الأربعاء، 15 يوليو 2009

ميثاق التراضي مع بني عبس!


غربا باتجاه الشرق


رسالة الي القارئ: كتبت هذا المقال معتذرا و ملتمسا العفو من الاخوة في جهاز الامن و المخابرات عن تجاوزاتي غير المقصودة للخطوط الحمراء و ما ترتب عليه من تعدد لحالات حظر نشر مقالي الاسبوعي بصحيفة ( الاحداث) وآخرها مقال الاسبوع الماضي. و قد دعوت اخوة الوطن هؤلاء الي صياغة ميثاق للتراضي بيني و بينهم علي غرار الميثاق الموقع مؤخرا بين الزعيمين المهدي و البشير. ولدهشتي فقد وقعت دعوتي هذه علي اذن صماء فقد ابلغتني ادارة الصحيفة قبل سويعات ان مسئولي جهاز الامن امروا بنزع المقال من عدد اليوم الاربعاء، فلما احتج رئيس التحرير بان المقال يجهر بالتوبة و يدعو الي الصلح وعد رجال الامن الافاضل بمراجعة قيادات عليا في الجهاز للنظر في امر السماح بالنشر في يوم اخر من ايام الاسبوع. و ها انذا اجدد دعوتي للصلح و التراضي.

ميثاق التراضي مع بني عبس!

مصطفي عبد العزيز البطل
mustafabatal@msn.com


في أجواء ميثاق التراضي الوطني الثنائي المظهر القومي المخبر (هكذا قال حبيبنا الامام الصادق المهدي، واذا قال الامام فصدقوه فان القول ما قال الامام)، في تلك الاجواء المباركة حدثتني نفسي ان ابحث و استكشف امكانية صياغة و توقيع ميثاق تراضي موازي بيني انا شخصيا وبين طرف ثان ولكن مع اختلاف طفيف في فكرة و توجه الميثاقين. و جوهر الاختلاف هو ان الميثاق الموقع بين الامام الصادق و الفريق البشير يشبه شجرة اللبلاب من حيث انه يحمل في داخله (بذرة) التمدد والانتشار الافقي والرأسي و يتميز بخاصية (الهجوم) علي الاشجار، او بالاحري القوي السياسية الاخري بغاية احتوائها واستيعابها. بينما ميثاق التراضي الذي يدور في خلدي يشبه عمود النور الذي يقف في مكانه ولا يتمدد لا افقيا و لا رأسيا. ميثاقي ثنائي المظهر ثنائي المخبر، و الحال كذلك فانه لا يستوعب اي طرف ثالث أيا كان، و ذلك مع علمي الاكيد بأن هناك اخرون قد يتحرقون شوقا وربما يموتون كمدا اذا لم تتم دعوتهم للالتحاق و المشاركة. ميثاقي اذن – وخلافا لميثاق المهدي و البشير – ميثاق دفاعي لا (هجومي) و غاية ما يهدف اليه تأمين التراضي الثنائي و تأكيد التعايش السلمي مع السيد ( عباس) و مع الحزب الذي يرأسه و يديره وهو حزب العباسيين او بني عبس. و عباس مواطن سوداني مكين ركين مهيب المنظر بهي الطلعة، وهو رجل مستنير غاية الاستنارة، درس الهندسة والعمارة، و لكنه تفرغ للتمكين والامارة، لا يحب الظهور فاذا ظهر فانه يظهر بالبدلة الكاملة و النظارة. لا يرتدي ملابس عسكرية و لكن له رتبة عليا مختارة. وهو الذي بحكمته يدير كثيرا من الامور بالاشارة. و لأنني علي يقين ان جميع قراء زاوية (غربا باتجاه الشرق) هم من الاذكياء و النابهين فلا بد انهم فهموا ان (عباس) هو الاسم الحركي للرجل و أن بني عبس هم الرهط من حزبه و جماعته الافاضل الاكارم الاتقياء، و يسمي حزبهم في لغة اخري حزب ( الشديد القوي). و سنتستخدم هذه المسميات من الان فصاعدا عوضا عن الاسماء الحقيقية مع التزام الحيطة و الحذر، فكلانا، انت و انا ، ايها القارئ الكريم، في غني عن المشاكل و كلانا من المؤمنين بالقول السائر: ( ابعد من الشديد القوي وغنيلو! ). و لانني اتحادي الهوي (رغم حبي الشديد للسيد الصادق المهدي)، ثم لانني من المؤمنين بمبدأ التكامل مع مصر الشقيقة فقد قمت باستيراد الفكرة والاسماء الحركية من ام الدنيا. و الاخوة المصريون اذا ارادوا الاشارة الي رمز من رموز السلطة المهابة و لو كان شرطيا في قارعة الطريق قالوا : (عباس) واذا ارادوا الكيان العباسي في جملته قالوا: ( الشديد القوي) او ( الشديد الأوي )!

و قد نشأت حاجتي الي ميثاق التراضي الثنائي بيني و بين القوم من بني عبس نتيجة لسؤ تفاهم غير مقصود كان يفترض ان يكون محدود النطاق و الاثر، ولكنه للاسف تطور و توسع و طال و استطال بصورة ما كنت اتمناها. و يزيد الحاجة الي الميثاق و يجعلها اكثر الحاحا انني اعلم علما نافيا للجهالة ان الاحبة العباسيون ما كانوا بدورهم يتمنون لسوء الفهم هذا ان يصل الي الحدود التي وصل اليها و من ذلك منعهم صحيفة ( الاحداث) من نشر بعض مقالاتي مما ادي الي اضطراب وانقطاع حبل تواصلي الاسبوعي مع قرائي برغم حرصي الكامل علي موافاتهم في الزمان و المكان المحددين صباح كل اربعاء. و حتي لا يتسع الفتق علي الراتق و يستمر العداء غير المبرر من غير مسوغ و في غير طائل، و حتي اضع حدا للتدهور المتسارع في علاقتي مع حزب "الشديد القوي" فلا تتكرر حالات منع مقالاتي من النشر فقد قررت ان ابادر القوم بالسلام، بعد الخصام، تأسيا بهدي الرسول الكريم ( خيرهما الذي يبدأ بالسلام). و ها أنذا امد يدي الي بني عبس و لا اجد علي لساني ما اهتف به و انا اصافح اياديهم الكريمة سوي كلمات احفظها كان الفنان عبد الكريم الكابلي يفتتح بها برنامجا اذاعيا في الزمن الجميل الذي مضي: ( وأمد نحوكم كفيّ عريانين الا من مودتكم وحب عيونكم)! و ادعوهم و بغير ابطاء الي كلمة سواء نصوغها في مسودة لميثاق التراضي الثنائي الذي من شأنه تأطير العلاقة بيني و بينهم و توثيق عراها و توطيدها علي اسس راسخة أصلها في عمارات بني عبس في حي المطار و فرعها في حي بينزفيل بمنيسوتا. و بمجرد التوقيع علي الميثاق ان شاء الله ستنتظم ساعة مقالاتي الاسبوعية انتظام ساعة بق بن و ستراها ايها الصديق الوفي كل اربعاء وهي تربض في ( أمن) و أمان في مكانها المعهود بصفحة الرأي جنبا الي جنب مع مقال استاذنا العالم النحرير الدكتور عبدالله حمدنا الله.

و كنت قد ادركت منذ وقعت عيناي علي ميثاق التراضي الذي وقعه الحزبان الكبيران الامة والمؤتمر الوطني فالتهمت اوراقه علي عجل، ان من قام بصياغته كلمة كلمة وسطرا سطرا هو الامام الحبيب الذي خبرت عبر الزمان اسلوبه المتفرد في نجارة الحروف و نحت العبارات و صك المصطلحات، فقد عملت في مكتبه، ابان توليه رئاسة الوزارة في الثمانينات، سنوات ثلاث و لزمته في حله داخل البلاد و ترحاله خارجها لزوم الظل لصاحبه، و ما فتئت أسعد بصحبته و أنهل بكوزي الصغير من بحر علمه الغزير حتي جاء بني عبس ذات صباح فأودعوه سجن كوبر الحديدي و أودعوني سجن منيسوتا الجليدي. و لم يستبن لي عند قراءة الميثاق اي اثر و لو هامشي لصياغة او اضافة من جانب اهل المؤتمر الوطني. و قد خطر لي ان اكبر هَم القوم تمحور في تأمين توقيع الامام علي الوثيقة بصرف النظر عن محتواها ووجهتها طالما ان من شأن توقيعه اسباغ نوع من الشرعية و افاضتها علي النظام الذي ترجّاها و التمسها عند عتبة دار الامام بالملازمين في صبر و أناة سنين عددا. ولكن أمر الصياغة يختلف بطبيعة الحال اختلافا مبدئيا في حالة ميثاقي الثنائي الذي اتطلع الي انجازه و توقيعه مع حزب "الشديد القوي"، فأين انا من سطوة الامام الصادق المهدي و جبروته السياسي ووزنه المحلي و الاقليمي والدولي؟! انا و أيم الحق لست رقما صعبا و لا سهلا في المعادلات الدولية والاقليمية و المحلية، و أهمس في اذنك ايها القارئ الكريم فاصارحك بانني لا احس بنفسي رقما صعبا حتي داخل منزلي و بين اسرتي الصغيرة، والحمد لله من قبل لو من بعد. ولما كان الامر كذلك و لان تجربة الحياة الطويلة في الولايات المتحدة جعلت مني رجلا براغماتيكيا، في لغة المثاقفة المتقعرين، فانني لا اتردد في التنازل عن مهمة تحرير الميثاق و صياغته بكاملها للاخوة في حزب "الشديد القوي".

و لعلني من باب ابداء حسن النية و صفائها واظهار العزم الاكيد علي مراعاة كل الخطوط الحمراء و الصفراء و الخضراء، وانتهاج السبيل القويم والصراط المستقيم الذي يوجب عليّ ان اعرف ان الله حق و ان الزم حدي و أرعي بقيدي و ان ( اكتب في السليم ) حسب تعبير بعض اقربائي الذين ثبت انهم يعرفون مصلحتي اكثر مني، و من منطلق التصميم القاطع علي احترام كل ما سيتضمنه في هذا الصدد ميثاق التراضي الموازي روحا و نصا فانني اود ان ابادر فاسجل اعترافا مكتوبا و مذاعا بانني لم اكتب المقالات التي جرّت علي غضب الاحبة من بني عبس وحظرهم الا تحت تأثير معلومات مغلوطة و دعاو مضللة و اوهام كاذبة زرعها في رأسي المدعو عادل الباز، الذي اصبح، في غفلة من التاريخ، يرأس تحرير هذه الصحيفة. و لو كانت الامور في هذه الدنيا الفانية تسير علي قدميها لا علي رأسها لكنت انا رئيس التحرير وكان هو مقطوعا ملطوعا وسط ثلوج منيسوتا. و لكن لا معقب علي حكم الله و لا اراد لقضائه، فقد استدرجني هذا العويدل صيف العام الماضي من ملاذي الآمن الي حيث انتزع اذني من رأسي انتزاعا و اخذ يصب فيهما اطنانا من الكلام المعسول المنمق عن البحبحة والاتساع اللامحدود في هامش الديمقراطية و اطلاق الحريات و الانفتاح السياسي و كيف ان الامور قد تغيرت تغييرا جذريا خلال الاعوام الثلاثة عشر التي غبت فيها عن السودان، و اخذ يحرضني علي العودة او علي الاقل استئناف الكتابة الصحفية، فلما قلت له انني ما زلت اخاف علي نفسي من الطيب سيخة الي درجة انه يظهر لي في رؤي المنام احيانا زعم لي كذبا و زورا بان الطيب سيخة قد تحول الي ( الطيب ريشة) و انه صار حملا وديعا لا يهش و لا ينش. و لكنني احمد الله السميع العليم الذي أنار بصيرتي وهيأ لي من امري رشدا اذ استبانت لي الامور علي وجهها القويم بعد طول غفلة و تكشف لي ان لسان هذا العويدل يجري بما لا يدري و يهرف بما لا يعرف، و ها انذا اعلن الالتزام التام ببنود ميثاق التراضي مع الحزب العباسي قبل ان تتم صياغته. و احث اخوتي من الكتاب الصحافيين ان يرجعوا عن سكة الضلال الي طريق الهداية وان يسارعوا بالدخول في مواثيق التراضي و ان يستمسكوا بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها مع اخواننا الاماجد من رهط بني عبس، و الا فكل من كان ( عقله في راسو يعرف خلاصو ). كما انني اعلن من هذا المنبر للاخوة الذين بادروا بالاتصال بي هاتفيا و الكترونيا من داخل السودان و من اركان الدنيا الاربعة للتعبير عن تضامنهم معي في شأن مقالاتي التي لم تقع موقعا حسنا عند احبابي من بني عبس فحظروها، انني ارفض ذلك التضامن جملة و تفصيلا و ارده علي اعقابه، فقد فضلت عليه التراضي مع اخوة الوطن من بني عبس في حزب "الشديد القوي" و اجرنا علي الحي الدائم. و الحمد لله ثم الحمد لله و اشهد الا اله الا الله.

