الأحد، 18 يوليو 2010

بالعدالة الصارمة .. وليس بغيرها

بالعدالة الصارمة .. وليس بغيرها
حجبته الرقابة
مؤيد شريف
gouraffie@hotmail.com

* وبولاد وما لقيه من عنف الإخوة الأعداء يظل أنموذجا دال على فجور الإخوان في الخصومة وإستعدادهم الدائم والمستمر لإقتراف كل كبيرة في سبيل الإبقاء على سلطتهم وإستمرارها ، وإجتثاث كل رأي مخالف وقبره .

* ولم يكتفوا وقتها بقتاله سياسيا كما خرج هو عليهم بمطالبات سياسية بداية ، إنما عمدوا لتشويه صورته والعبث بمعتقده ، والإيحاء بخروجه عن مِلة الإسلام ، فقالوا عنه إفتراءً ما لم يثبت ولم يورده طرف موثوق على الحيدة . فتناقلوا وبثوا الزعم بردته عن الإسلام ، وتارة تحدثوا عن تنصره ووضعه لقلادة الصليب على رقبته ، ولفقوا عنه حادثة هدم مسجد فوق رؤوس مصليه .. وغيره الكثير من جزاف القول ونزقه .

* وتيقن بولاد ، كما أورد في مذكراته الخاصة صراحة ، تيقن من عنصرية الإنقاذ ومشروعها للسلطة والسيطرة ومفارقة "النظرية" المعلنة للسياسات المتبعة على الأرض . وذهب أكثر من ذلك عندما أشار باكراً لمخطط تتعهده الدوائر النافذة ودائرة إتخاذ القرار الضيقة يهدف لإفراغ مناطق واسعة في دارفور وخاصة مناطق جبل مرة من قاطنيها "الزنج" وإعادة توطين المجموعات المستعربة المدعومة من الدائرة النافذة الضيقة ذاتها ، وهو الأمر الذى تُدلل على صحته المحارق المتسعة في دارفور .

* وإخوان السودان تعودوا أن يصموا الآذان مكابرة إزاء كل إعتراض من الداخل ومطالبات بالتصحيح والإصلاح ، وبمثلما رُمي بولاد بداية الأمر بأفظع الاوصاف ولقي على أيديهم أسوأ مصير ، وجد نفرٌ من عضويتهم الملتزمة من ضباط سلاح الطيران تقريعاً وتخويفاً وإرعابا بعد تسجيلهم إعتراضات صريحة على سياسات القصف الجوي العشوائي للقرى الآهلة بالقرويين من المدنيين . ووصل الأمر ببعضهم أن خالفوا ما تُصدر إليهم من مهام جوية بالقصف لأهداف مدنية كابار المياه "الدونكي" والقرى الآمنة المطمئنة .

* ومحمد نور هو ضابط جوي برتبة وسيطة ، حُوكم عسكريا بالتجريد من الخدمة وعقوبات أخرى لرفضه الإنصياع لتعليمات القيادة بتنفيذ طلعات جوية على أماكن تأكد من أنها أهداف مدنية ولا تواجد فيها لعناصر التمرد الدارفوري ، ليتعرض لمعاملة قاسية على أرض دارفور قبل أن يُرحل الى الخرطوم ويمثل أمام القضاء العسكري بتهمة عصيان الأوامر.

* ورغم إنتماءه للتيار الإسلامي ، رفض الضابط المُجرد من رتبته العسكرية السُكوت والإذعان لحملات التخويف المُمارسة في حقه وحق اخرين تَماثلت مواقفهم بموقفه ، ليصعد مِّنبر خُطبة الجمعة في إحدى أحياء مدينة الثورة بأم درمان ، ويُخلص ضميره بمخاطبة الناس ، ويقول بالحرف : ( الذى حدث ويحدث في دارفور لا يرضي الله ولا رسوله ) .
* والعالم كله بمنظماته وهيئاته يُوقن اليوم أن ما حدث ويحدث في دارفور يُمثل عملاً منظماً بأهداف واضحة تعهدته دائرة القرار الضيقة بتبرير "الإنقاذ" ونفذته أياد مخلصة وتابعة للدائرة ذاتها من أجزاء قبلية محلية أُوهمت بإنتماءات معينة ، وخُوفت من مصائر تنتظرها حال سيطرة العناصر المتمردة في دارفور ، وبعضها غُرر به وأخرى بالمال والسلطة تُساق وتأتمر .

* وأطراف محدودة في النظام صاحب الجُرم المشهود ، تُقر بوقوع "أخطاء" في دارفور – أو هكذا تُسميها – وكان المستشار الرئاسي والقيادي في الإنقاذ غازي صلاح الدين قد صرح بذلك ، ووجد تصريحه "المُستسهل" لماساة الإنسان السوداني في دارفور ، وجد إنتقادات من الدائرة الضيقة النافذة ، ولاموه عليه لوماً حاسما ، ليعود بالقول أن "الاخطاء" في الحروب واردة . وما يدحض قوله ويعرفه الجميع أن القصف الجوي كان دائما ما يسبق هجمات الجنجويد على القرى ومراكز تجمعات المدنيين . بل أن أخبارا متواترة تحدثت عن هجمات مشتركة بين مليشيات الجنجويد وتشكيلات القوات النظامية .

