم تخف في يوم من الأيام عداوتها للإسلام وأهله واعلنت مراراً عن نيتها وسعيها لإقامة ما يسمونه بالسودان الجديد يعنون بذلك سوداناً علمانياً لا مكان للدين فيه، كما انهم قد بدت البغضاء من افواههم تجاه كل ما يمت للعروبة بصلة، وما فتئوا ينادون بان سكان السودان الأصليين هم الزنوج وأن العرب الجلابة ليسوا الا غزاة الى غير ذلك من الترهات التي يبثونها ويدندنون حولها مراراً وتكراراً، وان المرء لا ينقضي منه العجب حين يرى منتسبين الى الاسلام يسارعون فيهم لنيل عرض من الدنيا قليل يبيعون من اجله دينهم ويوادون من حاد الله ورسوله فاذا عوتبوا يقولون "نخشى ان تصيبنا دائرة" وهم يجهلون حكم القرآن الواضح "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين") (فتاوي العقيدة والمذاهب: د. عبد الحي يوسف صفحة 24-25). تكفيره للجمهوريين
|
إلى مجلس أساتذة جامعة الخرطوم
اننا نسأل مدير جامعة الخرطوم، ومجلس اساتذتها، هل بلغ الهوان بهذا المؤسسة العريقة، ان تقبل ان يكون أحد اساتذتها، منذور الحظ من الأمانة العلمية، لدرجة بتر النصوص، التي يفترض ان يناقشها ويقيم على اساسها افكاراً مكتوبة؟! وهل يصح ان يكون مثل هذا الشخص، مسؤولاً عن الثقافة الإسلامية في الجامعة؟! واذا كان الاستاذ الجامعي، مجرداً من أبسط شروط الحياد الفكري، فكيف يشرف على بحوث طلابه، بل كيف استطاع ان يحصل على درجته العلمية؟!
ولعل ما يدعو للتشكيك في الدرجات العلمية، التي تمنحها الجامعات السودانية، وفي مقدمتها جامعة الخرطوم، ما لحق بالتعليم من خراب، في الآونة الأخيرة.. حيث تدخلت السلطة السياسية، حتى في المستويات والنظم الاكاديمية، بغرض كسر مقاومة الجامعة السياسية، واحكام السيطرة عليها، وترفيع الحكومة للموالين لها، من عديمي الكفاءة.. فقد كتب استاذ جامعي عريق هو الدكتور محمد سعيد القدال (فتحولت الجامعة من مؤسسة قومية اكاديمية الى حظيرة خلفية لحزب سياسي حيث يتم التعيين والترقيات فيها بالولاء الحزبي) (الصحافة العدد3927 بتاريخ 5/5/2004).. ولقد كان سبب نقد د. القدال لجامعة الخرطوم، هو منحها لدرجة الماجستير والدكتوراة، لأحد رموز الجماعات الإسلامية، وهو لا يعرف حتى كيف يرتب مراجع البحث، بل انه يشتم الاشخاص الذين يتعرض اليهم في رسالتة الدراسية، بألفاظ تشبه شتائم الوعاظ، وخطبهم التكفيرية، ولكنها لا تقبل، في مضابط لغة البحث العلمي!! ولقد استغرب د. القدال، كيف تجاز رسالة دكتوراة بهذا الضعف، والخلل، فذهب يبحث عن الاستاذ المشرف، فوجد انه أيضاً من رموز الحركة الاسلامية، وانه هو نفسه، لا يملك درجة علمية، تؤهله ليمنح الدرجات العلمية للآخرين!! كتب د. القدال (أشرف على الرسالتين الاستاذ حافظ الشيخ الزاكي. وأمر هذا الاستاذ مع جامعة الخرطوم مثير للعجب. فبعد ان تخرج من جامعة الخرطوم عمل بالمحاماة والسياسة... ولكنه لم يمارس أي نشاط أكاديمي سواء كان نظرياً أو عملياً الا حصوله على درجة الماجستير. وفي بداية حكم الجبهة عام 1989 استدعي من منزله وعين عميداً لكلية القانون امام دهشة الوسط الجامعي. ولقى تعيينه معارضة قوية ولكن السلطة القابضة على زمام الأمور والمدير فرضوه فرضاً... ولم يمر الاستاذ حافظ بمعاناة التحضير للدكتوراة ولا بمشقة البحث العلمي... ثم اصبح الاستاذ الزاكي يشرف على رسائل الدكتوراة والماجستير فما هي النتيجة؟ النتيجة هي هذه الرسائل التي تفقد أغلب مقومات البحث الاكاديمي) (المصدر السابق).