على خطى الانقاذ: من الجهاد الى المساج!


غربا باتجاه الشرق

على خطى الانقاذ: من الجهاد الى المساج!

مصطفى عبد العزيز البطل

(1)

عندما بدأت (الأحداث) صدورها عام ٢٠٠٧م، كانت زاويتي الأسبوعية تُنشر على صفحة تجاورني فيها زميلتنا الكاتبة الراتبة الأستاذة منى عبد الفتاح. ولكن مدير تحرير الصحيفة لأمر ما حرمني جوار منى وأبدلني عنه جوار الشيخ العلامة الدكتور عبد الله حمدنا الله. وقد طاب لي جوار الشيخ بعد ذلك، مع بعض الحنين إلى الجارة القديمة. وأنا من مدمني كتابات منى التي تغلب عليها صفوية الموضوع ورفعة المعاني وجلال اللغة وعذوبة الأسلوب. وكدت من فرط إعجابي أن أطلق عليها لقب (سيدة كتاب وكاتبات الصحافة السودانية)، لولا انني خفت أن أجد نفسي متربعاً على سطح ذات القطار الذي تسطحه من قبل زهير السراج، عندما أراد أن يعبر عن إعجابه بالشاعرة روزمين عثمان، فضاع بين محطات السكة الحديد وتاهت عليه دروب العودة!
مؤخراً بدأت منى تعيد نشر كتاباتها في المنبر الالكتروني المتميز (السودان للجميع). وقد لفتت نظري مداخلات المعلقين على مادة بديعة أعادت نشرها بعنوان (شفت التوب)، تغنت فيه بالخصائص الجمالية والوجدانية للتوب السوداني ودعت بنات جنسها للاستمساك بعروته في مواجهة مظاهر الردة. فكتب الفنان التشكيلي العالمي والناقد المعروف المقيم بفرنسا الدكتور حسن موسى التعليق القصير التالي: (شفنا ما هو أجمل من التوب. شفنا الكتابة). وأذكر انني قلت لمنى أن هذا التقريظ يعني شيئاً واحداً وهو أنها بلغت في صنعة الكتابة شأواً بعيداً، فالذين يعرفون الناقد الدكتور حسن موسى يعرفون لزوماً انه أدنى إلى البخل في بُذلان الثناء وأقرب إلى التقتير في إهداء الأنواط، وأن الحصول على إجازة منه في مادة إبداعية دونه خرط القتاد. وعرب الجزيرة يقولون: (الشين عجبو قاسي). وحسن ليس شيناً، بل هو زين، لولا انه كتب (أشغال العمالقة) فكدّر صفاءنا وعكَّر مزاجنا، نحن معشر أصدقاء الشاعر محمد المكي إبراهيم.
لاحظت بأخرة تحولاً مفاجئاً في اختيار منى لموضوعاتها. أخذت كاتبتنا في التصدي لقضايا أقل نخبوية ورومانسية وأكثر اقتراباً من صفوف عامة الناس. تمد يدها وتأخذها من المجرى العام للحياة اليومية حيث التعب والعرق والروتين والاعتيادية، ثم تعالجها معالجة خلاقة شديدة الرقي. وأنا أجد في هذا التحول انحيازاً محموداً لسواد الناس، يشبه إلى حد كبير سلوك كوكب الشرق أم كلثوم، حين كانت تخرج بفرقتها الماسية من مسارح الصفوة المخملية إلى مسارح العامة الشعبية، فتغني مجاناً أو بتذاكر مخفضة للفقراء من غمار الناس الذين من حقهم أن يسمعوا ويطربوا، وأن يعنوا بتنمية ذائقاتهم الفنية.

(2)

وقفت متأملاً وأنا (أدحّش) قبل أيام في مساحة الأستاذة منى كلاماً عن ظاهرة انتشار مراكز التدليك والمساج في أحياء الخرطوم. عنوان المقال (فقه النظام في تدليك الأجسام). وقد أبدت الكاتبة دهشتها من انتشار هذه الظاهرة فكتبت: (الشئ الغريب فعلاً هو أن الخرطوم ليست أي عاصمة، إنها عاصمة دولة "المشروع الحضاري الإسلامي"). ثم كتبت: (.. والسؤال هو: من نحن وكيف نتشدق برعاية الفضيلة ونعمل في نفس الوقت بمنطق الغاية تبرر الوسيلة). ثم طرحت عدة تساؤلات حول تاريخ حكم الانقاذ الطويل في سياسات التقييد والمنع العام ضد المجتمع كتقييد ومنع الحفلات ومنع الاختلاط ومنع ستات الشاي من بيعه بدعاوى الحفاظ على الأخلاق العامة، ثم سماحها بعد ذلك للنساء بتدليك أجساد الرجال لقاء مدفوعات مالية تتحصلها الدولة عند اصدارها الترخيصات اللازمة! دلتني منى وقد رأت اهتمامي بالأمر إلى خبر مطول نشرته صحيفة (الوطن) منتصف الشهر الماضي. لفت نظري في الخبر جزئيتين. الأولى إشارة إلى (اجتماع يضم المدعي العام ورئيس نيابة أمن المجتمع ومدير شرطة أمن المجتمع من ناحية، وكل أصحاب مراكز المساج بولاية الخرطوم بما فيها مراكز المساج بالفنادق من ناحية أخرى). وقد استغربت لورود كلمة (مساج) في هذه الجزئية ثم في الخبر ككل تسعة مرات، دون أقواس أو شروحات. مما يدل على أن (المساج) لفظاً ومعنى قد أصبح مما هو معلوم من أمور الحياة بالضرورة في سودان الانقاذ. وذلك مع أنني – برغم إقامتي الطويلة في بلد كالولايات المتحدة - وجدت شيئاً من الصعوبة في استيعاب اللفظة حين قرأتها في الصحيفة للوهلة الأولى وبذلت جهداً للتحقق من معناها. والثانية هي ما أورده الخبر منسوباً للسيد خلف الله الرشيد رئيس القضاء الأسبق من استنكاره ظاهرة انتشار مراكز (المساج) في العاصمة، وانزعاجه من وجود أحدها بجوار منزله هو شخصياً بمدينة الرياض مما حدا به إلى اتخاذ قرار بمغادرة منزله والانتقال إلى منزل جديد ينأى به عن موارد الشبهات. ووصف رئيس القضاء السابق ظاهرة انتشار مراكز المساج في العاصمة بأنها من الأشياء الدخيلة على شعب السودان. ولفت نظري على وجه التحديد مطالبته للسلطات بالقيام (بزيارات مفاجئة) لهذه المراكز، وقوله (نعيش حالة من التوتر)، ثم تفسيره حالة الضيق من هذه المراكز بقوله: (.. بسبب العربات التي تتكدس أمام المنازل المجاورة لهذه المراكز). ولا بد للإنسان أن يكون معاقاً عقلياً حتى يستعصي عليه فهم مدلولات العبارات السابقة المنسوبة لشخصية سودانية ذات وزن مهني وسياسي قومي مقدر. ومولانا خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق من أهل الوسطية. لم يُعرف عنه الشطط والتعسير والتطرف، فسيرة حياته المهنية الزاخرة في سلك القانون، ومنهاجه السياسي الراشد في قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي خلال حقبة الديمقراطية الثالثة يشهدان للرجل بدرجات متناهيه من التوازن والاعتدال في الفكر والتعبير والسلوك العام.

(3)

في الولايات المتحدة ولاية واحدة فقط تسمح بممارسة الدعارة كخدمة ومهنة ومنشط وهي ولاية نيفادا، بينما تحظر الدعارة قانوناً بقية الولايات. وفي نيفادا هناك نوعان من التصديقات لمراكز المساج، الأول اسمه تصديق (نشاط المساج المحدود) والثاني اسمه تصديق (الخدمة الكاملة). وفي النموذجين يخلع طالب الخدمة أغلب ملابسه ويستلقي على أريكة فتأتي الفتاة وتدلك جسمه ثم ينصرف لحال سبيله إن هو أراد. ولكن في مركز (الخدمة الكاملة) يجوز للزبون بعد اكتمال المساج أن يطلب من الفتاة، لو أنها أعجبته، ممارسة الجنس فتكتمل الخدمة. وباستثناء المساج الطبى الذى يمارس بناء على وصفات علاجية على يد متخصصين فى مراكز معينة، فإن سمعة مراكز المساج الاخرى المتناثرة فى الولايات الخمسين لم تكن يوما فوق الشبهات. ولا يمر شهر دون ان تبث وسائط الاعلام خبرا عن مداهمات شرطية لمراكز مساج. آخر هذا المسلسل فى بلد العم سام كان قبل اسابيع قليلة حين عرضت شبكة سى بى اس تحقيقا عن عدد من مراكز المساج فى ولاية اوكلاهوما تخصصت فى تقديم الخدمات الجنسية الكاملة وشبه الكاملة بواسطة مهاجرات من المكسيك وامريكا الجنوبية. وفي بريطانيا يحظر القانون ممارسة الدعارة ولكن (الخدمات الاضافية) التي يتم تقديمها تجاوزاً في صالات المساج المصدق بها هي عند البعض من قبيل العلم الذي لا يضر. وفي أستراليا يتم الحصول على تصديق صالات المساج من البلديات وتصدر تصديقاتها من نفس المكاتب التي تمنح تصديقات ممارسة الدعارة. وفي بلدنا المبروك، السودان، لا أعتقد أن هناك من يجادل في أن التصديقات التى تمنحها السلطات المحلية لمراكز المساج تقتصر على النموذج الأول الطاهر العفيف الذى لا شبهة فيه. و المؤكد أن الممارسات المساجية في هذه المراكز منضبطة تماماً وتحفها مكارم الاخلاق. أما أنواع (الخدمة الاضافية)، الكاملة أوشبه الكاملة، التي يشتبه في إمكانية حدوثها فلا تعدو في أغلب الظن أن تكون أوهاماً ووساوس تعشعش في رؤوس بعض رؤساء القضاء السابقين!

