الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

مسلخ المايقوما..مرة أخرى وليست أخيرة


مسلخ المايقوما..مرة أخرى وليست أخيرة
مؤيد شريف

(قدرت إدارة الصحيفة عدم صلاحية المقال للنشر)


*تؤكد كل شواهد تعامل القلة الحاكمة والمسيطرة على مقاليد السلطة في البلاد على إفتقارهم للحد الأدنى من الخيال لإبتداع المخارج والحلول لأزمات ومشاكل تعد بل هي حقا وحقيقة مشاكل صغيرة ومقدور عليها إذا ما قورنت بكوارث هم من تسببوا فيها وزادوا طينها بلة من واقع المنهج المختل والمخاتل في تعاطيهم معها .
*وتأت أزمة سكان أحياء الحاج يوسف المايقوما وما حولها من أحياء سكنية ذات كثافة سكانية عالية في مقدمة هذه الشاكلة من الأزمات البيئية الخطيرة والمتسببة فعلياً الان في إصابة المواطنين بامراض مزمنة تهدد حياتهم وحياة الأطفال منهم وكبار السن بشكل خاص وتعجز القلة المسيطرة عن إيجاد الحلول اللازمة والكفيلة بتجنيب المواطنين البسطاء والفقراء خطر الموت بالأمراض الفتاكة .
*لا يكون العجز عن إدارة الأزمة بقصور الخيال ، رغم ثبوته في نماذج أخرى كثيرة من الأزمات ، دائما السبب الرئيسي في إستمرار مظاهر الأزمات بل وإستفحالها مع الوقت ، بل أحيانا تكون المحاباة الحزبية العوراء ومصالح شبكات تجارة النفوذ السياسي النهمة لجمع المال وكنزه على حساب حياة البسطاء وخصما من حقهم في ضمان عدم تعرضهم للامراض والموت البطيء .
*والأزمة المتفجرة منذ العام 2006 بين مواطني أحياء الحاج يوسف المايقوما وما حولها من احياء والسلطات خير شاهد على محاباة القلة المسيطرة والنافذين منهم على وجه الخصوص لبعض منتسبيهم من أصحاب التجارة المحمية بشرعتهم القائلة – تمكين الفرد من تمكين الجماعة – وبموجبها يستميتون في الدفاع عن مصالح بعضهم البعض الذاتية في مواجهة عشرات الالاف من المتضررين والمهددة حياتهم بالأمراض والاوبئة الفتاكة كما هو الحال مثالا وليس حصرا في أزمة مسلخ المايقوما الملوث للبيئة والمُنتن للهواء .
*عشرون عاما في السلطة المختطفة لم تغير فيهم شيئا ولم تُحسن من طرائق تعاطيهم مع الازمات بمقدار حبة من خردل ، بل إتسعت على اثر تطاول عهدهم شبكات المصالح والتجارة بالسلطة والسياسة والنفوذ لتزداد بالنتيجة معاناة البسطاء والمسحوقين من جراء الفساد والإفساد الراتب والممنهج من قبل نافذيهم وموالوهم من أصحاب التجارة بالنفوذ .
*قرابة الأربع سنوات من الشكاوى والتظلم من قبل سكان المنطقة المتضررة لم تحرك فيهم ساكنا ولم تهز شعرة من رأس أيا منهم بصغيرهم وكبيرهم ! ، وكم هائل من التحقيقات الصحفية المصورة والتقارير الموثقة والمقالات المدبجة لاقوها بالصمت والتخاذل والإستسهال والسلبية المطلقة . فردٌ واحد منهم هو المستفيد مادياً من مسلخ يهدد حياة العشرات من الالاف ، هو عندهم بالناس جيعا ، وإثراءه يقع عندهم بإهمية أكثر من حفظ أرواح الفقراء ممن يعجزون حتى عن توفير فاتورة العلاج لأطفالهم المرضى من جراء التلوث المتسبب فيه مسلخ النافذ المُنعم والمرضيُ عنه صاحب "البرادو" المظللة !! ، وليمُت الناس جميعا ولتظل مصلحة فرد منهم هي الاعلى والأهم !!
*أربع سنوات من الكذب على المواطنين والمراوغة المشتهرة عنهم والتدجين ، بمشاركة من بعض مواليهم من أبناء المنطقة المنتسبين للجانهم الشعبية السياسية المُتحزبة لهم على الصراح ودون إخفاء او حياء . والان فقط تفطن المواطنون لأدوار البعض منهم من أبناء المنطقة ، الذين يقولون بالصبح وأمامهم كلاما حماسيا جميلا ، ويعودون بالليل لصاحب النعمة لتُملى عليهم التعليمات والتوجيهات وتغدق عليهم العطايا في الصبح والمساء وكل وقت وحين . الان فقط وعوا الدرس وعرفوا خطورة هؤلاء المتلونون بألوان كثيرة والمتغيرون كالحرباء تجدهم عند كل صاحب سلطة ومال .
*خرجت المايقوما بشبابها وأطفالها وكبارها ، خرجوا ضد الخنوع للوعود الكاذبة ، خرجوا ليقولوا لا للسلخانة وليوصلوا غضبهم من تسلط البعض من اهل النفوذ والسلطة . خرجت المايقوما ولن تعود الى المنازل كما خرجت ، وستخرج في مرات كثيرة قادمة حتى تزيل كل أثر للمسلخ – رمز الفساد والتجبر والإستغلال . خرجت المايقوما ولم تُرهبها صرخات العسكر وتلصصات العسس وعناصر أمن الحزب المتسلط . وقف صغيرنا (12عاما) أمام رشاش الأمني المشهور تجاهه يخاطبه : " أضرب ..أضرب..لا أخافك ولا أخاف الموت..في الأصل نحن الأموات وأنتم تتنعمون بسرقة قوتنا وأموالنا..أفرغ فيّ سلاحك فالموت واحد والرب واحد".
*عزمتُ أمري على الخروج مع المايقوما ؛ فلا أرضى لنفسي مكانا قصيا من الأطفال والنساء والعجزة والمرضى ، وكيف لي أن أفعل وقد إرتضيتُ أن أكتب عن كارثة التلوث : أعيشها مع أهلي مرضا وعلل كثيرة . لم ألتفت لخوف البعض وخشيتهم ، المحمودة لهم ، على سلامتي الشخصية . ويا للحظة التاريخية التى رأيتها بأم عيني وردت فيّ الأمل بأننا الى إنعتاق كامل تام لا محالة واصلون : إنها لحظة أن وقف الأطفال والشباب سداً وترسا بيني وبين أمن القلة الحاكمة ، وليكتب التاريخ : جموع من شباب حي طرفي يرقدُ في أقصى الطرف الجنوبي للخرطوم إستطاعوا أن يُوقفوا ويُعطلوا أمر إعتقال لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في اللحظة التى يعجز فيها الكل الوطني في الحركة الشعبية الحاكمة واحزاب المعارضة مجتمعة عن نزع إختصاص الإعتقال من قانون الأمن "الوطني" ويتشبث في المقابل حزب القلة الحاكمة بقانون الأمن الحزبي وجهازه أساس سلطتهم والدرقة التى لا يلووا بعدها على شيء في السودان الكبير كله – كتشبث المُنعم بمسلخه القذر - بعد أن حولوه إلى مجاميع تحمل لهم الكُره وتُظهر تجاههم الغبائن من جراء خطاياهم وكوارثهم المرتكبة والمقترفة في حق شعوب السودان العُزل .