لقد هدد اساتذة جامعة الخرطوم بالاضراب، في مواجهة القرار الجائر، الذي يقضي باحالة الاستاذ الجامعي للمعاش، في سن الستين.. ووقفوا موقفاً محترماً، خلف نقابتهم الشرعية، فيجب الا تنتهي ثورتهم عند هذا الحد، وانما تستمر لتشمل اصلاح الجامعة.. واول خطوات الاصلاح، مراجعة مؤهلات الاساتذة، لتقدم الكفاءة والخبرة على الولاء السياسي، ومراجعة المناهج، لتقدم الافكار العلمية، على المفاهيم المتخلفة.. فاذا تم ذلك، فان أمثال الشيخ عبد الحي، لن يجدوا مكاناً في الجامعة!! كيف يكون عبد الحي يوسف، بهذا المستوى، مسؤولاً عن الثقافة الاسلامية في الجامعة؟! وما هي الثقافة الاسلامية التي يعرفها، اذا استثنينا دعاوي التكفير، التي يطلقها هنا وهناك؟
إلغاء حكم الردّة
ومن عدم الأمانة العلمية، وعدم الحياد، واتباع الهوى، والغرض، ان يكتب الشيخ عبد الحي: (وصدر الحكم بردة محمود من المحكمة الشرعية يوم 27 شعبان 1388هـ الموافق 18/11/1968م ثم صدر حكم آخر من المحكمة الجنائية رقم 4 بأمدرمان بتاريخ 8/1/1985م ثم قرار محكمة الاستئناف الجنائية بالخرطوم الصادر في 15/1/1985م)(فتاوي العقيدة والمذاهب ص 32).. ذلك ان الفتوى، تقوم على النصيحة، وليس على إخفاء جزء من الحقيقة، واخبار السائل بما يروق للمفتي!! فرغم ان حكم قضاة نميري، وفقهائه، قد ادين سياسياً، بواسطة الشعب السوداني، الذي اسقط النظام بعد 76 يوماً، من تنفيذ الاعدام على الاستاذ محمود، الا انه كان لابد من ادانة الجريمة قانونيا ً، لانها ارتكبت باسم القانون.. فلماذا لم يورد الشيخ عبد الحي ان المحكمة العليا قد ابطلت ذلك الحكم؟! ألا يطعن في صدق الفتوى اخفاء هذه الحقيقة الهامة؟!
في 25 فبراير 1986، رفعت الاخت الاستاذة اسماء محمود، والاخ الاستاذ عبد اللطيف عمر، عريضة دعوى، تطالب باعلان بطلان اجراءات المحاكمة، التي تمت للاستاذ محمود محمد طه، وأربعة من الاخوان الجمهوريين. ولقد رفعت الدعوى ضد حكومة جمهورية السودان، الى المحكمة العليا، الدائرة الدستورية، وتم نظرها بواسطة السادة القضاة:
السيد محمد ميرغني مبروك رئيساً، السيد هنري رياض سكلا عضواً، السيد فاروق أحمد إبراهيم عضواً، السيد حنفي ابراهيم محمد عضواً، السيد زكي عبد الرحمن عضواً، السيد محمد حمزة الصديق عضواً، والسيد محمد عبد الرحيم عضواً.