(4)

لا أدري لماذا خطرت ببالي وأنا أتأمل (إشكالية الانقاذ والمساج) نظرية عبد الرحمن بن خلدون حول قيام الدول وأفولها. يا لتغير الأزمان والأحوال. أذكر تماماً في النصف الأول من التسعينات أنني أوصلت قريباً لي وعروسه كانا مسافرين لقضاء شهر العسل خارج السودان إلى مطار الخرطوم، فرفض بعض المسئولين في المطار – مهتدين بهدى الانقاذ - السماح للعروس بالتوجه إلى الطائرة لأن رأسها لم يكن مغطى بالحجاب وفق المواصفات المطلوبة. وأتى علينا حين من الدهر كان الشباب من الجنسين يسَّاءلون – سؤال الملكين - من قبل المحتسبين الذين كانت العاصمة قد فاضت بهم حتى أترعت، إن هم ساروا في الطرقات ذكراً وبجانبه أنثى دون حيازة وثائق تثبت براءة العلائق من كل شبهة. سبحان مغير الاحوال! كيف انتهى المآل بالانقاذ الى هذا الحال؟ كيف أسرى نظام الراشدين بشعبه من (المشروع الحضارى) إلى المشروع المساجي؟ من كان يصدق أن الخرطوم تحت سمع وبصر السلطات، بل بتصريحها ومصادقتها ومباركتها وتشجيعها صارت أحياؤها تعج بمراكز للمساج، يخلع الرجال فيها ملابسهم ويرقدون على الأرائك فاكهين، عراة إلا من ورق التوت، كما السكسون والفرنسيس، وتطوف عليهم الفتيات – سودانيات وطنيات وأخريات مستقدمات من الهند والسند وبلاد تركب الأفيال – ليدلكن بأيديهنَّ الناعمة أجساد الرجال المفتولة؟! أترى أن العصبة المنقذة قدّرت فى لحظة من لحظات تجلياتها النورانية أن شعبها الذى تخبطت به فى دروب الجهاد خبط عشواء ردحا طويلا، حتى تورّمت قدماه وانقصم ظهره، يستحق بعض (الريلاكسيشن) فقررت أن ( تدلكه) فملأت أحياءه السكنية بصالات المساج؟!

حقا ان من يعش رجباً يرى عجبا. وقد عشنا عشرين رجباً، ورأينا كيف أن عجائب الانقاذ لا تنقضي!

جائزة الطيب صالح للرواية
أعلنت اللجنة المشرفة على جائزة الطيب صالح للرواية قبل عدة اسابيع عن منح الجائزة فى الدورة الحالية للكاتبة صباح سنهورى عن قصة قصيرة تقدمت بها بإسم ( العزلة ). ومنذ ذلك الاعلان الذى تبعه نشر الرواية فى عدد من الصحف، جحظت عيون وارتفعت حواجب كثيرة بعد ان تبين لمن قرأوا القصة الفائزة جسامة بعض الاخطاء اللغوية التى اشتملت عليها. الكاتب الراتب بهذه الصحيفة الاستاذ محمد عثمان ابراهيم كان من هؤلاء الذين غمرتهم الدهشة. كتب فى احدى المنابر التى ناقشت القضية: ( ما لم احتمل ان يبقى، هو ما كشفت عنه قراءتى للفقرتين الاولى والثانية اللتان احتوتا بطمأنينة مفجعة ثلاثة اخطاء لغوية فادحة قد لا تؤهل مرتكبها للولوج من باب المسابقة أصلا لو كان الزمان غير الزمان والمكان غير المكان، وربما لجنة التحكيم غير لجنة التحكيم). ثم أبرز محمد بعض الاقتباسات من الاخطاء النحوية الجسيمة التى تعضد ملاحظته كما جاءت فى الفقرتين الأولى والثانية المشار إليهما نحو ( في الضلعان القصيران / وفي الضلعان الطويلان/ في إحدى الضلعان الطويلان). ويتضح بإعمال قليل من النظر في هذه الاقتباسات كيف أن مظاهرالضعف المريع فى أبجديات النحو العربي قد بلغت مبلغا تغلغلت معه في أوساط النخبة الأدبية (المفترضة) والحاصلين على جوائز الأدب ومانحيها على حد سواء.
وفى موقع آخر رصد الروائى هشام آدم ثمانية جمل بها أخطاء لغوية أقل ما يمكن أن يقال عنها انها فادحة تستعصى على التبرير بما فيها خطأ فى التذكير والتأنيث، أى ان كاتبة القصة الفائزة ما زالت ،فى الواقع، فى مرحلة يستعصى عليها التفرقة بين ما هو مذكر وما هو مؤنث. ورصد الروائى هشام آدم كذلك سبعة جمل غير مفهومة تماما من شاكلة ( جيد، هذه الرقعة تكفى، انتهى العسل). وقد أشارت الاستاذة نجاة محمد على المترجمة والمشرفة على المنبر الالكترونى المرموق (السودان للجميع)، فى معرض تعليق لها على ذات القصة الفائزة، الى ما أسمته ظاهرة التسيب فى النحو وعدم ضبط أدوات الترقيم وسوء استخدام الاقواس وتساءلت عن ماهية المعايير التى تتبناها لجنة جائزة الطيب صالح فى تقييم الأعمال المقدمة اليها مشيرة الى ان اللغة هى واحدة من الأدوات الأساسية التى ينبغى على الكاتب معرفتها و التمكن منها.
تم تناول القصة الفائزة بالنقد في منابر اخرى. ولعل الغالبية ممن تناولوها بالنقد قد توافقوا على أن الكتابة ربما لم تكن هى المجال الأنسب لصاحبة الجائزة الفائزة وإنه يتوجب على الشرطة والأجهزة العدلية التحفز منذ الآن لرصد (مجرمة خطيرة) هي الأستاذة صباح سنهوري التي حذرت على امتداد صفحة كاملة بذلت لنشر حوار معها أنها إن لم تكن كاتبة فستكون مجرمة خطيرة (الأحداث 14 ابريل 2009). وبما ان حلم الكتابة لم يتحقق لها فإن الخيار الثاني هو الأقرب للتحقق إذ لم تقدم لنا الكاتبة في حوارها الطويل أي خيار آخر.
ربما حان الوقت لمساءلة ناقدة لمانحي الجائزة والانتباه لضرورة وقف ما يمكن أن يصير عبثاً بإسم روائي كبير فى مقام الطيب صالح، كانت أداته الأكثر مضاء لتزيين صورة بلاده وتقديمها للانسانية جمعاء هي قدرته على الإبداع والكتابة!
علماء آخر الزمان!

من محاسن ثورة الاتصالات التى انتظمت العالم أن السودانيين المقيمين بالولايات المتحدة اصبح بوسعهم مشاهدة تلفزيون السودان داخل منازلهم فى المدن الامريكية المختلفة. ومن محاسن ثورة الاتصالات ايضا أنه أصبح بوسع هؤلاء المقيمين بالمهجر الامريكى تلقى اخبار الولايات المتحدة نفسها من تلفزيون السودان. ليس اخبار الولايات المتحدة العامة فحسب، بل وادق الاخبار واكثرها التصاقا بشئون السودانيين الامريكيين وبمقتضيات حياتهم اليومية. خذ عندك هذا المثال: انا شخصيا اقيم بمدينة منيابوليس بولاية منيسوتا ولدى حساب جارى فى ( سيتى بانك )، كما أن لدى كروت إئتمان مصرفى من سيتى بانك. الاهم من ذلك أننى عميل محترم لهذا البنك الامريكى العتيد الذى قام مشكورا بتمويل عملية شراء منزلى الذى اقيم فيه حاليا بضاحية بيرنزفيل. وهكذا ترى – أيها الاعز الاكرم – كيف ان أمر سيتى بانك كشخصية اعتبارية يهمنى لاقصى الحدود. ومع ذلك فقد شاءت ارادة الله الغالبة ان تفوتنى اخبار أهم التطورات المتعلقة بمصير هذا البنك فلم ادركها الا من تلفزيون السودان!

قبل أيام رأيت على شاشة التلفزيون السودانى رجلا ملتحيا، عرّفنا المذيع على اسمه مسبوقا بحرف الدال. قال الرجل: ان النظام الاقتصادى الغربى قد انهار، وان المؤسسات المالية الغربية ادركت مؤخرا قيمة النظام المصرفى الاسلامى وحكمته فأخذت تتجه اليه وتدرسه وتمحصه وتستكشف مزاياه. لم استطع الثبات على مقعدى فهتفت: الله اكبر. ثم أضاف الرجل: إن سيتى بانك، اكبر بنوك امريكا، قرر اخيرا ان يتبع النظم المصرفية الاسلامية بعد أن عكف على دراستها واستبان جدواها. أدهشنى الخبر. اذ ان مراسلات سيتى بانك تملأ صناديق بريدنا كل يوم، فهو يراسلنا بمناسبة وبدون مناسبة، يوافى عملاءه بأنباء اهون التطورات والتغيرات فى نظمه واجراءاته وتعاقداته. ولكن البنك مقطوع الطارى لم يخبرنا قط أنه قرر أن يتحول بنظمه وعملياته الى النظام الاسلامى. ياله من بنك لئيم. يُخبرنا بالتوافه ويُخفى عنا عظائم الامور. ولكن الله اعزنا واكرمنا بتلفزيون السودان الذى لا تفوت علماؤه الاجلاء شاردة ولا واردة الا أحصوها. ( تصور كيف يكون الحال، لو ما كنت سودانى .. وتلفزيون السودان ما تلفزيونى )؟!
الطورية .. والعسكرية!

خلافا للنسخة الورقية من (الاحداث)، التى اكتفت – لاعتبارات قدّرتها - بجزء يسير من المادة المكتوبة فلم تنشرها كاملة، حملت منابر الشبكة الدولية التعليق الكامل والمطول الذى كنت قد سطرته تعقيبا على مذكرة الاستاذ عمار محمد آدم الموجهة الى رئيس وزراء تركيا يطلب اعتذارا وتعويضا عن عدوان جيش محمد على باشا على مملكة الشايقية فى بدايات القرن التاسع عشر. وقد تمحور تعليقى حول حقيقة أن قبيلة الشايقية وأن كانت قد تضررت من الغزو الاجنبى ضررا جزئيا فإن التاريخ المرصود يؤكد انها جنت من ورائه فى ذات الوقت مكاسب مقدرة. وقد غمرت بريدى الالكترونى رسائل كثر بعث بها عدد من (السناجك) عبروا فيها عن استنكارهم الشديد لمزاعمى، وقد بلغت بعض هذه الرسائل حد اتهامى بتأجيج النزعات العنصرية. وقد تلقيت نصحا من أخ كريم كتب: ( أن استعداء قبيلة يعد أبناءها من أكثر أهل السودان بروزا فى أصعدة الابداع بشتى ضروبه، سلوك لا يشبه الاذكياء من الكتاب الذين يفترض ان يتكتموا حتى على ميولهم وولاءاتهم الرياضية، ناهيك عن ان يبادروا باستعداء قبيلة فى حجم وقوة ونفوذ الشايقية ). وأنا أشكر الاخ الكريم على احسانه الظن بى إذ عدنى من الاذكياء (افضل ان احمل عبارته على المحمل الحسن، مع ان صياغته مفتوحة تحتمل الصاق أى من الصفتين بى: الذكاء أوالغباء). وأؤكد له ولكل الافاضل ممن بعث الي بالرسائل أن التطفيف من قدر قبيلة الشايقية ومبادرتها بالعداء لم يخطر لى ببال قط، وإنما قصدت الى ان اعالج، معالجة توخيت فيها الموضوعية قدر المستطاع، قضية تاريخية تحكمها حقائق ثابتة لا خلاف عليها. ثم اننى لا اعرف كيف يمكن لأى انسان ترعرع حتى شب عن الطوق فى مدينة كمدينة عطبرة أن يفكر، مجرد تفكير فى أن يمس من قبيلة الشايقية طرف جلبابها، الا ان يكون ضعيف العقل سقيم الوجدان عاطلا من كل احساس.
متفوقون بالجملة