* نحن في السودان مرشحين لأيام قادمة وقريبة من أنهار للدم سيما وقد وطأت نوعية من السياسيين تُعرف بشرهها للسلطة وهوسها بالحفاظ على مقاليد السلطة، ومن هنا تتبدى أهمية العدالة الصارمة . والعدالة الدولية مطلوبة في واقعنا السوداني الآني ، وما هي إلا نتيجة مباشرة لعبثهم بمؤسسات الدولة القضائية وتجييرها لمصالحهم الحزبية والذاتية ، ما أسقط عنها الثقة في الداخل والخارج ، وأفقدها أهليتها القومية ، وأحالنا لخيارات العدالة الدولية اللازمة .

ديمقراطية رأس الذئب الطائر .. مُنع من النشر

ديمقراطية رأس الذئب الطائر



فتحي الضَّـو

faldaw@hotmail.com

يُحكى في حاضر العصر والأوان، أن أسداً كان يمارس سلطاته في الغابة بديكتاتورية مُرعِبة. يعتقل هذا ويبطش بذاك، يعذب ذاك ويقتل هذا، ثمَّ يؤثر نفسه أولاً وحاشيته ثانياً بما لذَّ وطاب من الطعام والشراب بعد أن يرمي لرعيته الفتات. وظلَّ على هذا الحال ردحاً من الزمن، إلى أن جاءه ذات يوم أحد مساعديه، وهمس في أُذنه قائلاً: تستطيع يا مولاي أن تفعل كل هذا بطريقة ديمقراطية مبرأة من كل عيب، ويمكن أن نخرس بها أيضاً ألسنة منظمات حقوق الحيوانات، نلجم بها أكاذيب القرود في الغابة، بل يمكننا أن نلقم بها حتى وحيد القرن، مُدَّعي العدالة الانتقائية حجراً صلداً. تهللت أسارير الأسد وفغر فاهه بلاهةً، مثلما يفعل دائماً إزاء أي فكرة جهنمية يرى فيها خلاصاً لمعاناته مع الذين يُعيرونه بعدم الشرعية الدستورية، فقال لمساعده وكيف أيها الداهية؟ أجابه الأخير بثقة مفرطة: بأن نصمم لك انتخابات يا مولاي تتحدث عنها كل غابات الدنيا، ونستطيع أن نضمن لك فوزاً كاسحاً بلا منافس. فقال له الأسد بعيون قلقة: ولكن ماذا لو تكتل علينا الأعداء وفاز بالرئاسة أحد المتربصين ممن لا يسوون جناح بعوضة؟ فقال له مساعده الذي كان مستعداً بإجابة لكل سؤال: اطمئن يا مولاي، ألم تسمعني أقول من قبل أن ذلك لن يحدث إلا على جثثنا. وهل نسيت إننا عصبة بارعون في التزوير وفنونه، ولدينا من الحيل ما تعجز عن رصده حيوانات غابات الأمازون، رغم تسلحها بآخر تقنيات العصر والتكنولوجيا!

أذعن الأسد للفكرة الشيطانية، ومثلما قال له كبيرهم الذي علمه السحر، قامت الحاشية بإجراء الانتخابات، وسار كل شيء وفق ما رسموه غير آبهين بشنشنة المُعارضين ولا طنطنة المُتشككين، ونال الأسد في ختامها نصيب الأسد. وبناءً عليه أُعيد تنصيبه ملكاً على حيوانات الغابة. فضُربت الدفوف ونهق المغنون، وعندما استبد به الطرب أخذ عصاه كالمعتاد وبدأ يرقص جزلاً. وبعدها أدى ذات القسم الذي سبق ونطق به وحنثه عدة مرات، وبدأ في ممارسة سلطاته بزهو وخيلاء، لدرجة توهم فيها فعلاً إنه أصبح ملكاً شرعياً وحاكماً منتخباً بطريقة ديمقراطية حرة ونزيهة. ومع تضخم هذا الشعور الزائف، سولت له نفسه ذات يوم أن تشهد طائفة من رعيته احترامه للرأي والرأي الآخر. فاصطاد عجلاً حنيذاً، ونادى على الذئب والثعلب، ثم قال للأول: بما أنني ملك منتخب أريد أن أطبق الديمقراطية، اطلب منك يا مستشاري العزيز أن تُقسِّم هذا العجل تقسيماً عادلاً. صدق الذئب البريء فرية أن مليكه صار بين عشية وضحاها ديمقراطياً تغار منه ديكتاتوريات عتيدة، فقال له: حسناً يا مولاي، سأقطع العجل إلى ثلاثة أجزاء، الثلث الأول لك، والثاني لي والثالث للثعلب. استشاط الأسد غضباً وتملكته غريزة الغاب التي غلب فيها الطبع التطبع، فضرب الذئب ضربة واحدة طيَّرت رأسه في الهواء. ثمَّ التفت إلى الثعلب وقال له بابتسامة خبيثة: ماذا ترى يا مستشاري الآخر: فقال له الثعلب أطال الله عمر مولاي: ثلث لإفطارك، وثلث لغدائك، وثلث لعشائك. فضحك الأسد حتى بانت نواجذه، وقال للثعلب الماكر: ومن ذا الذي علمك كل هذا الانصاف يا مستشاري العادل؟ فقال له الثعلب بثقة: رأس الذئب الطائر يا مولاي!

