*يتردد كثيرا في وسائل الإعلام المنقولة وغير المنقولة كلمتي الإتفاق والتوافق بل درجت العادة على سماعهما خلال الحياة اليومية للبشرية. يأتي الإتفاق وحسب مفهوم العلاقات الدولية نتيجة لمناقشات طويلة لنقاط الخلاف المطروحة على طاولة المفاوضات بين اطراف النزاع، وتمر عبر مراحل وجلسات طويلة بين اخذ ورد للفرقاء اصحاب التوقيع، ويحتمل ان يتدخل الوسطاء لطرح او فرض التنازل التوافقي على المعنيين(في الحالات السودانية تم ذلك في المفاوضات التي جرت في نيفاشا وابوجا واسمرا حيث لعب المجتمع الدولي والإقليمي وخاصة الولايات المتحدة الامريكية دورا هاما بتقرب وجهات النظر)، وغالبا ما تتم هذه في الغرف المغلقة (اي ما يعرف خلف الكواليس) ، بينما يأتي التوقيع علنا على الملأ وتظل النقاط غير المتفق عليها مطوية بالسرية في خزائن الكتمان.
أما تفسير التوافق فيتمثل بسلوك الفرد مسلك الجماعة والإلتزام به. وعندما يخرج احد الأطراف من اطر الإتفاق والتوافق بفعل معاكس او التنصل عما اتفق عليه، فيستدعي ذلك تدخل الوسطاء لإنقاذ البنود المتفق عليها(هنا تأتي تقاطع المصالح الإقليمية والدولية في التدخل او السكوت الذي يعني التنصل والتراجع عن دور الوساطة).
ما جرى سرده حول الإتفاق والتوافق عليه يبحث عنه وينتظره إقليم دارفور الملتهب في غرب البلاد الذي يشكل لب الأزمة السودانية المعاصرة التي شقت طريقها للتدويل العالمي بعدما تعثرت الطرق الوطنية إلى كبح وإطفاء النار الموقدة. اعترضت عدة عوامل إفساح الطريق لحل المشكلة متمثلة في غياب الشفافية والجدية بل إستخدام البارود لفرض الحل بالقوة وبسط الامن مما ادى الى تشريد الملايين من المدنيين العزل وإجبارهم للنزوح الى معسكرات العراء المفتوح أو عبور حدود دول الجوارالغربية طلبا للحمايمة في معسكرات اللاجئين، وادخل دارفور الآمنة المستقرة في حالة الإضطراب المشوب بالهلع والفزع مع توقف ماكينة الإنتاج الزراعي والصناعي وتقلص فرص إستخدام الايدي العاملة وتدهور الوضع الامني. قاد هذا الوضع المتردي الى تصادم مع المجتمع الدولي واصدرت محكمة الجنايات الدولية القرار القاضي بإيقاف رئيس الجمهورية وطلبه للمثول امامها في لاهاي مما حمل الحكومة على إتخاذ قراراحادي مجابه بالطرد الفوري لمنظمات الإغاثة الدولية غير الحكومية التي كانت تعمل في معسكرات النازحيين في الإقليم، علما بأنها دخلت البلاد للعمل بإتفاق وتوافق طوعي من قبل السلطات الرسمية. وكانت الطامة الكبرى لسكان المعسكرات النازحة التي وجدت نفسها فجأة دون الخدمات الإنسانية وخاصة ان هذه المنظمات كانت تقوم بتوفير العون الغذائي والمياه النقية الصالحة للشرب والمتطلبات الصحية من علاج ودواء وإجراء العمليات الجراحية والتوليد والرعاية الصحية، وكذلك توفير متطلبات البيئة السكنية، إضافة للخدمات الاخرى التي تتطلبها الحياة .هكذا اصبح الحال لهؤلاء المشردين من الآطفال والرضع وامهاتهم والنساء الحوامل والعجزة والمرضى تحت العلاج ينتظرون رحمة الخالق وذلك بعد فقدانهم لأرضهم وممتلكاتهم وذويهم.