أهلّ على السودان موسم (التفوق). اعرف ذلك من ظهور وتكاثر اعلانات التهنئة بنجاح الابناء والبنات فى الدراسة. باعتبارى ( متفوق ) سابق نشرت الصحف اسمى مرارا وتكرارا كمتفوق فى المراحل الابتدائيه والمتوسطة والثانوية والجامعية، وعند حصولى على شهادات الدراسات العليا. وذلك بالاضافة الى اخبار ترقياتى من درجة الى اخرى خلال سنى عملى بالخدمة المدنية، فإن لدى اعتراف اود ان ادلى به اليك - أيها العزيز الاكرم – وظنى بك انك كما هو العهد بيننا ستحفظ سرى فى قاع بئر سحيق. كل الاخبار التى نشرتها الصحف عن تفوقى كانت ملفقة ولا اساس لها من الصحة. أنا لم اتفوق قط فى حياتى الدراسية .. ولا مرة واحدة. ولم أتصدر قائمة أى ترقيات ترقيتها فى سنوات حياتى العملية موظفا فى الخدمة المدنية، وانما كان ترتيبى دائما فى الوسط او دون الوسط. نجحت بصعوبة بالغة فى امتحان النقل من المرحلة الابتدائية الى المرحلة المتوسطة، ولا اصدق حتى الان اننى اجتزت امتحان الدخول الى ثانوية عطبرة الحكومية. كان هدفى ان ادرس القانون بجامعة الخرطوم وحصلت على بوكسنغ مقداره مائتين واحدى عشر درجة، ولكن الحد الادنى المطلوب كان مائتين وثلاثة عشر، واضطررت بعد ذلك على مضض لقبول منحة من وزارة التعليم العالى للدراسة بالمغرب. وعندما بعثت بى الحكومة الى أوربا للتحضير لدرجة الماجستير كدت من كثرة التعب والخيبة أن اقطع دراستى واعود الى الخرطوم، ولكننى تماسكت خوفا من الفضيحة، واكملت البرنامج الدراسى وأنجزت الاطروحة بآخر نفس من روحى. ولكن فى كل خطوة من هذه الخطوات المنكودة نشرت الصحف اخبار نجاحاتى وحملت باقات التهانئ بالتفوقات الكبيرة. لم يكن للنشر وادعاءات التفوق والتهانئ علاقة بانجازات حقيقية، بل لها فقط علاقة بحقيقة انه كان لدى دائما بين أهلى او أصدقائى من هم فى موقع القدرة على نشر مثل هذا الاخبار. وكان هؤلاء يحسبون انهم يحسنون صنعا. كيف لا وهم يعطرون ارضنا وسماواتنا بالبهجة! وانظر اليوم الى الماضى فأشعر بالخجل. أكثر ما يخجلنى أننى كنت فى مراحلى الدراسية المختلفة أتلقى التهانئ والهدايا واتبختر، ثم اخرج الى الهواء الطلق فاذا المتفوقون الحقيقيون امامى فى الطرقات. وجها لوجه. عيونهم فى عيونى. هم يعرفون وانا اعرف. يا للبجاحة!

عندما انظر اليوم فى صفحات الصحف الى مساحات التهانئ وصورالمتفوقين، فاننى فى الغالب أتأمل الصور وامعن النظر فى الوجوه. ثم اخاطب كل واحد منهم: هل صحيح انك متفوق؟ أم انك نجحت وخلاص، وكل ما فى الأمر ان قريبك أوصديق والدك له صلات مكنته من نشر صورتك والادعاء بأنك متفوق؟!
ابان فاقان اوطو
ابان فاقان اوطو يشغل وظيفة القنصل بسفارة السودان بواشنطن. لا اعرفه ولم التقه فى حياتى. ولكننى اعرف عنه انه يجسد صورة من الصور السودانية الامريكية الأكثر إشراقا. ولأننا نكثر من الهجوم على المظاهر السلبية ونفرط فى انتقاد الشخصيات التى تتولى مهام الخدمه العامة المختلفة، فإن العدل يقتضى ان لا نتجاوز النماذج الايجابية فنمر عليها مرور الكرام. سحرتنى الروايات التى سمعتها من عدد كبير من الاخوة السودانيين الذين قادتهم الظروف للتعامل مع القنصلية السودانية بواشنطن لانجاز بعض معاملاتهم. قال لى البعض ممن تعرضوا هم او ذويهم لظروف ومواقف فرضت عليهم السفر المفاجئ كيف ان ابان عندما كانوا يعرضون عليه الظروف الانسانيه القاهرة التى يمرون بها كان يبقى فى مكتبه بعد ساعات العمل الرسمية او فى العطلات لانتظار جوازات سفرهم المرسلة بالبريد الخاص. ثم أنه كان يحمل جوازات سفرهم بنفسه الى مكاتب البريد الخاص ليضمن وصولها لاصحابها فى الوقت المقرر. واقسم لى اخرون ان الرجل دفع من جيبه الخاص بعض الرسوم المالية عندما نسوا ارفاقها مع مستنداتهم وبعث اليهم بايصالاتها!

ابان فاقان اوطو قنصلنا بواشنطن يقول لنا أن السودان بخير وعافية، وان بعض شاغلى الوظائف الرسمية يدركون تماما ان مهمة أجهزة الدولة هى خدمة الناس لا التعالى والتسلط والتمنظر والتلذذ باستخدام سلطات المنح والمنع!

ليس دفاعاً عن المستشار!



هذا المقال حظرته الرقابة الأمنية عن النشر فى موعده الراتب


غربا باتجاه الشرق


ليس دفاعاً عن المستشار!

مصطفى عبد العزيز البطل

( يا بخت من يقدر يقول
واللى ف ضميره يطلعه
يابخت من يقدر يفضفض بالكلام
وكل واحد يسمعه
يقف فى وسط الناس ويصرخ:
آه يا ناس ..
ولا ملام ..
ييجى الطبيب يحكيلو ع اللى بيوجعه )


من شعر صلاح جاهين


يوم الاثنين السادس عشر من مارس ٢٠٠٩م هو بالقطع يوم أغبر في حياة طبيب الأسنان والمستشار الرئاسي مصطفى عثمان إسماعيل. ذلك هو اليوم الذي أدلى فيه الرجل بحديثه الصحفى الذى نقلته صحيفة (الشرق الأوسط)، والذي عرض فيه الى سيرة الشحاذة والشحاذين، ووصف شعب السودان بأنه كان، قبل أن يهلَّ عليه فجر الثورة المنقذة، (مثل الشحاتين). وما أن خرجت الصحيفة العربية اللندنية من بين سنابك المطابع حتى انفتح باب جهنم على مصراعيه في وجه المستشار الرئاسي، وعينك ما تشوف إلا النور. كل من كان له ثأر بائت أو دَيْن قديم عند العصبة المنقذة حمل نبوّته واحتسب الأجر عند الله. ولكنني ، مع ذلك، قرأت من منشور الكتابات ما ارتدى عباءة الموضوعية وتحرّاها تنويراً وتعبيراً ونقداً خبيراً للتصريح (الشحتوي)، سواء في زبدة النص منه أو في أفق التأويل.

وبالرغم من أن المستشار لا يحتل مكاناً متقدماً في قائمة المائة شخصية المفضلة عندي، فقد أحسست بشئ من التعاطف مع الرجل ورقّ قلبي له وكاد ينفطر وأنا أسمع فرقعات الكرابيج ولسعاتها المبرحة تجلد ظهره. ولعلني أسِرُّ إليك – أيها الأعز الأكرم – وعهدي بك أنك مؤتمن على الأسرار، أنه وبرغم أن لي - كغيري من مظاليم الهوى الانقاذي - عند العصبة المنقذة ديْنٌ مستحقٌ، إلا أنه قد انتابتني بأخِرَة حالة تحول عقلي ونفسي مفاجئ أصابت شخصيتي في عقر دارها، وكان من جراء ذلك التحول أنني أصبحت لسبب لا أدري كنهه حقاً أحسُّ بشئ من المحبة والتوحّد النبيل مع الفئة القليلة من قادة النظام ومتنفذيه من الذين تتفلَّت ألسنتهم من مرابطها وتتحلل بياناتهم من مضابطها – بدون سبب مفهوم - فيتعثرون في مواضع الاتقان، ويتلبّخون حيث يبتغي الاحسان، ويرسلون الكلم على عواهنه فيرتد عليهم سجالا، وعلى العصبة من (الاخوان) وبالا. وربما كان مردُّ تلك المشاعر الخفية عندي هو أن لي - أنا شخصياً - تاريخ حافل في مضمار تفلُّت اللسان وتنكُّب البيان، جرَّ عليّ في هذه الدنيا الفانية أهوالاً يعجز عنها الوصف. وقد يجوز أن يكون ذلك التعاطف من قبيل ما يتكلفه اللاوعي عندما يظلل المصابين ويربطهم برباط المودة. ومصائب الزمان "يجمعنَ المصابينا"، ومن قبلُ قال إمرؤء القيس: (... وكل غريب للغريب نسيبُ). والحال كذلك، فإنَّ المستشار الرئاسي مصطفى عثمان نسيبي في يومي الماثل، تماماً كما كان نائب رئيس المجلس الوطني الأستاذ محمد الحسن الأمين، الذي عنَّف قاضيات لاهاي ووصفهنَّ بأنهنَّ نساوين، نسيباً لي في أمسي الزائل.

مما يقرب اذن بين قلبينا - المستشار مصطفى عثمان إسماعيل وشخصي - أنه مثلي له ذلك السجل المتميز في خرمجات اللسان. ولعلَّ كثيرين – لا سيما العاملين بوزارة الخارجية - لا يزالون يذكرون له تصريحه الشهير قبل عدة سنوات، بشأن أحد سفراء السودان، وكان قد تكَشَّف للمحققين الذين أرسلتهم الوزارة للتحري عن مخالفات مالية جسيمة تورادت أنباؤها الى الرئاسة، أنه اختلس مبالغ ضخمة هي كل موجودات السفارة من العملات الأجنبية، واستدان بعد ذلك على خلفية صفته الرسمية كسفير للسودان مبالغ إضافية من سفارات بعض الدول العربية النفطية، ثم هجر السفارة وترك المنصب السامي وراءه ظِهْرِيا، واختفى في إحدى العواصم الاوربية وقيل انه طلب فيها حق اللجوء السياسي (أدفع نصف ما تبقَّى من عمري، وأعرف ماذا كتب السفير في حيثيات طلبه حق اللجوء السياسي). وكان ذلك السفير، إسماً وذاتاً وعيناً، من أقرب المقربين الى المستشار الرئاسي، الذي شغل وقتها منصب وزير الخارجية، وذلك بحسب بعض التقارير الصحفية، التى نشرت خارج السودان، إستنادا الى روايات رجال (ونساوين) السلك الدبلوماسي السودانى الذين لا تبتل في حلوقهم فولة. وحين تصاعد الدخان واستعرت من تحتها النيران، وسُئل مصطفى عثمان عن هذه الواقعة في مجمع إعلامي ردَّ وزير الخارجية السابق وسط دهشة عشرات الصحافيين بأن تصرف السفير المشار إليه ( إنما هو كبوة جواد ولكل جواد كبوة)! وقد مضت بعض صحف الخرطوم حينها قدماً فنشرت التصريح على علاته منسوباً للوزير. ومعلوم أن هذا التعبير العربي الأصيل، أصالة الجواد نفسه، له مقامه ومقاله، إذ يتم استدعاؤه وتمثله في شأن العاملين من ذوي الضمير الحي المسئول وطنياً وأخلاقياً، ممن يصلون الليل بالنهار في جد وعزم وإخلاص لإنجاز مهامهم، فإذا وقع الواحد من هؤلاء في خطأ عارض أو هفوة عابرة، وهو يحث الخطى في مساره المتفانى، قيل فى شأن ذلك انه كبوة جواد، والجواد لا يكبو إلا لأنه يعدو، والعامل لا يخطئ إلا لأنه يعمل. فأما أن يقال مثل ذلك في شأن اختلاس للمال العام واستغلال للوظيفة العمومية وفرار من موقع المسئولية فهو ما لا يتصوره عقل ولا يخطر على قلب بشر!