عملاً بالقاعدة الأزلية التي تقول بضدها تتبين الأشياء. كنا نسعد دوماً كلما سمعنا العصبة ذوي البأس تنطق بعبارة التحول الديمقراطي. لا لشيء إلا لأن العبارة تضمنت اعترافاً صريحاً لما ظلَّ يردده معارضوها منذ سنين عددا. أي أن المقولة أكدت بلا مراء إن النظام الذي يزمع التحول الديمقراطي هو في الأصل نظام انقلابي، وحكم بموجب عدم شرعيته هذه، ومارس في السلطة كل موبقات الديكتاتورية البغيضة.. من قتل وتشريد، وسجن وتعذيب، وفساد واستبداد. ولكن هب يا مولاى أن تلك صفحة انطوت وفق ما يشتهون، وهب أيضاً إننا صدَّقنا الأكذوبة الكبرى وفق ما يروجون. أي آمنا بأن الانتخابات التي أُجريت بغرض التحول الديمقراطي المزعوم كانت انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. أليس المفروض في انتخابات بهذه المواصفات أن تنتج نظاماً ديمقراطياً يحترم إرادة مواطنيه وخياراتهم؟ لكن الذي حدث كما تعلمون، أن العصبة الحاكمة عجنت قديمها وصبته في جديدها، إذ أعادت إنتاج نفسها بذات ممارسات الجاهلية الأولى، إن لم يكن أسوأ وأمر. وهنا لابد أن غيري سيتساءل بمثلما تساءلنا عن العار العظيم.. ما جدوى الانتخابات التي ملأت بها العصبة الأرض رجَّاً وخجَّاً، وصرفت عليها مليارات الجنيهات من خزينة الدولة عداً ونقداً، وملايين الدولارات من محسني المجتمع الدولي شرقاً وغرباً؟ أو بصورة أخرى هل كانت فعلاً في حاجة لانتخابات تقنن بها وجودها في السلطة، سيَّما، إن الله أوكل لها هذه المهمة الدنيوية كما ادعت؟ ولماذا انتخابات طالما أن العصبة تعتقد إن الرعية لو اجتمعت على قلب رجل واحد فلا يحق لها أن تزيحها عن السلطة، فالوحيد الذي يحق له أن يفعل هو من منحها التفويض الالهي ولا أحد سواه؟

لكن ذلك مأزق آخر وما يشعرون. سيقول لهم: ما جدوى المرجعية الدينية إذا المُفوَّض ضرب بعرض الحائط ركن ركين من شرائع الله عندما غضَّ البصر عن ربا (سوق المواسير) بل ما جدوى المرجعية الدنيوية نفسها إذا وطِأ عبد الباسط سبدرات حارس القانون القديم نصوصها وصفع بها ضحايا السوق المذكور، ذلك حينما أهداهم قبل أن يترجل من مقعده المستدام مثل أهل السودان الدارج (المال تلتو ولا كتلتو) وما جدوى الشرعية الانتخابية إذا كان من يهواها مهيض الجناح وهواتها ضنَّوا بنشر جناح الذل من الرحمة لرعاياهم. فعوضاً أن يأمن المُفوَّض أهل قريش من خوف، إذا به يوجه فوهات بنادقه نحو صدور شباب الغد، فيصرع عدداً من طلاب جامعة الدلنج ويجرح آخرين في بواكير العهد الديمقراطي الجديد، وليضافوا بدورهم لضحايا النظام الديمقراطي القديم في الجامعات المختلفة وبورتسودان وكجبار وأمري. ما قيمة الحريات الصحافية بعد الانتخابات الديمقراطية الموسومة بالحرية والنزاهة، إذا كان نصيب من يمارسها الزج به في غياهب السجن، مثلما حدث للزميل أبو ذر على الأمين ورفاقه من صحافيي (رأى الشعب) ما أبخس الحريات إذا خالطها رقيب وغازلها عتيد. وفيم الحريات النقابية إذا كان ثمنها اعتقال أطباء لا يملكون من حطام الدنيا، سوى (دبابة) معلقة على أعناقهم يكشفون بها على صدور المرضى. ويبدو لي والله أعلم، إنها سبب غضبة العصبة المضرية، فقد نازعها الأطباء الكشف على قلوب العباد، وتلك خصيصة يظنونها واجباً من واجباتهم تجاه رعاياهم. والمعروف أن العصبة الحاكمة لا تملك معارضة في البرلمان المنتخب (ديمقراطياً) ولا تريد كائناً معارضاً في صحافة حرة، ولا تود أن تسمع حسيباً من عامة الناس. ومع كل ذلك فإنك لو سألتها كيف إذاً ستعرف أخطاءها وخطاياها، وكيف ستكشف عن الفساد والفاسدين، سيقولون لك: إن الله منحهم بعض صفاته بوصفهم ظلاً له في الأرض!

