أقيفوا صف (نزعته الرقابة الامنية)
أمل هباني
لو رأيت النّاس يقفون صفوفاً في أي دولة فإما أنّ هذه الدولة فيها درجة عالية من النظام والانضباط للدرجة التي تجعل الناس يقفون صفوفاً احتراما لحق من يأتي أولاً للتمتع بالخدمة، أو أنّ هذه الدولة حريصة على توزيع مواردها على شعبها مهما كانت هذه الموارد شحيحة، فصفوف البنزين وصفوف السكر الذي كان رطله (بخمسة قروش) في يوم غير بعيد من الآن كانت تدل على وجود دولة لها إدارة تدعم البنزين والسكر وتوزعه بطريقة معينة ومهما بلغ الفساد الإداري لإدارة الدولة فإنه مقدور عليه، وإذا رأيت في ذات الدولة بعد عقدين من الزمان أن (الصف اختفى ) فهذا مرده لأمرين إمّا أنّ الدولة (اتلحست) أو أن إدارة الدولة (اتلحست)،
لكن من المستحيل أن تثبت أن اختفاء الصنف مرده هو ترفيع الشعب من (شحادين ) يشربون الشاي بالبلح و(الهناي) إلى مليونيرات يشترون رطل السكر الذي تضاعف سعره إلى أكثر من 2000 مرة، كما أشار لذلك مسئول كبير، وفي الدول المتقدمة إذا أردت أن تركب المواصلات و وجدت من هم قبلك لم يركبوا فأنت لا (تدافر) أو (تضارب) أو تقفز بالشباك أو تفرد عضلاتك مخيفاً من هو أضعف منك لأنّ هناك ليس كما هنا حيث تسود نظرية (أصغر منك دوسو) ، بل تسود نظرية أن جميع الناس متساوون في الحقوق والواجبات وهذه الحقوق والواجبات يحرسها القانون الذي لا كبير عليه، ويراعيها الناس في ايقاع حياتهم فلا يسمح أن يبيع الرجل الذي يقف في بيع تذاكر السينما أن ينادي قريبه من آخر الصف ويبيعه (أو يهديه) تذكرة دخول السينما وبقية الوقوف في الصف أمامه يتفرجون، وعلى ذلك قس. لا يسمح أن يكون هناك الآلاف يقفون على صف الوظيفة ويحلمون بنيلها بمؤهلاتهم وخبراتهم ثم يأتي مسئول كبير ويختار اقرباءه ومعارفه وبلدياته واعضاء حزبه وكل العلاقات التي لا تؤهل لوظيفة ولا تطور الوظيفة بل على العكس تدمرها وتكسرها، لأنّ الوظيفة حينها تصبح (تكية الشيخ) يبر بها هذا المسئول من رضي عنه و يمنعها من غضب عنه، وهذا هو أسهل وأقرب طريق لتدمير الخدمة المدنية بل وتدمير الدولة ذاتها، ففي أي دولة متحضرة لا يمكن أن تذهب إلى البنك و تكتشف أنّ الموظف المسئول لا يجيد التعاملات البنكية وإذا شكوته ضحك المدير، وقال لك (نأسف لا يمكننا فعل شيء هذا ابن أخت الوزير الذي ( لو قبل علينا) لأغلق لنا هذا البنك بالضرائب والغرامات، ولا مانع لدينا أن نفقدك انت كزبون ولكن لا يمكن أن نخسر علاقتنا بالوزير ).. وإذا ذهبت إلى المستشفى تشكو من وجع الضرس وجدت أمامك شاباً لا يمكن أن يكون قد قرأ الطب في أي مكان يكشف على عينيك وعلى بطنك ورئتيك وكل أجهزة جسمك ماعدا (فمك) .. وإذا استفسرت قيل لك أنّ هذا هو اختصاصي الأسنان كادر نشط ومدرب في التنظيم يسمع دبيب النمل في الأرض لكنّه يقرف من فتح (أفواه المرضى) لكن لحاجتنا الماسة لنشاطه الحزبي داخل المستشفى جعلناه الطبيب المقيم.. هذه الأفلام الهندية لا تشاهدها إلا في بلد (اختفت فيه الصفوف) لعدم الحاجة لها.