المزايدة !!
منع من النشر
د.عمر القراي
لاشك أن محاولة اختطاف أطفال ، من معسكرات اللاجئين في تشاد ، أو دارفور، بغرض ترحيلهم إلى فرنسا ، دون استشارة ذويهم، اعتداء سافر، على حريتهم ، وخرق للقوانين الدولية ، وهو من ثم ، جريمة بكل المقاييس، لا يمكن ان تبرر ، بادعاء توفير حياة أفضل لهم ، في أي مكان خارج وطنهم ، ولهذا فان هذا العمل الأخرق ، يستحق الشجب والإدانة والعقوبة .. ولقد أدانت حكومة السودان هذا العمل فقد جاء (طالبت الحكومة بتحقيق دولي في قضية محاولة اختطاف أطفال من دارفور عبر تشاد واستنكرت بشدة موقف الرئيس الفرنسي تجاه القضية ) ( السوداني 6/11/2007م ) .. والقضية لا زال يكتنفها الغموض ، والتحقيق لم ينته بعد ، والجريمة أحبطت قبل ان تتم ، وهوية الأطفال لم تحدد تماماً فقد جاء ( وقال مسئول تشادي مقيم في باريس إن التحقيقات أثبتت أن 98% من الأطفال الذين تم حجزهم في ابشي بالشرق عقب إحباط اختطافهم يحملون الجنسية التشادية) (المصدر السابق ) ..
ومع ذلك أدانت الأمم المتحدة هذه الجريمة ، وقالت في بيان لها ( دعماً للتصريحات الأخيرة من جانب الأمم المتحدة بما في ذلك البيان المؤرخ 26 أكتوبر من قبل منظومة الأمم المتحدة في تشاد والبيان الصادر مؤخراً من المديرة التنفيذية لليونيسيف آن فيتمان ، فأنني أدين بشدة الإجراءات التي اتخذتها منظمة " آرك زو " في محاولة لترحيل الأطفال من تشاد . مثل هذه الأعمال تتنافى من كل القوانين والمعايير الدولية عن حركة الأطفال وتشكل تعدياً على المبادئ الإنسانية التي نحن نرمز إليها كأمم متحدة . فمن غير المقبول أن نرى أطفالا يؤخذون من بلادهم دون الامتثال للقوانين الوطنية والدولية . والأمم المتحدة حالياً تساعد على التعرف على هؤلاء الأطفال ومواطنهم حتى يتسنى إعادة جمع شملهم ) ( الأمم المتحدة 5/11/07م) ..
ورغم أن تشاد قامت بإحباط الجريمة ، قبل وقوعها ، إلا أنها لم تسلم من الاتهام ، فقد جاء ( ألمح وزير العدل محمد علي المرضي إلى احتمالات تورط انجمينا في أزمة ترحيل الأطفال من دارفور إلى فرنسا ... وقال المرضي في تصريحات صحفية أمس إن هناك علامة استفهام كبيرة تتعلق بتشاد سيما فيما يتصل بوقوف طائرة ضخمة بمدرج المطار لنقل الركاب بطريقة تخالف النظم المتبعة لحركات الطائرات وأضاف " لابد أن يكون هناك مساعدات من أبشي") ( الأحداث 8/11/2007م ).. وبدلاً من أن ينتظر المسئولون نتائج التحقيقات ، سارعوا بالتصريحات فقد جاء ( أكدت وزيرة الرعاية الاجتماعية سامية أحمد محمد ان قضية أطفال دارفور المختطفين كشفت التحريات أن بها عدد من الأبعاد وليس بينها البعد الإنساني والقضية " تجارة رقيق" ) !! ( السوداني 6/11/2007م ) .. ولقد كثف الإعلام الحكومي ، ومنتسبي المؤتمر الوطني التركيز على هذه القضية ، ووظفوا لها الإعلام ، وجعلوها شغلهم الشاغل ، وعزلوا بها الشعب ، ان يستمع او يعلق على غيرها من القضايا ، وأقاموا الندوات الرسمية وغير الرسمية ، حول هذا الموضوع ، وكأنها المرة الأولى ، التي يحدث فيها أمر مماثل في السودان ..
وقد أقام مركز دراسات المجتمع، بالتعاون مع المجلس القومي لرعاية الطفولة ندوة بعنوان " تهريب وبيع الأطفال " في 5/11/2007م بقاعة الزبير للمؤتمرات !! رغم ان البيع مجرد ظنون والتهريب نفسه لم يتم .. ولقد تحدث في الندوة د. سعيد عبد الله سعيد وكيل وزارة الرعاية الاجتماعية ( وخلص إلى أن هؤلاء الأطفال سيتم الاتجار بهم للقيام بأعمال إباحية فاضحة أو تجارة أعضاء أو غير ذلك. وتكهن بان الهدف ربما كان تنصير هؤلاء الأطفال واستخدامهم لتنصير كل المنطقة ) ( الرأي العام 8 /11/2007م) .. ولم يسأل أحد في ذلك الجو المشحون بالتوتر العاطفي والتعبئة المقصودة كيف عرف السيد الوكيل كل هذا والعملية نفسها لم تتم ؟!