وكانت هيئة الدفاع، التي تولت رفع الدعوى، مكونة من السادة المحامين:
د. بيتر نيوت كوك، الاستاذ عبد الله الحسن، الاستاذ عابدين إسماعيل، الاستاذ طه إبراهيم، الاستاذ جريس أسعد، والاستاذ محمود حاج الشيخ. وبعد تقديم هيئة الدفاع مرافعتها طلبت المحكمة، من النائب العام، السيد عمر عبد العاطي، باعتباره ممثل الحكومة، ان يرد على مذكرة الادعاء المرفوعة بواسطة المحامين، فجاء ردّه كالاتي:
1- نعترف بان المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون.
2- ان المحاكمة اجهاض كامل للعدالة والقانون.
3- لا نرغب في الدفاع اطلاقاً عن تلك المحاكمة.
وبعد المداولات، جاء قرار المحكمة العليا، الذي ابطل الحكم الجائر، وانتصر لمصداقية القضاء السوداني، بصورة مطولة، ودقيقة، نقتطف منه هنا ما يأتي:
(ان محكمة الاستئناف، وفيما نوهنا به، اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان يستحيل معه الوصول الى حكم عادل تسنده الوقائع الثابته وفقاً لمقتضيات القانون. ويبين ذلك جلياً مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت:
"ثبت لدى محكمة الموضوع من اقوال المتهمين ومن المستند المعروض امامها وهو عبارة عن منشور صادر من الاخوان الجمهوريين ان المتهمين يدعون فهماً جديداً للاسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم... الخ".. وبمراجعة المستند المشار اليه واقوال المتهمين التي ادلوا بها امام المحكمة الجنائية لا نجد سنداً لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت اليها محكمة الاستئناف مما يكشف عن حقيقة واضحة هي ان المحكمة قد قررت منذ البداية ان تتصدى بحكمها لفكر المتهمين وليس لما طرح امامها من اجراءات قامت على مواد محددة في قانون العقوبات وامن الدولة وأدى الى تحريكها منشور محرر في عبارات واضحة لا تقبل كثيراً من التأويل.
وسرعان ما انكشف امر المحكمة، حين وقعت عينها على ما ورد في حكم المحكمة الجنائية من اشارة الى "التوبة" فأعتبرت ذلك "اشكالاً" لا بد لها من ان توجد له حلاً "لأن التوبة ليس منصوصاً عليها في العقوبة المذكورة (تعني عقوبة الاعدام التي اصدرتها المحكمة الجنائية) ولعل محكمة الموضوع جعلتها من قبيل المسكوت عنه الذي يجوز الحكم به وفق المادة (3) من قانون اصول الاحكام لما لاحظت في المنشورات (هكذا بالجمع) موضوع البلاغ من العبارات الموجبة للردّة فحكمت عليهم بالعقوبة الشاملة لحد الردّة مع إعطائهم فرصة التوبة والرجوع الى الصراط المستقيم". واستطردت المحكمة بقولها: "ولكي نقوم هذا القرار التقويم الصحيح لا بد من الاجابة على سؤالين: الاول، هل الردّة معاقب عليها في القانون؟ والثاني، هل كان فعل محمود ومن معه يشكل ردّة وخروجاً على الدين؟"
وفي السؤال الاول خلصت المحكمة الى ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام "تعطي حق الحكم في الأمور المسكوت عنها" وان الردّة جريمة ثابته بالكتاب والسنة والاجتهاد، وان المادة 458 (3) من قانون العقوبات تبيح توقيع العقوبة الشرعية ولما كانت الردّة حداً شرعياً فانه يلزم توقيع عقوبتها.
