الأربعاء، 12 أغسطس 2009

السياط المتعامية (نزعته الرقابة الامنية)

السياط المتعامية (نزعته الرقابة الامنية)
هادية حسب الله
tamono_(at)_hotmail.com
التصقت بالعامود الحديدي البارد اصطكت أسنانها من البرد والخوف.. رأته قادماً تجاهها حاملاً سوطه .. ارتجفت قدماها.. ناداه أحدهم فوقف بهدوء يبادله الحديث.. ظل نظرها معلقاً بالسوط الذي يتأرجح بيده أثناء حديثه، تأرجحت معه عيناها وذاكرتها.. انطلقت طفله بخمسة أعوام ترتدي بنطلون زهري اللون بخطوط عريضة، بخطوات ثقيلة تقدم نحوها .. ضحكت وهى تمسك بيد صديقها ابن الجيران.. وقف قبالتها وهوى بسوطه على جسدها الغض.. تقرقرت بضحكتها والمرجيحة ترفعهما عالياً.. اندفعت الخطوط المرسومة بالبنطلون خارجة، انتصبت الخطوط أمامها واقفة.. ارتفع السوط بيده..هبط بألمه ورعبه على جسدها الرقيق..نظرتها خطوط بنطلون الطفولة بتشفى.. أكمل السوط تجواله بجسدها .. ابتعدت عن العامود الحديدي ودموعها "تشرق" روحها قبل إن تسيل بخديها..شعرت ببللل تحت قدميها نظرته ..فوجدت إنها تبولت على نفسها من الخوف....
شعرت بشيء صلب يلامس جانب صدرها.. لملمت جسدها وانزوت أكثر لتلتصق بالنافذة ، واصل الشيء الصلب التصاقه بها، لم تجرؤ على النظر لجارها لتتبين إن كان هو من يعاكسها، خافت إن نظرته يتمادى أكثر، أو أن لا يكون الفاعل فتحرج نفسها ، شغلت نفسها بقراءة اللافتات التي تمر الحافلة بها، لتشعر بالجسم الصلب وقد نمت له أصابع ،ومن ثم قبضت الأصابع على صدرها بقوة، ألجمتها دهشتها وشعرت بخوف يطوقها يلف عنقها ، حاولت أن تتحرك فوجدت إن عضلات عنقها قد تيبست، واصلت الأصابع الزحف إلى صدرها، بايدى راجفة التقطت حقيبتها لتقي بها صدرها، سكنت الأصابع الشرهة ، فكادت أن تتنفس الصعداء لولا إن الأصابع عاودت عبثها بقوة أكثر وكأنها شعرت بأن الحقيبة وضعت لحماية توغلها.. شعرت بالهواء ثقيلاً وبعيداً جاهدت لأن تتنفس.. "قرصتها" الأصابع ، فقفزت مرتعبة.. أرهفت الأصابع لشهقتها للحظة، ومن ثم انطلقت لعملها من جديد .. تخشب جسدها فلم تعد تشعر بشيء، غاصت في وحل خوفها.. وسط ضباب دموعها رأت محطتها تلوح من بعيد أشارت للكمساري ونزلت وهى تدارى دموعها وطعم مالح ملأ حلقها .. لم تنظر تجاه الأصابع ولكنها فوجئت بقدمين تسدان طريقها لتقتنصان من ما لم تطاله الأصابع.. شعرت بخوفها وعجزها يقبضان على حلقها ، ملأ القرف جسدها.. تلوت امعائها ودون ان تشعر وقفت بوسط الطريق تتقيأ .. تبلل صدرها بالقىء.. " روى جابر رضى الله عنه: أن النبى (ص) رأى امرأة فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج. وقال رسول الله:" إن المرأة إذا أقبلت أقبلت بصورة شيطان. فإذا رأى أحدكم إمرأة فأعجبته فليأت أهله معها مثل الذى معها" سنن الترمذى، الجزء الثانى، الباب 9 ص313 . " حدثنا آدم: حدثنا شعبة.... عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما عن النبى "ص" قال ماتركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء" البخارى الجامع الصحيح المجلد السابع، كتاب النكاح،ص22. الفتنة.. الشيطان.. مترادفات للمرأة وجسدها، لقرون طوال ظل جسد المرأة تجسيداً للدمار ورمزاً للفوضى والتعذر عن الضبط ، ظل هذا الجسد المغلوب على أمره ممثلاً لقوة النشاط الجنسي المرعبة والغامضة، لذا ظل هذا الجسد يتحمل ويلات دوره البيولوجي السامي وبذات الوقت لعنة هذا الدور، ورغم إن الإسلام قد جاء بنمط تعامل مع الجنس أرقى اخلاقياً إذ ان يقول الأمام الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين:" إن النفس ملول وهى عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها، فلو كلفت المقاومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت، وإذا روحت باللذات فى بعض الأوقات قويت ونشطت، وفى الاستئناس بالنساء من الاستراحة مايزيل الكرب ويروح القلب، وينبغى أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات" إلا ان السلفيين والمتزمتين أفلتوا هذا الترقى الروحى الفريد ليرموا بنا فى لجة التفاسير الاسرائيلية حيث المرأة هى الخطيئة والشيطان نفسه.. لذلك ظلت الثقافة