بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان – جامعة الزعيم الأزهرى
لوقت طويل كان تعتمل فى صدرى شكوك أن بنى وطنى فى وسط وشمال السودان يتعاملون مع بقية شعوب السودان الأخرى فى جنوبه وشرقه وغربه باستعلاء أو بعدم اهتمام منظم ومقصود وليس عفوياً كما يحدث بين قبائل شمال ووسط السودان فيما بينها نتيجة المكونات الثقافية والأعتداد العرقى والقبلى. وقد تأكدت لى هذه الشكوك أو هذا الشعور بعد حصار وضرب قطاع غزة الفلسطينى وبعد مذكرة أوكامبو المدعى العام لمحكمة الجنايات الدولية بتوقيف الرئيس عمر حسن أحمد البشير رئيس جمهورية السودان المستقلة ذات السيادة على كل حدودها منذ استقلالها من ريقة الأستعمار البريطانى.تشاء الظروف أن يتم تكليفى من مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى رئيس الحزب الأتحادى الديمقراطى بأن أمثل الحزب فى اللجنة او الحملة القومية لمنصرة شعب غزة. وما أحب أن أؤكده هنا أن الآراء الواردة فى هذا المقال لا تمثل مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى ولا تمثل رؤية الحزب الأتحادى الديمقراطى اذ التزمت داخل اجتماعات اللجنة وحواراتها بموقف الحزب الأتحادى الديمقراطى حول ما أصاب شعب غزة خاصة والقضية الفلسطينية عامة. ان اللحنة الشعبية القومية لمناصرة شعب عزة قد تكونت من معظم الأحزاب السودانية ومنظمات المجتمع المدنى والأهلى السودانى وان كان يغلب عليها أحزاب ومنظمات المجتمع المدنى لشمال ووسط السودان وتكاد أن تخلو تماماً من أحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والأهلى لأطراف السودان الأخرى فى جنوبه وعربه وشرقه. وهذا يعنى أن اللجنة الشعبية القومية لمناصرة شعب غزة مكونة من ذهنية وعقلية واحدة فى تكوينها الثقافى وذات هوية واحدة لا تمثل مجموع الهوية السودانية وهذا هو الذى جعل تفاعلها مع ما أصاب الشعب العربى الفلسطينى فى غزة أكثر من تفاعلها مع نفس المصاب الذى أصاب شعوباً سودانية فى أطراف السودان فى جنوبه وغربه فى دارفور وأبيى وفى جبال النوبة " جنوب كردفان " بعض النظر عمن هو السبب فى مأساة هذه الشعوب السودانية لأن الموقف الأنسانى واحد تجاه الأبرياء فى غزة وفى أطراف السودان ولا يمكن الكيل بمعيارين حتى ولو كان المنطلق دينياً لأنه ليس هنالك اسلام ابيض وآخر أسود. لقد قامت اللجنة الشعبية القومية لمناصرة شعب عزة بجهد ومجهود كبيرين استنهضت بهما الشعب السودانى فى شمال ووسط السودان واستنهضت كذلك المؤسسات الحكومية والشركات العامة والخاصة وجمعت أموالاً خياليةكتبرعات مالية فاقت ما قدمته المملكة العربية السعودية أعنى الدول العربية والأسلامية البترولية لأعمار قطاع غزة. هذا غير قوافل طائرات الغذاء والطعام والدواء وكذلك التبرع بدماء الشعب السودانى الذى فاق التصور وتكدس وكان أكبر من حاجة المصابين بقطاع غزة وفوق طاقة التخزين. هذا وما زالت هذه اللجنة تقوم بجمع المال وترسل بالأطباء السودانيين الى قطاع غزة وابرزت قضية شعب غزة اعلامياً ما لم تبرزه أى دولة عربية ، بل ذهبت أبعد من ذلك وقامت بدعوة خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحماس احتفالاً بانتصار شعب غزة وحماس بعد الوصول الى وقف اطلاق النار من جانب العدو الأسرائيلى. وقبل أن تعمق