بالطبع ودت العصبة الحاكمة لو أننا كنا ثعالب مكَّارين حتى نستطيع أن نرضي غرورهم، ونقول لهم: إنهم أفضل خلق الله إنساناً. وإنهم مبعوثو العناية الربانية لانتشال شعب ضال من الظلمات إلى النور. وإنهم الأطهر يداً حتى استحى الفساد من براءتهم. وإنهم الأعف لساناً حتى تضاءل معارضوهم خجلاً. وإنهم الأكثر وطنية وغيرهم خونة وعملاء ومأجورون. وإنهم المالكون عقولاً إكتوارية تقول لرعاياها أريحوا عقولكم، فلا نريد أن نرهقكم من أمركم عُسراً. وإنهم وحدهم من يحق له أن يفكر ويقرر وينفذ نيابة عنَّا. وإنهم الحاكمون بأمرهم، المستأثرون بالسلطة لأنفسهم، والمتصرفون في الثروة لذواتهم. وإنهم القادرون على رفع من يشاء وذل من يشاء. هم يا مولاى يريدون ثعالب تقول لهم: نحن الرعية وأنتم الرعاة.. بايعناكم على المكره والمنشط، منكم القول ومنَّا السمع والطاعة. يريدون ثعالب تقول لهم: الخرطوم لعشائكم والفاشر لغدائكم وجوبا لإفطاركم!

صفوة القول إن الاجراءات التي قامت بها العصبة وجرى استعراضها وضّحت بما لا يدع مجالاً للشك إن الهدف الاساسي من وراء هذه الانتخابات هو البحث عن شرعية مفقودة، وكنت قد قرأت حديثاً لأحد دهاقنتها يؤكد قولنا هذا في لحظة تجلِّ غريبة. فقد قال د. عبد الرحيم علي عضو المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني لصحيفة الحقيقة بتاريخ 31/5/2010 تفسيراً لو قاله أحد معارضيهم لكان نصيبه النكران المبين، قال: (فالعقلية التي كانت سائدة عندنا هي أن نثبت للعالم وليس فقط السودانيين أن هناك انتخابات حرة ونزيهة وشريفة وحقيقية فاز فيها البشير، لأن موضوع شرعية البشير كان موضع شك ونقد طوال عشرين سنة) ولا يملك المرء إلا أن يقول إذا كانت شرعية كهذه باهظة الثمن بمثل ما رأينا فلتذهب الشرعية للجحيم!

يا أيها الذئاب الذين حسنت نواياهم وظنوا أن بمقدور الديكتاتور أن يُغير جلده، لم تكونوا في حاجة لأن تدفعوا رؤوسكم ثمناً لفعل كان ينبغي أنكم تعرفون مالآته سلفاً، فإن من جلسوا القرفصاء على سدة الحكم لعشرين عاماً متصلة، ولا يعرف الناس لهم إنجازاً سوى الرقص على أشلاء وطن مزقوا هويته ولوثوا هواه، لن يكون لديهم جديد يراهن الناس عليه. لقد قيض الله لأهل السودان أن ينعموا بمطالعة وجوه حيناً من الدهر، تقلبت في كراسى الوزارة حتى أصبح الاستوزار محض هواية. حكومة من 99 وجهاً (هي في طريقها اتساقاً مع التوكيل الربّاني) تستطيع العصبة الحاكمة أن تدفع بها إلى قائمة جينس للأرقام القياسية وتضمن بها النصر المبين!..

فيا كتبة السلطان، يا من نزعتم الحياء عن وجوهكم واقلامكم، ويا من توسدتم ضمائركم ونمتم عليها، ويا من امتلأت بطونكم بأموال السحت، وصدوركم بآيات النفاق.. أن تصبح ذئباً بريئاً خير لك من أن تكون ثعلباً ماكراً.. حتى لو كان رأسك ثمناً لقول الحق وقرباناً لاجلاء الحقيقة!!



* هذا المقال منعته الرقابة الأمنية من النشر في صحيفة (الأحداث) السودانية اليوم 18/7/2010



السبت، 10 يوليو 2010

كتب خصيصا ليحجبه الرقيب ..!!
زهير السراج

منع من النشر

* قد يقبل الانسان الظلم على نفسه إذا عانى منه الاخرون بنفس القدر، أو كما يقول البعض .. ( المساواة فى الظلم عدل) وان كنت أرفض هذه المقولة لانها تحرض على الاستسلام للظلم وهو عكس ما ادعو إليه وأقاتل من أجله وسأظل أفعل ذلك ما حييت باذن الله بدون خوف أو وجل الا من الله سبحانه وتعالى !!

* منذ حوالى شهر عادت الرقابة الأمنية على صحيفتنا ضمن قلة من الصحف هن الزميلات ( أجراس الحرية والميدان والصحافة ) كان نتيجتها تعثر صدورهن وتعرضهن لاشكال متنوعة من المعاناة منها ضعف المادة الصحفية التى يتلقاها القارئ بسبب البتر والحجب والمنع .. إلخ مما يضع هذه الصحف فى مقارنة غير عادلة أمام القراء مقارنة بغيرها من الصحف التى تتمتع بحرية اتخاذ القرار فى ما يتعلق بالمادة المنشورة .. أما نحن وبقية الزميلات فنخضع لمزاج رئيس التحرير ( ضابط الأمن) الذى فرضته علينا الدولة، وليته كان شخصا واحدا حتى نتكيف على مزاجه ونفهم طبيعة تفكيره ونتحاشى المواد التى تثير شهوته للبتر والحج والمنع فتصدر الصحيفة بأقل معاناة وأقل خسائر ممكنة، الا أننا نشهد كل يوم أو بضعة أيام رئيس تحرير جديدا له مزاجه ورغباته وشهواته التى تختلف عن أمزجة ورغبات وشهوات غيره من رؤساء التحرير الأمنيين وان كانوا جميعا يتميزون بالحساسية الشديدة تجاه نقد الاخطاء الحكومية خاصة أخطاء كبار المسؤولين، ومما يزيد الأمر سوءا انهم يؤدون هذا الدور بدون موجهات عامة تضعها لهم الجهة التى ترسلهم فيعملون حسب تقديرهم الشخصى وهو ليس خطأهم بكل تأكيد !!