ولا أريد أن أنصِّب من نفسي طبيباً أو محللاً نفسياً، ولكنني أميل الى الاعتقاد بأن زلة لسان المستشار الرئاسي وسقطة بيانه في المسألة الشعبوية الشحاذية ربما كانت – الى حد ما - نتاجاً لتربيته المفترضة في مدرسة الحركة الاسلامية. فقد لحظتُ منذ بدايات الوعي التربوي السياسي عندي أن المؤسسة الاسلامية الحركية المنظمة دأبت على أن تُدخِل في روع تلاميذها منذ نعومة أظفارهم ما يحملهم على الاعتقاد بأنهم أعلى كعباً وأطول باعاً وأرفع رتبة وأفضل مقاماً من لداتهم، وأن الله ربما خلقهم من طينة غير الطينة التي سوّى من أديمها سائر الناس. وقد افترستني تلك القناعة وتمكنت مني عند بدايات مبكرة فى مسيرة حياتى، بعد أن تكسّرت فوق صدري الشواهد على الشواهد، ثم استطردت على امتداد عمري، الذي مدَّ الله فيه مدا حتى رأيت كثيراً من وهج الاسلام السياسي يذوي في قلوب أصحابه ويبوخ أثره في النفوس، وتتلاشى البنى المفهومية الاستعلائية عندهم فتستحيل هشيماً تذروه الرياح، وتنحسر مجامر التعبيرات الإطلاقية تبعاً لذلك وتنطفئ جذوتها قسراً أو طوعاً. وقد أتى علينا حينٌ من الدهر كان بعض هؤلاء إذا ذكرت له جبروت العصبة المنقذة وشكوت له عسفها تنمَّر في وجهك وقال: (قدَرَنا أن نحمل الناس على الحق حملا). وربما انقدح في ذهن المستشار على حين غرة – من جراء ترسبات التربية القديمة تلك – وهو يدلى بحديثه المُمتَنْ الذى نقلته عنه "الشرق الأوسط"، أن قدره وقدر الثورة المنقذة، بعد أن حملت شعبها على الحق حملا، أن تستزيد فتحمله فضلا وعدلا من بؤس التقشف الى نعيم التوسعة، ومن ذل الشحاذة الى عز الوفرة. وفاته أن الحاكم فى الاسلام انما هو خادم الامة لا سيدها. والخادم لا يمتن على سيده. ولكنها نشوة الصلف وشهوة الاستعلاء التى يلبد فيروسها فى النخاع الشوكى (وما اريكم الا ما أرى وما اهديكم الا سبيل الرشاد).

غير أنني قرأت مؤخراً مقالاً لكاتب سياسي ذي قلم اسفيرى عنيد، يقيم بدولة الأمارات العربية ويكتب مستتراً تحت مظلة اسم نسائي، وقد كان ضمن المشاركين في احتفالية جلد المستشار الرئاسي، يصفه بأنه كان مغموراً منكورا، لا ذكر له في مدارج الحركة الاسلامية، وأن صعود نجمه في مجرة الانقاذ ضمن حفنة قليلة من الشخصيات الاعجازية التي حصدت غنائم وصول الحركة للسلطة، لا صلة له بسابقة جهاد مرصود أو كسب مشهود. وما من شك فى أن الكاتب قد ظلم المستشار ظلماً بيناً إذ استقلَّ كسبه وأبخس عطاءه، والمولى يقول: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم). والحق أن مصطفى عثمان كان من أبرز قادة الحركة الطالبية الاسلامية في الخارج وأكثرهم لمعاناً، وقد عقدت له أثناء فترة وجوده في بريطانيا، قبل هبوب الثورة المنقذة، رئاسة الفيدرالية العالمية للجمعيات الطلابية الاسلامية، وهو تنظيم ذي منعة وهيبة في شعاب الاسلام الحركي، وكان التمويل الأساسي لهذا الكيان يأتي من دولة عربية نفطية. وقد هيأ له ذلك الموقع القيادي صلات واسعة في مدارات عربية وعالمية. وعلى خلفية تلك الصفة ومن يُمن بركاتها كان الرجل شديد الفعالية والتأثير على أصعدة الامداد والاسناد لمشروعات الحركة الاسلامية السودانية في الداخل، لا سيما في مضمار التمويل. وقد كان قرار تعيين الرجل في منصب الامين العام لمجلس الصداقة الشعبية العالمية في بداية عهد الانقاذ، في وقت لم يكن قد جاوز الرابعة والثلاثين من عمره، وثيق الصلة في مبناه ومعناه بمقتضيات ومستحقات تطوير واستثمار تلك العلائق الندية وتوجيهها في مسار توسيع قواعد المناصرة والدعم الاسلامي الخارجي للنظام.

ومع ذلك فلا أظن أن زعم الكاتب ذي القلم الشديد ينطلق من فراغ، فمما لاشك فيه أن نفراً من أهل المدافرة والمعافرة في صفوف الانقاذ استعظموا على الرجل بزوغ نجمه مع صغر سنه فأذاعوا عن سيرته الذائعات الكواذب. وأما ان فى صفوف الانقاذ أهل (مدافرة) ومعافرة فذلك مما لاشك فيه. وقد أطلق عليهم تلك التسمية المستشار الرئاسي الآخر الدكتور غازي صلاح الدين، ضمن حديث خاص أدلى به لصديقنا المشترك، وزميلي السابق في هيئة التدريس بجامعة أم درمان الاسلامية، الدكتور محمد وقيع الله، ولم ير وقيع الله بأساً من تحريره فضمّنه في مقال له منشور. وقد وجدت في إفادة الكاتب المستتر تفسيراً جهدت في البحث عنه لما لحظته - ولحظه كثيرون غيري - من تواطوء ثلة من كادرات الحركة الاسلامية (من غير مشايعي المؤتمر الشعبي) مع الحملة (الشحاذية) الغاضبة على المستشار، لكأن هواهم مع ازدهار الهجمة واستعارها، لا انكسارها واندحارها. وقد استجمعت واستنتجت مما تقدم أن المستشار ربما كان (محسوداً) في معسكر أهله وذويه وفصيلته التي تؤويه، قبل أن يكون مستهدفاً من قبل كارهيه والشامتين من أعاديه، بسبب ما كسته إياه العصبة المنقذة من أقمصة السلطان البراقة، يتيه بها في المحافل تيهاً على امتداد عشرين عاما ولا يخلعها يوماً واحداً، وأهل رفقته السابقة من ذوي التطلعات المشروعة وغير المشروعة ينظرون ويتأملون، ويضربون كفاً بكف وفي أفواههم مياه زمزم ونهر النيل، (وقديماً كان في الناس الحسد)!

هل نقول: استبان الحق بحول الله وحصحص، فعماد الأمر إذن هو الحسد (الداخلي) مترافقاً مع كيد الخوارج، تخامرا وتضافرا ليحدقا بهذا الرمز (الانقاذوي) ويثيران من حوله هذا العفار الكثيف. هل نقول: انها الرغائب التي تمور في الصدور تبتغي تصفية الحسابات القديمة المتجددة أو الجديدة المستقدمة؟ أظنه بعض من ذاك. وبعضه الآخر – بلا ريب - إنما هو الحمية للسودان وكرامة شعبه، فقد ثار الأغيار وأهل الربوع من غير بنيه وطاروا شعاعاً، فكيف لا يثور بنوه، وكيف لا تغلي في صدورهم المراجل؟ ونفر عزيز من الثائرين هم ممن يقيمون خارج السودان، قذفت بهم الى المنافي قاذفات اللهب. يعرفونها وتعرفونها. ووقع الإساءة الى الوطن وشعبه وأثرها في نفوس من هم بمفازة عنه بألف من وقعها وأثرها عند الرابضين من رجاله ونسائه فوق حواف النيل والبوادى والفلوات.

أيها الناس استبرئوا لانفسكم من زلات اللسان واستعيذوا بالله من سقطات البيان. ومن كان منكم منزها عن السقطات ومحصناً من الزلات فليرجم المستشار بحجر. أما أنا فحجري عندى فى حرز حريز، أدَّخره لليوم الأسود!


بينى وبين القارئ


حديث النسوان

لم تكن لى فى واقع الامر رغبة أكيدة فى أن اتناول بالتعليق محتويات الرسائل التى تلقيتها تعقيبا على مقال الاسبوع الماضى المعنون ( نساوين لاهاى ...). غير أنه لم يكن فى وسعى أن اتجاهل رسالة من السودان قطعت مصارينى من الضحك، يقول كاتبها أنه شاهد ضمن سلاسل التظاهرات التى غمرت العاصمة مؤخرا حشدا كبيرا من النسوة يرفعن لافتة كتبت عليها (رابطة المرأة العاملة)، وكان ذات النسوة يهتفن بصوت عال وايقاع منتظم: ( يا اوكامبو يا جبان .. سلمت أمورك للنسوان )!
ونبهنى قارئ آخر الى مادة غنية فى ارشيف جريدة الصحافة كتبها المحرر السياسى للصحيفة الاستاذ علاء بشير بعنوان ( نون النسوة تلاحق الانقاذ )، يتقصى فيها الكاتب سير النساء الدوليات اللائى يزعم صاحب الرسالة أنهن (جرّسن) الانقاذ، من لدن مادلين اولبرايت وسوزان رايس وهيلدا جونسون وسيما سمر وغيرهن، وصولا الى نساوين الجنائية الدولية.

ويقول قارئ ثالث أنه لاحظ أن السيد رئيس الجمهورية قد أصبح فى السنوات الاخيرة شديد الاهتمام بأهل الفن من النسوان على وجه الخصوص، واصبح يشجعهن على ممارسة أدوار فاعلة فى الحياة العامة، وقد تجلى ذلك فى مناسبات عديدة. من ذلك انه ظهر فى بعض المواكب الجماهيرية والى جانبه حواء الطقطاقة، بل انه عقب غزوة خليل ابراهيم استشهد بمقولة للطقطاقة فى ذم هروب خليل تحت جنح الظلام، ( وكأنى به قد تسنم ذرى الحكم فى واضحة النهار )، وهذه كلمات القارئ المشاغب الذى يبدو انه ضليع فى اللغة العربية ، وليست كلماتى أنا. ويضيف بأنه لاحظ ايضا أن عددا مقدرا من نساوين الفن مثل ندى القلعة وحنان بلوبلو ولجن مؤخرا الى حلبة اغانى المديح الرئاسى التى تنوه بخصال البشير وفروسيته، وقد صدحت بلوبلو ببعض من هذه الاغنيات خلال حفل عشاء بهيج أقامه الرئيس لضيوف مؤتمر السودانيين العاملين فى المنظمات الدولية الذى انعقد بالخرطوم قبل اسابيع قليلة، وأن سيادته – والعهدة على القارئ – هزّ بالعصا و( نقط ) فوق المغنية الحسناء!

الأحد، 12 يوليو 2009


ضدّ الأغلال

منطق بعض الإعلاميين بشأن مؤتمر(هم) !!

خالد عويس *
منعت الرقابة نشره

· سمعتُ بعض - وأكرر بعض - الزملاء الإعلاميين في الخارج، وسمعتُ عن آخرين منهم، يؤكدون نيتهم حضور مؤتمر الإعلاميين المزمع عقده في الخرطوم، وحجتهم الرئيسة في ذلك، ليست الإسهام في إثراء حوار جاد حول حال الإعلام في السودان !!