أما بالنسبة للسؤال الثاني، فقد استهلت المحكمة الاجابة عليه بقرار جازم بان "المحكموم عليه محمود محمد طه (هكذا وحده) مرتد باقواله وأفعاله في يومية التحري التي اقر بها امام المحكمة واقواله المدونة المعروفة لدى الناس عامة وافعاله الكفرية الظاهرة فهو تارك للصلاة لا يركع ولا يسجد..الخ"
ثم استشهدت المحكمة بحكم محكمة الاستئناف الشرعية بالخرطوم الذي صدر عام 1968 باعلان ردّة محمود محمد طه واستعرضت بعضاً مما جاء في كتب الجمهوريين وما صدر من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي من تأييد لحكم عام 1968 وما صدر من مجمع البحوث الاسلامية بجمهورية مصر العربية من وصف لفكر محمود محمد طه "بالفكر الملحد" وخلصت محكمة الاستئناف الجنائية من كل ذلك الى انه "مما تقدم يتضح ان محمود محمد طه مرتد عن الدين ليس فقط ردّة فكرية فردية وانما هو مرتد بالقول والفعل داعية الى الكفر معارض لتحكيم كتاب الله..."
ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارف عليه، او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة، او انطوى عليه دستور 1973 الملغى رغم ما يحيط به من جدل.
ففي المقام الاول اخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت اليه من ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها- اولأي محكمة أخرى - توجيه تهمة الردّة..... على ان محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور او قانون اذ انها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناة وبغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة ، محاكمة جديدة قامت المحكمة فيها بدور الخصم والحكم مما حجبها عن واجبها حتى بفرض صحة توجيه تهمة جديدة في هذه المرحلة في ان تعيد الاجراءات مرة اخرى لمحكمة اول درجة لاعادة المحاكمة بموجب التهمة الجديدة وذلك فيما تقضي به المادة (238) (هـ) من القانون أو ان تتجه الى سماع المحكوم عليهم بنفسها وفاء بواجبها في ذلك بموجب المادة (242) من القانون ذاته، التي، وان كانت ترد في صيغة تقديرية، الا انها تأخذ شكل الالزام عندما يكون السماع ضرورياً. ولا نرى ضرورة توجب السماع اكثر من ان يكون الحكم الذي تقرر المحكمة اصداره بالردّة التي عقوبتها الاعدام.
وقد كان منهج محكمة الاستئناف اكثر غرابة، حين استندت في حكمها على مسائل ليس من شأنها ان تقوم مقام الادلة التي يجوز قبولها قانوناً. ومن ذلك ما اشارت اليه تلك المحكمة من الاقوال "المعروفة للناس عامة" والافعال "الكفرية الظاهرة" في ترك الصلاة وعدم الركوع والسجود.. وما الى ذلك مما لا يتعدى في احسن حالاته الاقوال النقلية والعلم الشخصي وليس في أي منهما ما يرقى الى الدليل المقبول قانوناً ( راجع المادتين 16 و35 من قانون الاثبات لسنة 1983).
ولم تكتف المحكمة في مغالاتها بهذا القدر، وانما تعدته الى الاستدلال بقرارات وآراء جهات لا سند في القانون للحجية التي اضفتها المحكمة على اصداراتها، اما حكم محكمة الاستئناف الشرعية العليا التي عولت عليه محكمة الاستئناف الجنائية كثيراً، فانه يستوقفنا فيه انه حكم وطني يلزم استبيان حجيته نظراً الى ما يمكن ان تثيره طبيعته الوطنية من تساؤل حول تلك الحجية. والحكم المشار اليه صدر في 18/11/ 1968 في القضية 1035 /68 حيث قضت محكمة الاستئناف الشرعية العليا بالخرطوم باعلان محمود محمد طه مرتداً. وأول ما تجدر ملاحظته في شأن ذلك الحكم انه صدر حسبة كما وقع غيابياً، والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما اذا كان في ذلك ما يقوم مقام الحكم الجنائي بالردّة؟
وفي تقديرنا ان الاجابة القطعية ان ذلك الحكم لا يستحق هذه الصفة وذلك لان المحاكم الشرعية - ومنها محكمة الاستئناف الشرعية العليا في ذلك الوقت - لم تكن تختص باصدار احكام جنائية، بل كانت اختصاصاتها مقتصرة على مسائل الاحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وميراث وما الى ذلك مما كانت تنص عليه المادة الخامسة من قانون المحاكم الشرعية لسنة 1967 الساري وقتئذ (وليست المادة 6 من قانون 1902 فيما تشير اليه هيئة الادعاء).
