الثلاثاء، 30 يونيو 2009

وأين صوت أهل السودان؟!




الحاج وراق
مقال حجبته الرقابة الأمنية
مسارب الضي
مفارقات:
وأين صوت أهل السودان؟!
• في أخطر لحظة من لحظات تاريخ السودان الحديث، وأشدها تعقيداً- حيث يواجه رئيس الجمهورية الحالي الاتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية- مع ما يجره مثل هذا الاتهام من احتمال مواجهة البلاد لعزلة دولية موحشة وعقوبات اقتصادية شاملة واحتمال إنزلاق البلاد بالتالي إلى حمأة الفوضى والتفتيت، إضافة إلى مخاطر هذا الاتهام على وحدة البلاد الموضوعة على المحك في استفتاء عام 2011م الوشيك! وهذا بالطبع كله إضافة إلى استمرار الكارثة الإنسانية في دارفور، بل واحتمال كارثة أخرى في الجنوب، حيث تتصاعد الحرب النفسية ضد الحركة الشعبية والجيش الشعبي، ويتنامى مناخ عدم الثقة بين طرفي نيفاشا، وتتصاعد النذر باندفاع الطرفين في الاستعدادات لاحتمال تجدد الحرب، وهذه في حال وقوعها، كما تشير كل الدلائل المتوفرة، لن تبقي في حدود الحرب السابقة، على قسوتها التي قضت على أكثر من مليوني ضحية وأهدرت موارد البلاد وخربت إنسانها وأرضها! فأي مصائر تنتظر بلادنا في حال اندلاع حرب جديدة، بين سلطتين في المركز وفي الجنوب، تصل إلى المدن وإلى حقول النفط ومنشآته؟!إذن فهذه أخطر لحظات تاريخ السودان الحديث، ولكن المفارقة المؤسية، إنه في هذه اللحظة المعقدة التي تحتاج إلى أوسع حوار وتداول وطنيين، تفرض الدوائر المتنفذة في المؤتمر الوطني الرقابة الأمنية القبلية على الصحف!!• وضمن سياق المفارقة العامة هذه، تتبدى المفارقة بشكل خاص في ملتقى (أهل السودان)، فالمفترض بمثل هذا الملتقى أن يُسمع صوت أهل السودان لأهل الحكم، ولكنه الآخر يتم في ظل فرض الرقابة الأمنية القبلية، مما يثير التساؤل: كيف يمكن التداول العام في الشأن الوطني وصوت أهل السودان تخرسه الرقابة الأمنية؟!وإذا لم يكن المؤتمر الوطني على استعداد لرفع الرقابة الأمنية عن الصحف، فهل ترى يمكن تصور إستعداده لتقديم التنازلات السياسية المطلوبة للخروج من الأزمة الشاملة في البلاد؟! أو هل يمكن تصور استعداده لإبداء حسن النية اللازم لأي حوار جدي بأفعال ملموسة، كمثل ايقاف قصف المدنيين في دارفور، أو ضمان حماية معسكرات النازحين، والأكثر أهمية، إذا لم يكن المؤتمر الوطني على استعداد لرفع الرقابة الأمنية عن الصحف، فهل يمكن تصور استعداده لنزع سلاح الجنجويد، أو قبوله بالإقليم الواحد لدارفور؟ أو استعداده لقبول تمثيل أهل دارفور في رئاسة الجمهورية؟!وإذا لم يكن المؤتمر الوطني مستعداً بعد لتقديم أي تنازل سياسي حقيقي، فهل يمكن حل أزمة دارفور؟! وهل يوجد بالتالي أي أساس لدعوة المجتمع الدولي- أعضاء مجلس الأمن الدولي- لاستخدام المادة (16) من نظام روما لإيقاف إجراءات اتهام رئيس الجمهورية؟!• وتصل المفارقات إلى حدود (مسرح العبث) بملاحظة أن المؤتمر الوطني يتحدث صباح مساء عن استعداده لمنازلة القوى المعارضة في الانتخابات الوشيكة، فأي انتخابات هذه التي تتم في ظل رقابة أمنية على الصحف؟! وأي انتخابات يمكن تصورها وطرف وأحد يملك حق إخراس آراء الآخرين؟!• هذا وقد وصلت الرقابة الأمنية في الآونة الأخيرة إلى حدود المسخرة! فبعد أن تحولت تدريجياً كل قيادات الإنقاذ إلى (ثوابت) محصنة ضد النقد، وتحول كذلك السياسات، بما في ذلك السياسات التي يرى غالب أهل الإنقاذ ضرورة مراجعتها- كمثل سياسة التعليم العالي- بعد تحولها هذه الأخرى إلى (ثوابت)! فقد امتد طوفان (التثبيت) ليصل إلى مستوى معتمد بارا! تحول هذا نفسه إلى ثابت من (ثوابت) الإنقاذ لا يجوز المساس به، ولا يحق لأحد انتقاده إلا ويكون قد تجاوز الخطوط الحمراء!! مما يثير التساؤل: إذا لم يكن متاحاً انتقاد معتمد بارا، فكيف بنافع؟! وهل من معنى، بعد هذا الحد لأي كتابة صحفية؟! بل وهل من معنى لأي ملتقيات حوار كملتقى أهل السودان؟!... دعوتي المباشرة للأحزاب المشاركة في هذا الملتقى أن تمتحن كل (الطنطنة) عن الاستعداد (الجديد) بوضع رفع الرقابة الأمنية كشرط تمهيدي لأي حوار، فإذا لم يتم فلتنفض أيايدها عن عبث العلاقات العامة

المطيع يعتبرها إستثنائية !



المطيع يعتبرها إستثنائية !
حذفته الرقابة

فيصل الباقر


ليس جديداً أوغريباً ، أن يدشن جهاز الأمن و المخابرات ، حملة أو هجمة أمنية على حرية الصحافة و التعبير ، بالعودة لفرض الرقابة المباشرة على الصحف . فقد عادت الرقابة الأمنية بالفعل منذ اليوم التاسع عشر من أغسطس الجارى ، و ما زالت مستمرة ، رغم رفعها - آخر مرة- بقرار من نائب رئيس الجمهورية فى سبتمبر الماضى 2006. و لأن ذاكرة شعبنا و مجتمعنا الصحفى لا تنسى ، فقد حفظت عن ظهر قلب تواريخ قرارات رفع الرقابة . و ها نحن نعيد - بغرض التذكير فقط - قرار رئيس الجمهورية برفع الرقابة الأمنية عن الصحف فى أغسطس 2005 . كما نذكر بعودة الرقيب الأمنى – رغم أنف القرار – بعد أقل من ثلاثة أسابيع من القرار الرئاسى. و كأن سلطة جهاز الأمن فوق سلطة الرئيس و نائبه . و لو صدق هذا الزعم ، فعلى المؤسسية و الضبط و الربط فى عهد الإنقاذ السلام. علماً بأن الدستور يحمى حرية الصحافة و كذا المواثيق الدولية التى صادقت عليها الدولة السودانية ، فأصبحت بطبيعة الحال واجبة النفاذ و الإحترام و التقدير . ها قد عادت الرقابة الأمنية المباشرة ، على الصحافة و الصحافيين هذه المرة ، و قد مهدت لها و سبقتها – كالعادة- " تحت تحت" أشكال من الرقابة القبلية ، بتوجيه الصحف بعدم نشر أخبار و تعليقات بعينها ، مثل تناول ملف أحداث كجبار و ما يعرف فى الدوائر الأمنية و الرسمية بالمؤامرة التخريبية و غيرها . و من نتائج الحملة الأخيرة المادية ، مصادرة 17000 نسخة من صحيفة ( رأى الشعب ) صباح الثلاثاء 21 أغسطس2007 من المطبعة، قبل وصولها لمنافذ التوزيع . و حرمان ذات الصحيفة من الصدور فى اليوم الذى يليه . و قد شملت الحملة الأمنية الأخيرة تعديات على حرية الصحافة و التعبير والنشر . و تضررت منها أكثر من صحيفة ، نذكر على سبيل المثال ، لا الحصر ما حدث لصحف ( السودانى – الأيام – الرأى العام- حكايات ...و غيرها ) . فكم من عمود إختفى و كم من خبر و تحقيق صحفى طالته يد الرقيب الأمنى و شوهته مساحيق التبديل و التغيير ! . نعيد التذكير ،بكل هذا الكم الهائل من التنكيل بمبدأ حرية الصحافة و الصحافيين . و فى ذات الوقت نعيد التذكير– أيضاً – بكافة أشكال المقاومة التى إبتدعها و مارسها المجتمع الصحفى ضد مخطط قمع الصحافة و الصحفيين.و ضد الرقابة الأمنية على عقول الكتاب و الصحافيين . و نعلم – علم اليقين- إن النضال ضد مؤسسات و ممارسات قمع الصحافة مستمر . و هو كر و كر . و إقبال لا يعرف الصحفيون فيه فراً أبدا، فيما يعود الرقيب الأمنى إلى ثكناته ، يجرجر خيبته ، ينتظر السوانح ، للعودة للرقابة بليل بهيم . و لكن هيهات . فى هذا المناخ المعادى لحرية الصحافة و الصحافيين ، خرج علينا (( المطيع )) إتحاد الصحافيين السودانيين ، ببيان وصف فيه الإعتداءات السافرة على حرية الصحافة بأنها " إجر اءات إستثنائية " ( راجع الصحف و النص ) . و لم ترد فى البيان أى كلمات من شاكلة ( رقابة- أمن – إعتداء- قمع - ) . و هذا من طبيعة الأشياء . فإتحاد النعامة لا يرى فى كل إنتهاك لحرية الصحافة و التعبير سوى مجرد " إجراءات إستثنائية " و لم يحدثنا بيان المطيع عن أى خطوات عملية ينبغى إتخاذها لمقاومة الرقابة الأمنية . فبئس التدبير و التفكير .
العدد رقم 2039 بتاريخ 28 أغسطس 2007 .

سمر الأخيرة أم " هل من عودة تانى"؟!


سمر الأخيرة أم " هل من عودة تانى"؟!
فيصل الباقر
حذفته الرقابة
هاهى المقررة الخاصة لحقوق الإنسان فى السودان- السيدة سيما سمر- تصل الخرطوم،فى زيارتها الدورية العادية . وهى الزيارة الثانية هذا العام،والخامسة منذ توليها ملف حقوق الإنسان فى السودان.وستبقى بالبلاد حتى الرابع من يونيو القادم،للوقوف بنفسها على أوضاع حقوق الإنسان،قبيل تقديم أو- لنقل- رفع تقريرها لمجلس حقوق الإنسان ، التابع للأمم المتحدة، فى الإسبوع الثانى من يونيو 2009. وهو تقرير يتمتع بدرجة عالية من الإحترافية و يحظى بقدر من الأهمية وطنياً و إقليمياً وعالمياً. ولن نذيع سراً، إن قلنا: إن المؤسسة الأممية الأولى، تعتمد علي خلاصاته و إستنتاجاته، بصورة كبيرة، فى تقييم أوضاع حقوق الإنسان،فى البلدان التى تقع تحت ولاية المقررين الخاصين. و لن نضيف جديداً ، إن أضفنا ، إن زيارات المقررة الخاصة للسودان لهى - بلا أدنى شك - مناسبة هامة، يستعد لها الجميع. وتحظى بإهتمام الصحافة المحلية والدولية والمجتمع الدولى،بل والعالم أجمع.
حتماً،ستلتقى " الكتورة" سيما سمر،بمسئولين فى الدولة ونجوم فى الحكومة والمعاضة وكواكب من المجتمع المدنى وغيرهم .وستستمع لإفادات وملاحظات وقراءات وشهادات العشرات من البرلمانيين والحقوقيين وأهل الصحافة و نشطاء المجتمع مدنى وغيرهم من المواطنين.وستسافر متنقلة مابين الخرطوم و جوبا وأبييى و دارفور و غيرها،بحثاً عن معارف وتجارب وخبرات جديدة، تدعم بها تقريرها عن أوضاع حقوق الإنسان فى السودان.و كما أكد الدكتور عبدالمنعم عثمان محمد طه- مقرر المجلس الإستشارى لحقوق الإنسان- فإن السيدة سمر ستلتقى المجلس المجلس الإستشارى و"الفريق الوطنى"، بمقر وزارة العدل.وسيقدم لها تقريراًحول التطورات "الإيجابية" فى مجال حقوق الإنسان.وستشارك فى منتدى حقوق الإنسان مع الأمم المتحدة.و المضى – قدماً- بمناقشة تقارير بعثة الأمم المتحدة، حول حقوق الإنسان فى البلاد.ولم يخف الدكتور طه عن رغبته وأمله فى أن تكون هذه الزيارة هى المهمة والزيارة الأخيرة، للمقررة الخاصة للسودان،خاصة أن مجلس حقوق الإنسان،كان قد مدد مهمتها لستة أشهر، فى العام المنصرم، بعد معركة حامية الوطيس، بين مؤيدى ومعارضى تجديد ولاية المقرر الخاص على السودان.
بعد الترحيب على الطريقة السودانية السمحاء،بضيفة البلاد، بعبارة (حبابك عشرة، بلا كشرة)،يقفز هذه المرة إلى الذهن السؤال الصعب المشروع : ترى هل تكون هى الزيارة الأخيرة للسودان، لمقررة حقوقق الإنسان، لتطلق عليها الصحافة – فيما بعد -" زيارة الوداع " أم أن ستعقبها زيارات أخر- كما تقول أغنية الحقيبة السودانية الخالدة- هل من عودة تانى؟ و هذا يعنى تجديد ولاية المقررة على إقليم السودان،لفترة أخرى.الإجابة على هذا السؤال- حتماً - ما تزال فى رحم الغيب.وتكمن مفاتيح مغاليقها- بالتحديد- عند مجلس حقوق الإنسان،التابع للأمم المتحدة.وهو أمر يخضع للعديد من القضايا والتفاصيل والجهود، التى يضيق الحيز– الحالى– عن الخوض فى تفاصيلها، و الولوج فى أعماق محيطاتها متلاطمة الأمواج ،لإستقراء مؤشرات تقود للتكهن بالنتيجةالأخيرة. نكتفى مع أهل الصعيد المصرى، قائلين:" يا خبر،الليلة بفلوس، بكرة مجان".و" الخبر الأكيد ، قالوا البطانة، إترشت"!.والجملة الأخيرة،أهزوجة سودانية خالدة. فما أجمل وأروع حكم وأغنيات الشعوب!.