إن السؤال الذي لابد من إثارته هو : لماذا أسرفت الحكومة ، وأعضاء المؤتمر الوطني ، على أنفسهم وعلى المواطنين ، في شجب جريمة أطفال دارفور التي لم تتم ، وصمتوا عن جريمة أطفال دارفور التي تمت ، واستمرت لسنوات ، ولولاها ما اضطر هؤلاء الأطفال للتواجد في معسكرات اللاجئين بتشاد وبدارفور ؟! لقد شهد العالم بان آلاف المواطنين ، أحرقوا داخل قراهم ، بواسطة الجنجويد الموالين للحكومة، ومعظم هؤلاء من الاطفال ، فلماذا لم نسمع أن مسئول حكومي أدان الجنجويد ، أو طالب باعتقالهم والتحقيق معهم ؟! ولماذا يقم المؤتمر الوطني ، تحت أي جمعية أو مركز من تلك المؤسسات العديدة التي يترأسها الإسلاميون بإقامة ندوة تدافع عن أطفال دارفور، الذين قتلوا بعد اغتصاب أمهاتهم أمام أعينهم ، وتندد بهذه الأعمال البشعة ، وتصفها بالبعد عن الدين والخلق ، كما وصفت محاولة الاختطاف بواسطة الجمعية الفرنسية ؟!
لقد طالب المسئولون الأمم المتحدة ، والمحكمة الجنائية الدولية ، بالتدخل بل اتهمها بعضهم بازدواجية المعايير ، فهل كانت الحكومة سترحب بما تتوصل إليه المحكمة الجنائية الدولية ؟! لقد سبق أن ذكرت تلك المحكمة ، تورط اثنين من السودانيين ، في جرائم الحرب في دارفور، فلم تسلمهم الحكومة للتحقيق معهم ، رغم انها لم تستطع أن تنفي ماورد ضدهم من اتهامات !!
فقد ذكر المدعي العام ، للمحكمة الجنائية الدولية ، ان السيد أحمد هارون، بوصفه وزير دولة ، في وزارة الداخلية ، آنذاك ، قد كان المكلف بإدارة مكتب دارفور الأمني .. وان كافة لجان الأمن ، والشرطة ، والمتعاونين معها ، من مليشيات الدفاع الشعبي ، بما فيهم الجنجويد ، قد كانوا تحت إمرته . وكان هو الذي يوفر لهم السلاح ، والعتاد ، والذخيرة من ميزانية مفتوحة لا تخضع لأي رقابة ، وهو الذي يخاطب هذه القوات في الاجتماعات ، ويقوم بتوجيههم ، ويطير من حين الى آخر ، الى مواقع العمليات ، يحمل أموالاً نقدية طائلة ، يدفعها لهم كمرتبات وحوافز. ولقد قدمت شهادات متكررة ، على وجوده في مناطق العمليات، وتوجيهه بالاعتداءات التي وقعت على الأبرياء والعزل ، من الكبار، والنساء ، والأطفال . فهذه القوات قد قتلت آلاف الأطفال مما لا يمكن ان يقارن بجريمة المنظمة الفرنسية التي لم تتم . وعن الاتهامات التي وجهت لعلي كوشيب ذكر المدعي العام ، انه قد شوهد يطلق النار، على نساء يحملن أطفالهن !! وانه كان يقود هجوم الجنجويد ، ويصدر التعليمات بالقتل ، والحرق ، والنهب. وانه كان حاضراً في زي عسكري موجهاً للهجوم على مدينة " بنديسي" ، التي دمرت تماماً وحرقت متاجرها وقتل فيه 100 شخص منهم حوالي 30 طفلاً . وانه شارك في إعدام 32 رجلاً عام 2004 م ، وأمر باغتصاب عدد من النساء ، ربطن على الأشجار، في ديسمبر 2003 م ، في قرية " أرولا" . وان العشرات من الضحايا قد شهدوا بمشاركته في تعذيبهم .
فإذا كانت الحكومة لا تسلم مثل هؤلاء الذين قتلوا بني جلدتهم من أبناء دارفور للتحقيق والمحاسبة ، فهل يصدق عاقل ، أن مايثيره أعضاء المؤتمر الوطني ، الآن ، حول محاولة اختطاف أطفال دارفور توجهه دوافع نبيلة من الحرص على أطفال دارفور، ومناصرة المظلومين ، وإحقاق الحق ؟!