* فى محاولة لمعالجة هذا الوضع المعقد والظالم إلتقى رئيسا تحرير جريدتى (السودانى والصحافة ) برفقة الدكتور محى الدين تيتاوى رئيس الاتحاد العام للصحفيين بالاخوة فى جهاز الأمن الذين وافقوا على رفع الرقابة عن الصحيفتين شريطة ان تمتنعتا امتناعا كاملا عن نشر أية اخبار او مواد تتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية وقضية صحفييى جريدة ( رأى الشعب ) الغراء وقضية الأطباء، ووافق رئيسا التحرير على الشرط رغم اجحافه الشديد فرفعت الرقابة إلا انها عادت مجددا ( الى صحيفتنا) بعد بضعة ايام فقط، والحق يقال فان صحيفتنا هى التى تسببت فى ذلك بخرقها للاتفاق ( فى غياب رئيس التحرير بسبب المرض) ونشرها لواقعة تعرض الزميل الصحفى ( ابوذر) للضرب والتعذيب بعنوان كبير فى الصفحة الاولى مع صورة توضح اثار التعذيب !!

* وبرغم أن زاويتى ( مناظير) كانت الأكثر عرضة للرقابة والبتر بعد عودة الرقيب، إلا اننى كنت اتقبل ذلك بروح طيبة لتفهمى للظروف التى يعمل فيها الرقباء وانعدام التوجيهات، بل ذهبت الى ابعد من ذلك وابتعدت تماما عن الموضوعات التى يمكن ان تثير الرقيب الى ان فوجئت به يحجب لى مادة اكثر من عادية عن (تسجيلات الأراضى) توجد مثلها عشرات فى الصحف ، فأيقنت أن مقالاتى ( وصحيفتى بالطبع) ــ خاصة مع وجود ملابسات اخرى ــ صارت مستهدفة لذاتها وليس لطبيعتها، فقررت أن أتحرر من قيود الرقابة الذاتية التى كنت افرضها على نفسى واكتب ما يمليه على ضميرى وليس ما يفرضه رئيس التحرير الحكومى، وإذا شاء فليحجب من الصحيفة الورقية ما يحجب ما دام هنالك متسع فى الصحف والمواقع الالكترونية التى تتكرم مشكورة بنشر مقالاتى ومنها ( الراكوبة وسودانيزاونلاين وسودانايل والنيلين وسودان إليت) وغيرهم، ويسعدنى ويشرفنى أن يحتضنوا مقالاتى إذا أصر الرقيب على منع نشرها فى مكانها الصبيعى ( ومنهم هذا المقال بالطبع) أو إذا سمح بذلك، كما اننى ساضعها على (الفيس بوك وبلوق دوت كوم) تحت عنوان (مناظير) بالعربية والانجليزية حتى يتيسر لى انشاء موقعى الخاص قريبا ان شاء الله.

* من المؤسف ان تكون مجرد مقالات رأى ناقدة وكاشفة للفساد والسياسات الخاطئة هى هدف الحكومة وليس الفساد والسياسات الخاطئة، وان يكون الصحفيون هم الهدف بدلا عن المفسدين .. ولكن الى متى؟! .. (ويمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين) صدق الله العظيم.

* غدا باذن الله أحدثكم عن الحرب القذرة التى تتعرض لها ( السودانى) ووجود رئيس التحرير فى الحراسة منذ عشرة أيام !!


مناظير -
drzoheirali@yahoo.com
30 يونيو 2010

هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (4)

هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (4)


فتحي الضَّـو

faldaw@hotmail.com

يبدو لي - والله أعلم - أن التساؤل الذي تضمنه العنوان أعلاه قد اتّضحت إجابته بعض الشيء في الحلقات الثلاثة الماضية من هذه السلسلة. فالواقع أن شعب السودان لم يعرف الإسلام يوم أن تسلقت العُصبة ذوي البأس سنام السلطة في الثلاثين من يونيو عام 1989 بدعوى أنهم المبعوثون من لدن ربِّ العالمين لقوم ضالين. وهو الادعاء السمج الذي لم يراع واقعاً يقول إن المسلمين الذين ظلوا يعيشون ويتناسلون على أرض السودان، كانوا قد دخلوا دين الله أفواجاً بعد الفتوحات الإسلامية التي قادها عبد الله بن أبي السرح في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وكانت معركة دنقلا في العام 31 للهجرة، الموافق 651 للميلاد، أي أنه بحلول العام الحالي 1431 هجري، يكون الإسلام قد أقام نحو 1400 سنة بالتمام والكمال في التراب السوداني. وهي الإقامة التي مهدت لها الاتفاقية الشهيرة المسماة (باتفاقية البقط) المبرمة بين المسلمين الغزاة والمقيمين المسيحيين. وكلنا يعلم أنه طيلة هذه الفترة عدا العقدين الأخيرين اللذين حكمت فيهما العصبة الإسلاموية، لم يكن الإسلام مصدر جدل، ولم يقل السودانيون إنهم محتاجون أصلاً إلى من يدلهم على دين لم يعرفوه من قبل. بل حتى الشعوب والقبائل السودانية التي دانت بغير الإسلام، تعايشت في ظل تسامح فريد امتثالاً للمبدأ القرآني الذي يحض على ذلك. وهي الظاهرة التي انتجت فيما بعد (الهوية السودانوية) كما يحلو للبعض أن يسمى هجين الثقافتين الأفريقانية والعربانوية. بيد أن الذي يهمنا من هذه الفذلكة التاريخية العابرة، التأكيد بأن تعدد العقائد الدينية والطوائف الأرواحية وتعايشهما السلمي على أرض السودان، كان له الدور الكبير في إثراء تلك الهوية الثقافية المختلطة. وهو الأمر الذي اهتزّت ركائزه في العقدين الأخيرين اللذين حكمت فيهما العصبة، وتشوَّش فيهما الإسلام كعقيدة بجدل سفسطائي كاد أن يعصف به لولا أن له ربٌّ يحميه، وبعض عباده المخلصين ممن استمسك بالعروة الوثقى!