الجمعة، 26 يونيو 2009

سقوط عرمان لن يسقط القضية


سقوط عرمان لن يسقط القضية
حيدر المكاشفي
ممنوع من النشر بامر الرقيب
سواء كان السيد ياسر عرمان رئيس الكتلة البرلمانية للحركة الشعبية موفقاً فى عباراته التى جرت على لسانه عند انتقاده لأحدى مواد القانون الجنائى ومطالبته باسقاطها من غير المسلمين ، أم أنه بالغ وشذّ واشتط فى تلك العبارات فاستحق عليها الصلب والشنق وفقاً للحملة التى انطلقت ضده عبر بعض الصحف ومنابر بعض المساجد ومن منبر " هيئة علماء السودان " ليست تلك هى القضية فالقضية فى جوهرها لم تكن قضية عبارات لطيفة أو سخيفة كما حاول البعض أن ينحرف بها عن أصلها ، إذ أن منتهى الارب ونهاية المقصد من حديث عرمان ذاك أياً كانت اللغة التى حملته إنما كان استثناء المال غير المسلمة من تطبيق حد الزنا الوارد فى القانون الجنائى الذى يناقشه البرلمان .
هذا هو أصل الموضوع الذى كان يمكن أن يدور حوله جدال ثر ومستفيض ومنتج فى صلب هذه القضية ولكن للأسف انحرف به البعض من المتن غلى الهوامش والحواشى ، بعضهم ربما بغير قصد وغنما حمية وعصبية ، ولكن المؤكد أن بعضهم قد اننزلق به إلى هذا المنزلق يترتيب مقصود لينالوا من عرمان خصمهم اللدود .
فلو كان هذا الحديث الذى أثار على عرمان كل هذا السخط والغضب قد جاء على لسان أى نائب جنوبى من نواب الحركة بالبرلمان لما أقام هذه الزوبعة اغراقها وطمرها حتى لو نجحت فى اغتيال عرمان سياسياً وتحطيمه معنوياً فالسؤال عن جواز أو عدم جواز استثناء غير المسلمين من أحكام الشريعة الاسلامية كلها أو بعضها سيظل قائماً ومن العبث الإجابة عليه بإثارة الهرج والمرج والثكلى على دين الله المحفوظ والذى لا يحتاج الى ثكالى يقدر حاجته إلى عقلاء مستنيرين يدعون إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون عرمان أو غيره بالمنطق والجة خاصة وان عرمان لم يعتسف مطلبه اعتسافاً وإنما قدم له بما يعتقد أنه ظروف وحجج مسقطة لحد الزنا عن هؤلاء القوم وهو فى ذلك لم يأت شيئاً إداً ، فقد سبقه يعقود شخص فى قامةومقام الغمام الصادق المهدى ليس فى المطالبة باسقاط الحدود فقط بل يشطب كل " قوانين سبتمبر1983 " الموسومة ب" قوانين" الشريعة الإسلامية " معتبراً أنها لا تساوى قيمة الحبر الذى كتبت به ، هذا بإفتراض أن الحملة على عرمان قد جاءت من منطلق أنه شمالى مسلم نثبته هنا ورغم خطل وضحالة هذا الافتراض ورغم قساوة وفظاظة الحاملين على عرمان ومنهم الاستاذ غسحق فضلالله الذى لامست حملته حواف الفتنة ، إلا أننى قد ألتمس لهم جميعاً العذر وأولهم اسحق بإعتباره شخصافردا ربما أخذته " الهاشمية" والحمية فأطلق لمشاعره وقلمه العنان ، ثم أن أسحق معروف كما قاص " يلهب الخيال أكثر من كونه " فقيهاً" يعتد بأحكامه الدينية . ولكت بيان هيئة علماء السودان كمؤسسة " كان أشد مضاضة وألماً لجهة أن المأمول منها فى مثل هذه الأحوال كان هو إدارة حوار هادئ وهادف حول القضية برمتها وليس إصدلر بيانات الشجب والإدانة فى حق شخص مهما قيل عنه وفيه فإن القضية ستظل قائمة كواحدة من التحديات التى تواجه الهيئة باعتبارها من قضايا الاصل مع العصر التى تحتاج الى رؤية نافذة وليس بيانات متعجلة .

العلاج بالداخل: صواب الفكرة ومصائب التطبيق


العلاج بالداخل: صواب الفكرة ومصائب التطبيق
حيدر المكاشفي
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني

يداخلني شك معقول بأن الجهات المعنية بامر مشروع توطين العلاج بالداخل في وزارتي الصحة والمالية ، كانت على علم بمحتويات تقرير ديوان المراجعة العامة الذي كشف جملة من التجاوزات (والتلاعبات) في هذا المشروع الذي يبدو أنه سيتحول الى نقمة من حيث أريد له ان يكون نعمة ما لم يتم تدارك أمره وتصحيح مساره ، ومصدر شكي المعقول هو الخبر الذي بثته وزارة الصحة على لسان وكيلها الدكتور كمال عبد القادر وأعلنت فيه تجميد مشروع توطين العلاج بالداخل في مرحلته الثالثة لحين إجراء مراجعة شاملة للمرحلتين الأولى والثانية ، التي تكشفت فيها جملة أخطاء وتجاوزات استدعت تكوين لجنة مشتركة بين وزارتي الصحة والمالية ، وكان ان تزامن خبر (الصحة) مع تقرير (الصحافة) الوافي الذي كشف وأفصح بينما ألمح واجمل خبر (الصحة) ، ففي الوقت الذي نشرت فيه (الصحافة) محتويات تقرير المخالفات والتجاوزات الذي حصلت عليه كانت صحف أخرى قد نشرت في الوقت ذاته خبر (الصحة) الذي أشرنا إاليه ، وقبل ذلك كان بعض الزملاء الصحافيين ممن اهتموا بتقرير المراجعة الخطير ، قد ابدوا شكوكهم حول أسلوب (الغطغطة) الذي إتبعه ديوان المراجعة مع تقريره المثير الخطير وذلك بحجبه عن (البرلمان) وفصله عن التقرير العام الذي أدلى به نائب مدير الديوان امام النواب وهو أسلوب كان الديوان وأظنه لا يزال ينتهجه مع نتائج مراجعة البنوك والتي لا يضمنها تقريره الذي يدلي به امام البرلمان ، والشاهد ان هذين الشكين يولدان شكاً أخطر منهما يصل في خطورته مستوى التشكيك في نجاعة وأمانة أي محاولات تستهدف الاصلاح والتقويم الحقيقي والجاد ، على الاقل بالتستر على من يخونون الأمانة باسلوب حاميها حراميها فيوفرون بذلك (غطاء) لخونة الشعب وسراق امواله ، ويحولون دون معرفته لاعدائه من بني جلدته الذين قفزوا الى مواقع المسؤولية في غفلة من الزمان ، فهؤلاء الاعداء (المستترين) أشد عداءً وخطراً على البلاد من أعدائها المعروفين الظاهرين ، فلو كان ديوان المراجعة – على سبيل التمثيل فقط – يستعرض تقريره عن اداء البنوك أمام الشعب عبر نواب البرلمان لما كان حالها قد وصل إلى مرحلة نهبها وإفقارها عبر بعض عمليات النهب المنظم التي عرفت اصطلاحاً بـ ( التعثر والمتعثرين) ، فلماذا يكرر الديوان هذا الخطأ مرة اخرى وما هي مصلحته في حجب هذا التقرير عن النواب ، هذه أسئلة نتمنى ان يقف البرلمان عندها وان يحصل على إجابات عليها عند مناقشته المرتقبة لهذا الموضوع ...
وعودة الى موضوع العلاج بالداخل الذي نامل ان تكون الوقفة عنده قوية وصادقة من الجهات المعنية في وزارة الصحة والمالية والبرلمان والديوان وغيرها حتى لو استدعى الأمر تدخل رئاسة الجمهورية ، نقول انها جريمة نكراء وانهم مجرمون حقيقيون أولئك الذين يدمرون هذه الفكرة الصائبة التي تستهدف توفير الإمكانات الفنية والعلاجية بالبلاد وتطمح لان ترتقي بالخدمات الطبية الى المستوى الذي يقنع كل طالبي العلاج بالخارج للبقاء ببلادهم وتلقيه بالداخل ، فيستفيدون هم وتستفيد الدولة ، ولكن يبدو كما قال رئيس تحرير الاخبار صديقنا محمد لطيف الذي آلمه ما حدث للجراح العالمي كمال ابو سن من مضايقات سببها (الحسد المهني) ، فكتب يقول ما معناه ان ابو سن قد أثبت عملياً أنه أفضل من طبق فكرة توطين العلاج بالداخل من خلال عملياته التي لا تنقطع والتي ظل يجريها بالبلاد لعدد من السنوات المتتالية ، ولكن يبدو أن بعض (الواصلين) لم يكونوا على إستعداد لتقبل فكرة العلاج بالداخل ان لم تكن ذات صلة بمصالحهم الضيقة ، وما أبشع هذه المصالح وما اتفهها حين تصل من الخسة والدناءة المستوى الذي يجعلها لا تتورع ولا تخشى حتى من خطف اللقمة من فم الجائع وجرعة الدواء من فم المريض ....

السلطان عايز مطر


السلطان عايز مطر
حيدر المكاشفي
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني

لو كنت من أهل "النيابة" أملك حق الحديث والتعليق على ما يدور تحت قبة البرلمان من "رغي وورجقة" أو حديث موزون مقفى ، لقلت للسيد وزير الطاقة تعليقا على حديثه الذي أدلى به أمام النواب نهار الاول من امس حول أزمة الكهرباء " ما توزع سيادتك الهلمة دي وتخلينا ناخد راحتنا عشان نغني مع بعض أهزوجة أبوي سافر بيت مكة" على طريقة زعيم الكوميديا العربية عادل إمام فياحد مشاهد المسرحية التي لا تبلى ولا تمل "شاهد ما شافش حاجة" حين طلب من الضابط احمد عبد السلام أن "يوزع جماعته من العساكر ليخلو لهما الجو حتى يستمتعا بترديد أهزوجة ، أنا ناجح في الثانوية عقبال الإبتدائية ، ابتدائية دا أيه يا ختي ، طب خليكي في لم الورد ، طب خليكي في لم الورد" فقد بدا السيد وزير الطاقة في جلسة البرلمان تلك مثل " شاهد ما شافش حاجة" ولم يجد شيئا مثمرا ومنتجا يقوله حول تحسن حالة الكهرباء التي تعاني من الهزال العام سوى أن يسأل الله ان يفرغ علينا صبرا وينزل مطرا عاجلا مدرارا في الهضبة الاثيوبية ليبرد علينا حرارة هذا الصيف اللاهب ، واذا كان السيد سرحان عبد البصير قد نجح في تحويل دفة الحديث مع ضابط البوليس من خانة التحري والتحقيق حول جريمة مقتل الراقصة عنايات الى التداول حول برنامج "هيا بنا نلعب" فإن السيد الوزير كانما أراد أن يصرف أنظار النواب ومن بعدهم جموع الشعب من المشكلة الحياتية الآنية الدنيوية التي تعتبر بكل المقاييس من شؤون البشر ، إلى التامل في شأن غيبي رباني هو المطر الذي لا قبل به للبشر ، فتوليد الكهرباء وانتاجها وتوزيعها مثل توليد وتأبير النخل في الحديث الشريف المعروف ، شؤون دنيوية من علم واختصاص البشر ليس من الحصافة أو "الحرافة" زجها في هذا المعترك .
ولو كان السيد الوزير حين سُئل عن امر الكهرباء قال لا أعلم كما قال من قبله مدير الكهرباء لكان أكفى وإستكفى وكفى الله المؤمنيين شر الكلام ، ولكن أن يقول ثم لا يُسعد النطق بعد سوء الحال وخلو الوفاض من اي حل سوى أن يحيلنا إلى انتظار نعمة المطر والتحلي بفضيلة الصبر ، والامران ليسا من اختصاصاته الوزارية ، فالمطر شان إلهي إن شاء الله أنزله وإن لم يشأ لم ينزله ، والصبر شأن يخص الجماهير إن شاءت صبرت وإن لم تشأ لم تصبر ، وكان الافضل من الدعوة والدعاء أن يصرفنا عن امر الكهرباء بطريقة إنصرافية أكثر ذكاءً كأن يقول لنا مثلاً هيا بنا نغني باداء كورالي أهزوجة السلطان عايز عروس بتصرف يقتضيه الحال ، وعندها لن يمانع أحد أن يردد معه :
أبوي سافر بيت مكة
جاب لي قطعة كعكة
والكعكة جوه المخزن
والمخزن عايز مفتاح
والمفتاح عند النجار
والنجار عايز فلوس
والفلوس عند السلطان
والسلطان عايز مطر
والمطر عند ربنا
ربنا يا ربنا نحنا صغار شن ذنبناربنا يا ربنا ، ربنا جيب المطر...

دعوا الترابي ودعونا من أوكامبو



دعوا الترابي ودعونا من أوكامبو
حيدر المكاشفي
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني
رغم أنني أشعر بالأسى والحزن والغبن إزاء ما تفعله بي "أقداري الخاصة" التي تضعني دائماً في مرتبة اللاحقين في تناول القضايا والشؤون والتي تتعسف هذه "الأقدار" حتى مع بعضها ، إلا انني أتسامى على مشاعري لاخاصة فلا أستشعر حرجاً في الإتكاء على ما يسبقني به المبادرون قبلي خاصة إذا احتوى على ما كان قد عنّ لي ولكن حال دونه عنت هذه الاقدار ، ومما كان يدور بخلدي قبل أسابيع خلون ، حدث وقضية لم استطع الاقتراب من اي منهما للسبب اعلاه ، أما الحدث فقد كان إعتقال الدكتور الترابي في توقيت أعقب إدلاءه بحديث حول المحكمة الجنائية تزامن مع هجمات العدل والمساواة على مهاجرية ، واما القضية فهي ليست سوى المحكمة الجنائية نفسها والتي لا يزال الحديث يدور والسيناريوهات تعد عن كيفيات وطرائق وبدائل التعامل مع قرارها المرتقب صدوره في الرابع من مارس القادم إذا ما جاء سلبياً في حق الرئيس البشير عملاً بالحكمة التي تقتضي في مثل هذه الاحوال التحسب لاسوأ مآل ، ولهذا إحتفيت جداً عندما وجدت بعض افكاري الحبيسة عن اعتقال الترابي وجدل الجنائية وهي طليقة على صفحات بعض الصحف الامر الذي شجعني وحفزني للتاكيد عليها ، ليس على سبيل الإجترار والتكرار ، بل لتعضيد وتعزيز ما جاء فيها من افكار أراها وبالقطع يراها معي كاتبوها علي الاقل أنها تنطوي على سداد وحكمة سواء في التعامل مع الترابي أو التعاطي مع الجنائية ..
ففي شأن الترابي قرات امس في افتتاحية الغراء "الوفاق" كلمة خطها محررها السياسي هي عين ما كان قد عنّ لي بشأن اعتقاله الاخير في كثير مما ذهبت إليه ، ولو كان المجال يسمح لأوردتها كما هي ، لأن ذلك ليس ميسورا لضيق المساحة فسأكتفي بإيراد ثلثها الاخير الذي هو عندي بيت القصيد ، ولكن قبل ذلك لا باس من إعطاء ملمح عام لما قصد الكاتب أن يمهد به كحيثيات ومبررات تُكسب حكمه الذي إنتهى إاليه في الاخير بإطلاق سراح الترابي المقبولية والموضوعية ، فقد بدأ الكاتب حديثه بحديث الترابي الذي اعتبره "موضوع الإعتقال" ، ولكنه لم يخض فيه بإعتبار انه دخل في علم الكافة من كثرة تداوله بروايات عدة ، ثم بعد ذلك طفق يُحدث عن شخصية الترابي من حيث براعته السياسية وضلوعه في علوم العربية ورسوخه في القانون ، ثم بعد ذلك يدلف الى إثبات دوره كمحرك للاحداث و"مدور" للسلطة قبل المفاصلة في الظاهر تارة ومن الباطن تارات ، ثم ينتقل بعدها الى محطة المعارضة الشرسة التي إنخرط فيها الترابي بثقله فيورد عددا من مواقفه العديدة التي صارت عند الناس من المعلوم بالضرورة إلى أن يخلص الى القول " ... وكان الشيخ يعقد الندوات السياسية ليتحدث عن التصنيع الحربي وعن تمويل الانتخابات في الدول الأفريقية وعن فكرة الرئيس والحبيس وعن البنوك وكانت قيادة الدولة تستمع إلى ما يقوله وهي مندهشة لانها ترى أن الترابي عندما يفعل ذلك فهو يدين نفسه قبل ان يدين الآخرين .. ما ميز تلك الفترة هو ان الحكومة لم تكلف نفسها عناء الرد عليه ، بل تركته يتحدث ويتحدث لانها كانت تدرك انها إن عمدت بالرد فإن الترابي بذلك يكون قد افلح في ان يكون هو وحده الذي يحدد رد فعل الحكومة ، ومن الافضل الآن أن يكرر المسؤولون ذات السيناريو ، فلايتحدثون عن تقديمه لمحاكمة قد لا تحدث أو عن دلائل مادية قد لا تثبت ... دعوا الترابي وإنصرفوا إلى أعمالكم .." إنتهى . وهذا هو بيت القصيد ...أما جدل أوكامبو الذي نات بي الأقدار عن الخوض فيه فقد وافق رأيي حوله آراء من ذهبوا إلى أن لا داعي للضجة والشوشرة والشطح والنطح "عمال على بطال" مما يثير الجبهة الداخلية ولا يؤثر بشيء على المحكمة ، ومن أبرز هذه الآراء ما كتبه استاذنا الطيب زين العابدين تحت عنوان " لن يحدث شيء في الجبهة السودانية" سوى مظاهرات تندلع هنا وهناك في حال صدور قرار سلبي ثم ينتهي الامر إلى لا شيء بالداخل ، ولهذا الأفضل ان يلتزم الجميع الهدوء ويتحلوا بالحكمة ويبتعدوا ما امكن عن إثارة الصخب والشغب فيما لا طائل منه غير توتير الاجواء بالداخل..