د. عمر القراي
منع من النشر
د.عمر القراي
لاشك أن محاولة اختطاف أطفال ، من معسكرات اللاجئين في تشاد ، أو دارفور، بغرض ترحيلهم إلى فرنسا ، دون استشارة ذويهم، اعتداء سافر، على حريتهم ، وخرق للقوانين الدولية ، وهو من ثم ، جريمة بكل المقاييس، لا يمكن ان تبرر ، بادعاء توفير حياة أفضل لهم ، في أي مكان خارج وطنهم ، ولهذا فان هذا العمل الأخرق ، يستحق الشجب والإدانة والعقوبة .. ولقد أدانت حكومة السودان هذا العمل فقد جاء (طالبت الحكومة بتحقيق دولي في قضية محاولة اختطاف أطفال من دارفور عبر تشاد واستنكرت بشدة موقف الرئيس الفرنسي تجاه القضية ) ( السوداني 6/11/2007م ) .. والقضية لا زال يكتنفها الغموض ، والتحقيق لم ينته بعد ، والجريمة أحبطت قبل ان تتم ، وهوية الأطفال لم تحدد تماماً فقد جاء ( وقال مسئول تشادي مقيم في باريس إن التحقيقات أثبتت أن 98% من الأطفال الذين تم حجزهم في ابشي بالشرق عقب إحباط اختطافهم يحملون الجنسية التشادية) (المصدر السابق ) ..
ومع ذلك أدانت الأمم المتحدة هذه الجريمة ، وقالت في بيان لها ( دعماً للتصريحات الأخيرة من جانب الأمم المتحدة بما في ذلك البيان المؤرخ 26 أكتوبر من قبل منظومة الأمم المتحدة في تشاد والبيان الصادر مؤخراً من المديرة التنفيذية لليونيسيف آن فيتمان ، فأنني أدين بشدة الإجراءات التي اتخذتها منظمة " آرك زو " في محاولة لترحيل الأطفال من تشاد . مثل هذه الأعمال تتنافى من كل القوانين والمعايير الدولية عن حركة الأطفال وتشكل تعدياً على المبادئ الإنسانية التي نحن نرمز إليها كأمم متحدة . فمن غير المقبول أن نرى أطفالا يؤخذون من بلادهم دون الامتثال للقوانين الوطنية والدولية . والأمم المتحدة حالياً تساعد على التعرف على هؤلاء الأطفال ومواطنهم حتى يتسنى إعادة جمع شملهم ) ( الأمم المتحدة 5/11/07م) ..
ورغم أن تشاد قامت بإحباط الجريمة ، قبل وقوعها ، إلا أنها لم تسلم من الاتهام ، فقد جاء ( ألمح وزير العدل محمد علي المرضي إلى احتمالات تورط انجمينا في أزمة ترحيل الأطفال من دارفور إلى فرنسا ... وقال المرضي في تصريحات صحفية أمس إن هناك علامة استفهام كبيرة تتعلق بتشاد سيما فيما يتصل بوقوف طائرة ضخمة بمدرج المطار لنقل الركاب بطريقة تخالف النظم المتبعة لحركات الطائرات وأضاف " لابد أن يكون هناك مساعدات من أبشي") ( الأحداث 8/11/2007م ).. وبدلاً من أن ينتظر المسئولون نتائج التحقيقات ، سارعوا بالتصريحات فقد جاء ( أكدت وزيرة الرعاية الاجتماعية سامية أحمد محمد ان قضية أطفال دارفور المختطفين كشفت التحريات أن بها عدد من الأبعاد وليس بينها البعد الإنساني والقضية " تجارة رقيق" ) !! ( السوداني 6/11/2007م ) .. ولقد كثف الإعلام الحكومي ، ومنتسبي المؤتمر الوطني التركيز على هذه القضية ، ووظفوا لها الإعلام ، وجعلوها شغلهم الشاغل ، وعزلوا بها الشعب ، ان يستمع او يعلق على غيرها من القضايا ، وأقاموا الندوات الرسمية وغير الرسمية ، حول هذا الموضوع ، وكأنها المرة الأولى ، التي يحدث فيها أمر مماثل في السودان ..
وقد أقام مركز دراسات المجتمع، بالتعاون مع المجلس القومي لرعاية الطفولة ندوة بعنوان " تهريب وبيع الأطفال " في 5/11/2007م بقاعة الزبير للمؤتمرات !! رغم ان البيع مجرد ظنون والتهريب نفسه لم يتم .. ولقد تحدث في الندوة د. سعيد عبد الله سعيد وكيل وزارة الرعاية الاجتماعية ( وخلص إلى أن هؤلاء الأطفال سيتم الاتجار بهم للقيام بأعمال إباحية فاضحة أو تجارة أعضاء أو غير ذلك. وتكهن بان الهدف ربما كان تنصير هؤلاء الأطفال واستخدامهم لتنصير كل المنطقة ) ( الرأي العام 8 /11/2007م) .. ولم يسأل أحد في ذلك الجو المشحون بالتوتر العاطفي والتعبئة المقصودة كيف عرف السيد الوكيل كل هذا والعملية نفسها لم تتم ؟!