· وليست الحجة هي الذهاب إلى الخرطوم والتحدث مباشرة مع المسؤولين حول القيود المفروضة على الصحافة !!

· ولا مناقشتهم حول قوانين الصحافة !!

· لا، بل فقط لأن هناك تذاكر (مجانية) ذهابا وإيابا، وهي (فرصة لا تفوّت من أجل رؤية الأهل والأحباب) و(البقاء في الخرطوم مدّة أسبوع أو أكثر على حساب الحكومة) !!

· وإن (فاتك الميري ادردق في ترابو) !!

· هل وصل الحال ببعضنا إلى هذا الحد من (الهوان) و(استصغار النفس) ؟

· أن تكون تلبية الدعوة فقط من أجل (تذكرة مجانية) و(أقامة على حساب الدولة) ؟

· لا يا سادتي، تذاكركم هذه، وإقامتكم المجانية، هي على حساب أهلنا المساكين في أطراف السودان !!

· هي على حساب دافعي الضرائب الذين ربطوا الأحزمة على البطون منذ 1989 !!

· وعلى حساب أيتام السودان وأرامله !!

· إن كان المرء حريصا على الحضور فعلا، فليذهب على حسابه الخاص !!

· وإلا فإن الأمر فيه (إنّ) !!

· لماذا لا يسأل هؤلاء الصحافيين..الحكومة..من أين لها بهذه الأموال الطائلة لعقد مؤتمر بهذا الحجم وتدبير تكاليفه كلها..ومن أجل ماذا؟ الارتقاء بالإعلام ؟ (كذبا كاذب) !!

· لا يمكن لـ(عاقل) أن يصدق ذلك..في ظل القوانين الحالية، و(نزع الدسم) !!

· لكنه (الإنهيار) الذي لحق بـ(الشخصية السودانية) فاستحالت إلى شخصية (مدجنة) تقبل بـ(فتات) ليس من حقها وليس من حق الجهات التي (تتصدق به) !!

· ويقولون إن هذا أقل القليل من (حقوقنا) على الحكومة !!

· لا يا هذا ويا ذاك..هذا ليس حقكم..هذا حق مشاع للناس، وينبغي أن يُدار بشكل شفاف..وأعني (المال) !!

· هذا ليس مال (المؤتمر الوطني) ولا (الحركة الشعبية) ولا (حزب الأمة)..هذا مال أولادكم وبناتكم !!

· هذا مال الأيتام والأرامل واللاجئين في أطراف دارفور !!

· لكن..هذا زمن يصنع فيه الناس ما يشاءون..!

· لأنهم لا يستحون !!

* صحافي وروائي سوداني مقيم في واشنطن

الأحد، 5 يوليو 2009

كلمتى للتاريخ



كلمتى للتاريخ
منعت الرقابة الامنية نشره
د.زهير السراج

* للمرة الألف أحذر بأن البلد على حافة الهاوية وربما تنهار اليوم أو غداً اذا لم يتخل البعض عن اللامبالاة التي يتعاملون بها مع الاوضاع، وإذا لم يترك البعض الانانية والمطامع الشخصية، ويقدمون التنازلات من اجل المصلحة العامة، وإذا لم يتقيد البعض بالمباديء الاخلاقية في ادارة الصراع، واذا لم يدرك البعض ان النار التي يحاولون اشعالها، سيكون هم أول من يحترق بها.. واذا لم يتصد المثقفون والمتعلمون داخل السودان وخارجه لمسؤولياتهم الوطنية، ويوحدوا صفوفهم لمقاومة الفساد والاحباط.. واذا لم يجد عامة الناس من يفتح بصائرهم وعقولهم وقلوبهم على ما يحاك ضد البلد.. ويستنهض هممهم وعزائمهم ويقودهم لحماية وطنهم والدفاع عن حقوقهم!!

* صراع حاد وعنيف، لا تحكمه اخلاق ولا آداب ولا مناهج فلسفية ولا فكرية ولا سياسية ولا أي نوع من القواعد غير شهوة السلطة والثروة، يدور بين الكافة.. داخل الحزب الحاكم، وبينه وبين شريكه في الحكم، وبين الحالمين بالدخول الى الحكم، وبين هؤلاء وبعضهم البعض.. وبين هولاء وغيرهم.. وبين السياسيين، حتى في الشلة الواحدة، وليس الحزب الواحد، وبين المهنيين في التخصص الواحد، وبينهم وبين التخصصات الاخرى، وبينهم وبين غيرهم من المهنيين، وبين التجار، وبين التجار وغيرهم.. وبين الطلاب.. وبين الرياضيين، وبين المواطنين في الحي الواحد، وبينهم وبين السلطات المحلية، وبين سلطة محلية واخرى، وبين السلطات المحلية والمركزية، وبين القبائل، وداخل القبيلة الواحدة.. ولم تسلم حتى الجهات الحساسة !!

* قوى المجتمع المدنى تتآكل وتتشرذم والاحزاب تتشرذم والحكومة تتشرذم، والمفاسد والامراض تتفشى، والجميع يفتى فى ما لا يعرف .. ودعاة الفتنة يتطاولون في البنيان، ويرتفع صوتهم فوق صوت الجميع، ويستعدون الآن لمعركة.. يشعلونها، ويتوهمون انهم سيتفرجون عليها من البنيات الشاهقة، ويكونون بمنأى عنها، وإذا لم نستيقظ من سباتنا العميق ونتخلى عن سلبيتنا ونعمل يدا واحدة من أجل بلدنا، سنجد أنفسنا جميعا فى النار !!

* يجب ان ندرك ان البلد في خطر، وقد لاحت في الافق ملامح فترة سياسية حرجة جدا، تعقبها أو تتخللها فوضى عارمة.. ليس فقط في أماكن الحروب والنزاعات المسلحة.. بل في كل مكان.. وستكون الكلمة العليا لمن بيده السلاح، والمنظر الذي سيألفه الناس.. هو انهار الدماء التي ستسيل في الشوارع، وأوصال الاطفال التي ستتمزق بالاجسام أو
العربات المفخخة، فإلى متى سنتفرج ونترك بلادنا تتمزق، وشعبنا يموت ؟!
drzoheirali@yahoo.com
مناظير - صحيفة السوداني - العدد رقم: - 2009-05-26

وجامعة الخرطوم فى شنو ؟!


وجامعة الخرطوم فى شنو ؟!
منعت الرقابة الامنية نشره
د.زهير السراج

* أخوانا ناس جامعة الخرطوم ذكرونا بالمثل المعروف (الناس فى شنو) ، فبدون مقدمات ولا مناسبة ولا أى حاجة قبلوا ( بفتح الباء ) على الطالبات واصدروا تعليمات الى الحرس الجامعى بمنعهن من الدخول الى الحرم الجامعى بعد السادسة مساء ، ولا أحد يعرف ما هى الحكاية ؟!

* سؤال ... ( لو الحرم الجامعى ده ما كان اسمو( الحرم ) ، كان عملتوا فى الطالبات ديل شنو ؟! ) . رفتوهم ولا كيف يعنى ؟!! بعدين البصدر القرارات دى منو ؟! !!! . الاولاد ديل ما تدوهم القاعة، البنات ما يدخلوا الجامعة بعد ستة مساء ، الاساتذة بعد الستين ما بلزمونا ، ال( تى شيرت) ممنوع !! عايزين واحد يفهمنا !!

* يحدث هذا للاسف الشديد فى الوقت الذى تعانى فيه الجامعة من مشاكل اساسية وكبيرة ولا تجد من يحلها، بل لا تجد حتى من يتوقف عندها لحظة واحدة، وهى كثيرة جدا ومتنوعة، ولكننى سأكتفى بمثال واحد ، حدث لى شخصيا ، ولا يزال ، ولم يحدثنى به أحد !!

* الحكاية باختصار شديد اننى احاول منذ قرابة العام معادلة شهاداتى التى حصلت عليها من جامعة الخرطوم ، بواسطة مؤسسة تقييم دولية للدرجات الاكاديمية، للالتحاق بجامعة( تورنتو ) الكندية فى وظيفة ( باحث مشارك) قبلت لها بشكل مبدئى قبل عام كامل ، ولكن لم تكتمل الاجراءات الرسمية حتى هذه اللحظة ، لان شروط القبول تحتم اجراء معادلة للشهادات لمقارنتها بالمستوى الكندى المطلوب للالتحاق بالوظيفة، وقد جاء( التقييم الكلى) للشهادات التى ارسلتها بالبريد مطابقا للمستوى الكندى ، وبناء على ذلك بالاضافة الى اجتياز الشروط الموضوعة تم القبول المبدئى بينما يتوقف القبول النهائى على نتيجة تقييم المواد التى درستها فى الجامعة كل على حدة ، وتحتم شروط مؤسسة التقييم ان ترسل الجامعة، وليس الشخص، الشهادات والمستندات اللازمة لاجراء التقييم، وذلك لضمان اعلى درجة من المصداقية والصحة لها !

* قامت المؤسسة من جانبها بمخاطبة جامعة الخرطوم أكثرمن ثلاث مرات عبر البريد العادى والالكترونى والفاكس ، ولم تتلق ردا شافيا حتى الان ، وعندما تدخلت وتحدثت مع أكثر من شخص فى مناصب اكاديمية وادارية رفيعة بالجامعة وجدت بعضهم لا يعرف شيئا ، ليس عن الموضوع، ولكن عن التقييم نفسه، ولا يعرف ما هو التقييم أو الهدف منه ولم يسمع به فى حياته ، وكثيرا ما سئلت بدهشة كبيرة من بعض الذين لجأت اليهم فى الجامعة للمساعدة .. ( تقييم شنو ؟! ) ، مع انه شئ معروف جدا ومعمول به فى كل الاوساط الاكاديمية فى كل انحاء العالم ، ومن بينها جامعة الخرطوم التى مر كل اساتذتها الذين درسوا او عملوا بالخارج، بهذه الاجراءات .!!

* بالاضافة الى ذلك، فلا أحد يرد على الرسائل او الفاكسات، ولا احد يجيبك اذا سألته عنها ، ولا يعرف احد مكانها واين ذهبت ، والبريد الالكترونى الرسمى للجامعة يعمل بالمزاج ويتعطل أكثر مما يعمل ، ومن المضحك انك اذا ارسلت رسالة الكترونية لاحد ، لا بد ان تتصل عليه هاتفيا لتخبره انك بعثت اليه برسالة حتى يرد عليها، هذا اذا تفضل بالرد على مكالمتك الهاتفية على الموبايل الذى تدفع الجامعة فاتورته !!
* عام كامل وانا أحاول ، ومؤسسة التقييم تحاول، ولكن لا حياة لمن تنادى ، وفى احدى المرات التى كلفت الجامعة خاطرها بالرد، كتبت اسمى خطأ رغم ان الاسم مكتوب بحروف واضحة جدا فى الرسالة التى ارسلتها المؤسسة للجامعة وبعثت لى صورة منها !!!

* هذه هى جامعة الخرطوم ايها السادة ، ولكن ليس غريبا ان تكون كذلك ما دام همها الاكبر هو ما تأمر به حرسها الجامعى للقيام به تجاه المنتمين إليها ، أما العلوم والبحوث والشؤون الاكاديمية ، بل حتى مجرد الرد على المكالمات والرسائل البريدية ، فهذا ليس من مهامها وواجباتها ، أسأ ل الله لها الرحمة !!



drzoheirali@yahoo.com
مناظير - صحيفة السوداني - العدد رقم: 1218 2009-04-3

إذا لم تستح !!