الخميس، 25 يونيو 2009

الحبس في قضايا النشر


الحبس في قضايا النشر

حيدر المكاشفي

ممنوع من النشر بأمر الرقيب الأمني
كعادته دائماً وبصدقه المعهود وحسه الإنساني المرهف ، أثار الأستاذ الماجد عبد الحميد مدير تحرير "الإنتباهة" في زاويته "الرصينة" أمس قضية الأستاذ كمال عمر المحامي الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي الذي قضى عليه حكم قضائي بالحبس لمدة ستة أشهر على خلفية "قضية نشر" نظرتها المحكمة المختصة بقضايا النشر الصحفي ، رأت الجهة الشاكية في بعض المعلومات التي أوردها الأستاذ كمال عمر في مقالته "موضوع المحاكمة" مساساً بسمعتها ، لما إنطوت عليه من روايات وأسانيد غير صحيحة أو يصعب إثباتها ، ومن بين العبارات الرزينة والحكيمة التي جرى بها قلم الأستاذ عبد الماجد في هذا الصدد قوله "ليس بالسجن وحده تُقام الحجة على الناس والمعارضين " ، وقوله أيضاً "... تجدني حزيناً على الحكم بسجن الرجل لمدة ستة أشهر عقاباً له على كلام كتبه .. مع تقديرنا لقرار المحكمة الموقرة ، ونرجو أن يتم البحث عن مخرج من هذه القضية .. إلخ " ، وفي إطار ذات القضية جاء في أنباء الأمس أن هيئة الدفاع عن كمال عمر التي بلغ قوامها ثمانون محامياً قد تقدمت بطلب لمحكمة الاستئنافات لوقف تنفيذ الحكم الصادر ضده لحين البت في طلب الاستئناف الذي ربما تكون قد تقدمت به الهيئة أمس ...
والقضية تعيد للأذهان نضالات الصحفيين ومجاهداتهم خاصة في دول العالم الثالث لوضع حد لعقوبة السجن التي لا تطالهم فحسب بل تطال أيضاً من يعبرون عن أرائهم ومواقفهم تجاه مختلف القضايا من خلال الصحف كواحدة من أهم منافذ ووسائط التعبير عن الرأي ، ولم تكن صحافتنا وصحافيوها استثناءً من ذلك ، حيث جابه وسطنا الصحفي ذات المعضلة ولاقى بعض صحافيينا ذات المصير الذي ذهب بهم خلف القضبان في بعض قضايا النشر ، إلا أن المخارج القانونية وغير القانونية التي أشار إليها الأستاذ عبد الماجد عبد الحميد قد أخرجتهم من السجن قبل وفاء المدة ، ولعل أوضح وأقرب مثال على ذلك هو سابقة الأستاذين محجوب عروة ونور الدين مدني اللذين قضيا بعض الوقت بسجن أم درمان على ذمة قضية نشر ، غير أن أقوى الأمثلة وأروعها في مناهضة أحكام السجن التي توقع على الصحافيين فيما يتصل بعملهم من قضايا ، كانت قد دارت في مصر وبعض الدول العربية الخليجية والمغاربية التي نجح بعضها في إلغاء هذه العقوبة والبعض بات قريباً من إدراك النجاح لإلغائها فيما لا يزال ينافح ويكافح ضدها البعض الآخر ، وبلادنا من ضمن هذا البعض الاخير إذ لا يبدو أن هذا المطلب العزيز للصحافيين قد وجد طريقه الى نصوص قانون الصحافة المرتقب والذي لا يعلم عنه الصحافيون حتى الآن أي شيء وفي أي مرحلة هو ...
إننا لا نعلق على الحكم القضائي الذي صدر في حق الأستاذ كمال عمر ولا ينبغي لنا ذلك رغم أن بعض القانونيين يجيزون التعليق على الحكم بعد صدوره ، بقدر ما أننا نعول على البحث أولاً عن "مخرج" كما ذهب الي ذلك الاستاذ عبد الماجد عبد الحميد يُبعد شبح السجن عن الأستاذ كمال عمر المدان في قضية نشر ، ثم بعد ذلك لنجد كصحافيين وقانونيين لإيجاد المعالجة التي تحول دون أن تطال عقوبة السجن الصحافيين في قضايا تتصل بممارسة عملهم الصحفي أو تطال من يستكتبونهم أو يجيزن نشر أرائهم بصحفهم ، وليس في ذلك تمييز قانوني للصحافيين على بقية شرائح المجتمع بقدر ما أنه تقدير وتمكين لدور الصحافة "المهنة" في المجتمع كرقيب تنوب عنه وتكون له العين التي بها يرى والأذن التي بها يسمع واليد التي بها يكتب ويعبر عن ارائه ومواقفه وقضاياه ، وهو كذلك ليس استثناءً يكرس لإفلات الصحافيين من العقوبة وإنما فقط يستبدلها باي عقوبة أخرى غير السجن في حالة الوقوع في أخطاء عند الممارسة المهنية فقط ، أما فيما عداها فلا عاصم لهم من أي قانون ، فهل ذلك كثير على الصحافيين السودانيين أم هل يشرف بلادنا التي سبقت الكثيرين جداً في محيطها العربي والافريقي في مضمار الصحافة أن تأتي في مؤخرة ركب "المصلحين".

حوار الاستاذ محمد محمود الممنوع من النشر بأمر الرقيب الأمني




الاستاذ محمد محمود:
بروز الحركات الجهوية أمر طبيعي في ظل المواجهة بين المركز والهامش
طبيعة الدولة السودانية وهيمنة الهوية السائدة يشكلان أساس الأزمة
لا بد من إعادة صياغة الثقافة السودانية لتصبح ثقافة كل السودانيين
تقرير المصير هو انتصار الحركة الشعبية الأساسي الذي حققته في نيفاشا
في بلادنا كل مواطن ، شاء أم أبى ، "مسيس"
حوار: صلاح شعيب
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني

تخرج محمد محمود من كلية الآداب بجامعة الخرطوم حيث درس الأدب الإنجليزي والفلسفة وذهب بعدها مبتعثا إلى المملكة المتحدة حيث حصل على الدكتوراة من معهد الدراسات الشرقية بجامعة أكسفورد. عاد إلي السودان في بداية الثمانينات وعمل محاضرا بكلية الآداب. تركز همه البحثي منذ بداية الثمانينات في مجال الدراسات الإسلامية وخاصة من زاوية إعمال مناهج النظر النقدي في دراسة المادة الإسلامية. وفي الثمانينات أصدر ستة أعداد من كراسة (اليقظة) التي عنيت بقضايا مثل نقد الدولة الإسلامية وإشكاليات النص القرآني. عقب إنقلاب يونيو 1989 غادر السودان ومالبث أن انضم لهيئة التدريس في معهد الدراسات الشرقية بجامعة أكسفورد وبعدها قام بالتدريس في قسم الأديان المقارنة بجامعة تفتز في بوستون التي قدم استقالته منها ليعود للملكة المتحدة حيث يقيم الآن. في عام 2007 صدرت دراسته عن فكر الأستاذ محمود محمد طه (Quest for Divinity) عن دار جامعة سيراكيوز، وهي ثمرة عمل استغرق نحو العشرين عاما وتتناول فكر طه تناولا نقديا من ناحية جذوره وأطروحاته وما يعنيه في الإطار الواسع للمواجهة بين الإسلام والحداثة. يتركز عمله البحثي الآن على إشكاليات القرآن. المنتدى الفكري إلتقى بالأستاذ محمد محمود وكان هذا نص الحوار الذي رفضت الرقابة الأمنية نشره بصحيفة الأحداث:

كيف ترى المشاكل التي تعاني منها البلد؟

أولا دعني أقول إن القضايا التي يثيرها استطلاع (الأحداث) قضايا هامة وشائكة ولقد فعلت (الأحداث) خيرا بإثارتها إذ أننا أحوج ما نكون للتفكير فيها ، خاصة بعد عشرين عاما من المعاناة في ظل استبداد نظام البشير وجرائمه.
مشاكلنا كبلد من أقل البلاد نموا لا تختلف عن مشاكل الكثير من بلاد العالم الثالث : الاستبداد السياسي والفساد الذي يلازمه ، ضعف البنية الديمقراطية ، الحروبات الأهلية ، الهوة الضخمة بين المدينة والريف وتهميش غالبية الأقاليم والسكان ، تدهور إنتاجية القطاع الزراعي وإنتاجية القطاع الصناعي ، ارتفاع معدلات الفقر والجوع (والتي تصل إلى خمسين في المائة في الشمال وتسعين في المائة في الجنوب) ، التفرقة ضد النساء ، تردي الخدمات الصحية وانتشار الأمراض (حيث قتلت الملاريا مثلا 44 ألف مواطن في عـام 2002 أغلبهم من الأطفـال وما تزال تحصدهم) ، نسبة عالية من الأمية (ما بين الخمسين والأربعين في المائة) ، مستوى متدن من التعليم على كل المستويات، انحطاط الخدمات العامة ، تلوث البيئة وانحطاطها ، وغيرها من كوارث الإنسان ، بالإضافة لمشاكل متعلقة بـ " الحالة السودانية " مثل الاستبداد الديني والتفرقة ضد غير المسلمين ..

هل ترى أن هناك أزمة في فهم الهوية السودانية ما دعا النخب المتعلمة إلى الفشل في إنجاز مشروع الدولة السودانية؟

من الواضح أننا نعيش في أزمة عميقة على كل المستويات، وهي أزمة لعبت النخبة السياسية الوطنية دورا أساسيا في خلقها وتعميقها ، خاصة بعد إنقلاب الإسلاميين في يونيو 1989 . والبعدان المتداخلان اللذان يشكلان أساس الأزمة هما بعد طبيعة الدولة السودانية وبعد هيمنة الهوية السائدة . كما نعلم أن الدولة التي كرسها الاستعمار الثنائي كانت دولة إدارة مركزية نتج عنها أن البلد انقسم لمركز وهامش ، وبذا أصبح الشمال (وهو بوابة البلد على مصر) والوسط (وهو مركز الثقل الاقتصادي بحكم نشوء مشروع الجزيرة) يشكلان المركز بينما أضحى باقي البلد ، وخاصة الجنوب ، هامشا . هذا الامتياز الذي ناله الشمال والوسط مالبث أن تحول لإمتياز على مستوى الخدمات الأساسية وخاصة التعليم . وعندما تحقق الاستقلال فإن متعلمي الشمال والوسط هم الذين ورثوا دولة الاستعمار وأصبحوا النخبة الحاكمة الجديدة . وهذه النخبة ، بحكم تكوينها الثقافي ، نخبة ذات انتماء إسلامي وعروبي وشعورها بالانتماء لجذورها الإفريقية ضعيف . وثمة واقع موضوعي ساعد هذه النخبة ودعم موقفها ، إذ أن الثقافة الإسلامية العروبية أو ما نسميه عادة بثقافة الشمال هي في واقع الأمر الثقافة السائدة . إلا أن هناك فرقا كبيرا بين أن تصبح ثقافة ما ثقافة سائدة ، وفي هذه الحالة فإننا غالبا ما نتحدث عن عملية ذات طبيعة طوعية ، وبين أن تصبح ثقافة ما ثقافة مهيمنة ، وفي هذه الحالة فإننا غالبا ما نتحدث عن عملية ذات طبيعة قهرية . والدولة السودانية اليوم ، خاصة في ظل النظام الحالي ، تتعامل بمنطق المركز والهامش الذي يجب أن يخضع لإرادة المركز وبمنطق الثقافة الحصرية التي يجب أن تهيمن على باقي الثقافات وتعمل على محوها (وخاصة من خلال أسلمة التعليم والمجتمع) . وهكذا وبعد نيف وخمسين سنة من الاستقلال ما زلنا نجد أنفسنا غارقين في مأزق الدولة من ناحية ومأزق هيمنة الهوية السائدة من ناحية أخرى .

ولكن كيف يمكننا الخروج من هذه الأزمات؟

من الواضح أن الخروج من أزمتنا يحتاج لفعلين جذريين : تفكيك الدولة وتغيير طبيعتها لتصبح دولة كل السودان بدلا من دولة المركز ، ومن ناحية أخرى إعادة صياغة الثقافة السودانية لتصبح ثقافة كل السودانيين . وفيما يتعلق بالثقافة فإننا نجد الآن أن اللغة العربية قد أضحت فعليا هي اللغة القومية لكل السودان بما في ذلك الجنوب . وبذا فإن التحدي الماثل هو : ماذا نفعل بهذه اللغة القومية ؟ هل نتركها لتصبح مطية لفرض هيمنة ذلك التجلي من ثقافة التراث العربي الإسلامي الذي يريد بعثه حملة لواء شعار "الإسلام هو الحل" ، أم هل نكافح لتصبح هذه اللغة وعاء لثقافة جديدة تعبر عن قيم عصرنا ومعارف عصرنا ؟

الانتخابات القادمة في فبراير 2010 ، هل تستطيع أن تحدث تغييرات جوهرية في طبيعة العمل السياسي الحكومي والمعارض، خصوصا إذا دخلت قوى المعارضة في تحالف ضد المؤتمر الوطني؟

الانتخابات القادمة هي ترتيب سياسي بين نظام البشير والحركة الشعبية وكلاهما يستمد "شرعيته" من فوهة البندقية . إن كان نظام البشير والحركة الإسلامية التي تسنده يمثلان أزمة السياسة في الشمال فإن الحركة الشعبية تمثل أزمة السياسة في الجنوب . وإن كانت الحركة الإسلامية امتدادا لعنف المهدية فإن الحركة الشعبية امتداد لعنف الأنيانيا . لقد كان عنف الأنيانيا على حساب الغالبية الساحقة من مواطني الجنوب الذين لم يستشرهم قادة التمرد العسكري ووجدوا أنفسهم مشردين في دول الجوار وفي بلدهم وفقد جيل كامل فرصة التعليم . وانتهى المطاف بالأنيانيا لتصبح حليفا لنظام النميري . وإذ نفس الحال يتكرر بقيادة جون قرنق والحركة الشعبية لينتهي الأمر بالحركة الشعبية شريكا في أكثر الأنظمة استبدادا وبشاعة وتقتيلا لأهل الجنوب وأهل دارفور وباقي أهل السودان . للأسف لم تستطع الحركة الشعبية التمييز بين هدف إيقاف الحرب والمشاركة في النظام . لم تستطع الحركة الشعبية أن تدرك أن الأساس الحقيقي لسودان جديد هو سلام حقيقي يتيح إمكانية إرساء ديمقراطية حقيقية وأن الشرط الأولي هو ذهاب النظام الحالي وليس تقويته بالتحالف معه . لقد كان من الممكن للحركة الشعبية أن توقع اتفاق إيقاف الحرب وأن تظل في نفس الوقت في المعارضة وأن تفرض وجود ترتيبات خاصة تقوم بها إدارة فنية مؤقتة لضمان مصالح الإقليم الجنوبي في إجراءات تقسيم الثروة . ورغم أن الحركة الشعبية رفعت شعار السودان الجديد (وهو شعار نحن في أمسّ الحاجة له) إلا أنها أخطأت خطأ فادحا يوم قررت أن تصبح جزءا من نظام البشير .
الانتخابات القادمة انتخابات يجب أن يقاطعها المواطنون لأنها ستزيف إرادة الشعب . لا يمكن أن تقوم انتخابات نزيهة وشفافة في ظل النظام الحالي . إن الشعب السوداني لم ير تحت ظل هذا النظام العسكري أو ظل النظامين العسكريين قبله أية انتخابات عكست إرادته . إن الشرط الأولي هو قيام حكومة انتقالية مستقلة تشرف على إجراء الانتخابات . وحركة المقاطعة يجب أن تكون حركة مواطنين ، وهي حركة لابد لها من أن تتجاوز الأحزاب وإن كان نجاحها يستلزم إقناع جماهير الأحزاب لتنضم لها . هذه الانتخابات وفي ظل الظروف الراهنة ستكون أكبر تزييف لإرادة الشعب وستجعل نظاما ظل فاقدا للشرعية منذ عشرين عاما يدعي تمثيله للشعب ...