وابلغ دليل على عدم اختصاص المحكمة الشرعية فيما اصدرته من حكم ان ذلك الحكم جاء غيابياً فما نحسب ان محمود محمد طه كان حصيناً من سلطة الاجبار التي كانت تتمتع بها المحكمة فيما لو كانت محكمة ذات اختصاصات جنائية. كما يقف دليلاً على عدم الاختصاص ان المحكمة لم تجد سبيلاً لتنفيذ الحكم لا في ذلك الوقت ولا في أي وقت لاحق وهو ما لم يكن يحول دونه غياب المحكوم عليه خاصة وان للحكم عقوبة مقررة شرعاً هي أعلى مراتب العقوبات المدنية...... على ان الاثار المترتبة على حجب الاجراءات عن المحكمة العليا وحصرها في محكمة الاستئناف الجنائية، اتخذت شكلها المأساوي حين تم تنفيذ حكم الاعدام على محمود محمد طه، باغفال تام لنص المادة (247) من قانون الاجراءات الجنائية، رغم انه كان من الثابت انه جاوز السبعين من عمر وقتئذ. ولعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو اننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا ان محكمة الاستئناف اضافت الادانة بالردّة، وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً فيما لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من ان تستقل محكمة الاستئناف باجراءات التأييد لتنتهي الى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم.......
وعلى هدى من ذلك تقرر هذه الدائرة ما يلي:
1- اعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف.
2- الزام المدعين برسوم واتعاب المحاماة في هذه الدعوى. ( حيثيات المحكمة في قضية أسماء محمود وآخرين ضد حكومة السودان)
هذا هو حكم المحكمة العليا، على بطلان حكم محكمة الردّة، ومحكمة المهلاوي، ومحكمة المكاشفي.. ولإن كان د. عبد الحي يوسف، كمثقف سوداني، قد أعجب بأحكامهم، فان المثقفين الحقيقيين لهم رأي آخر.. يقول د. منصور خالد (أنا ما عندي أدنى شك في ان الذين حكموا على الأستاذ محمود لا يساوي أي واحد منهم أخمص قدمه في العلم، ناهيك عن الخلق)!! (حديثه لقناة أبو ظبي في برنامج بين زمانين - فبراير 2003).
شيوخ الأزهر أئمة عبد الحي
ولقد اعتمد الشيخ عبد الحي، في تكفيره للجمهوريين، بالاضافة الى سوء الفهم، وسوء التخريج، وخلل النقل من الكتب، وبتر النصوص، ثم حكم محكمة الردّة، ومحكمة المهلاوي، ومحكمة المكاشفي، التي كشفت المحكمة العليا خلل أجراءاتهم، وابطلت احكامهم، الى فتوى رابطة العالم الإسلامي والأزهر.. فقد قال ( فصدرت فتوى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في 5 ربيع أول 1395هـ بردته وانه يجب على المسلمين ان يعاملوه معاملة المرتدين وصدرت كذلك فتوى مجمع البحوث بالأزهر الشريف بتاريخ 5/6/1972 بأن كلام محمود كفر صراح لا يصح السكوت عليه) (فتاوي العقيدة والمذاهب ص 32)..