منعت الرقابة الامنية نشره
إذا لم تستح !!
د.زهير السراج

* ليس مهما من هو الذى كتب قانون الصحافة الجديد ومن قدمه لمجلس الوزراء، ولكن المهم أن تكون النسخة التى تخرج من البرلمان هى التى تلبى رغبة المجتمع فى وجود قانون يحرر الصحافة من سيطرة الحكومة ويتيح أكبر قدر من حرية العمل الصحفى وتلقى ونشر المعلومات، وليس مهما بعد ذلك نوع ومقدارالعقوبات التى توقع على المخالفين فى قضايا النشر الصحفى وان كان من المفترض ان تتناسب مع نوع المخالفة، وليس الغرض منها تهديد الصحفى وتخويفه والتأثير عليه ومنعه من القيام بعمله، كما يفعل القانون الجديد الذى حدد الغرامة فى قضايا النشر الصحفى بخمسين ألف جنيه ( خمسين مليون قديم )، وهو مبلغ ضخم جدا لا يتناسب مع المخالفات الصحفية المعروفة، خاصة أن من حق المتضرر ان يطالب بتعويض مادى مقابل الضرر الذى وقع عليه خلاف الغرامة التى تحكم بها المحكمة !!

* للأسف، صارت القضية الاساسية للبعض، ليس تعديل القانون وإنما مهاجمة الجهة التى قدمت مشروع القانون الجديد ــ أو الحركة الشعبية ــ كما يزعم البعض، وهى أكبر دليل إدانة للقانون الجديد ــ أى الهجوم على الحركة ــ بافتراض أن الذين يهاجمونها إنما يفعلون ذلك لأن القانون الذى قدمته سئ ومشين، ولكن من الغريب أنهم يتبنونه ويدافعون عنه ويريدون إجازته فى المجلس التشريعى، وعندما يحتج عليهم الناس، يتحججون بأن الحركة هى صاحبة القانون، وليسوا هم، وهو منطق مختل بكل تأكيد لا يمكن القبول به أبدا إلا إذا لم تكن تلك هى الحقيقة، وأن الحركة الشعبية ليس لها علاقة بالقانون الجديد !!

* وهب أن الحركة الشعبية هى بالفعل من إقترح القانون الجديد، لكنها اكتشفت أنها أخطأت وأرادت أن تتراجع عن هذا الخطأ، فلماذا يعيبون عليها ذلك، ولماذا يتبنون القانون السئ ويتصدون للدفاع عنه ؟! هل هو كتاب مقدس، أم أنها محاولة ساذجة للانتفاع من ذلك الخطأ، ثم الاصرار على إلصاقه بالحركة ؟!

* القضية ليست من أين جاء القانون، ولكن هل هو قانون سئ أم قانون جيد، ولماذا يصر عليه الذين يلصقونه بالحركة، بينما تراجعت هى عنه ؟!

* قديما قال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتى مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم

* أم أن الذين يعيبون الحركة على قانونها ثم يتبنونه ويدافعون عنه، لم يسمعوا بهذا الشعر، أم أنهم من الذين لا يستحون ؟!




drzoheirali@yahoo.com
مناظير - صحيفة السوداني - العدد رقم: - 2009-05-21

الخميس، 2 يوليو 2009

حركة تحرير الصحافة


أفق بعيد
حركة تحرير الصحافة
فيصل محمد صالح
ممنوع من النشر بأمر الرقيب الامني
أسوأ ما يمكن أن تقوم به بعض الجهات المتنفذة هي إفراغ الخطوات المنتظرة من معانيها، وتوصيل الناس لمرحلة اليأس من إمكانات التغيير السلمي. إن اتفاق السلام الشامل والروح التي أشاعها بين الناس هي أفضل ما تحقق لبلادنا خلال العقود الأخيرة، وتمثلت قمة النجاح في إشاعة روح التفاهم السلمي وإمكانية إحداث تغيير إيجابي في بلادنا وسيادة روح القانون والتغيير باستخدام المؤسسات والوسائل الديمقراطية. ولذلك، وعلى هدى اتفاق السلام الشامل وقعت اتفاقات القاهرة وابوجا والشرق. ورغم أن رياح الحرب لا تزال تهب على دارفور إلا أن كل الحركات المسلحة تدرك أن لا نصر يأتي من فوهة البندقية، وأن التوافق الحقيقي والمساومة ين الأطراف لن تتم إلا على مائدة المفاوضات.
سيادة هذه الروح والمفاهيم المرتبطة بها هو عمل كبير يستحق كل من بذل فيه مجهودا أن يفخر به وأن يكون الأكثر تمسكا به، خاصة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، خاصة مع وجود رياح معاكسة تحاول الإيحاء مرة والقول مرة ثانية بأن "لا فائدة" ولا شئ سيتغير. فهل لدى المؤتمر الوطني والحركة الشعبية مصلحة في تعديل كفة الرهان لمصلحة المتشائمين والقائلين بان "لا فائدة" أم أن مصلحتهم في التأكيد بمختلف الوسائل على أن اتفاق السلام كان خيارا صحيحا وإيجابيا، بل لعله الخيار الوحيد أمام بلادنا وشعبنا.
إذا كان ذلك كذلك، فما مصلحة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في القول بشكل مباشر للصحفيين، عبر مسودة قانون الصحافة والمطبوعات الجديد، بأن لا فائدة من نجواهم وتفاهماتهم وسمناراتهم الكثيرة عن حرية الصحافة والإعلام..؟
لقد جلس طرفا اتفاق نيفاشا في الظلام ليعدا مسودة لقانون الصحافة والمطبوعات، تعد وبكل المقاييس، أسوأ من القانون الحالي الذي يقاتل الصحفيون لتغييره، فهل أرادوا أن يؤدبوننا على رفضنا للقانون القديم حتى نأتي صاغرين ونقول" لقد تبنا.. فأعيدوا لنا القانون القديم؟".
الأمر محير فعلا، فرغم الجهد الذي بذله الصحفيون والحبر الذي سكبوه والأوراق التي قدمها نفر منهم في مؤتمرات وسمنارات، بعضها تم عقده داخل البرلمان وبدعوة منه، رغم هذا فقد حملت المسودة أسوأ ما كان موجودا في قانون 2004 وأضافت له من سوء القوانين الأخرى.
إن الصحفيين أهل قلم وفكر ورأي، وهم لم يعتادوا على غير الكلام والكتابة، ولعل هذا مصدر استحقار الأطراف النيفاشية لهم وبهم، فهم في نظرهم لا يشكلون خطرا عليهم، وليس هناك مجرد احتمال أن يشكل الصحفيون "الحركة الشعبية لتحرير الصحافة". فلماذا لا نقوم إذن بتخييب ظنهم ونعلن تكوين هذه الحركة ونبدأ كفاح من نوع وآخر، لعل وعسى.
إنه والله أمر يفوق قدراتنا العقلية على الفهم والتفسير، لقد عملنا مع لجنة الإعلام التي يرأسها ياسر عرمان رئيس كتلة الحركة، ومع مركز اتجاهات المستقبل الذي يرأسه غازي صلاح الدين رئيس كتلة المؤتمر الوطني، وتوصلنا لتفاهمات ومسودات جيدة ومقبولة، فمن أي كتلة، أو كتلة -بفتح الباء- جاءت هذه المسودة القاتلة؟

سلفا والتعداد


أفق بعيد
سلفا والتعداد
فيصل محمد صالح
ممنوع من النشر بأمر الرقيب
موقف غير موفق، في توقيت غير مناسب، لأسباب غير مقبولة، كان هذا رد فعلي على جزء من خطاب الفريق سلفا كير النائب الأول لرئيس الجمهورية في احتفالات السلام بملكال يوم الجمعة الماضي. كان الفريق كير يتحدث عن نتيجة التعداد المتوقع إعلانها في الشهور القادمة، وقد استبق الإعلان قائلا أنهم لن يقبلوا بأقل من تقدير معين لسكان جنوب السودان، وفي هذا أمر عجب.
تقديرات وتعداد السكان يجب أن لا تكون وفقا للرغبات والأهواء، وإنما هي عملية رصد للواقع وإعلانه كما هو ليتم تخطيط كل السياسات بناء على ذلك. والشئ الطبيعي أن تجرى وتعلن كل التحفظات والتحوطات المطلوبة قبل بدء العملية، حتى تأتي نتائجها معلنة للجميع.
وقد صاحب عملية التعداد السكاني التي جرت في مايو الماضي أخذ ورد كثيرين أثر في صدقيتها، وهي جرت بشكل ما في بعض أنحاء البلاد، وتعثرت في أجزاء أخرى، ولم تجر إطلاقا في مناطق أخرى منها معظم أراضي دارفور، وسيلقي هذا الوضع بظلال سالبة على نتائج التعداد. وقد ساهمت الحكومة بشريكيها، الوطني والحركة، في عدم قناعة الجماهير بأهمية عملية التعداد وبعدم الحماس لها.
فالمؤتمر الوطني يتصرف وكأن الأمور لم تتغير منذ استولت مجموعة الإنقاذ الوطني على السلطة في 30 يونيو 1989. وقد قام بتعيين شخصية سياسية لا علاقة لها بالإحصاء والتعداد على رأس الجهاز المسؤول إيذانا بتسييس وتجيير العملية الانتخابية له منذ ضربة البداية. والرجل المعجزة هذا ذخيرة دائمة وجاهزة في كنانة الإنقاذ، تلقي مرة به على رأس سودانير، أو الهيئة القومية للكهرباء، ثم تنقله لإدارة بنك، وتعيده لمركز دراسات استراتيجية، ثم تأتي به على رأس جهاز فني متخصص في الإحصاء والتعداد، ولا تستغربوا إن عينته طبيبا غدا، فهو صالح لكل زمان ومكان ووظيفة.ومثل تعيين الشخص المسؤول فقد صاحبت عملية الإعداد للإحصاء السكاني هرجلة سياسية في كل المراحل.
وقد ساهمت الحركة الشعبية بسلبيتها المعهودة في تمرير كل هذه التعيينات والتجهيزات دون أن تشارك فيها أو تعترض عليها، وكانت لديها الفرصة من البداية وعبر كل المراحل للاعتراض وإعلان ذلك، لكنها تركت كل ذلك ثم جاءت بأسباب ماسخة لطلب عملية التأجيل ، لم تقنع أحدا، بل وأظهرتها مع الأسف بمظهر المماطل والمتهرب من أداء عمل قومي.
كانت هناك لقاءات واجتماعات خاصة بالتعداد، كما كانت هناك لقاءات دورية لمؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء واللجان المشتركة للشريكين، وكلها مرت دون اعتراضات جدية للحركة، رغم أنه كانت هناك أسباب كثيرة للاعتراض.
نأتي الآن لحجر الزاوية، وهي النتيجة التي ستعلن قريبا، فطالما أن الحركة رضيت في النهاية بالجهاز الحالي للإحصاء والتعداد السكاني وبالعمليات التي تمت، فكيف لها أن تعترض على النتيجة؟
كان أفضل للحركة، ولنا، أن تعلن اعتراضها المبدئي على التعداد والطريقة التي تم بها وعدم اعترافها به منذ وقت طويل، أما الآن ففي الأمر مماحكة وعدم جدية، وتحويل التعداد إلى ما يطلبه المستمعون.
faisalmsalih@yahoo.co.uk