الإستفتاء على تقرير المصير: إلى أي مدى يمكنك التفاؤل بنتيجته فيما خص وحدة السودان، وإذا قدر للجنوب الإنفصال هل تتوقع أن تموت فكرة (السودان الجديد) التي دعا إليها الزعيم السوداني الراحل جون قرنق؟

تقرير المصير هو انتصار الحركة الشعبية الأساسي الذي حققته في نيفاشا ، وإن حققته في ظل كل الظروف الموضوعية التي من الممكن أن تؤدي لانفصال الجنوب . لا شك أن خيار الوحدة لا يمكن أن يكون جاذبا تحت ظل نظام البشير ، ومن الطبيعي أن يميل أغلب الجنوبيين لفك ارتباطهم بالشمال الذي لم يشهدوا في تاريخ علاقتهم به سوى التقتيل والتمييز العنصري والديني والإدقاع . إن الشعوب تمر في تاريخها بأزمات حادة وعميقة ونحن نمر الآن بأعمق وأخطر أزمة في تاريخنا المعاصر . رغم اقتناعي بحق الجنوبيين في الانفصال لو اختاروا ذلك ، إلا أنني أتمنى أن يفكر هذا الجيل في الأجيال القادمة ويغلّب مصلحة المستقبل . إن مصلحة الأجيال القادمة في تقديري هي في الوحدة وفي الكفاح من أجل إرساء ديمقراطية حقيقية ومساواة تامة بين المواطنين تنتفي فيها كل أشكال التمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق . بناء هذا السودان عملية يومية ودؤوبة يشارك فيها كل مواطن ومواطنة وكل صغير وكبير وتبدأ الآن حتى في ظل قهر النظام الحالي ولا تتوقف . وهي عملية سلمية سلاحها الوعي وترفض العنف بكل أشكاله . وأحد أهم الواجبات التي لابد من تحقيقها الآن هو قيام تكوينات شعبية تجمع الشماليين والجنوبيين بهدف خلق ثقافة وحدة وديمقراطية حقيقية ، وخاصة وسط الشباب .

ما هي تصوراتكم لحل أزمة دارفور، وكيف يمكن الوصول إلى سلام دائم؟

بروز الحركات الجهوية أمر طبيعي في ظل المواجهة بين المركز والهامش وأصوات الحركات الجهوية أصوات هامة وضرورية وصحية وخاصة وأن الأحزاب الكبيرة لم تعد تعبر تعبيرا حقيقيا عن هموم الريف والمهمشين والمسحوقين . إلا أن الحركات الجهوية تتحول لحركات ضارة وغير صحية عندما تلجأ للعنف ، وأكبر ضرر تحدثه الحركات المسلحة هو الضرر الذي يقع على المواطنين العاديين في الأقاليم التي ينفجر فيها صراع مسلح . إن خيار العنف وحمل السلاح هو خيار سياسي بالدرجة الأولى وهو خيار تتخذه نخبة سياسية-عسكرية وتفرضه على مواطنيها كأمر واقع . هذا هو ما حدث في الجنوب وما يحدث الآن في دارفور .. هذا لا يعني أننا لا ندين عنف المركز فهو العنف الأصيل الذي ولّد كل أشكال العنف الأخرى . إلا أن عنف المركز لا يبرر الدخول في دائرة عنف يكون ثمنها موت المئات من الآلاف وتشريد الملايين (حسب التقديرات العامة فإننا قد فقدنا نحو 2 مليون مواطن في الحرب بين الجنوب والشمال وأننا قد فقدنا حتى الآن نحو 300 ألف مواطن في حرب دارفور) . إن الكفاح من أجل المطالب المشروعة للأقاليم المهمشة هو في صلب الكفاح الديمقراطي ولا ينفصل عنه . وهو كفاح لابد أن يكون سلميا ولابد أن يكون متلاحما مع الكفاح على مستوى كل السودان لاستعادة الديمقراطية وترسيخها .

المثقف سوداني: ماهي حسناته وعيوبه وهل يتحمل بعض الوزر في فهم كيفية العلاقة بين السلطة والمثقف ما بعد فترة الاستقلال؟

المثقف متعلم نال الحظ الأوفر من التعليم في بلادنا ، والتعليم امتياز كبير في بلادنا لأننا لا نزال بلدا فقيرا رغم إمكانياتنا الطبيعية الهائلة . وفقرنا وتخلفنا الحالي وانحطاط مقامنا في سلم الأمم ليس بضربة لازب وإنما هو ، بالدرجة الأولى ، نتاج لعجز وقصور النخبة الحاكمة ، وهي نخبة تنتمي لشريحة المتعلمين والمثقفين . ورغم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكالحة فإن المثقف يظل في طليعة قوى التغيير لأنه عنصر أساسي من عناصر الاستنارة والتحديث . وأنا أتحدث بالطبع عن المثقف الذي ينحاز للمسحوقين ويعلي من شأن الديمقراطية وحقوق الإنسان . في بلادنا كل مواطن ، شاء أم أبى ، "مسيس" لأن السياسة تدركك أينما كنت . وبذا فإن خيار المثقف يجب أن يكون خيار "التسييس" الواعي والملتزم الذي يدفع بالتغيير .ورغم الدمار والتخريب الذي أصاب التعليم تحت ظل النظام الحالي فإن المقاومة المستمرة لهذا النظام التي لم تخبُ جذوتها قد خلقت جوا صحيا لبناء ثقافة ديمقراطية حقيقية . وفي تقديري أن بناء هذه الثقافة وترسيخ قيمها هي أهم تحد يواجه المثقفين السودانيين اليوم

مستقبل السودان أهم من مستقبل البشير




مستقبل السودان أهم من مستقبل البشير
صلاح شعيب
ممنوع من النشر بامر الرقيب الأمني

الآن وصلت بنا سياسة الديكتاتورية وحدها إلى هذا الدرك الأسفل وسط العالمين وإستحق البشير بجدارة أن يقع في شرك القضاء الدولي. ولا بد أن تدفع الحكومة الثمن، ولا بد للأحزاب المعارضة جميعها أن تتحمل مسؤولية مهادنة الديكتاتورية والضحك معها في بيوت الأفراح في شكل من أشكال التطبيع الإجتماعي الذي وظفته الإنقاذ لإستمراريتها. قادة الأحزاب لا يحتاجون لأن يذكرهم أحد أن سياسة رجل في الحكومة وأخرى في المعارضة لا تبني وطنا في ظروف كهذه، ولا يحتاجون أيضا لأن يدركوا خطورة الوضع وإذا لم تقم السلطة بتسوية أمرها مع الشعب والعالم، وإذا لم يكن قادة الأحزاب وجمهرة المثقفين في المستوى المطلوب لقراءة الظروف المحيطة بالسودان والإلتفات إلى تكوين جسم سياسي قومي للتعامل بجدية مع الأزمة الوطنية التي وصلت إلى ذروتها فإن تفكك السودان سيصير قاب قوسين أو أدنى.



لا شك أن حاضر ومستقبل البشير اصبح بلا فاعلية في تحقيق الإستقرار للبلاد وعليه أن يفدي بلاده وتنظيمه ويذهب إلى لاهاي ليواجه بنفسه مصيره، فهو المسؤول الأول الذي ظل يناور ويلتف حول المستحقات الوطنية، ولكنه لم يكن ليدري أنه يضيق في كل مناورة للغش الحبل على رقبته، ويحقق الإحراج لمواطنيه. إنه، بخلاف مسؤوليته عن العار الذي جلبه لتاريخ البلاد، ساهم في الآتي:



1ـ حطم بسياسة التمكين المتحقق النسبي من النسيج الإجتماعي وقاد البلاد إلى طريق الإثنية، في المركز ودارفور، ظنا منه أن ذلك هو الطريق الوحيد الذي يساعد في تدعيم سلطته. بل واصبح البشير في تصريحاته ضد العالم كمن أفلس كرئيس دولة، والعقلاء في الحكومة والمعارضة يدركون أن لا بد أن يكون لهذه التصريحات ثمنا باهظا، ولا بد لصمتهم عن سياسة البشير من عار على جبينهم.



2ـ أحاط نفسه بأسوأ الوزراء الذين لا يدركون خطورة ما أتوا بها من سياسات، وظلوا يقدمون في كل خطواتهم مصلحة تنظيم المؤتمر الوطني وليس السودان، وبخلاف ذلك ظنوا أن تصريحاتهم لتخويف أهل البلد هو السبيل الوحيد للنجاة من مأزق المحكمة الجنائية، وما التصريح الأخير لصلاح غوش إلا الرعونة والغباء وعدم الكياسة والتطرف، وإتضح أن الأهم لصلاح غوش في المقام الأول التصريح بتقطيع أوصال مواطنيه قبل مجابهة المجتمع الدولي. أما بقية الوزراء من أمثال نافع وعبد الرحيم محمد حسين فقد أنتجوا دبلوماسية جديدة في التعامل مع المكون الوطني والعالمي وظلت تصريحاتهم العنترية الكاذبة ليست سوى سبب لجلب المزيد من المتاعب لمن وزرهم ولمواطنينهم المغلوب على أمرهم. الشئ الآخر أنه قد إختلط الحابل بالنابل في مسألة التصريحات الصحفية حول ما يتعلق بالأمر الخارجي وصار للحكومة أكثر من عشرة متحدثين رسميين وغير رسميين، وهذا أضعف إهمية وجود وزير خارجية أو دبلوماسية تتعامل مع العالم وفق الأعراف المتبعة، ومهما كان الموقف المناقض للمحكمة الدولية فإن الإكثار من كل انواع الشتائم نحو أوكامبو (الموظف الدولي) ليس هو الطريق المثلى، وإذا كانت الشتائم توجه صباحا ومساء لمجلس الأمن فالمسألة يمكن أن تكون مبلوعة ولكن أن يصبح أوكامبو هو القضية الأساسية بينما يتلاقى الرئيس ضاحكا مع الدبلوماسيين الأممين الذين حولوا سلطاتهم إلى أوكامبو فذلك ما يدعو للسخرية. الأكثر من ذلك أن عبد الباسط سبدرات ترك مهمته كوزير وصار هو الذي يجيب على أسئلة الصحفيين الأجانب. لقد غابت الدبلوماسية وأصبح الحماس في إثبات الولاء للدايرة الضيقة هو السبيل للدفاع عن البشير ومحاشاة العار لتاريخ البلاد، ولكن الحماس وحده لم يكن يوما معينا في هذه القضايا الدولية ألم يسعفنا التاريخ القريب في المنطقة من الإعتبار؟.
3ـ راهن البشير بغباء لا مثيل له على الرؤساء العرب والأفارقة لفك ورطته وأثناء ذلك قاده المستشارون إلى التورط في الخلافات العربية ووقف مع معسكر (حماس وحزب الله وسوريا) ويدرك البشير تماما أن رؤساء المعسكر الآخر هم الذين يتم الإعتماد عليهم لتخليصه من الجنائية، وعبر ذلك خلق جفوة في العلاقة مع مصر ما إضطرت صحيفة الإهرام أن تهاجمه وتصفه أنه مطلوب القبض عليه من دول العالم.


4ـ ظن البشير أن سياسة دعم الجنجويد عبر إستيعابهم في الجيش حتى بعد تحقيق أبوجا هو السياسة التي تقنع الناس والعالم بأنه سعى لتسريحهم، كما عمل من خلال وكلاء حكوميين في المركز ودارفور على إتباع سياسة تمزيق الحركات المسلحة كسبيل وحيد لحل قضية دارفور، وهي سياسة مستندة على الإنتصار الوقتي الذي حققه في أبوجا بتمزيق حركة تحرير السودان إلى جناحين، جناح وقع معه الإتفاقية وفشلت أبوجا كنتيجة حتمية لسياسة غير جادة لحل المشكلة من جذورها، بل وساهم تجاهل تنفيذ بنود الإتفاقية في إضعاف شريكه مناوي في المركز والميدان، وتلك المحصلة أغرت الحركات الأخرى في الإبتعاد عن التفاوض مع الحكومة، وبالتالي عادت هذه الحركات أكثر قوة وكادت أن تطيح بحكومة البشير إبان دخول حركة العدل والمساواة إلى أمدرمان، وبدلا من الاستفادة من الفرصة الأخيرة التي لاحت عبر ما يسمى بمبادرة أهل السودان، وإعطاء الأحزاب فرصة حقيقية للمساهمة في حل المشكلة، أصر البشير أن تمارس سياسته التغبيش والغش وإظهار المبادرة بأنها جهد كل السودانيين، بينما ظل حزبه هو الذي يحرك آلياتها ويحدد شروط الحل ما أدى ذلك إلى تصريح الصادق المهدي بأن صقور النظام خطفوا إتفاقية التراضي. فضلا عن ذلك أن الطريقة التي تم بها الإعلان والتخطيط للمبادرة أدت إلى عدم مشاركة المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي وممثلين للحركات المسلحة التي لم توقع على أبوجا. والمؤلم أكثر أن البشير وزمرته لم يستجيبوا للأصوات الوطنية الحادبة بإعطائها فرصة لحل مشكلة دارفور وأصبح بحث نظام البشير عن وسطاء من الخارج وسماسرة سياسة في عواصم عربية وأفريقية ودولية هو السبيل الوحيد لحل المشكلة، ومع ذلم لم يجن النظام حلا قد ترك مؤشراته وفرصه في الخرطوم ووسط الغيويرين من أبناء السودان.



إن القضية التي تواجه السودانيين جميعا لا تحتاج إلى التعامل العاطفي أو مسك العصا من النصف أو الإنسحاب عن تسجيل المواقف الشجاعة التي يتطلبها حبنا لبلادنا، وقوفا مع النظام المتهالك ورئيسه أو إتخاذ مواقف ضدهما. إن تهاوننا أجمعين لترك هذه السلطة الغاشمة لقيادة البلد أفرز هذه النتيجة المنطقية التي أصبحنا في يوم الرابع من مارس لنجدها أمامنا، فلا بد لـلهــ(1)ــوس الديني أن يثمر عن فشل وطن لا تسامحه، ولا بد لـلديـ(2)ــكتاتورية أن تحصد الشوك لا العنب، ولا بد للفكر الإثنـ(3)ــــي أن يقود الناس للتمترس مع عاطفتها لا عقلانيتها، ولا بد لسياسة المـ(4)ـراوغة الحزبية أن تجني لصاحبها قدرا من الإهانة ولأهله نوعا من الإحباط، ولا بد لمـ(5)ـهادنة القادة والمواطنين لمثل هذه السياسات التي تضخها الديكتاتورية أن تملكهم نوعا من الإحباط وإشانة السمعة لوطنهم بين العالمين. ومع ذلك فإن هناك فرصة لكل عقلاء السودان أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية وأن يوقفوا هذه الديكتاتورية البشعة التي أتت ببيوت الأشباح وسياسة الصالح العام وتمزيق الخدمة العامة وتدعيم أسس الفساد بكل أنواعه وقتل المواطنين وحرق القرى وإغتصاب الفتيات وتهجير المواطنين غصبا عنهم إلى الصقيع.