ونحن لا نحتفل بفتاوي هذه المؤسسات، لأنها مؤسسات سلطانية، درجت على ممالاة الحكام، وإخراج الفتاوى التي ترضيهم على حساب الحق.. فهل يعتبرهم الشيخ عبد الحي، أساتذته، وأئمته، والمرجع الذي يؤيد دعاويه؟! لقد درج الازهر على تملق الحكام، فلقد كان مثلاً، يحتفل سنوياً بعيد ميلاد الملك فاروق!! ومما جاء في وصف أحدى مشاركاتهم في تلك المناسبة ( فنهض الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر فألقى خطبة جمعت فأوعت في مناقب حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق) وكان مما قاله شيخ الأزهر في تلك الخطبة عن فاروق (انه مثال من مثل الخير العليا وصورة كاملة من صور الفضيلة المحببة للنفوس)!!(مجلة الأزهر - مايو 1939).. وكتبت مجلة الأزهر، أيضاً، بقلم رئيس تحريرها أحمد حسن الزيات، قبل شهرين فقط من الإطاحة بفاروق (وبهدى صاحب الرسالة محمد صلوات الله عليه لسان الوحي ومنهاج الشرع ومعجزة البلاغة وبعطف صاحب الجلالة الفاروق ناصر الاسلام ومؤيد العروبة وحامي الأزهر، أعز الله نصره وجمل بالعلوم والآداب عصره)!!(مجلة الأزهر - مايو 1952).. ولما قامت ثورة يوليو 1952 واطاحت بنظام فاروق، كتب أحمد حسن الزيات نفسه، في مجلة الأزهر نفسها، عن فاروق (وكان آية من آيات أبليس في الجرأة على دين الله، انه كان كما حدثني أحد بطانته المقربين اليه انه اذا اضطرته رسوم الملك أن يشهد صلاة الجمعة خرج اليها من المضجع الحرام وصلاها من غير غسل ولا وضوء، واداها من غير فاتحة ولا تشهد. وكان يقول أخوف ما أخافه ان يغلبني الضحك وانا اتابع الإمام في هذه الحركات العجيبة. وبلغ من جرأته على الحرمات انه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج ويسرق الدولة)!!(مجلة الأزهر - يوليو 1960 ) ..
ولم يكتف علماء الأزهر، بتملق الحكام، وانما اشتهروا بتكفير المفكرين فقد كفروا د. طه حسين، و كفروا أيضاً الشيخ علي عبد الرازق، وهو من خريجي الأزهر، وطالبوه بارجاع شهادة "العالمية" التي منحوها له، فأرسلها لهم وقد كتب معها "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"!! كما كفروا الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار.. واتهم الشيخ التفتنازي وبعض علماء الأزهر عمر لطفي المحامي بالالحاد لدعوته لإقامة الجمعيات التعاونية!! واتهم جماعة منهم على رأسهم الشيخ عليش الشيخ جمال الدين الأفغاني بالإلحاد لأفكاره العلمية، كما كفروا قاسم أمين، بسبب دعوته المناصرة للمرأة!! واتهموا محمد عبده بالزندقة لأنه أفتى بان لبس "البرنيطة" حلال!! (أحمد أمين: زعماء الإصلاح ص111).. ولقد ندم الشيخ محمد عبده، على السنوات التي قضاها يدرس في الأزهر، فقد نقد مرة اسلوب التعليم في الازهر، فقال له أحدهم (ألم تتعلم انت في الأزهر؟ وقد بلغت ما بلغت من طرق العلم وصرت فيه العلم الفرد؟ فاجاب الامام: ان كان لي حظ من العلم الصحيح الذي تذكر فانني لم أحصله الا بعد ان مكثت عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من "وساخة" الأزهر، وهو الى الآن لم يبلغ ما أريده له من النظافة!)!! (محمد عمارة: الأمام محمد عبده ص 55-56) بهذه العبارات القوية، شهد الامام محمد عبده على الأزهر، وهو من خريجيه، بالتخلف، والفساد، الذي يبلغ حد الوسخ..
