صدى
حكاية للتامل !!
أمال عباس
ممنوع من النشر بامر الرقيب الامني
تجمعنا المجالس هذه الايام .. ولا نتحدث إلا عن المشاكل المشاكل .. الحكومة والاحزاب المعارضة .. والتجمع الذي يلوح بالانسحاب من الحكومة .. ومشاكسات الشريكين .. والحديث عن المحكمة الجنائية بلاهاي .. ومعاناة الجماهير مع الغلاء .. ومع مشكلة الرغيف التي حيرتهم .. ومع دورة المجلس الوطني تمتد الى ان تطول القوانين المتعارضة مع دستور 2005م أم تنفض وتستمر الرقابة على الصحف .. ويستمر جهاز الامن والاستخبارات على حاله وبسلطاته في الإعتقال .. قال احد الزملاء .. إنها حالة ضعف عامة .. ضعف في إدارة كل أوجه الحياة وضعف في حركة الجماهير التي راحت في إغماءة لا ادري لها سببا سوى الطرق المؤلم على أم رأسها وآخرها الطرق عن طريق مقرر المراجع العام والإعتداء على المال العام وإمتناع الكم الهائل من المؤسسات والشركات الحكومية عن تقديم حساباتها.
قلت للمجلس الحديث عن الضعف العام دفع الى مقدمة ذاكرتي أسطورة اوردها قبل ثماني سنوات الزميل إسحق احمد فضل الله في عمود "ألف ليلة" ونقلتها وعلقت عليها في عمود "صدى" "الصحافة" ما كتبت في الثالث من يونيو 2000م لنتأمل المسألة معا .
" في اقصى شمال ألاسكا يعلن الشيخ عند شعوره بالضعف انه ذاهب الى النهر الأصغر والنهر الاصغر هو سراب صحراء الجليد.
أهله يظلون واجمين والشيخ يجمع حزمة من الاعواد الجافة يعلمون جيدا ما سيفعل بها .. الشيخ ذهب وحيدا في غابة الثلج والسنديان حتى اذا أدركه الليل السريع جعل يوقد الاعواد الجافة وهو يعلم جيدا أن مئات الذئاب تلمع عيونها على بعد أمتار منه والعيون تنتظر ذبول آخر جذوة من اللهب.
الشيخ يظل يناغي ذؤابات اللهب والعيون حوله ، وكلما خشى أحدها أن يسبقه الاخرون تقدم اكثر حتى تحدق العيون في العيون .. حتى اذا شهقت آخر ذؤابه من اللهب وثبت الذئاب على آخر شهقة من الشيخ .
شيء غريزي في الإنسان والدولة يعلمان أن الضعف هو شيء أسوأ من الموت وان تواجه الذئاب خير من ان تواجه الضعف.
هذه الاسطورة أوردها الزميل اسحق أحمد فضل الله في عموده "ألف ليلة" بصحيفة الأنباء بعنوان "ذئاب على ذئاب نحن"..
اختلف مع الزميل اسحق اختلافا جذريا ولكن أقرأ ما يكتب باعجاب شديد لانه يعالج الامور باسلوب أدبي جميل وبصدق وشفافية آسرة .
الضعف أسوأ من الموت حقيقة .. والمرض نوع من الضعف يذل الانسان ايما اذلال وقناعة اهلنا في السودان تقول المرض ما بكتل ويغني المغني قائلا كفارة البيك يزول والمرض ما بكتلو زول ، والضعف نوع من المرض قد لا يقتل ولكنه يذل .
وضعف الأفراد شيء محدود .. ولكن ضعف الدولة هو أن يمرض الناس جميعا ويجوعون ويذلون ويقهرون.
وان كان الفرد في لحظة ضعف مكثفة يهرب الى الموت بالطريقة التى اختارها شيخ شمال الاسكا .. ولكن الدولة لا تفعل هذا .. اي دولة فللسلطة بريقها ورونقها وسحرها وأهلنا يقولون في أمثالهم " سلطة حدود الركبة ولا مال حدود الرقبة" اي قليل من السلطة يفعل ما لا يفعله الغرق داخل الأموال.
اخي اسحق الا تتفق معي بأن الحكومة .. أي حكومة لا تمتلك شجاعة الشيخ لتذهب الى " النهر الأصغر" الحكومة تظل وتطلب من الآخرين أن يحتطبوا ويستعدوا الى الرحلة.
لكن بالمقابل ما يحس به الانسان الفرد وتدركه الدولة وتعاند مقاومة الشعب والمنطق تقاومه الجماهير .. تقاوم الضعف وتقضي على الذئاب واحدا وراء الآخر .. ذلك لأن الشعوب لا تموت ابدا بسبب الضعف .. الشعوب خالدة بحركة نضالها في سبيل القوة والعدل والسلام
هذا مع تحياتي وشكري