بناء على ما جرى للدارفوريين


بناء على ما جرى للدارفوريين
صلاح شعيب
ممنوع من النشر بامر الرقيب الأمني

برغم المسافة الزمنية ـ والتي توازي عمر طالب جامعي ـ بين حادثة يوليو 1976 وحادثة أمدرمان 2008 إلا أن التمييز العرقي في السودان لا يزال المحرك الاساسي لذاكرة السلطة المركزية وقطاعات واسعة من نخب الوسط النيلي.

أثنان وعشرون عاما لم تسهم في تقصير الفجوة العرقية بين نخب وسط السودان وغربه، وإنما أعلنت بكل وضوح أن العرق هو المعزز لهذه الدولة وليس العقل. وفي هذا لم يشفع للسلطة إدعائها في الانطلاق من "النهج الرباني" ولا حتى وجود عناصر "مؤلفة القلب" من دارفور من التعامل مع تداعيات أحداث أمدرمان بحساسية تراعي موجبات ذلك "النهج" ومستحقات خصوصية "توالي" بعض أبناء غرب السودان خلف مشروع الحركة الاسلامية الذي تم قام بتوظيفهم بما فيه الكفاية، ولعل قائد السرب العسكري الذي دخل امدرمان ليسقط السلطة نفسه كان واحدا من أبناء دارفور الذين "أبلوا بلاء حسنا"، كما قد يقول زملاؤه السابقين، في تمديد مساحات السلطة الاسلاموية، غير أنه وجد نفسه، في ملابسات مراجعة موقع اخوانه الدارفوريين في التوظيف داخل السلطة ليس مؤثرأ، وعرف حينها أن الحركة الاسلامية إنما هي لله "فقط" حين لا تجد أحدا يصارحها أن كل المؤمنين أخوة في تقاسم الرزق في الدولة، وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

الاعتقالات التي تمت والاهانات التي تعرض لها بعض أبناء غرب السودان والاشارات الرمزية الممعنة في العنصرية لأجهزة الاعلام الرسمية وبعض الصحف التي "توالي" النظام عبرت عن حقيقة نفوس السياسين الذين يصونون "المشروع"، وهؤلاء الذين يعتاشون من دعمهم له.

وفي الاثناء، جاءت مبادرة التراضي، والتي سبقها ظهور للسيد الصادق المهدي في القصر الجمهوري مؤيدا ومؤازرا وداعيا إلى "عدالة رادعة" تجاه "الغزاة والمرتزقة"، لتهدم كل الافتراضات القديمة أن حزب الأمة هو المجسر في العلاقة بين غرب السودان وبقية أجزاء القطر، ولكن اتضح أنه الحزب الذي يركب قائده على ظهر أبناء الغرب ليصل إلى الكرسي الوثير في أيام الديكتاتوريات وأيام الانظمة الديمقراطية مهما كان "ثمن الكيفية" التي تنزع بها السلطة، ولعل المهدي العارف بالتاريخ يدرك كم من الموتى المغرر بهم يذهبون هدرا في سبيل اسقاط السلطان أو المحافظة عليه أيضا.

لقد جاءت حادثة أمدرمان لتنبئنا عن عمق الشقاق في العلاقة بين سودانيين وسودانيين. وللأسف الشديد أن العناصر المسببة لهذا الشقاق ليست في البرامج السياسية المؤدلج وغير المؤدلج منها، أو في طريقة التفكير وأخرى، أو في انتهازية الهدف أو صدقه. وبدا أن جانبا ضيقا في فرز اللون ـ وشيئا من نطق الحروف العربية واختلافا ضئيلا للملامح ـ هو الدافع الاساسي في تدعيم هذا الشقاق وتنميته وقيادة السياسة بناء عليه.

فعدم حياد العرق في الدولة مؤسس وموطن بآليات وأفكار وممارسات، وإلا لما اشتعلت الاطراف ذات اللهجات المتمايزة والالوان غير المفضلة ضد سياسة الدولة المركزية التي تنمي أشخاصا على حساب آخرين، وتفضل تنمية مناطق محددة وتحجيمها عن أخرى وتفكر لصالح وجود أقوام خصما على آخر، وتكافح للمحافظة على سلطة فاشلة قوميا لحساب قلة ديمقراطية وشمولية ، وتختلف آيدلوجيا ما شاء لها الاختلاف والاحتراب ولكنها تتفق حول المحافظة على موازين الدولة بناء على المنظور القبلي.

هذه هي الحقيقية التي يجب علينا أن نضعها في أولويات التفكير إن شئنا سلاما للبلد ومستقبلا طيبا ومستقرا، وهذا هو "المسكوت عنه" الذي لا ترضى بعض النخب في الوسط النيلي مجرد الاستماع إليه، مفضلة أن يكون منهج التفكير السياسي قائما على الوقوف بجانب الديمقراطية أو ضدها، بجانب الدولة العلمانية أو مواطنيتها، بجانب الحداثي في الرؤى او في جانب التقليدي منها، بجانب فكر الاسلاموية الفظ او الاسلاموية المعتدلة.

فما فائدة الديمقراطية إن لم يسبقها إقناع المناضلين لجلبها بإعتراف مؤداه أن عدم حياد العرق لن يحمي الديمقراطية المتصور استدامتها..؟، وما فائدة العلمانية إن كانت تكرس لشلليات عرقية على حساب أخرى تواسيها بالفتات..؟، وما معني الجدل حول بناء مستقبل للتراضي الوطني، في مدلوله السياسي، والقومي في معناه العرقي/التعددي، إذا كان الظلم البائن نحو عرقيات محددة يقابل بتجاهل وعدم مسؤولية تجلب حروبات ومآس وكوارث لا يسلم منها أحد.

فما ضر السودان شيئا مثل محاولة النخب المسيطرة على السلطة وبعض معارضيها الذين يمسون "المسكوت عنه ـ في طوره العرقي" بطرف وخجل. أما إذا مسه الآخرون المتظلمون، والذين يعايشون تمييزا عرقيا في كل سحابة يوم ، تم استهدافهم بدمغ شخصيتهم بالعنصرية، دون أن يتم الحوار الموضوعي حول طبيعة هذه التظلمات التي تبتدر منهم. وبخلاف ذلك تحاول نخبة هنا وهناك استخدام منهج اللف والدوران لنسف "مصطلحات" لم يستطع المتظلمون في تدعيمها بالحجة الاكاديمية..برغم أن المضمون الذي قصدوه يعني ميل ميزان العدالة في سودان لم يقف في قيادة قراره السياسي الاكيد لا جنوبيين ولا غرابة ولا بجا ولا نوبة جبال.

وهكذا ـ وللمفارقة ـ أنه تقف الاعتقالات المبنية على "لون مفترض" لأبناء دارفور، والاهانات التي تعرضوا لها برهانا جديدا وساطعا على أن وجود أبناء دارفور من القياديين في السلطة إنما هو صوري لا يسمن ولا يغني من جوع في تغيير مفاضلات ومعاظلات القرار السياسي، ما دام أن لا حول ولا قوة لهم على حمل زملائهم في السلطة على احترام حقوق المواطنة وصونها في المحكات كما في الازمان العادية، وما دام أن الاعلام الرسمي وحتى برنامج "حقيبة الفن" يعمق في وصف أعضاء حركة العدل والمساواة بأنهم مرتزقة، وما دام أن لا أحد من أبناء دارفور المستشارين في القصر يستشار بالدرجة التي قد تؤثر نصائحه على خطة مسؤولي الامن ويحمي، من ثم ابرياء منطقته، حتى لا يأخذون بجريرة من فعلوا ما سمي بـ "الغزو". والغريب انه يحدث هذا دون أن يخرج علينا رشيد من القوم الدارفوريين في السلطة بالاستقالة المبررة أنه لا يرضى لاخوانه في العرق والمنشأ وضعا مهينا كما عرضه التلفزيون الحامل للمسمى القومي.

بعد كل هذه الحيثيات التي شاهدها الناس باعينهم على الارض، ولم تكن افتراضا نظريا، لماذا ينكر بعض الكتاب عدم وجود التمييز بين السودانيين، والقول بأن الصراع هو ذي ابعاد ايدلوجية فقط منذ أن قامت قيامة الاستعمار في بلادنا..؟ ولماذا يتم الالتفاف على حقيقة الصراع بين أبناء المركز وأبناء الهامش بواسطة نفيها ما دام أن لا شفيع لأبناء الهامش الابرياء والمستوزرين يحميهم حين تقع الواقعة على الدولة المركزية ويتم توجيه الضرب والاهانة وشتم القبيلة والبصق على الوجه بناء على لهجتك..؟

ولماذا كل هذا النفي المكرور والممجوج لحقائق "الكتاب الاسود" ما دام أن السلطة التنفيذية الفعلية ظلت تاريخيا مسيرة بواسطة أبناء الوسط النيلي ولا نحتاج حتى إلى كل تلك الأرقام المخيفة التي ذكرها الكتاب لإثبات شمس الحقيقة..؟ ولماذا إجمالا يتم وصف هذا الكتاب بالفكرة العنصرية التي توقظ الفتنة التي يقولون إنها نائمة ويلعنون من يوقظها، بينما براكين الفتن تقذف بحممها ليل نهار في اطراف البلد، وبالشكل الذي لا يحسه كليا مجموع أهل المركز حتى يتعاطفوا انسانيا مع ساكني هذه الاطراف..؟ وكيف يجوز للباحث الداحض لنظرية سيطرة المركز على الهامش، والمفترض فيه الناحية الاخلاقية، أن يقنعنا أن السلطة طوال هذه الاثنين وعشرين سنة الماضية قد عمق الصهر الاجتماعي للمواطنين بما يجعل من امكانية تصنيف السودانيين بلهجاتهم وتعذيبهم وفقها أمرا غير ممكن...؟ وإلى أي مدى يساعد هذا الاسلوب الفكري العقيم في نكران الظلم الاجتماعي في بناء سودان علماني أو ديمقراطي أو اسلاموي مستقر إذا كان الفكر القبلي ظل هو المدد الاعظم في تسيير شؤون الدولة، وبه يتم صيانتها من "أدواء الزمان".

إذا كانت هناك ملامة موجهة للمسؤولين في الدولة فإن الملامة الكبرى يجب أن توجه للقيادات السياسية من ابناء دارفور والتي لم تسجل موقفا حازما تجاه ما حدث لأبناء غرب السودان. مرة اخرى، لم نشهد استقالة وزير سيادي واحد ـ إن وجد ـ أو وزير دولة أو نائب برلماني أو نائب والي ازعجتهم الطريقة غير الانسانية التي تم بها اعتقال او استفزاز وقتل بعض ابناء دارفور والذين لا يد لهم فيما حدث في ذلك اليوم


الصحافة والأمن؟؟!!



الصحافة والأمن؟؟!!
أمال عباس
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني
كتب الزميل محفوظ عابدين مقالاً في عدد "الصحافة" الصادر في يوم الأحد الثالث والعشرين من نوفمبر الجاري بعنوان الصحافة والأمن .. المسؤولية مشتركة .
قرأت المقال الذي حوى الكثير من الحقائق المسلم بها في شأن الصحافة السودانية التي إمتد بها العمر وفاق القرن.. الصحافة الرسالية التي بالرغم من انها بدات بالأجنبي ولكنها قامت بدورها التنويري والرسالي والوطني على وجه نال الكثير من الرضا .. فقد كان دورها واضحا في الحركة الوطنية والمناداة والتبشير بالاستقلال والتغني بالحرية وللحرية بالرغم من رقابة المستعمر ومضايقاته المتلاحقة.
وعلى مدى تقلبات الشرط السياسي في السودان وانظمته المتفاوتة ظلت الصحافة ملتزمة جانب الحق والخير والحرية وظلت تدفع الثمن باهظا .. جعلها تعاني من عدم تواصل الأجيال ويعاني الصحافيون السودانيون الظلم والتشرد والضرب في دروب المهاجر من اجل لقمة العيش .. ومن هنا ظلت الصحافة السودانية بتجاربها الثرة ترفد الصحافة العربية التي تصدر في الخليج العربي والتي تصدر من لندن .. وقبرص وغيرها من المهاجر بالكوادر المؤهلة والمقتدرة والمتميزة .
ما استوقفني في مقالة محفوظ حديثه عن الرقابة .. والتي سلم بها من خلال حديث رئيس جهاز الأمن الوطني الفريق صلاح عبد الله "بان هذه الاجراءات استثنائية دستورية وقانونية ومقرة من مؤسسة الرئاسة " ومحفوظ يقول بالتالي فإن الشكوى من هذه الاجراءات أو مقاومتها بوسائل ديمقراطية أو غير ديمقراطية يدخل في مناطحة السلطات ولا يمكن لفرد أو مجموعة أن يناطح سطة مهما أوتي من قوة ".
حديث غريب ووجه الغرابة أنه يأتي من رئيس جهاز الامن الذي يدرك تماما ان قانونية الاجراءات الاستثنائية مؤقتة ومتأرجحة ومطاردة بواسطة دستور 2005م قبل ثلاث سنوات .. ووجه الغرابة الثاني أن تأتي من صحافي قدم لمقاله بحديث طويل عن اتفاقية السلام وعن التحول الديمقراطي وعن .. وعن .. وان الاتفاقية هي التي أقرت الدستور وأفردت فقرات لاهمية حرية الصحافة وحرية التعبير وهي ايضا حددت مهام ودور ووظائف جهاز المخابرات والامن الوطني.
لا أريد أن أتحدث عن مناطحة السلطات لا بالكلام ولا بالسلاح . ولكن أود ان أذكر الزميل محفوظ بانه ليس هناك من يقف ضد تنظيم مهنة الصحافة وتطويرها عبر مؤسسات لا تجرمها سلفاً ولا تصور الصحافي بانه المخرب والمشاكس والعميل.نحن نتحدث ونطالب بقانون صحافة يحرسه مجلس قومي للصحافة ويتكون بجميع لجانه بما فيها لجنة الرصد والشكاوى .. ونقبل بأن نمثل امام القضاء فلسنا فوق القانون ولا نحن مجموعة ملائكة يجانبها الخطأ .. فنحن نخطئ ونقبل بالمساءلة القانونية وغير المتحاملة .
الزميل محفوظ ان اردت الاشارة الى الاحداث الاخيرة وما نقوم به من مناهضة للرقابة الامنية القبلية التي نرى بانها تمارس بلا منهج واضح ولا معيار محدد ولا تحفل بكثير من التجاوزات وهذا مما جعل الشكوى منها تبلغ حد الاجماع من جميع الصحافيين قيادات وقواعد ، وقد ظللنا نعبر عن هذه الشكوى لدى كل جهات الاختصاص ، خاطبنا قيادة الجهاز عبر قيادات الصحف وقابلناه وخاطبنا قيادة مجلس الصحافة .
هناك معاملات ينقصها العدل في نزع المواد مما جعلنا ننادي بالمساواة في الظلم التي هي نفسها نوع من العدل افتقدناه في الرقابة.مثلا ينزع خبر .. نعم خبر من صحيفة ويترك في أخرى وينزع حوار أو مقابلة مع شخص بعينه من صحيفة ويترك الحوار او المقابلة مع ذات الشخص في صحيفة اخرى .
عموما يا أخ محفوظ اننا نطالب مع بقية الشعب السوداني بانفاذ بنود اتفاقية نيفاشا والاسراع باجازة قانون الصحافة وقانون الامن الوطني وكل القوانين التي تتعارض مع دستور 2005م.
فثلاث سنوات وتزيد على وضع الدستور ومازلنا نتحدث عن قوانين تجاوزتها الاتفاقية ومازالت سارية هذا هو الشيء الذي يقلق ويجعلنا نخاف على السودان وعلى الصدقية وعلى الحق والحقيقة.
هذا مع تحياتي وشكري





جريمة غريبة ولكن؟!!