صحافة الدفع الآلي


أفق بعيد
صحافة الدفع الآلي
فيصل محمد صالح
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني
في بداية عملي الصحفي كتبت تحقيقا صحفيا عن المستشفيات الخاصة، كان في جوهره ناقدا لها ولأدائها، لكني صادفت عملا طبيا مميزا في إحدى المستشفيات الخاصة، كان الأول من نوعه بالسودان فنوهت عنه في سياق التحقيق. في اليوم الثاني لنشر التحقيق سألتني زميلة صحفية، في حضور زملاء آخرين، ببراءة شديدة، أو هكذا ظهر لي: "ناس المستشفى ديل أدوك كم"؟ وتركتني مذهولا. إلا أن زميلا مخضرما هون علي الأمر وشرح لي الموقف قائلا " يا ابني في ناس في الدنيا لا يتخذون موقفا ما ولا يعملون عملا ما لم يدفع لهم وفورا، لذلك هم يعتقدون أن كل الناس مثلهم، ولا يتصورون عمل شئ بسبب القناعة، وإنما لا بد من الدفع".
تصادفك هذه النماذج أينما تذهب وتتجه في هذه الحياة، فهناك نوع من البشر ينتظر مقابلا ماديا مباشرا لأي موقف يتخذه في الحياة، سياسيا كان أو اجتماعيا أو إنسانيا حتى. وينقل هؤلاء وضعهم هذا ليطبقوه على الآخرين، فطالما هو يتحرك بمحرك الدفع فلا بد أن الآخرين يتحركون بنفس محرك "الدفع الآلي". إذا أيدت الحكومة في قضية فلا بد أن تقبض منها، وإذا عارضتها فلا يمكن أن تكون معارضتك لوجه الله والوطن، بل لا بد أن هناك جهة ما تدفع لك.
والوسط الصحفي ليس بريئا من هذا الفيروس، ولا خاليا منه، فهناك من يتصرفون ويتخذون المواقف على قاعدة "الدفع الآلي" هذه، وهناك من يفسرون كل المواقف على هذا الأساس. ولا تظنن أن الأمر مجرد سوء تقدير أو حسابات خاطئة، بل هي مواقف مدروسة ومخطط لها سلفا. ربما لا يستطيع اللص الذي تم ضبطه بالجرم المشهود أن ينكر جريمته، لهذا من الأهون والأسهل عليه أن يقول إن الجميع لصوص وأنه ليس اللص الوحيد. قد لا يستطيع الساقط أخلاقيا وقيميا أن يقول إنه ليس كذلك، لأن الأدلة على سقوطه كثيرة، لذلك يميل للقول إن الجميع ساقطون.... وما في حد أحسن من حد..!
وهناك أسلوب آخر مثل "يعني شنو لو سرقت محفظة، يا ما في ناس بيسرقوا بنوك" وهكذا تهون سرقة المحفظة إذا قيست بحجم المبالغ المالية المسروقة من البنك. ويستخدم هذا الأسلوب لتبرير التعاملات غير الأخلاقية مع أجهزة وجهات تمنع أخلاقيات العمل الصحفي التعامل معها واتخاذها مصدرا، والتكسب منها،لأن من المعروف أن هدفها ليس الحقيقة ولا نقل المعلومات، فتكون الإجابة التبريرية " على الأقل دي جهات وطنية..لكن في ناس بيقبضوا من سكسونيا العليا".
وبين سكسونيا السفلى وسكسونيا العليا تضيع حقائق كثيرة.
قبل يومين نشرت الزميلة "آخر لحظة" تحقيقا قالت عناوينه أن هناك صحفيين يقبضون من الحكومة الأمريكية، ونشرت مختصرات للأسماء من الواضح أنها جزءا من تقارير لبعض الأجهزة، ولا يهمني التقرير في حد ذاته ، ولا علاقة الصحيفة بالأجهزة، لكن يهمني ما نشرته الصحيفة وصارت مسئولة عنه أخلاقيا وقانونيا. وقد جاء أحد الاختصارات مطابقا لاسمي ووضعي، والمطلوب من الزميلة "آخر لحظة" نشر الأسماء والوثائق كاملة خدمة للقارئ والحقيقة، وعندها سيكون لكل حادث حديث.

في سكسونيا العليا


أفق بعيد
في سكسونيا العليا
فيصل محمد صالح
ممنوع من النشر بأمر الرقيب
قالوا إن ديكتاتور اسبانيا الشهير فرانكو )1892- 1975 (عندما كان مريضا يحتضر أحس بأصوات وضجيج في الشارع، فسال أحد مرافقيه عن السبب، رد الرجل بأدب وتأثر "هذه جموع الشعب الأسباني تودعك يا سيادة الزعيم" فرد فرانكو مستعجبا: "وأين سيذهب الشعب الأسباني؟
!" .
الجنرال فرانسيسكو فرانكو هو الذي تسبب في الحرب الأهلية الاسبانية )1936-1939 ( التي راح ضحيتها مليون شخص، وحكم أسبانيا بقبضة حديدية حتى وفاته عام 1975. وهو من جيل هتلر وموسيليني، ومنح لنفسه لقب"الكوديللو" ومعناها زعيم الأمة.
جاء قرانكو من قلب الفاشية، فلم يكن يرى أسبانيا إلا في شخصه. بدأ من الإحساس بأن أسبانيا تحتاجه، وأنه الوحيد الذي يصلح لحكمها، قاد انقلابا تسبب في الحرب الأهلية التي مات فيها مليون شخص وكادت أن تقود لحرب عالمية، وقتل أنصاره شاعر أسبانيا والإنسانية العظيم لوركا الذي عاش ومات معاديا للديكتاتورية.
رأى فرانكو أن كل هذه التضحيات تهون في سبيل أن يحكم ، هو مخلص العالم وزعيم الأمة وسيد اسبانيا. ثم تضخمت ذاته حتى رأى نفسه هو أسبانيا، راحته من راحتها، سعادته من سعادتها، وبقائه في الحكم يعني أن أسبانيا باقية، وذهابه يعني فناء أسبانيا.
ومع هذا التضخم نسى فرانكو أنه بشر يمرض ويموت، وظن أنه باقي وخالد، علت تصوراته فوق مستوى البشر لتصل إلى مقامات عليا. إنه جنون العظمة الذي جعله لا يتصور أنه يمكن أن يموت ويغيب عن الوجود، لذلك فالتصور الأسهل لديه عن وداع الشعب الاسباني، أن الشعب راحل إلى مكان ما. ثم دارت الدنيا دورتها، مات فرانكو وذهب نسيا منسيا، وتفتحت أزهار الديمقراطية في أسبانيا، وعادت مدريد إلى حظيرة العالم الإنساني المتحضر.
لم يكن فرانكو استثناءا في العالم، فقد سبقته تجارب شبيهة، وتبعته تجارب سارت على خطاه، كلها سارت على نفس النهج الذي يمزج بين الفرد أو التنظيم الحاكم والوطن، بحيث يصيرا شيئا واحدا، المساس بأحدهما مساس بالآخر. إن انتقدت الحاكم أو أي من مساعديه فأنت تنتقد الوطن، وما لمنتقدي الوطن مآل غير الخيانة. وعبر هذا الطريق يكتسب الحزب والحاكم حصانة مطلقة، لا يأتيهما الباطل لا من خلفهم ولا من أمامهم.
في زمن مضى مر على بلد شقيق وزير داخلية كان يصف المعارضين بـ"قلة الأدب"، ليس لأنهم فالوا كلاما يخرج من دائرة الأدب والتهذيب أثناء انتقادهم للحزب الحاكم، وإنما لأنهم تجرأوا على النقد، أي كان نوعه أو لغته، فهو ممارسة خارجة عن الأدب. وكان الرجل كثير ما يعاير الشعب وقادة المعارضة بأنهم يعيشون وياكلون ويلبسون على حساب الحكومة، وكأنهم يعيشون في وطن الجيران، وليس في وطنهموليس غريبا أن يرى مسؤول آخر في بلد آخر من بلاد الدنيا، لعله سكسونيا السفلى أو العليا، وفي إطار الزود عن الحزب والحكومة، أن الشعب الذي يحكمه، كان يعيش كالشحادين، قبل مجئ الحزب والحكومة وتفضلهم برعاية الشعب ونقله من خانة الشحادة إلى خانة محترمة أخرى. إنه فرانكو سكسونيا الجديد.

إذا اختلف الشريكان


أفق بعيد
إذا اختلف الشريكان
فيصل محمد صالح
ممنوع من النشر بأمر الرقيب الأمني
تبادل الشريكان الاتهام حول مسؤولية إعداد مسودة قانون الصحافة الجديد، وفي ذلك خير عملا بقاعدة "إذا اختلف.....الخ" المعروفة. ومن دلائل الخير أن هذا الاختلاف وتبادل المسؤولية عن إعداد القانون يدل على أن في الأمر ما يستحق الإنكار، ولو كانت المسودة جيدة ومشرفة لتسابق الشريكان كعادتهما، للانفراد بنسب الفضل لأحدهما في ذلك. وإذا كنا قد كسبنا اعتراف الشريكين بأن القانون، كله أو بعضه، معيب، بدليل تبادل اتهامات المسؤولية، فهذه خطوة جبارة في ماراثون طويل لصياغة قانون صحافة ديمقراطي يناسب المرحلة المقبلة. والطبيعي أن يجلس الشريكان مع الأطراف ذات الصلة بقضية الصحافة والحريات العامة والتحول الديمقراطي لإجراء التعديلات اللازمة على مسودة القانون حتى يصبح قانونا مشرفا لاينكره معدوه قبل صياح الديك، على قول السيد المسيح عليه السلام.
ورغم أننا لسنا مهتمين الآن بمن أعد المسودة، إلا أن سباق الإنكار هذا لم يكن له مايبرره. المعروف أن هناك لجنة سياسية عليا مشتركة بين الشريكين يرأسها نائب الرئيس علي عثمان محمد طه من المؤتمر الوطني، ورياك مشار من قبل الحركة الشعبية، تناقش كل أمور الدولة وقوانينها وتتفق عليها قبل الدفع بها للبرلمان. وتتفرع منها لجنة فرعية مهمتها إعداد ومناقشة مسودات القوانين يرأسها احمد هارون من المؤتمر الوطني ومايكل مكوي وزير الشؤون القانونية بحكومة الجنوب عن الحركة الشعبية.
وقد أعدت اللجنة القانونية المشتركة مسودة القانون ووافقت عليه، ودفعته للجنة السياسية العليا فوافقت عليه، ثم دفعت به لمجلس الوزراء الذي وافق عليه في مرحلتين، القطاع السياسي أولا، ثم الجلسة العامة لمجلس الوزراء، وتم بعد ذلك إحالته للبرلمان.
قد يكون أي من الطرفين، الحركة أو المؤتمر، ققد دفع بالمسودة الأولى، لكن بعد مرورها بكل هذه المراحل، وتوقيع أحمد هارون ومايكل مكوي عليها، هل يمكن لطرف أن يقول انه لم يرها أو يناقشها. إن للحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ممثلين بالغين عاقلين راشدين، بالمعنى القانوني والشرعي، في كل هذه المراحل، وقد وافقوا على المسودة وقرروا إحالتها للبرلمان، فهل ثمة مفر ليقول أي طرف أنها مسؤولية الطرف الآخر وحده؟ ومنذ متى كان المؤتمر الوطني يبصم على ما تجئ به الحركة، لو صح كلام محمد الحسن الأمين، إذا لم يكن ذلك يصادف هواه.
يتساوى الشريكان في المسؤولية السياسية والقانونية عن هذه المسودة، وعليهما التحلي بالصدق والشفافية في الإقرار بهذه الحقيقة. ثم عليهما أن يرجعا للحق بالقبول بمبدأ تعديل هذه المسودة لتتلاءم مع الدستور الانتقالي ومع التزامات السودان الدولية والمعاهدات والمواثيق التي وقعت عليها الحكومة وصارت جزءا من الدستور كما ينص على ذلك.
لقد عمل الصحفيون والقانونيون المهتمون بمسالة حرية التعبير والتحول الديمقراطي، من مختلف الاتجاهات، على هذه المسودة، وأوضحوا مواطن الخلل ومزالق المخالفات الدستورية والحقوقية فيه، وأوضحوا سبل تنقيته وتنظيفه عبر مقترحات محددة.
هذا أول قوانين التحول الديمقراطي، والتسمية للشريكين وليس لي، فلتحاولوا أن تجعلوه كذلك.