القرار اتخذ ولكن البديل غائب عن مسرح الاحداث! والفاقد الاول هم اصحاب المصير المجهول والخريف دخل وبدأت السيول تجرف الخيم وتاخذ معها ما تبقى لهؤلاء البشرمن عتاد تاركة سكانها يفرشون طين الوحل(معسكر السريف) ويجابهون امراض الملاريا وملحقاتها والاطفال يصرخون من عدم النوم وسوء التغذية كما اوضح ذلك المبعوث الامريكي الخاص للسودان الجنرال سكوت جريشن الذى زار البلاد واعلن فشل زيارته لعدم موافقة الدولة على عودة المنظمات الدولية المطرودة لأن هذة المشكلة تصدرت قائمة محاداثاته مع المسؤوليين. واعلن جريشن في ختام زيارته للسودان وبعد مشاهدته للوضع في المعسكرات النازحة : ان دارفور على شفا أزمة إنسانية وتحتاج الى جماعات إغاثة جديدة وباقصى سرعة لأن الماء في طريقه للنفاد والناس تنتظر وصول الاكل الى افواههم ويجب إنقاذ اروحهم(اضاف جريشن ان الحكومة الامريكية لا تهما محكمة الجنايات الدولية وانما همها الاول توفير المتطلبات الانسانية لسكان المخيمات وايقاف الحرب في دارفوروعودة السلام والإستقرارلها). كما وصف رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الامريكي السناتور جون كيري عقب زيارته لمعسكرالسلام قرب الفاشرالوضع بالمأساوي،ويتطابق كذلك للمواقف الرسمية لفرنسا وبريطانيا حيث ان سد الفجوة المخلفة من طرد المنظمات الدولية الإنسانية تتصدر قائمة مطالبهم تجاه الدولة، والمراهنة على التنفيذ الفعلي على ارض الواقع كشرط للحوار هع الحكومة(هناك تنسيقا كاملا لسياسات الدول الثلاثة تجاه أزمة دارفور وخاصة بعد المؤتمر الاخير لحلف الناتو في شتراوس بيرج والعودة الكاملة لفرنسا للحلف بعد ان اخرجها ديجول من كافة الانشطة سوى السياسية، بل ان هناك علاقة تفاهم ودية بين اوباما وساركوزي الذي إستقبله كرئيس دولة في قصر الأليزيه عشية انتخابات الرئاسة الامريكية التي لم تحسم انذاك).
ان الوضع الجديد في مخيمات نازحي دارفور دخل عنصرا جديدا في تأزم علاقات الدولة مع المجتمع الدولي، ويراقب الوضع عن كسب بتقنياته الحديثة لما يجري داخل معسكرات النازحين لمعرفة كيفية تأمين إستمرارية حياتهم المعيشية. ويطالبنا مجموعة هذه الدول بأن ترى افعالا وليس اقوالا، واهم الشروط تتمركز في تحسين اوضاع النازحين في المعسكرات والمحافظة على سلامة ارواحهم بالسد الفوري للعجز الناتج من جراء طرد المنظمات الطوعية الغربية غير الحكومية مع إيقاف الحرب في دارفور. إن عنصر الوقت والتحرك العاجل هو الحكم الفصل لتحقيق ذلك ويجنب الوطن عواقب وخيمة لا تحمد عقباها . يقتضي هذا ان تقوم الدولة بإزالة العقبات القائمة وفتح ابواب الإتفاق والتوافق والتراضي لجمع شمل مختلف اتجاهات ابناء الوطن(سودانى-سوداني) وحل المشاكل الملحة العاجلة من اجل درء الخطر المحدق بالبلاد والمحافظة عل ارض الوطن.
* برلين - باحث في الدراسات الإستراتيجية
abu_suli@hotmail.com
أما تفسير التوافق فيتمثل بسلوك الفرد مسلك الجماعة والإلتزام به. وعندما يخرج احد الأطراف من اطر الإتفاق والتوافق بفعل معاكس او التنصل عما اتفق عليه، فيستدعي ذلك تدخل الوسطاء لإنقاذ البنود المتفق عليها(هنا تأتي تقاطع المصالح الإقليمية والدولية في التدخل او السكوت الذي يعني التنصل والتراجع عن دور الوساطة).