صدى

جريمة غريبة ولكن؟!!
أمال عباس
ممنوع من النشر بأمر الرقيب الامني
في يوم الاحد الثامن والعشرين من ديسمبر كنت أطالع موقع سودانيزاونلاين استوقفني خبر عنوانه لافت (مقتل سبعيني برصاص القوات النظامية بسبب جنيه في المتمة) .. قال الخبر (دفع سوداني حياته ثمنا لرفضه دفع جنيه واحد لاحد منسوبي القوات النظامية .. الذي اعتدى عليه واسفر ذلك عن وفاة المجني عليه باستخدام سلاح ناري.
زتعزد تفاصيل الحادثة الى ان فرد القوات النظامية طلب من المواطن خالد حسين الزين ويعمل في صيدلية خاصة بمحلية المتمة ويبلغ من العمر 70 عاما مبلغا وقدره 1 جنيه لقضاء حاجته ، ولكن رفض المجني عليه دفع الواحد جنيه مما أثار غضب فرد القوات النظامية الذي كانت نتيجته ان أطلق عليه عيارا ناريا اخترق القفص الصدري للمجني عليه وتسبب في وفاته.
قرأت الخبر وتراقصت امامي مئات بل آلاف علامات الاستفهام وسط تساؤل بحجم الكون كله ما الذي يحدث في هذا البلد ؟.
نفس الخبر طالعني بصحيفة الوسط الاقتصادي صبيحة الاثنين التاسع والعشرين من ديسمبر الذي أراد ان يغادر إلا أن يضيف لعام 2008م مزيدا من الفجائع والغرائب .. صحيفة الوسط الاقتصادي قالت تحت عنوان جريمة قتل غريبة بالمتمة الآتي:
شهدت مدينة المتمة بولاية نهر النيل صباح أمس الاول جريمة قتل غريبة على سكان المدينة راح ضحيتها شخص في عقده السابع (76عاما) يعمل مساعدا طبيا بمركز الفقيد عماد الدين سيد عثمان.

وتعود تفاصيل الجريمة الى نقاش حاد دار بين الجاني يعمل بالقوات المسلحة بحامية المتمة ومفصول من الشرطة لسوء السلوك والمجني عليه بالمركز الصحي (عماد السيد) انتهى باطلاق الجاني لرصاصتين من بندقية الكلاشنكوف.
وكان المجني عليه قد فاضت روحه في الطريق الى مدينة شندي فيما القت السلطات القبض على الجاني حينما كان يتناول وجبة الإفطار بسوق المتمة .
مع إختلاف التفاصيل فالجوهر واحد في الخبرين .. وعلامات الاستفهام استقرت وتوالدت بصورة جنونية .. الخبر الاول اشار الى سبب الاختلاف والخبر الثاني قال ان الجاني كان يعمل بالشرطة وفصل لسوء السلوك ومعنى ان يكون معه سلاح انه إلتحق بالقوات المسلحة بحامية المتمة .. وطالما ألقي عليه القبض أثناء تناوله وجبة الفطور كان شيئا لم يكن نمتنع عن التعليق الى ان نسمع تفاصيل الحادثة من اهل الشان .. فبالعقل إنها جريمة غريبة ومخيفة ان تظهر مثل هذه التصرفات من أفراد ينتمون الى القوات النظامية.
هذا مع تحياتي وشكري





حكاية للتامل !!


صدى


حكاية للتامل !!
أمال عباس
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني

تجمعنا المجالس هذه الايام .. ولا نتحدث إلا عن المشاكل المشاكل .. الحكومة والاحزاب المعارضة .. والتجمع الذي يلوح بالانسحاب من الحكومة .. ومشاكسات الشريكين .. والحديث عن المحكمة الجنائية بلاهاي .. ومعاناة الجماهير مع الغلاء .. ومع مشكلة الرغيف التي حيرتهم .. ومع دورة المجلس الوطني تمتد الى ان تطول القوانين المتعارضة مع دستور 2005م أم تنفض وتستمر الرقابة على الصحف .. ويستمر جهاز الامن والاستخبارات على حاله وبسلطاته في الإعتقال .. قال احد الزملاء .. إنها حالة ضعف عامة .. ضعف في إدارة كل أوجه الحياة وضعف في حركة الجماهير التي راحت في إغماءة لا ادري لها سببا سوى الطرق المؤلم على أم رأسها وآخرها الطرق عن طريق مقرر المراجع العام والإعتداء على المال العام وإمتناع الكم الهائل من المؤسسات والشركات الحكومية عن تقديم حساباتها.
قلت للمجلس الحديث عن الضعف العام دفع الى مقدمة ذاكرتي أسطورة اوردها قبل ثماني سنوات الزميل إسحق احمد فضل الله في عمود "ألف ليلة" ونقلتها وعلقت عليها في عمود "صدى" "الصحافة" ما كتبت في الثالث من يونيو 2000م لنتأمل المسألة معا .
" في اقصى شمال ألاسكا يعلن الشيخ عند شعوره بالضعف انه ذاهب الى النهر الأصغر والنهر الاصغر هو سراب صحراء الجليد.
أهله يظلون واجمين والشيخ يجمع حزمة من الاعواد الجافة يعلمون جيدا ما سيفعل بها .. الشيخ ذهب وحيدا في غابة الثلج والسنديان حتى اذا أدركه الليل السريع جعل يوقد الاعواد الجافة وهو يعلم جيدا أن مئات الذئاب تلمع عيونها على بعد أمتار منه والعيون تنتظر ذبول آخر جذوة من اللهب.
الشيخ يظل يناغي ذؤابات اللهب والعيون حوله ، وكلما خشى أحدها أن يسبقه الاخرون تقدم اكثر حتى تحدق العيون في العيون .. حتى اذا شهقت آخر ذؤابه من اللهب وثبت الذئاب على آخر شهقة من الشيخ .
شيء غريزي في الإنسان والدولة يعلمان أن الضعف هو شيء أسوأ من الموت وان تواجه الذئاب خير من ان تواجه الضعف.
هذه الاسطورة أوردها الزميل اسحق أحمد فضل الله في عموده "ألف ليلة" بصحيفة الأنباء بعنوان "ذئاب على ذئاب نحن"..
اختلف مع الزميل اسحق اختلافا جذريا ولكن أقرأ ما يكتب باعجاب شديد لانه يعالج الامور باسلوب أدبي جميل وبصدق وشفافية آسرة .
الضعف أسوأ من الموت حقيقة .. والمرض نوع من الضعف يذل الانسان ايما اذلال وقناعة اهلنا في السودان تقول المرض ما بكتل ويغني المغني قائلا كفارة البيك يزول والمرض ما بكتلو زول ، والضعف نوع من المرض قد لا يقتل ولكنه يذل .
وضعف الأفراد شيء محدود .. ولكن ضعف الدولة هو أن يمرض الناس جميعا ويجوعون ويذلون ويقهرون.
وان كان الفرد في لحظة ضعف مكثفة يهرب الى الموت بالطريقة التى اختارها شيخ شمال الاسكا .. ولكن الدولة لا تفعل هذا .. اي دولة فللسلطة بريقها ورونقها وسحرها وأهلنا يقولون في أمثالهم " سلطة حدود الركبة ولا مال حدود الرقبة" اي قليل من السلطة يفعل ما لا يفعله الغرق داخل الأموال.
اخي اسحق الا تتفق معي بأن الحكومة .. أي حكومة لا تمتلك شجاعة الشيخ لتذهب الى " النهر الأصغر" الحكومة تظل وتطلب من الآخرين أن يحتطبوا ويستعدوا الى الرحلة.
لكن بالمقابل ما يحس به الانسان الفرد وتدركه الدولة وتعاند مقاومة الشعب والمنطق تقاومه الجماهير .. تقاوم الضعف وتقضي على الذئاب واحدا وراء الآخر .. ذلك لأن الشعوب لا تموت ابدا بسبب الضعف .. الشعوب خالدة بحركة نضالها في سبيل القوة والعدل والسلام
هذا مع تحياتي وشكري

ما هكذا حب الاوطان؟ .. فش الغبينة وخراب المدينة !


صدى


ما هكذا حب الاوطان؟
فش الغبينة وخراب المدينة !
أمال عباس
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني

جميل أن نغرق في حب الوطن .. نغرق بلا تفاصيل في الكيفية التي نغرق بها .. نغرق في حب يجعلنا حزمة واحدة في وجه أي خطر يتهدده .. سواء كان الخطر من عوامل الطبيعة .. الفيضانات الزلازل والاعاصير والسيول أو الكرامة أو الهوية .. والغرق في حب الوطن عاطفة نبيلة ومقدسة ولها شروطها وحكمها ومتى ما دخلت في خانة التجاوز لشروطها ومتطلباتها انقلبت الى عاطفة هوجاء هي نفسها وشعبنا الطيب ادرك هذه الحقيقة الناصعة البياض وأفرد لها مكانا في امثاله .. الفش غبينته خرب مدينته .
مع تداعيات مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتوقيف رئيس الجمهورية بتهمة إرتكابه لجرائم حرب .. تناسى الناس التفاصيل وتجاوزوا كل اخطاء الحرب واسقاطاتها اللئيمة وغرقوا في حب الوطن المتمثل في التمسك بسيادته وقالوا المساءلة لنا والمحكمة نُجريها نحن وفي داخل السودان .
هذا جميل .. جميل ليس لان الإنقاذ بلا اخطاء .. وليس لان الاخطاء يجب ان تمر بلا عقوبة .. جميل فقط في حدود الحكمة والاصلاح والبعد عن دائرة الهرولة الى المناطق الخطرة مناطق فش الغبينة .
أقول هذا وانا يلفني الخوف والقلق لما جاء في صحيفة آخر لحظة في عددها الصادر في العاشر من مارس تحت عنوان "إهدار دم أوكامبو وخليل وعبد الواحد .. مجموعات جهادية تعلن استعدادها لتنفيذ 250 عملية استشهادية ضد داعمي المحكمة الجنائية ".
تفاصيل الخبر كالآتي :
أعلن تحالف الحركات الجهادية الاستشهادية عن تنفيذ 250 عملية استشهادية ضد الدول الداعمة لقرارات المحكمة الجنائية الدولية في عقر دارها وخارج التراب السوداني . وبشر التحالف ربائب الامبريالية العالمية ووكلاء الـسي اي ايه في فرنسا وبريطانيا وامريكا بـ 11 سبتمبر اخرى .
واهدر التحالف في بيان اصدره أمس دماء لويس مورينيو اوكامبو مدعي عام المحكمة الجنائية و د. خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة المتمردة وعبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان المتمردة ووصف الاول بالذميم والاخيرين بعملاء الصهيونية والخارجين وأوجب ملاحقتهم وتنفيذ حكم الله فيهم أينما حلوا.
واوضحت الحركات الاستشهادية والجماعات الجهادية الموقعة على البيان والمتمثلة في جماعة الشهيد أبو قصيصة الانتحارية والتي وقع عنها محمد احمد أبو قصيصة .. جماعة انصار الله الجهادية السلفية والتي وقع عنها أبو مدين علي الشيخ .. جماعة الباحثين عن الشهادة عنها الطريفي عبد الرحمن خالد . جماعة لواء الشهيد علي عبد الفتاح عنها يوسف عبد الرحمن مرفعين ولواء أسود دارفور عنهم موسى هلال .
أوضحت أنها إجتمعت عقب صدور قرار الجنائية التي وصفتها بمحكمة الظلم العالمية وأصدرت التوجيهات التي تضمنت تكوين ألوية مشتركة تحت قيادة موحدة لإدارة الجهاد وتطهير دارفور من دنس ربائب الاستعمار الجديد والتنسيق مع كل الحركات الجهادية والتحررية في العالم أجمع لتنفيذ الاهداف الجهادية والتحررية.. وبدأ التحالف بيانه بالآية القرانية " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا ان الله مع المتقين" البقرة . وأعقبها بالآية " واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة أشد من القتل" التوبة .
هذا مع تحياتي وشكري



الذكرى الخالدة


صدى
الذكرى الخالدة
أمال عباس
ممنوع من النشر بأمر الرقيب الامني

في مثل هذا اليوم الثامن عشر من يناير قبل ثلاثة وعشرين عاما اهتز الضمير الانساني والعقل السليم في السودان بصورة خاصة وفي العالم باطلاقه .. اهتز ضمير الذين يدركون بشاعة أن يحاكم الفكر في إطار معطيات التقلبات السياسية وموازين تصفية الحسابات.
كان من المخجل والمؤسف يوصم بالكفر من يحاول ممارسة التفكير والتأمل والاجتهاد وان يكون التكفير هو عقاب التفكير .. وهو مخجل في أي مجتمع وفي أي نظام وفي أية لحظة تاريخية ولكن بالمقابل كانت هناك على الدوام عقول متوهجة وضمائر يقظة آثر أصحابها التضحية بحياتهم ثمناً للفكر الحر لوجه الله وفي سبيل حياة أفضل للإنسان خليفة الله في الأرض .
إقامة محكمة للاستاذ محمود محمد طه والحكم عليه بالإعدام كان كارثة ثورة مايو وجريمتها السياسية البشعة في الربع الاخير من القرن العشرين .. فقد كان الامر ليس أمر دفاع عن الاسلام بقدر ما هو إغتيال سياسي رتبت له بعض الجماعات السياسية الملتحفة بثوب الاسلام والتي في الاساس كانت مستهدفة الخطر الذي كانت تمثله افكار الاستاذ محمود محمد طه على كياناتهم ومصالحهم الخاصة .. ومستهدفة ايضا ايجابيات ثورة مايو .. وللاسف استطاعت أن تدفع برئيس الجمهورية الى ممارسة الاختلاف الفكري في قاعات المحاكم المفروضة بدلاً من المنابر وحدث هذا بالرغم من رفض الكثير من اعضاء الاتحاد الاشتراكي لمبدا المحاكمة أولاً ثم الإعدام وعلى رأس هذه العضوية المكتب التنفيذي لاتحاد شباب السودان الذي رفع مذكرة لرئيس الاتحاد الاشتراكي استلمها السيد محمد عبد القادر الذي كان يشغل منصب الامين العام وكذلك المكتب التنفيذي لاتحاد نساء السودان .. ومع تجاهل المذكرتين لكن إثبات حدوثهما امانة تاريخية .
ولأن الفكر لا يموت وان طالت يد الغدر السياسي حياة اصحابه وسمعتهم وعقيدتهم فالفكر أعظم ما كرم الله به الانسان على مخلوقاته كافة .
كان الاستاذ محمود محمد طه يمارس فضيلة التفكير والتامل المسؤول في الشأن الانساني والشان السوداني . يسبر غور الدين الاسلامي الرسالة الخاتمة الى الانسان على ظهر الارض .. رسالة ان يعم الخير ويسود العدل والسلام .
مازالت بعض الجماعات ترفع راية الدين الاسلامي وتخرج على الناس بدعوى أنهم وحدهم المسلمون الناجون من النار وغيرهم كفرة وزنادقة وعملاء وخونة ومثواهم النار وبئس المصير .. انهم يسيئون للاسلام ولثورة الاسلام المتقدة دوماً من اجل العدل والمساواة والقائمة أساساً على الفكر والعقل .. لا على البندقية والسكين والفؤوس.
ستبقى ذكرى الاستاذ محمود محمد طه قيمة نضالية تجسد الصمود وتدين ممارسة التكفير في وجه التفكير.
هذا مع تحياتي وشكري*******

جريمة غريبة ولكن ؟ ! !