ونسترسل فى تحليلنا نوضح حقيقة واحدة وهى أن هذه اللجنة الشعبية القومية لمناصرة شعب غزة يغلب على الغابية العظمى من أعضائها وناشطيها الذين ينتمون للحركة الأسلامية السودانية بكل مسمياتها واليد الطولى فيها للمنتمين لحزب المؤتمر الوطنى الحزب الحاكم برغم وجود التمثيل الرمزى لبقية الأحزاب الشمالية وهو تمثيل عير فاعل وديكورى. ولقد كان نداءنا لتكون هذه اللجنة معنية بمناصرة الشعوب الضعيفة وكل الذين يحتاجون لها فى الموقف الأنسانى ليشمل ذلك شعب دارفور المشردين فى المعسكرات يذهب أدراج الرياح وسط الهياج والأنتماء العقائدى. ورغم أن هنالك حديث دار يشير بالألتفات للشعب السودانى فى دارفور وكتب بغض الكتاب فى الصحف السودانية فى هذا الأتجاه وتحدث بعض القادة فى اللقاءات التى عقدت ببعض مراكز الدراسات أو فى التلفزيون السودانى وكان أكثر من أشار لهذه الجهود التى عبرت الحدود لتواسى شعب غزة وتناست شعب دارفور هو عضو البرلمان عبد الرحمن دوسة عن حركة تحرير السودان جناح منى أركو مناوى. ويبقى السؤال والتساؤلا المشروع لماذا تتفاعل القيادات فى وسط وشمال السودان حاكمة ومعارضة وكذلك شعوب وسط وشمال السودان مع القضايا العربية والشعوب العربية أكثر من تفاعلها مع قضايا الشعوب السودانية فى الأطراف فى جنوب وشرق وعرب البلاد برغم آصرة المواطنة والوطن الواحد؟ لماذا لم تقم مثل هذه اللجنة الشعبية القومية فى شمال ووسط البلاد لمناصرة أهلنا فى دارفور ومأساتهم بحق وحقيقة أكير من مأساة شعب عزة لآنها مستمرة لأربعة أعوام عجاف وماساة غزة لم تتعد الشهور؟ لماذا لم تقم مثل هذه الحملة لمناصرة أهل أبيى الأبرياء عندما تمت ابادتهو بين قطبى الرحى فى الصراع بين قوات حكومة السودان وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان؟ هذه اسئلة مشروعة يجب ان تقف عندها النخبة فى شمال ووسط السودان وأن تجيب عليها بكل صدق اذا كانت فعلاً تتطلع الى سودان واحد موحد بمليون أمياله المربعة. واذا لم تغير النخبة فى شمال ووسط السودان وهى قائدة شعوبها من عقليتها وذهنيتها وتحققت من هويتها السودانية أولاً قبل هويتها العربية او الأفريقية ، فان الوطن السودان سيتمزق ويتقسم الى عدة دويلات فى الوقت الذى متاح فيه ليكون وطناً واحداً وحاضناص لكل شعوبه تحت دستور التراضى الوطنى المحقق للعدالة والمساواة بغض النظر عن العرق واللون والجنس والعنصر واللغة والثقافة والدين فعلاً وليس حبراً على ورق والألتزام باجرائه على أرض الواقع. ولن نصل لسودان التراضى الوطنى هذا الا اذا استطعنا أن نغير من عقليتنا وذهنيتنا الاستعلائية فيما بيننا وتمثلنا أن أكرمنا عند الله أتقانا. ان الأستعلاء الذى يمارس بواسطة بنى وطنى وشعبى فى شمال ووسط السودان ما هو فى رايى الا شعور بالدونية الموغلة فى دواخلنا ولذلك ذهبنا نبحث لتجاوزهابأن ننسب أنفسنا لشعوب الجزيرة العربية أو العرب وفى العرب ننسب أنفسنا الى قمم العرب فى صدر السلام للرسول وصحابته من العرب وليس العجم كالانتماء للبيت النبوى وللغباس عم النبى وكبار الصحابة. ولم نجد أو نسمع بقبيلة سودانية انتسبت للصحابى الجليل عكرمة بن ابى جهل وما ذلك الا لأن ابه أبوجهل ولا هنالك من انتسب لعبد الله بن مسعود أو خباب بن الأرت أو صهيب او سلمان. وللأسف يشترك فى