الأحد، 9 أغسطس 2009

أحزاب التحول الديمقراطي تشتري الترام


أحزاب التحول الديمقراطي تشتري الترام
نبيل أديب عبدالله
منع من النشر

تمت إجازة قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009 بإجماع الكتل البرلمانية وفق صفقة وُصِفت بأنها تاريخية تم بموجبها إدخال عدد من التعديلات على مشروع القانون الذي كان مجلس الوزراء قد أجازه في وقت سابق . تقديم مشروع قانون جديد للصحافة والمطبوعات في هذه المرحلة يعني أمرين الأول أن أحزاب حكومة الوحدة الوطنية ترى أن قانون 2004م يحمل أحكاماً مخالفة للدستور والأمر الثاني هو أن تلك الأحكام المخالفة للدستور من الكثرة بحيث يستلزم الأمر إصدار قانون جديد بدلاً عن تعديل القانون.
بدأ الأمر بإجازة مشروع قانون جديد من مجلس الوزراء لم يحمل من حيث الكم من التعديلات ما يبرر إعادة إصدار القانون وبعض تلك التعديلات كان بغير جدوى حقيقي ولكن الأسوء من ذلك أن الأحكام التى تم تغييرها كانت تنزع إلى التضييق على الصحافة. ثار الصحفيون وماجت أحزاب التغيير الديمقراطي وتجمع الجميع حول مشروع قانون أعدته مجموعة القانونيين في التجمع الديمقراطي والذى عمدت كتلته البرلمانية لإدراجه على منضدة المجلس. في مبادرة غير مسبوقة وافق المؤتمر الوطني على عدم إستخدام أغلبيته الميكانيكية فى إجازة مشروع تقابله معارضة واسعة ووافق على إعادة النظر فى المشروع في إجتماع حضره ممثلون للكتل البرلمانية للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي حيث قيل أنه تم إدخال 80% من التعديلات التي حملها مشروع أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي على مشروع 2009م وبالتالي فقد رؤى إجازة المشروع من قِبل الجميع وفق تنازلات متبادلة ليعبر ذلك القانون الهام عن توافق الأحزاب المختلفة على حرية الصحافة .
كل هذا إنتهى إلى أحداث الإثنين 8 يونيو حين تمت إجازة قانون 2009م بالإجماع وهو يوم سيظل ينظر إليه في تاريخ التطور الدستوري لهذه الأمة بإعتباره اليوم الأكثر سوءاً وذلك لأنه اليوم الذي تم فيه الإجماع على خرق الدستور. التوصل لذلك لا يحتاج لكبير عناء فإذا كانت الأحزاب مجمعة على أن قانون 2004م يحتوي على أحكام مخالفة للدستور تحتم إلغاءه وإصدار قانون جديد ،فإن إصدار قانون يحوي نفس الأحكام التي حملها القانون الملغي لا يكشف فقط عن ممارسة عديمة الجدوى في أعلى المستويات بل أيضاً عن قبول لإصدار قانون يرى واضعيه مسبقاً أنه مخالف للدستور. ليس هنالك فرق يمكن أن يُرى بالعين المجردة بين أحكام قانون 2004م الملغي وقانون 2009م الذي تم إصداره وإذا كان هنالك من إكتشف فرقاً بين الإثنين بإستخدام مكبرات الصورة فليبرزه لنا .
فمن حيث خضوع المجلس للسلطة التنفيذية كان قانون 2004م يضع المجلس تحت إشراف وزير الإعلام ورعاية رئيس الجمهورية ووضع قانون 2009م المجلس تحت إشراف رئاسة الجمهورية وجعل الوزير صلة بين الإثنين ومنحه نفس السلطات التي كان قانون 2004م يمنحها له . بالنسبة لإختصاصات المجلس وسلطاته والتي تتمثل في منح الترخيص وتحديد الرسوم والإشراف الإداري على الصحافة وتوقيع العقوبات لا فرق بين الإثنين سوى أن قانون 2009م خفض سلطة المجلس في إيقاف الصحيفة من سبعة أيام إلى ثلاث .أما بالنسبة لحقوق الصحفي وحصانته فهي مأخوذه( بضبانتا) من قانون 2004م وكذلك الأمر بالنسبة لواجبات الصحفي . تم إلغاء عقوبة مصادرة المطابع وإلغاء ترخيص الصحيفة و الإبقاء على عقوبة الإيقاف للصحفي والصحيفة لأي فترة من الزمن بدون حد أقصى وكذلك الشطب من من السجل بالنسبة للصحفي (( أبدلت كلمة الشطب بكلمة السحب فحاول أيها القارئ أن تجد فرقاً بين الإثنين )) .
أما الغرامة فما زالت كما هي . هل تستدعي هذه التعديلات كل هذه الضجة؟ بصفتي أحد الذين قاموا بصياغة مشروع القانون الذي قدمه التجمع لا أرى أي أثر لذلك المشروع في هذا القانون سوى حكم المادة 8 (هـ) وهي مادة توجيهيه معزولة لا تقدم ولا تؤخر .
كيف تم بيع الترام لأحزاب التحول الديمقراطي؟ تم تقديم مشروع أكثر تضييقاً على الحريات الصحفية من قانون 2004م وفي المفاوضات تم إلغاء تلك الأحكام لصالح العودة لقانون 2004م وهكذا هنأ المفاوضون أنفسهم على أنهم أبعدوا الأحكام الأسوء لصالح الأحكام الأقل سوءاً دون أن يدروا أنهم لم يفعلوا شئياً سوى أنهم أعادوا إصدار القانون الذي إجتمعوا لإلغائه . فإذا كانت هنالك صفقة ما حول ذلك القانون فهي صفقة لشراء الترام .
*التعبير مأخوذ من طرفة يتندر بها القاهريون على أهل الصعيد
نبيل أديب عبدالله
المحامي