لكن هب يا مولاي أن أهل السودان المعنيين بالرسالة كانوا بالفعل كقوم هود وعاد وثمود. وهب أيضاً أن العصبة ذوي البأس هم أنبياء القرن العشرين المكلفين بهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور. عليه فإن التساؤل الذي يطرح نفسه، أليس فرضاً أن يكون حامل لواء الرسالة على خلق اقتداءً بالنبي الكريم الذي وصفه ربه بقوله (وإنك لعَلىَ خُلُقٍ عظِيم) ووصف نفسه بقوله (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) أليس واجباً أن يمتثل حامل لواء الرسالة بعدالة عمر بن الخطاب الذي ركض وراء بعير فرَّ من بيت مال المسلمين وقال فيه قولته الشهيرة (لو أن دابة تعثرت بأرض العراق لسُئلت منها يوم القيامة) أليس ضرورة أن يكون حامل لواء الرسالة في زهد أبي ذر الغفاري الذي مات وليس لديه ثوب يسع كفنه. ولكن أن ينهي حامل لواء الرسالة عن خلقٍ ويأتي بمثله، فذاك لعمري هو ما حدا بكثير من أهل السودان لأن يجهروا بقولهم: لو أن الدين الذي يحلل قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق هو الإسلام لتبرأوا منه، ولو أن الدين الذي يأخذ الناس بالشبهات هو الإسلام لفروا منه. ولو أن الدين الذي يعمل على قطع أرزاق الناس هو الإسلام لولوا الأدبار عنه. ولو أن الدين الذي يغض الطرف عن أكل اموال الناس بالباطل ويجعل للفساد سنناً وفرائض هو الإسلام لتنصلوا منه. لكن الحمد لله الذي أنعم على مسلمي أهل السودان نعمة التمييز بين الحق والباطل. فلا يغرنك يا من أنزل الله سكينته على قلبك، إنه بمثلما كان هناك في التاريخ الإسلامي عمر بن عبد العزيز الذي كانت تبكي عينه آناء الليل واطراف النهار من خشية الله، ففيه أيضاً الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أبكى خلق الله!

استناداً إلى الجزء الأول من التساؤل.. هل كفرت العصبة؟ نحن في الواقع لا نحذو حذوها في منهج التكفير، لأنه لم يتثن لنا شق قلوبهم لنرى ما إذا كانوا قوماً ضالين أم مؤمنين. ولكن الذي نعنيه تؤكده وقائع الأحوال في أنهم تنكروا وتنصلوا لما ادعوا أنه مشروع حضاري إسلامي وشغلوا به الناس حيناً من الدهر. ولنضرب في ذلك مثلاً جلياً. كلنا يعلم أنهم عند مجيئهم للسلطة استهدفوا – قولاً وفعلاً - شريحيتن هامتين من شرائح المجتمع السوداني، والتي قلنا إنها ظلت على مدى أربعة عشر قرناً تتعايش في وئام وسلام وأُلفة. كانت الفئة الأولى هم الجنوبيون الذين اسقطت مواطنيتهم وخاضت ضدهم حرباً جهادية كلفت الكثير من الأنفس والثمرات. ثمَّ عندما ضاقت واستحكمت الحلقات على طموحاتها وبدا أن إغراء السلطة للبقاء في سدتها يحتاج لتنازل، قامت على الفور بنحر القداسة على أعتاب السياسة، إذ وقعت في العام 1997 على اتفاقية الايغاد (العلمانية) والتي شيَّعت المشروع إلى مثواه الأخير، وبموجب الاتفاقية وقعت سلام نيفاشا الذي أعاد الجنوبيين إلى حياض دولة المواطنة ونزع عنهم الكفر والإلحاد. الشريحة الثانية التي استهدفها المشروع المزعوم هم الطائفة القبطية الذين فروا بدينهم واحتوتهم منافي ومهاجر وراء الحدود.. في مصر وكندا واستراليا واوروبا. ومع هذا وامتداداً لمناخ التزوير الذي دشنت به الانتخابات يمكنك أن تسمع بعد عقدين كلاماً عجباً، وتقرأ لحادي القوم في لقائه بالطائفة القبطية بدار المحبة بأمدرمان يوم 28/2/2010 نفياً مغلظاً عن (تعرض المسيحيين إلى الاضطهاد الديني بالبلاد. ومشدداً على أن المسيحيين الأقباط لقنوا أعداء التعايش السلمي والمتربصين بالسودان درساً عبر إظهارهم التسامح الديني السوداني بأفضل صورة) ولهذا لا غروَّ بعدئذِ أن تسمعه يقول أيضاً بعد عقدين أغبرين (نحن يا جماعة جينا لرد المظالم) ممن يا هداك الله؟ لا أحد يعلم. ولكن الذي عزَّ علي فهمه حقيقة وأرهقني من أمري عسراً. هو إنه بالرغم من أن العصبة قبرت المشروع بما اعتوره من علل، فما زال هناك ناعق يقول هي لله، وما زال هناك زاعق يقول إنهم جاءوا لتثبيت شرع الله، تماماً مثل الوالي كرم الله عباس، كرَّم الله وجهه!