هذا التفكير الجاهل والمتعلم ممن يحاولون أن ينتسبوا للجنس الغربى وليس اللسان والثقافة. معظم قبائل وسط وشمال السودان تحمل أشجار أنسابها عابرة بها الى الجزيرة العربية وهذا الأنتساب ولد فى أنفسنا الأستعلاء العرقى لأن الأستعلاء العرقى متعلعل فى نفوس العرب منذ الجاهلية قبل السلام. لقد حلول الأسلام جاهداً أن يقتلع هذه العقلية الستعلائية من العرب بكثير من التشريعات والترغيب والترهيب ولكن لم يستطع أن يتخلص منها تماماً الى يومنا هذا حتى بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الرسالة المحمدية. نأتى للحكومة السودانية التى قامت بطرد بعض منظمات الأغاثة العالمية من دارفور قبل أن يكون البديل بين يديها مغرضة شعب ضعيف كشعب دارفور فى المعسكرات للجوع والموت وكأن هذا الشعب ليس شعبها وليست مسئولة عنه وهى تعلم تماماً ضعف استجابة الشعب فى وسط وشمال السودان للتبرع لأنقاذ شعب دارفور بسبب العقلية والذهتية التى تحدثنا عنها ، علماً بأن كل المنظمات الوطنية تعتمد على تبرعات تجار ورأسمالية شمال ووسط السودان. هل كانت الحكومة ستطرد هذه المنظمات اذا كانت هنالك مجاعة فى وسط وشمال السودان؟ أن الدولة وأمكانياتها أضغف من أن تقدم شيئاً بديلاً لشعب دارفور لسد الفراغ والنقص الذى ستتركه هذه المنظمات المطرودة. وبغض النظر عن أسباب طرد المنظمات ونشاطاتها فان القرار كان انفعالياً ومستعجلاً ورداً على مذكرة توقيف الرئيس البشير. وطرد هذه المنظمات لا تتأثر به محكمة الجنايات الدولية ولا مدعيها أوكامبو ولكن يتأثر به شعب دارفورالبرئ فى المعسكرات. وذهبت الدولة الآن تستجدى الدول العربية ومنظمات الأغاثة العربية وجامعة الدول العربية توجه النداء الى منظمات الهلال الأحمر العربية راجية منها سد النقص ولا أعتقد أن منظمات الأغاثة العربية ستستجيب لشعب دارفور فهى لها رأى فى عروبة السودان حتى فى شماله ووسطه ناهيك عن عربه وشرقه وجنوبه. ومشكلة دارفور معروفة للقادة العرب أنها تنموية ولو كان لهم أى احساس بها لقاموا بالمطلوب لجنبونا شر القتال والحروب. الحكومة السودانية للأسف تتعامل مع شعب دارفور بنفس العقلية التى خلقت مشكلة دارفور من أصلها وخلقت من قبلها مشكلة جنوب السودان وشرق السودان وما زال الشد والجذب بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة بدارفور مستمراً. ويبقى أن حل مشكلة دارفور فى يد الحكومة السودانية وللأسف هنالك كثير من النخبة الدرفورية مشاركة فى هذه الحكومة ولكنها لا تريد أن تستدرك أن رفع المعاناة عن أهليهم بيد هذه الحكومة التى هم جزء منها وأن الحل واضح وضوح الشمس فى رابعة النهار اللهم الا اذا أعماهم عنه الأنتماء العقائدى قبل الأنتماء للأهل والأرض. وعلى ابناء دارفور فى هذه الحكومة أن يقيفوا موقفاً واحداً من أجل قضية أهليهم بعض النظر عن الأنتماء الحزبى أو العقائدى أو القبلى. وليتأكدوا أن دارفور لو أنفصلت فلن يقبلهم الذين يحكمون معهم الآن من نخبة وسط وشمال السودان أن يكونوا بين ظهرانيهم وسيكونوا قد استنفدوا اغراضهم ولن يجدوا حتى حق اللجوء فى سودان الشمال والوسط كما أنهم لن يكون مرحباً بهم فى دارفور بين أهليهم الذين نسوهم وقت الشدة والمحن’. من كل هذه الرؤية القاتمة للوضع فى السودان تأكد لى أن وطنى يتمزق.