العربية تكرس لدونية المرأة عبر بوابة الدين ، لتحط بكرامة نفس كرمها الله، ولتضع أجساد النساء خارج المجال الحيوى للحياة ليكن مملوكات لإمتاع الرجل والحفاظ على نسله فقط، إذ إن وجود هذه الأجساد خارج البيت يرمى بالذكور فى شرك الشهوات "الشيطانية" التى تشغلهم عن بناء "حضارة" ظلت "مونتها معجونة" ولم ترتفع بها طوبة قط.. لقد ناقش المفكر قاسم أمين هذا الخوف الغريب من جسد المرأة بسؤاله الشهير "من يخاف من!؟" اذ يصل الى ان الرجال يخافون فتنة النساء فيقول عن ذلك:" إذا كان مايخافه الرجال هو استسلام النساء لجاذبيتهم الذكورية فلماذا لايرتدون الحجاب؟ هل فكر الرجال ان قدرتهم على محاربة الأغواء أدنى من النساء؟ ... ليصل فى الختام الى " إذا كان الرجال يشكلون الجنس الأضعف فهم الذين يحتاجون الى الحماية وبالتالى هم الذين يجب أن يتحجبوا". إن القوانين القمعية تجاه المرأة وعلى رأسها قانون "النظام العام" ، هى تجسيد واقعى للمشاريع "الحضارية" التى تعميها ظلامية موقفها من تبين انه ما من مشروع حضارى يقوم على إذلال النساء وهدر كرامتهن. ولقد أتى المشروع الحضاري الذي تحميه سياط النظام العام بعكس ما تمناه، إذ شهدت بلادنا انحطاطا وتفسخاً أخلاقياً هو الأعلى، فحسب ورقة" الجريمة عند المرأة من واقع إحصائيات الشرطة" والتى اعدها مركز الدراسات والبحوث الجنائية الاجتماعية بجامعة الرباط الوطنى فى سمنار حول اتجاهات الجريمة لدى المرأة، نوفمبر 2002 والتى اوضحت زيادة عدد بلاغات العثور على أطفال حديثى الولادة بالشوارع من 16 حالة فى يونيو 2001 الى 43 حالة فى مايو 2002م لتصل جملتها الى 405 حالة بلاغ منها253 طفل حى و152 ميت!! وهى إحصائيات قديمة نسبياً ولكنها تعكس حجم التفسخ الاخلاقى والقيمى الذى قادتنا له ثقافة السياط. لأن ما لا يفهمه المتزمتين إن الكرامة الإنسانية تنتهك بالسياط وتصان بالحرية. لقد ظل سوط النظام العام مشهراً على النساء طوال سنوات الإنقاذ وآن الأوان لرافعيه أن يوجهوا نظرهم لما هو أجدر بالنظر فالأجساد المكشوفة قد لا تلفت انتباههم، إذا نظروا للنساء اللاتي يحملن أطفالهن ويتأبطن فاتورة دواء لم يستطعن سداد كلفته ويقفن متسولات وسط العربات، وإذا نظروا للأطفال الجوعى الذين يصل بهم الجوع حد إختطاف الطعام يغلى بالزيت الحار ليغامروا بالحروق على الجسد عن الموت جوعاً. ولو إستمعوا لنساء دارفور وهن يروين بدمع مالح كيف تم إغتصاب جداتهن أمام أعينهن بالأغصان الجافة حتى تهتكت أرحامهن، و.... إن الحديث عن الزى الفاضح فى هذا القانون هو تحايل بين لمنح سلطات عالية للمهووسين اذ لاتوجد معايير واضحة" لما يخدش الحياء العام".. والسؤال هل تجد النساء الحق المماثل فى عدم خدش حيائهن وشعورهن فالرجال فى هذه المدينة لا يكلفون أنفسهم بالضغط على مثانتهم أو أمعائهم إذ يقضون حاجتهم قاطعين الطريق بعريهم الكامل أمام النسوة المارين ولم نسمع بمن جلدهم وهم يخدشون حياءنا لان المشرع يستبطن إن الشوارع ملك للرجال والنساء غريبات عنها لا يملكن حق صون الشعور.. كما انه من الطبيعى ان ينتهك حياء وأجساد النساء بالنظرات والملامسات والعبارات القبيحة دون ان يكون السوط واقفاص بالمرصاد مثلما يحدث مع النساء. إن إنتهاك حق النساء فى أبسط حقوقهن وهى ارتداء ما يجدنه مناسب لطبيعة يومهن ومزاجهن إنتهاك مجحف وظالم ويتناقض ودستور البلاد والمواثيق الدولية. وأتعجب -وأنا مجرد مواطنة- أن يثقلنى ضميرى إن ابتعت خبز ووجدت عجوز تجلس بجواره جائعة تتسول "عيشة بس". كيف لا يستشعر هؤلاء المسئولية تجاه هؤلاء النسوة، وكيف يمكنهم الاهتمام بجسد مكشوف وأجساد الأطفال تذوى لنقص الدواء وعدم وجود الرعاية الصحية.. لقد أصابنا المللل من استخدام أجسادنا فى الحملات السياسية. وطمأنة القلقين على تحقق مشروعاتهم ، وتصفية الحسابات، والثأرات النتنة، فأجسادنا كرامتنا. وجسد بلا كرامة جسد ميت فلتعلقوا سياطكم بعد اليوم فى حوائطكم داخل غرف نومكم، ولتمتعوا نظركم القصير بتأملها لأنكم لن تجدوا جسد ينصاع اليها بعد الآن.. والتحية لكل اللآتى أصابهن سوط الذل بيد هذا القانون الظالم وعلى رأسهن لبنى الشجاعة.