لم يكن عصياً لكل ذي بصر وبصيرة أن يدركوا ما أدركه البعض بعد عقدين، في أن العصبة لبست رداء الدين لتحقيق أغراض لا علاقة لها بالدين ورسالته السامية. لم يكن سراة القوم في حاجة لأن يثبتوا أن التغيير نفسه الذي حدث وأجهض حكماً ديمقراطياً، كان يمثل خرقاً فاضحاً للمرجعية الدينية التي لم يشر قرآنها ولا سننها إلى الانقلاب كآلية من آليات الاستيلاء على السلطة. ولو أنها كانت كذلك لما جرت دماء المسلمين أنهاراً في واقعة الجمل وصفين وكربلاء وحتى قادسية صدام حسين. ولو أنها كانت كذلك لما وجَّه الخالق رسوله بقوله (وشاورهم في الأمر) ولما ألزم خلقه بضرورة أن يكون (أمرهم شورى بينهم) وبالقدر نفسه لسنا في حاجة للتأكيد على أن فقه الضرورة الذي اتكأت عليه العصبة وجعلته مرجعية كل أفعالها وأعمالها، وهو الذي خوَّل لهم استخدام كل الوسائل بما في ذلك غير الاخلاقية من أجل البقاء في السلطة. ومن أجل هذا نفسه كان التخبط والافتراء حتى في تبرير الفشل، والذي وجد ملاذاً حصيناً في دعاوى الاستهداف. إذ طفقوا يروجون بأنهم مستهدفون في ملتهم وعقيدتهم من فسطاط الكفر، ولا يدري المرء لماذا لا يستهدف أولئك النصارى المملكة العربية السعودية جارتنا في الشمال الشرقي، ومهد الرسالة المحمدية والتي تحكم بالشريعة الإسلامية – اتفق معها الناس أم اختلفوا – ولم تقل إنها مستضعفة في دينها ولا أرضها، ولم تدع يوماً أن الغرب الصليبي حشد جنوده لدك الكعبة المشرفة أو غزو المدينة المنورة. غير أن الذي يصعب هضمه مرة أخرى في أن يستمروا في ترديد ذات النشيد، في الوقت الذي فتحوا فيه أبواب الدولة لاستخبارات دول البغي والاستكبار، وبسطوا أمامها أسرار الذين استجاروا بهم وظنوا واهمين ألا ظل إلا ظلهم!

لأن الكذب مآلاته واضحة للعيان، كان لابد أن تقود العصبة البلاد والعباد إلى موارد التهلكة بشيء لم يألفوه من قبل. فقد فوجيء المجتمع السوداني الذي قلنا عنه أنه تدثر بالتسامح وتزمل بالسلام، بظهور التطرف البغيض الذي تجلى في أحداث درامية فزع منها الناس. ذلك ما حدث في مسجد الحارة 18 بمدينة الثورة، وأدى إلى مطاردات (جيمس بوندية) في شوارع العاصمة المثلثة بين حرس المتطرف الأكبر أسامة بن لادن والمتطرف الأصغر الحليفي. وحدث في مسجد الجرافة وفي كمبو بمدينة ود مدني وضاحية الكلاكلة ومقتل الفنان خوجلي عثمان، ونقلوا الجرثومة إلى خارج الحدود بالعملية التي دفع السودانيون جميعاً ثمنها، ثم أخيراً مقتل غرانفيل موظف هيئة المساعدات الأمريكية. ويبدو أن الناس ألفوا النوم مع الشيطان لدرجة بات خبراً انفردت به صحيفة الصحافة 30/5/2010 لا يجد عيناً تدمع ولا قلباً يخشع على وطنٍ سيحصد زرع العصبة البئيس (اجتمعت مجموعات سلفية تحت مظلة الشيخ السوري الزائر محمد سرور بن نايف زين العابدين، تواثقت فيه على التخلي عن التكفير والغلو في الدين والابتعاد عن التطرف) وبعد هذا، هل في ذلك قسم لذي حجر يثبت إلى أين نحن منقادون؟!