ولم يكن مستغرباً، ضمن هذا التاريخ الحافل، ان يكفر الأزهر الجمهوريين، ولكن الغريب، ان يعطي نفسه الحق بالتدخل في شئون السودانيين، فيوجه المسئولين الرسميين في الوزارات، لا ليناقشوا الفكر الجمهوري وانما ليحرضوا السلطة لإيقافه!! ولو كان علماء الأزهر، قد أقاموا الدين في مصر، فخلت من كافة المفارقات، وطبق حكامها الاسلام، لبرئ انشغالهم بالسودان من النفاق..
فساد العقيدة
ونحن نتهم عبد الحي يوسف، باتباع عقيدة الوهابية الفاسدة، التي تعادي السادة الصوفية، وتسيء الى كبار أئمتهم، ومشايخهم، دون ورع، ودون أدب.. وتخالف بذلك، كل موروث الشعب السوداني واعرافه، وقيمه، التي قدها له الله من لحمة وسداة التصوف.. فقد اورد من اسباب تكفيره للاستاذ محمود قوله (وهو في ذلك سارق لافكار من قبله من الغلاة من أمثال محي الدين ابن عربي).. والشيخ أبوبكر محي الدين بن عربي، من أكبر أئمة التصوف، ويسميه الصوفية الشيخ الأكبر، ويعتبرونه (مقرر) والمقرر عندهم أكبر من (العارف).. يقول الشيخ عبد الغني النابلسي القادري النقشبندي :
وقد قال محي الدين وهو المقرر * لنا دولة في آخر الدهر تظهر
وتظهر مثل الشمس لا تتستر
وفي السودان، أحتفل الصوفية بكتب ابن عربي، وأشعاره العرفانية، وجاراه بالتخميس السادة السمانية خاصة الشيخ عبد المحمود نور الدائم، والسادة الختمية، وانشدوا اشعاره المليئة بالمعرفة، وبالتسليك، وليس في المسلمين، من لا يحترم الشيخ الأكبر، غير الوهابية أنصار الملوك!! ولفساد اعتقادهم يشككون في الكرامة، وما يتعلق بها من غيبيات، ويصورون الاسلام، وكأنه فكرة مادية لا علاقة لها بالغيب.. ولهذا يرفض عبد الحي، رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ويقول (من إدعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جهرة يبين له فساد قوله بالحكمة والموعظة الحسنة وما قاله أهل العلم الثقات في ذلك وتقام عليه الحجة، فان اصر على مقالته فلابد من تحذير الناس من شره) (د. عبد الحي يوسف: فتاوي العقيدة والمذاهب ص 52).. لكن أهل السودان، يرون ان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام، من دلائل السلوك الديني القويم، ورؤيته في اليقظة، من اشارات الترقي الروحي.. ويتحدثون عن ذلك، في مدائحهم، وذكر كرامات شيوخهم.. ومن عجب ان عبد الحي، قد ندد بفساد راي من ادعى الرؤية، رغم اثباته الحديث المشهور، الوارد في البخاري، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي) وبدلاً من ان يقف عند هذا الحديث، الذي خطه بنفسه، في كتابه، انصرف عنه، الى عقيدة الوهابية المنكرة !!
إن حكومة الإنقاذ، إنما تراهن على الجواد الخاسر، حين تغض الطرف عن جرائم عبد الحي، وتصر على حمايته، من نتائج أعماله، التي اتسمت بعدم احترام الدستور، والتحريض، والتكفير، والسعي بالفتنة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين.. ولإن كانت الحكومة وحزبها، ينتظران الانتخابات، ويعولان كثيراً، على تغيير نهجهما، إلى التسامح، والتفاوض بغرض تحقيق السلام، كاستراتيجية ذكية، لدرء خطر التدخل الأجنبي، فان أمثال الشيخ عبد الحي، لا يخدمون هذا الغرض.. بل يحرجون الحكومة، لو حاولت الدفاع عنهم، أو استمرت في الصمت عنهم، في مناخ دولي يراقب السودان، ويرفع في وجهه تهم الإرهاب، التي يمثل عبد الحي ابلغ نماذجها !! د. عمر القراي