إن السؤال الذي لابد من إثارته هو : لماذا أسرفت الحكومة ، وأعضاء المؤتمر الوطني ، على أنفسهم وعلى المواطنين ، في شجب جريمة أطفال دارفور التي لم تتم ، وصمتوا عن جريمة أطفال دارفور التي تمت ، واستمرت لسنوات ، ولولاها ما اضطر هؤلاء الأطفال للتواجد في معسكرات اللاجئين بتشاد وبدارفور ؟! لقد شهد العالم بان آلاف المواطنين ، أحرقوا داخل قراهم ، بواسطة الجنجويد الموالين للحكومة، ومعظم هؤلاء من الاطفال ، فلماذا لم نسمع أن مسئول حكومي أدان الجنجويد ، أو طالب باعتقالهم والتحقيق معهم ؟! ولماذا يقم المؤتمر الوطني ، تحت أي جمعية أو مركز من تلك المؤسسات العديدة التي يترأسها الإسلاميون بإقامة ندوة تدافع عن أطفال دارفور، الذين قتلوا بعد اغتصاب أمهاتهم أمام أعينهم ، وتندد بهذه الأعمال البشعة ، وتصفها بالبعد عن الدين والخلق ، كما وصفت محاولة الاختطاف بواسطة الجمعية الفرنسية ؟!
لقد طالب المسئولون الأمم المتحدة ، والمحكمة الجنائية الدولية ، بالتدخل بل اتهمها بعضهم بازدواجية المعايير ، فهل كانت الحكومة سترحب بما تتوصل إليه المحكمة الجنائية الدولية ؟! لقد سبق أن ذكرت تلك المحكمة ، تورط اثنين من السودانيين ، في جرائم الحرب في دارفور، فلم تسلمهم الحكومة للتحقيق معهم ، رغم انها لم تستطع أن تنفي ماورد ضدهم من اتهامات !!
فقد ذكر المدعي العام ، للمحكمة الجنائية الدولية ، ان السيد أحمد هارون، بوصفه وزير دولة ، في وزارة الداخلية ، آنذاك ، قد كان المكلف بإدارة مكتب دارفور الأمني .. وان كافة لجان الأمن ، والشرطة ، والمتعاونين معها ، من مليشيات الدفاع الشعبي ، بما فيهم الجنجويد ، قد كانوا تحت إمرته . وكان هو الذي يوفر لهم السلاح ، والعتاد ، والذخيرة من ميزانية مفتوحة لا تخضع لأي رقابة ، وهو الذي يخاطب هذه القوات في الاجتماعات ، ويقوم بتوجيههم ، ويطير من حين الى آخر ، الى مواقع العمليات ، يحمل أموالاً نقدية طائلة ، يدفعها لهم كمرتبات وحوافز. ولقد قدمت شهادات متكررة ، على وجوده في مناطق العمليات، وتوجيهه بالاعتداءات التي وقعت على الأبرياء والعزل ، من الكبار، والنساء ، والأطفال . فهذه القوات قد قتلت آلاف الأطفال مما لا يمكن ان يقارن بجريمة المنظمة الفرنسية التي لم تتم . وعن الاتهامات التي وجهت لعلي كوشيب ذكر المدعي العام ، انه قد شوهد يطلق النار، على نساء يحملن أطفالهن !! وانه كان يقود هجوم الجنجويد ، ويصدر التعليمات بالقتل ، والحرق ، والنهب. وانه كان حاضراً في زي عسكري موجهاً للهجوم على مدينة " بنديسي" ، التي دمرت تماماً وحرقت متاجرها وقتل فيه 100 شخص منهم حوالي 30 طفلاً . وانه شارك في إعدام 32 رجلاً عام 2004 م ، وأمر باغتصاب عدد من النساء ، ربطن على الأشجار، في ديسمبر 2003 م ، في قرية " أرولا" . وان العشرات من الضحايا قد شهدوا بمشاركته في تعذيبهم .
فإذا كانت الحكومة لا تسلم مثل هؤلاء الذين قتلوا بني جلدتهم من أبناء دارفور للتحقيق والمحاسبة ، فهل يصدق عاقل ، أن مايثيره أعضاء المؤتمر الوطني ، الآن ، حول محاولة اختطاف أطفال دارفور توجهه دوافع نبيلة من الحرص على أطفال دارفور، ومناصرة المظلومين ، وإحقاق الحق ؟!
د. عمر القراي