أيها الناس الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما وطن يتأرجح، فمن شاء منكم الإبقاء على هذا الوطن موحداً آمناً مستقراً دار سلام وعدل مثل رسالة الإسلام نفسه، فليقل جهراً إنه لا يمكن فرض عقيدة واحدة على شعوبه المتعددة دينياً وثقافياً، وليقل جهراً إن الدولة المدنية الديمقراطية هي الكفيلة بهذا التنوع، وليقل جهراً إن الدولة الدينية مرفوضة لسودان فسيسفائي حتى لو جاءت شريعتها مبرأة من كل عيب. وليقل جهراً إن تجار الدين هم الذين جلبوا له الكوارث والإسلام منهم براء. نقول هذا ونحمد الله الذي هيأ لنا من أمرنا رشداً ومكَّنا أن نكون من زمرة عباده الشاهدين بوحدانيته، المقيمون لصلاته، الصائمون لفريضته، المزكون لماله، والحاجون لبيتٍ استطاعوا إليه سبيلاً. ولو أن المولى تبارك وتعالى أرانا آياته في أنفسنا وفي الافاق بركن سادس وسابع وعاشر لما توانينا برهة في تلبيته! أقول قولي هذا من قبل أن يسارع مدعٍ أثيم ويرمينا بما ليس فينا من تهم ثقيلة على اللسان غليظة في القلب، مثل تلك التي وصموا بها شهيد الفكر الإنساني الحر!!

ملحوظة: هذا المقال منعته الرقابة الأمنية من النشر في صحيفة (الأحداث) السودانية.

ألكَلِمَة

ألكَلِمَة

منعت الرقابة نشر المقال على صفحات "أجراس الحرية"
مؤيد شريف
gouraffie@hotmail.com


* ألكَلِمَةُ في أزمة . بل هي ذاتها أزمة ؛ ما دامت على طبيعتها الأزلية في إنقسامها بين الـ "نعم" والـ "لا" ، بين المُوالاة والمعارضة ، وما دامت عصبُ أدميتنا ، وروحُ غاية الحياة فيّنا . وقال سُقراطُ قديما : ( إنَّ الحَيَاةَ لا تَسْتَحِق الاِعتِبار ، إذا لَمْ نُقَومْها بالحِوارِ والمُناقَشَة ) ، وهي عمادُ الحوار وأصلُ المناقشة وركنُ بث "الرسالة" الركين وأداة للتنوير والتغيير .


* وحرية الكلمة شرط فعالية الكلمة وتمام رسالتها . ولا يقع أثر للكلمة في غياب الحرية عنها . والتضييق على حرية الكلمة وقمعها إستهلال لإفراغ العنف في النفوس ، وإستبدال للطافة الحوار بغلواء التعصب واللغو والهتر الضار .

* يشهد التاريخ وتشهد وقائعه على صدام طويل دامٍ بين الكلمة وحملتها وأصحاب السلطة وسدنتها . وصاحب السلطة بطبيعته الأولى ينزع تجاه إحتكار الكلام ، وتثبيت الرأي وإضفاء القدسية عليه . وحملةُ الكلمة مادةُ عملهم الحوار والمناقشة وإبداء الرأي .

* حفنة من أصحاب السلطة وعوا حقيقة أن الكلمة لا تُدحض إلا بالكلمة ، والرأي لا يُواجه إلا بالرأي الآخر . أما الغالبية منهم تراهم يفضلون إتباع إسلوب كبت حرية الكلمة والتضييق على كل رأي مخالف وتحليل معارض . وهم في سعيهم هذا يسقطون الثقة عن المتلقي العاقل والقادر على التمييز بين المُفيد من الكلمِ ولغوه وهتره . ويحاولون "تأصيل" وتذهين العامة وجلبهم لنمط من التفكير واحد وجامد غير متحرك ، وهذا ما يناقض طبائع الحياة والناس على إختلافاتهم .

* والسلطة المرتعدة فرائضها من الكلمة المعارضة هي غالباً ما تكون سلطة إعتلت الحكم بوسائل غير حميدة ولا أمينة ،وفوق ذلك فهي فاقدة للقدرة على التواصل بالرأي والحجة مع شعوبها وتجاه معارضي الرأي منها ، وغير محتكمة على مشروع فكري مُقنع وله جذبه وجاذبيته ، وكل النقص هذا فيها يُحيلها – وما أن تعجز عن مقارعة الرأي بالرأي والكلمة بالكلمة – لوسائل الحجر والتضييق للرأي المخالف وجهتها ومحاولة تغييبه وعزله وتحييد أثره وضربه بوسائل أمنية وقضائية وإقتصادية متنوعة .

* ليس كل نقدٍ هدم ، وليس كل رأي مخالف يُخون وتُلصق به أشد العبارات خصومة وخشونة كالعمالة والإرتزاق والإضرار بالأمن القومي وبث الفتنة وغيرها من قوالب الإتهام الجاهزة . وسلطة يهدمها نقد مكتوب أو معارضة مقُولة هي قطعا سلطة بلغت من الضعف والإهتراء بالغاً يؤشر على فقدها لدواعي إستمرارها وبقاء سلطتها . وليس في ذلك تقليل من أثر الكلمة ، أنما إشارة لضعف كامن في السلطة .

* ولنا أن نسأل عن حال مجتمع ووضع أمة لا تكتب أقلامها غير "نعم" ولا ترتفع فيها أصوات معارضة ؟ هي حتما أمة باردة أطرافها تشرف على الهلاك . فتعطيل الرأي الاخر من تعطيل العقول وتثبيط الإرادات وقتل روح المبادرة . والنظامُ لا يحفظه شديدو القوة بالغي المكر في التدبير ، إنما تحفظه أمانة التكليف والقيام بحقها في العدل والعدالة والإنصاف وحفظ الحقوق وسيادة القانون على القوي بالسلطة قبل المستضعف من غيرها .