صدى
جريمة غريبة ولكن ؟ ! !
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني
أمال عباس

في يوم الاحد الثامن والعشرين من ديسمبر كنت أطالع موقع سودانيزأونلاين استوقفني خبر عنوانه لافت (مقتل سبعيني برصاص القوات النظامية بسبب جنيه في المتمة ).. قال الخبر ( دفع سوداني حياته ثمناً لرفضه دفع جنيه واحد لاحد منسوبي القوات النظامية .. الذي اعتدى عليه واسفر ذلك عن وفاة المجني عليه باستخدام سلاح ناري .
وتعود تفاصيل الحادثة إلي ان فرد القوات النظامية طلب من المواطن خالد حسين الزين ويعمل في صيدلية خاصة بمحلية المتمة يبلغ من العمر 70 عاما مبلغا وقدره 1 جنيه لقضاء حاجته ، ولكن رفض المجني عليه دفع الواحد جنيه مما اثار غضب فرد القوات النظامية الذي كانت نتيجته ان أطلق عليه عيارا ناريا اخترق القفص الصدري للمجني عليه وتسبب في وفاته.
قرأت الخبر وتراقصت اماي مئات بل آلاف علامات الاستفهام وسط تساؤل بحجم الكون كله ما الذي يحدث في هذا البلد .
نفس الخبر طالعني بصحيفة الوسط الاقتصادي صبيحة الاثنين التاسع والعشرين من ديسمبر الذي أراد ان لا يغادر إلا أن يضيف لعام 2008 مزيدا من الفجائع والغرائب .. صحيفة الوسط الاقتصادي قالت تحت عنوان جريمة قتل غريبة بالمتمة الآتي : -
شهدت مدينة المتمة بولاية نهر النيل صباح أمس الاول جريمة قتل غريبة علي سكان المدينة راح ضحيتها شخص في عقده السابع (76عاما) يعمل مساعدا طبيا بمركز الفقيد عماد الدين سيد عثمان .
وتعود تفاصيل الجريمة الى نقاش حاد دار بين الجاني يعمل بالقوات المسلحة بحامية المتمة ومفصول من الشرطة لسوء السلوك والمجني عليه بالمركز الصحي (عماد السيد) انتهى باطلاق الجاني لرصاصتين من بندقيته الكلاشنكوف.
وكان المجني عليه قد فاضت روحه في الطريق الى مدينة شندي فيما ألقت السلطات القبض علي الجاني حينما كان يتناول وجبة الافطار بسوق المتمة.
مع اختلاف التفاصيل فالجوهر واحد في الخبرين وعلامات الاستفهام استقرت وتوالدت بصورة جنونية .. الخبر الاول أشار الى سبب الاختلاف والخبر الثاني قال ان الجاني كان يعمل بالشرطة وفصل لسوء السلوك ومعنى ان يكون معه سلاح انه التحق بالقوات المسلحة بحامية المتمة .. وطالما ألقى عليه القبض أثناء تناوله وجبة الفطور كأن شيئا لم يكن نمتنع عن التعليق الى ان نسمع تفاصيل الحادثة من اهل الشأن .. فبالعقل إنها جريمة غريبة ومخيفة ان تظهر مثل هذه التصرفات من افراد ينتمون الى القوات النظامية .
هذا مع تحياتي وشكري
*******

حرية الكلام وحرية الطعام؟؟


صدى

حرية الكلام وحرية الطعام؟؟
ممنوع من النشر بامر الرقيب الأمني
أمال عباس

تأخذنا هذه الأيام حمى الحديث عن قانون الانتخابات وعن الصراع المتصاعد بين المؤتمرين بعد الحديث الذي أدلى به الرئيس البشير لقناة الجزيرة الفضائية والقائل بإن حركة العدل والمساواة هي الجناح العسكري للمؤتمر الوطني.
والحقيقة كل الحديث يصب في قتامة الواقع ومرارة معايشته .. فالإنقاذ وبالرغم من وجود ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية نجحت تماما في إحداث الربكة الكبيرة وسط الكيانات السياسية كلها وبلا إستثناء ... بينما تتصاعد أزمة متطلبات الحياة أمام المواطن السوداني وآخر حلقات هذه الأزمة موجة الغلاء التي غمرت الحياة وكتمت أشواق الناس الي لقمة هنية يتناولونها وهم سعداء ، والمتأمل في أحجام رغيف العيش وأسعاره يدرك تماما شقاء أرباب وربات الاسر.
تابعت مناقشات قانون الانتخابات وسط كل التيارات السياسية وأدرك تماما لماذا يجد كل المعاكسات .. والمعطيات في طريقه الي المجلس الوطني .. والسبب واحد وبسيط وهو الفهم للديمقراطية التي يجب أن تقود اليها الانتخابات، والديمقراطية التي في بالي ليست الليبرالية التي قال عنها السيد الصادق المهدي لا تصلح للسودان.. وهذا حديث طيب لكن هل الأحزاب جميعها بما فيها المؤتمر الوطني حدثونا عن الديمقراطية التي في خاطرهم ويريدون قانونا للانتخابات يقود إليها بسلام.
تساءلت مع نفسي هل يا ترى ناقشت الاحزاب معنى الحرية والديمقراطية اللذين تسعى إليهما ؟ بل وهل يا ترى وقفت الاحزاب وكل الذين يناقشون اهمية اجراء الانتخابات في أوقاتها المحددة وسط هذه الاجواء المأزومة علي الصعيدين .. صعيد واقع الاحزاب داخل نفسها وصعيد الحراك السياسي بأزماته الناتجة عن إنفاذ اتفاقية نيفاشا وذهاب مسألة أبيي إالى "لاهاي" وعن واقع حركات دارفور المسلحة وشكوى فصيل مناوي الموقع علي اتفاقية ابوجا .
وقبل ذلك كله وقفت علي طبيعة هذه السلطة وفهمها الاستراتيجي للحرية والديمقراطية .
مع بداية قانون التوالي أراد الاخ فيصل محمد حسين أطال الله عمره ومتعه بالعافية أن يسجل حزبا للمسحوقين أو المهمشين بالمصطلح الرائج .. ولكنه رجع حزينا وغاضبا وثائرا لأن المسجل رفض ان يسجل الحزب .. حزب المسحوقين الذين هم الغالبية العظمى من سكان السودان حسب احصائيات معهد الدراسات الاستراتيجية والتي قالت إن 96% من المواطنين يعيشون تحت حزام الفقر اللعين .
والمسجل كان صادقاً مع نفسه متصالحاً مع الواقع .. مع مفهوم اهل الإنقاذ للحرية والديمقراطية .
فالانقاذ وحسب سياساتها الاقتصادية تتبنى شعارات النظام الرأسمالي الذي يقول إن الطبقات المالكة والحاكمة تحصل علي نصيب الأسد في الثروة والطبقات الفقيرة تحصل علي الفتات في كل شيء وما عدا العمل والعرق والرهق والشقاء ، واللإنقاذ ترى أيضا ان حق التعبير للمسحوقين والفقراء والصحافيين والكتاب مجرد شكل رمزي دون أدوات حقيقية .
باختصار ، ان ناس الانقاذ يريدون قانون انتخابات يتيح للكل الحق في الصراخ والاحتجاج والكلام بشرط ألا يؤدي هذا الي صعود قوى اخرى غير قوى المؤتمر الوطني الي مقاعد الحكم .
والناس كل الناس يبحثون عن ديمقراطية تؤمن لهم حرية الكلام جنباً الى جنب جنب مع حرية الطعام والدواء والعلم فليس هناك حرية لجائع أو جاهل أو مريض.
هذا مع تحياتي وشكري
*******



الاثنين، 22 يونيو 2009

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع(7) (نزعته الرقابة الامنية)



العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع(7) (نزعته الرقابة الامنية)
د.محمد جلال هاشم


ملفّات الأهرام: الدّكتور الصّادق عمارةمندوب رئيس الجمهوريّةالآن دعونا نستعرض بعض جوانب من التّصريحات التي يفترض أنّ الدّكتور الصّادق عمارة قد قدّمها وقتها عندما كان وزير الدّولة بوزارة الزّراعة، لدى لقائه بالخبراء المصريّين بالقاهرة في 21 يناير 2005م (http://www.ahram.org.eg/archive/index.asp?CurFN=file1.htm&DID=8373)، وذلك حسبما نسبته إليه ملفّات الأهرام في سياق ندوة نظّمها أيضاً مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة. وقد شارك السّيّد صادق عمارة في تلك النّدوة لا بوصفه وزير الدّولة للزّراعة فحسب، بل بوصفه: "المكلّف رسميّاً من الرّئيس السّوداني عمر البشير ومن الحكومة السّودانيّة بمسئوليّة التّكامل الزّراعي بين البلدين في إطار العلاقات الثّنائيّة التّكامليّة التي ترعاها اللجنة العليا المشتركة ويتولّى الملفّ الخاص بها وزيرة التّعاون الدّولي فايزة أبو النّجا في مصر، والدّكتور مجذوب الخليفة وزير الزّراعة في السّودان". وهنا ننقل الصّيغة الحرفيّة للتّقديم الرّسمي الذي ابتدر به مدير النّدوة الحديث.
كما قيل في تقديمه أيضاً: "وكان الدّكتور عمارة قد أجرى في القاهرة الأسبوع الماضي اتّصالات عديدة بهذا الخصوص مؤكّداً أنّه مكلّف من الرّئيس البشير بسرعة العمل وأنّ الرّئيس بشير قال له إنّ الرّئيس حسني مبارك مهتمّ بمنطقة أرجين [أرقين] والمشروعات التي تقام فيها". عليه يكون الدّكتور الصّادق عمارة قد تفاوض في هذا الموضوع بوصفه ممثّلاً للحكومة السّودانيّة. عليه، سيكون من الصّعب للمرء أن يقبل بالدّفوعات التي قدّمها فيما بعد عندما كشف النّوبيّون هذه الوثيقة للرّأي العام النّوبي والسّوداني، إذ جاء إلى النّادي النّوبي بالخرطوم ونفى نفياً قاطعاً أن يكون قد أدلى بهكذا حديث لأيّ جهة. ومع كلّ هذا، لم نسمع عن نفي رسمي، لما ورد بملفّات الأهرام، التي كان ينبغي أن تُلاحق رسميّاً في تقوّلها على رئيس الجمهوريّة عمر البشير، دع عنك وزيري الزّراعة مجذوب الخليفة والصّادق عمارة.
تبدأ النّدوة التي قدّمها محمود مراد بقول الأخير: "دقّت ساعة العمل الجاد بين القاهرة والخرطوم لتنفيذ مشروع للتّكامل بين مصر والسّودان، يعدّ نموذجيّاً بكلّ المقاييس والمواصفات ...". ومع أنّ السّيّد مقدّم النّدوة لا يشرح لنا بالنّسبة لمن يُعدّ هذا المشروع نموذجيّاً بكلّ المقاييس والمواصفات، بالنّسبة لمصر، أم للسّودان؟ إلاّ أنّ الإجابة على هذا السّؤال الهام ستقفز من بين السّطور عمّا قليل كما تقفز أسماك البحر عندما تستبدّ بها النّشوة. بعد هذا التّقديم انبرى الدّكتور الصّادق عمارة قائلاً: "لقد اكتملت القناعات وآن الأوان لدفع عجلة التّكامل .. ومن هنا وقع الاختيار على ’أرجين‘ [يقصدون ’أرقين‘] لتكون نموذجاً قابلاً للتّوسّع .. وهذا الاسم للمنطقة نسبة إلى القرية السّودانيّة المسمّاة به والتي تقع على حدود مصر مباشرةً بمسافة عدّة أمتار .. وهي تحديداً على مسافة 65 كيلومتراً من مدينة أبو سمبل المصريّة التي ينتهي عندها خطّ السّكّة الحديد المصريّة، والفكرة ببساطة تعتمد على أنّها أرض طيّبة .. وتروى من مياه النّيل مباشرةً كما يوجد بها أكبر خزّان للمياه الجوفيّة في أفريقيا وهو الحوض النّوبي .. وتصلح جدّاً للزّراعة .. والإنتاج الحيواني .. بما يغطّي احتياجات مصر ويفيض للتّصدير [التّرقيم عن طريق التّنقيط جاء هكذا في الأصل]".
هذا القول وحده يكفي كقرينة دالّة على أنّ المقصود هنا هو الحوض النّوبي وليس قرية أرقين. فالسّيّد الوزير يقول بصريح العبارة بأنّ إطلاق الاسم ’أرقين‘ على المنطقة المعنيّة يعود إلى القرية، الأمر الذي يعني أنّ المنطقة المعنيّة أكبر بكثير من قرية أرقين. فإذا كانت هذه المنطقة تروى من النّيل مباشرةً، تُرى ما هي مناسبة الإشارة إلى أنّها تقع بجوار أكبر خزّان للمياه الجوفيّة بأفريقيا؟
جدّاً ... جدّاً
ونلاحظ كيف تُظهر مضابط النّدوة السّيّد وزير الدّولة للزّراعة، كما لو كان يتهافت في استجدائه للخبراء المصريّين، كيما يقتنعوا بفكرة المشروع، وذلك في تبسيطه لمشروع خطير كهذا، فضلاً عن قوله ".. وتصلح جدّاً للزّراعة .. والإنتاج الحيواني ..". ثمّ لا يقف عند هذا، بل يحاول، كرفيقه الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين، أن يُحاضر [كذا] الخبراء المصريّين إلى ما فيه خير بلادهم: "فإنّ مصر تستورد حاليّاً ستّة ملايين طن قمح وخمسة ملايين طن من الذّرة الصّفراء ومليون طن فول صويا غير الزّيوت والسّكّر وغيرها .. فلم لا تنتج هذا بل وتصدّره .. ولم لا تنتج الأرز ـ مستخدمة خبرتها ـ وتصدّره بكميّات كبيرة إلى العالم؟" ولكن ماذا عن حقوق النّوبيّين في منطقتهم هذه؟ هنا يأتي الرّدّ المنسوب للسّيّد الوزير جاهزاً وخالياً من الحصافة: "بهذا وغيره تصبح أرجين منطقة تكامل نموذجيّة وهي جاهزة .. وخالية من السّكّان إذ تنتشر حولها تجمّعات قبائل نوبيّة ...". ولكن السّيّد الوزير لا يعطينا أيّ أرقام بخصوص تجمّعات قبائل مواطنيه النّوبيّين التي يستخفّ بها كما لو كانت كغُثاء السّيل لا يعبأ الله بهم، هذا بينما لم تخنه الإحصائيّات الدّقيقة وبالملايين عندما تعلّق الأمر باحتياجات السّادة المصريّين. وعلى أيّ حال، هذا القول إمّا أنّه يكشف عن قدر ومكانة النّوبيّين الوضيعة في نظر حكومتنا المصونة، أو أنّه يكشف عن نفس المكانة الوضيعة للنّوبيّين في نظر حكومة مصر المحروسة (أو قُل: مصر المؤمّنة) ـ هذا إن لم يكن الأمران معاً، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
تُرى ما الذي يخبّئه القدر لنا، نحن السّودنيّين، الذين ظللنا نتدهور من حالق الحضارة إلى حضيض التّخلّف بسرعة مذهلة ومنتظمة، كما لو كنّا جلمود صخرٍ حطّه السّيلُ من علٍ؟
فإذا كان هذا ما افتراه المصريّون، وعبر واحدة من أعرق مؤسّساتهم البحثيّة، تقوّلاً على المسئولين السّودانيّين، بدءاً من السّيّد الرّئيس انتهاءً بوزراء الدّولة، فلم لم يصدر أيّ نفي رسمي، ثمّ احتجاج رسمي يُطالب الجانب المصري بالاعتذار عن هذه التّقوّلات؟ دعونا نستمرّ في استعراضنا لنرى، إذ عمّا قليل سنرى كيف لم يفوّت المصريّون أيّ فرصة لذكر اسم أيّ مسئول له ضلع أو شبهة ضلوع في هذا الأمر الخطير.
حدود التّوسّع المصري شرقاً وشمالاً
تُرى إذا كانت المنطقة المقصودة هنا هي الحوض النّوبي، إلى ماذا إذن تُشير كلمة ’وغيره‘ في جملة ".. بهذا وغيره ..." من الحديث المنسوب للوزير الصّادق عمارة أعلاه؟ فهل هناك مناطق أخرى؟ هنا سرعان ما تقفز علينا سمكة الإجابات، فنقرأ في الفقرة التي تلي ذلك مباشرةً: "والمنطقة مرتبطة بشبكة طرق ... منها نهر النّيل، ومنها الطّريق البرّي بين أبو سمبل ـ دنقلا وهناك توجيهات بإتمامه فوراً وقد جرى بحث هذا من قبل بين وزير النّقل السّوداني: السّمّاني الوسيلة [حينها؛ الآن يشغل وزير الدّولة بالخارجيّة عن الحزب الاتّحادي الدّيموقراطي جناح زين العابدين الهندي] وبين وزير النّقل المصري الدّكتور عصام شرف واتّفقا على طريق من أبو سمبل في مصر إلى مدينة دنقلا ـ شمال السّودان ـ ومنها يتفرّع شرقاً إلى مدينة القضارف، ثمّ إلى إثيوبيا، كما يتفرّع طريق آخر غرباً ...".
ويقول في النّدوة المهندس علي الهيتمي: "ولأنّ الطّرق مهمّة في التّنمية .. فقد علمنا هذا في الفترة الأخيرة، واتّفق الدّكتور محمّد إبراهيم سليمان وزير الإسكان والمرافق العامة والمجتمعات العمرانيّة مع معالي محمّد طاهر جيلا وزير النّقل السّوداني [حينها] على شقّ طريق برّي بموازاة البحر الأحر من الحدود المصريّة السّودانيّة حيث ينتهي الطّريق المصري المرصوف، ويمتدّ حتّى ميناء بورسودان ...". وهكذا يشرع المسئول المصري في تعداد الطّرق التي من شأنها أن تخترق الأقاليم السّودانيّة شمالاً وشرقاً وغرباً. ولكن من هو محمّد طاهر جيلا؟ هل التبس الأمر على المسئول المصري ولذا يشير هنا إلى الوزير الأسبق في عهد الدّيموقراطيّة "محمّد طاهر جيلاني"، أم يا ترى التبس عليه اسم محمّد طاهر إيلا؟ ثمّ هذا ناتج عن لبس، أم هي عادة المصريّين في تهجئة أسماء المسئولين السّودانيّين كما لو كانت أسماء ما السّحرة والشّياطين؟ ولنا أن نعجب، إن كان ذلك كذلك، كيف ارتدّ المسئول المصري بطريقة انعكاسيّة إلى عادة المصريّين الرّسميّة في نطق أسماء المسئولين السّودانيّين بطريقة خاطئة كأنّما هي أسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
ونلفت نظر القارئ إلى أنّ هذه هي نفس مصر التي تحتلّ حلايب ومثلّث سرّة بأدنى وادي حلفا لعقود وعقود، بل نلفت نظره إلى أنّ هذا هو نفسه النّظام الذي زعم أنّه جيّش الجيوش وأعلن النّفرة الكبرى لتحرير حلايب من قبضة المصريّين. وهي نفس الدّولة التي عملت على وضع العراقيل للحيلولة دون تمكّن الحكومة السّودانيّة من إجراء التّعداد السّكّاني بمثلّث حلايب عام 2008م. وهي نفس الدّولة التي تصدر عنها العديد من أعمال التّرويج التّجاريّة السّودانيّة، فتعمل على الاستفادة من حالة الغفلة الوطنيّة المزمنة لدى الصّفوة السّودانيّة، فتُظهر خريطة السّودان وحلايب ليست جزءلً منه.
هل هناك مناطق أخرى يا ترى؟
دعونا الآن نتأمّل مسألة شبكة الطّرق العنكبوتيّة التي يزمع القوم إنشاءها في شمال وشرق السّودان، ويزعمون بأنّهم قد حصلوا في ذلك على العون كلَّ العون من الحكومة السّودانيّة. تُرى ما هي قصّتها؟ لفهم ذلك قد نحتاج إلى ربطه بما نُسب إلى السّيّد الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين [أنظر أعلاه] لنفس المجموعة من الخبراء والباحثين، في معرض حثّه لهم بقبول مشروع توطين ملايين المصريّين في السّودان: "وأنّ هناك بالفعل مساحات جاهزة للزّراعة في كلٍّ من المديريّة الشّماليّة وكسلا والقضارف ..."، عندها وجب علينا اتّخاذ الحذر من مثل هذا المشروع. فالمسألة ربّما كانت تتعلّق فعلاً بالمشروع الأمريكي البريطاني الرّامي إلى تفكيك الدّول الكبيرة بالمنطقة وتقسيمها إلى دويلات صغيرة على غرار نظام الدّولة المشيخيّة الذي تقوم عليه دول الخليج العربي، حيث لا يمكن للواحدة منها الدّفاع عن نفسها إزاء أيّ خطر خارجي دون مساعدة لوجستيّة مباشرة من إخدى الدّول العظمى (أمريكا طبعاً). ففي نفس اللقاء يقول الدّكتور الصّادق عمارة: "هناك تفصيلات كثيرة لم نقلها ...". وبالفعل صدرت مؤخّراً بعض الصّرخات الاستغاثيّة من أهلنا البجا تشير إلى مصادرة الأراضي في دلتا القاش وطوكر ومنحها لشركات مصريّة.
وليت الأمر توقّف عند هذا الحدّ، إذ واصل في انحداره بطريقة رأسيّة، ليصل دركاً سحيقاً في الرّياء ومسح الجوخ، بما لم يألفه السّودانيّون أبداً في تعاملهم مع العرب عموماً والمصريّين خاصّة.