ما جرى سرده حول الإتفاق والتوافق عليه يبحث عنه وينتظره إقليم دارفور الملتهب في غرب البلاد الذي يشكل لب الأزمة السودانية المعاصرة التي شقت طريقها للتدويل العالمي بعدما تعثرت الطرق الوطنية إلى كبح وإطفاء النار الموقدة. اعترضت عدة عوامل إفساح الطريق لحل المشكلة متمثلة في غياب الشفافية والجدية بل إستخدام البارود لفرض الحل بالقوة وبسط الامن مما ادى الى تشريد الملايين من المدنيين العزل وإجبارهم للنزوح الى معسكرات العراء المفتوح أو عبور حدود دول الجوارالغربية طلبا للحمايمة في معسكرات اللاجئين، وادخل دارفور الآمنة المستقرة في حالة الإضطراب المشوب بالهلع والفزع مع توقف ماكينة الإنتاج الزراعي والصناعي وتقلص فرص إستخدام الايدي العاملة وتدهور الوضع الامني. قاد هذا الوضع المتردي الى تصادم مع المجتمع الدولي واصدرت محكمة الجنايات الدولية القرار القاضي بإيقاف رئيس الجمهورية وطلبه للمثول امامها في لاهاي مما حمل الحكومة على إتخاذ قراراحادي مجابه بالطرد الفوري لمنظمات الإغاثة الدولية غير الحكومية التي كانت تعمل في معسكرات النازحيين في الإقليم، علما بأنها دخلت البلاد للعمل بإتفاق وتوافق طوعي من قبل السلطات الرسمية. وكانت الطامة الكبرى لسكان المعسكرات النازحة التي وجدت نفسها فجأة دون الخدمات الإنسانية وخاصة ان هذه المنظمات كانت تقوم بتوفير العون الغذائي والمياه النقية الصالحة للشرب والمتطلبات الصحية من علاج ودواء وإجراء العمليات الجراحية والتوليد والرعاية الصحية، وكذلك توفير متطلبات البيئة السكنية، إضافة للخدمات الاخرى التي تتطلبها الحياة .هكذا اصبح الحال لهؤلاء المشردين من الآطفال والرضع وامهاتهم والنساء الحوامل والعجزة والمرضى تحت العلاج ينتظرون رحمة الخالق وذلك بعد فقدانهم لأرضهم وممتلكاتهم وذويهم.القرار اتخذ ولكن البديل غائب عن مسرح الاحداث! والفاقد الاول هم اصحاب المصير المجهول والخريف دخل وبدأت السيول تجرف الخيم وتاخذ معها ما تبقى لهؤلاء البشرمن عتاد تاركة سكانها يفرشون طين الوحل(معسكر السريف) ويجابهون امراض الملاريا وملحقاتها والاطفال يصرخون من عدم النوم وسوء التغذية كما اوضح ذلك المبعوث الامريكي الخاص للسودان الجنرال سكوت جريشن الذى زار البلاد واعلن فشل زيارته لعدم موافقة الدولة على عودة المنظمات الدولية المطرودة لأن هذة المشكلة تصدرت قائمة محاداثاته مع المسؤوليين. واعلن جريشن في ختام زيارته للسودان وبعد مشاهدته للوضع في المعسكرات النازحة : ان دارفور على شفا أزمة إنسانية وتحتاج الى جماعات إغاثة جديدة وباقصى سرعة لأن الماء في طريقه للنفاد والناس تنتظر وصول الاكل الى افواههم ويجب إنقاذ اروحهم(اضاف جريشن ان الحكومة الامريكية لا تهما محكمة الجنايات الدولية وانما همها الاول توفير المتطلبات الانسانية لسكان المخيمات وايقاف الحرب في دارفوروعودة السلام والإستقرارلها). كما وصف رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الامريكي السناتور جون كيري عقب زيارته لمعسكرالسلام قرب الفاشرالوضع بالمأساوي،ويتطابق كذلك للمواقف الرسمية لفرنسا وبريطانيا حيث ان سد الفجوة المخلفة من طرد المنظمات الدولية الإنسانية تتصدر قائمة مطالبهم تجاه الدولة، والمراهنة على التنفيذ الفعلي على ارض الواقع كشرط للحوار هع الحكومة(هناك تنسيقا كاملا لسياسات الدول الثلاثة تجاه أزمة دارفور وخاصة بعد المؤتمر الاخير لحلف الناتو في شتراوس بيرج والعودة الكاملة لفرنسا للحلف بعد ان اخرجها ديجول من كافة الانشطة سوى السياسية، بل ان هناك علاقة تفاهم ودية بين اوباما وساركوزي الذي إستقبله كرئيس دولة في قصر الأليزيه عشية انتخابات الرئاسة الامريكية التي لم تحسم انذاك).
ان الوضع الجديد في مخيمات نازحي دارفور دخل عنصرا جديدا في تأزم علاقات الدولة مع المجتمع الدولي، ويراقب الوضع عن كسب بتقنياته الحديثة لما يجري داخل معسكرات النازحين لمعرفة كيفية تأمين إستمرارية حياتهم المعيشية. ويطالبنا مجموعة هذه الدول بأن ترى افعالا وليس اقوالا، واهم الشروط تتمركز في تحسين اوضاع النازحين في المعسكرات والمحافظة على سلامة ارواحهم بالسد الفوري للعجز الناتج من جراء طرد المنظمات الطوعية الغربية غير الحكومية مع إيقاف الحرب في دارفور. إن عنصر الوقت والتحرك العاجل هو الحكم الفصل لتحقيق ذلك ويجنب الوطن عواقب وخيمة لا تحمد عقباها . يقتضي هذا ان تقوم الدولة بإزالة العقبات القائمة وفتح ابواب الإتفاق والتوافق والتراضي لجمع شمل مختلف اتجاهات ابناء الوطن(سودانى-سوداني) وحل المشاكل الملحة العاجلة من اجل درء الخطر المحدق بالبلاد والمحافظة عل ارض الوطن.
* برلين - باحث في الدراسات الإستراتيجية
abu_suli@hotmail.com