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع(5)(نزعته الرقابة)



العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع(5)(نزعته الرقابة)
د.محمد جلال هاشم

محمّد جلال أحمد هاشممجموعة العمل النّوبي أثارت هذه الأنباء المفاجئة مخاوف وقلق النّوبيّين، فتنادَوا ذرافاتٍ ووحدانا للتشاور وتبادل الرّأي بخصوص ما أُعلن. وكانت دار اتّحاد المحس والنّادي النّوبي بالخرطوم مسرحاً للعديد من اللقاءات التّلقائيّة والتي سرعان ما تبلورت في جسم أطلقوا عليه اسم "مجموعة العمل النّوبي". قامت المجموعة بجمع معلومات سريعة عمّا نُشر، حيث تكشّفت لهم أشياء مثيرة للقلق، منها أنّ هذا المشروع لم يمرّ عبر قنوات جهاز الاستثمار القومي، كما إنّ الأراضي التي يستهدفها هذا المشروع لا تقع في الحقيقة بمنطقة أرقين غرب وادي حلفا، بل بالحوض النّوبي الذي يبدأ بعد حوالي 30 إلى 50 كلم غرب النّيل. تكثّفت تحركات النّوبيّين في الدّاخل وفي دول الشّتات، مستنكرة لما رأت أنّه بيع للنّوبيّين ولأراضيهم. إزاء تحرّك النّوبيّين قامت وزارة الزّراعة بإصدار بيان أعلنت فيه أن المساحة المقصودة ليست 6.1 مليون فدّان، بل 1.6 مليون فقط،مشيرةً إلى أنّ الرّقم الأوّل جاء خطأً. بيد أنّ الجانب المصري ـ والذي يشكل مصدر المعلومات الرّئيسي في هذه القضيّة حتّى الآن ـ لم يبذل أيّ جهد لتصحيح هذه المعلومة. أدّى هذا إلى ازدياد اهتمام العديد من القطاعات النّوبيّة بهذه القضيّة، خاصّةً عندما تبيّن أنّ الحكومة المصريّة قد قامت قبل ذلك ببيع أراضي النّوبيّين المصريّين بنفس الطّريقة دون أن يكون لأصحاب الأرض نصيب. مذكّرة المجموعة لكوفي عنان وهكذا تمكّنت مجموعة العمل النّوبي من صياغة مذكّرة ضافيّة رُفعت في يوم 18 أبريل 2004 إلى السّيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتّحدة بخصوص الحوض النّوبي. خاطبت المذكّرة السّيد الأمين العام قائلةً: "نكتب لك، نحن النّوبيّين النّيليين بالسّودان، هذا الخطاب بوصفكم السّكرتير العام للهيئة التي تمثل المجتمع الدّولي. إنّ هذه بمثابة رسالة استغاثة يبعثها لكم أناس مسالمون حوّلتهم فضيلة السّلام هذي إلى ضحايا". وقد ذهبت المذكّرة إلى حدّ اتّهام الحكومة السّودانيّة ببيع مواطنيها لأسباب سياسيّة وأيديولوجيّة مشيرةً إلى أنّ: "... المفاوضات جرت على أعلى المستويات مع الحكومة المصريّة، وذلك في سبيل تمكين توطين ملايين الفلاحين المصريّين بأسرهم في مثلّث الحوض النّوبي (حلفا ـ عوينات ـ دنقلا) داخل السّودان. وقد تبيّن أنّ الهدف من هذه الخطوة هو حماية الهويّة العربيّة في السّودان من خطر تنامي الوعي بالأفريقانيّة في السّودان عامّة وفي أوساط النّوبيّين خاصّة". ثمّ كشفت المذكّرة عن الخطّة التي من خلالها سيتم إضفاء المشروعيّة والصّفة القانونيّة على عمليّة البيع: "وقد تمّ الإعلان عن كلّ هذا تحت ستار خطة أطلق عليها "الحريّات الأربع" والتي تسمح نظريّاً للسودانيّين والمصريّين على حدٍّ سواء بامتلاك الأراضي الزّراعيّة والاستقرار في كلا البلدين. ... إذ ليس هناك أراضي زراعيّة يمكن للمستثمرين السّودانيّين أن يحوزوها في مصر، بينما هناك أراضي وفيرة في السّودان ينظر إليها المصريون بطمع بغية امتلاكها. ... لم يأت ذكر للنّوبيّين في كلّ هذه العقود التي أبرمت بليلٍ". مصر الإمبرياليّة ثمّ قامت المذكّرة بتوجيه الاتّهام الصّريح لمصر زاعمةً أنّ لها أطماعاً توسّعيّة بالسّودان: "لقد كان لمصرـ ولا زال ـ أطماعها الاستعماريّة بالسّودان، ذلك بوصفه الفناء الخلفي لها. لهذا كلّما قلّ عدد السّكان بالمنطقة، كلّما سهل احتلالها. ... إنّ مصر لم تتخلّ عن أطماعها التّوسّعيّة في السّودان منذ الاستعمار المصري ـ التّركي (1820م-1885م). وقد جاءت شراكتها مع بريطانيا في الاستعمار الثّنائي (1899م ـ 1956م) امتداداً لتلك الأطماع. والآن مع إرهاصات تفكّك السّودان إلى دويلات ضمن تداعيات احتمال انفصال الجنوب، فإنّ مصر تخطّط لضمّ الإقليم النّوبي النّيلي بالسّودان والذي يقع أسفل إقليم الشّايقيّة، وذلك تحت ادّعاءات حماية أمنها المائي". ولتوكيد هذا الزّعم أشارت المذكّرة إلى أنّ مصر: "... لا تزال تحتلّ منذ عدّة عقود مثلّثي سرّة، شمال حلفا، وحلايب، على البحر الأحمر. ولكن يبقى مثلّث الحوض النّوبي (حلفا ـ عوينات ـ دنقلا) هو الهدف الإستراتيجي لمصر، حيث تعمل لضمّه لما يُسمّى "مشروع توشكى" بمصر العليا". وتمضي المذكّرة في تقديم تفصيلات أكثر لما تراه أطماعاً مصريّة في السّودان: "إنّ مصر تخطّط لإقامة مثلّثها الاستعماري الاستيطاني الأكبر بالسّودان، والذي يمتد من جبل عوينات عند تقاطع الحدود السّودانيّة ـ الليبيّة ـ المصريّة حتّى حلايب على البحر الأحمر، على أن تكون دنقلا هي رأس المثلّث الجنوبي". كانت تلك المذكّرة بمثابة ضربة البداية لمباراة طويلة لم ينته شوطها الأوّل حتّى الآن. فبدايةً نشير إلى أنّ أهمّيّة تلك المذكّرة لا تكمن في لهجتها القويّة بقدر ما تكمن في أنّ من أصدروها هم نوبيّون. فأكثر السّودانيّين تعلّقاً وعلائق بمصر هم النّوبيّون، فأشواقُهم فيما عُرف عنهم تاريخيّاً كانت دائمّاً تملأ أشرعتَها رياح المحبّة المصريّة. ولكنّا في المقابل نُشير إلى أنّ رئيس الوزراء السّوداني الوحيد الذي أعلن استعداده لمواجهة مصر وأطماعها التّوسّعيّة في السّودان، كان عبدالله خليل، وهو ليس فقط نوبيّاً، بل وذو وشائج قربى قويّة بمصر إذ ينحدر من النّوبة الذي يقعون على الجانب المصري، وتحديداً من قرية أدندان. ثمّ لا نحتاج لأن نشير إلى أنّ من أعلنوا استقلال السّودان اكتسحوا الانتخابات تحت شعار وحدة وادي النّيل. وفي الوقع هذه بعض معميّات الشّخصيّة السّودانيّة التي استعصى فهمها على المصري، مواطناً عاديّاً كان، أم وزيراً، أم باحثاً أكاديميّاً. إذن فقد نشطت منظّمات المجتمع المدني النّوبيّة في الدّاخل والخارج، وهذا ضرب من النّشاط عُرف به النّوبيّون منذ عهود قديمة وهم فيه روّاد. من جانبها واصلت الحكومة على النّفي، ثمّ النّفي، ثمّ النّفي، بينما سيل الأخبار المناقضة لنفيها تترى من القاهرة بين الفينة والأخرى. في هذا برزت عدّة تنظيمات سياسيّة نوبيّة، أغلبها ممّن تأسّس في عقد التّسعينات من القرن العشرين؛ وقد أعلن بعضها استعدادها لحمل السّلاح في حال دخول المصريين الحوض النّوبي. وكان للمواقع النّوبيّة الإلكترونية العديدة دور كبير في تعبئة الرّأي العام النّوبي، بمصر والسّودان. نفي واستنكار: لا وألف لا! انقضى عام 2004م والعديد من المسئولين الحكوميّين قد نفَوا وشدّدوا النّكير في أنّ الذين يردّدون مقولات بيع الحوض النّوبي للمصريّين ما هم إلاّ أعداء للثّورة والوطن، إذ إنّ ما يردّدونه لا يعدو أن يكون بضاعة معارضة كاسدة لن تجد من يشتريها من الشّعب، نوبيّين أو غير نوبيّين. وقد بدأ مسلسل التّراجع عمّا ورد بجريدة الصّحافة المشار إليها أعلاه، إلى أنّ الرّقم الصّحيح هو 1.6 مليون فدّان وليس 6.1 فدّان التي وردت كخطأ فنّي. ليس ذلك فحسب، بل ذهب الدّكتور صادق عمارة (وزير الدّولة بوزارة الزّراعة) إلى التّنبيه لدى ملاقاته للعديد من النّوبيّين، صدفةً أو تدبيراً، إلى أنّه كنوبي (كذا!) لا يمكن أن يقوم بعملٍ كهذا. وقد تصدّت للدّفاع عن نزاهة الرّجل إزاء ما يُقال من أنّه فعل ذلك إحدى سكرتيرات مكتبه من النّوبيّات، فشرعت في تدبيج البيانات في المواقع النّوبيّة ثمّ في إحدى غرف الـ Pall Talk النّوبيّة، مبديةً استعداد السّيّد الوزير للمشاركة في الغرفة للرّدّ على استفسارات المواطنين الذين أقلقهم ما ورد في مذكّرة مجموعة العمل النّوبي. وبالفعل، نجحت تلك الحملة المضادة في شقّ صفوف النّوبيّين، فإذا هم بين مصدّق ومكذّب لما ورد. فالأمر في نهاية المطاف تحوّل إلى "كلام جرايد"، وليس أكذب في عرف الشّارع السّوداني من ذلك. كلّ هذا حدث قبل توقيع اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع بين حكومتي مصر والسّودان، وهي الاتّفاقيّة التي تعطي نظريّاً المصري والسّوداني على قدم المساواة حق التّنقّل والإقامة والعمل والامتلاك. ونقول "نظريّاً" لأنّ واقع الحال سيكشف أنّ السّوداني حرّ فعلاً، لكن بحدود؛ هذا بينما يتفوّق عليه المصري في كون الأخير أكثر حرّيّةً من السّوداني فيما يتعلّق بهذه الحقوق نفسها.