أبناء الفراعنة ...!! (1ـ2) (نزعته الرقابة الامنية من النسخة الورقية)
ياي حوزيف
كتب الأستاذ عوني حدادين مقالاً ينتقد فيه الأحداث الأخيرة والتي مرّت بها (غزة) الفلسطينية من مماطلة (العرب) في تحديد (مواقفهم) الحاسمة والداعمة لـ (حماس)، حيث قال إنه اختلطت عليه الأشياء: (وأصبح لا يفرق ما بين الملح والسكر رغم أن كليهما أبيض اللون.....)، وأنا ايضاً، أقول لقد اختلطت على الأمور ولا أفرق ما بين "حبات السمسم والرمل" بما يخص الأوضاع في الولاية الشمالية عموماً أو أحوال "النوبيين" من اليأس و (التعاسة) حيث لا توجد أدنى متطلبات الحياة من الخدمات الضرورية ولا ترى إلا حجارة مبعثرة، الجوع والمرض يمرح ويدغدغ الفقر أحشاءهم. أما التهميش فلا حدث ولا حرج!.. وهنا أطرح تساؤلات ظلت تراودني وتورقني ولم أجد من يجيب عنها؛ هل (العروبة!) هذه.. إيديولوجية للقهر، أم قهر الذين يرفضون الإستعراب والمستعربيين؟!..، وهل هذا هو العذر الأقبح من الذنب مثلاً؟!!.كنت انتقد الاستاذ صلاح الدين عووضة في كتاباته عندما يكتب أراءه عن (العروبة!) والمستعربين من السودانيين وتحفظاته لكل من يقول "نحن عرب" وأحفادهم.!! عكس الاستاذ عووضة الذي يتفاخر بـ (نوبيته) وليس عروبته .. وأمثاله كثر!!.. الأستاذ عووضة هو كاتب يمكن ان تصفه بأنه "جاد" أو "عقلاني واضح"، لا يهادن، ولا يجامل احداً، وشريف، لا تحلو له المجاملات، لا يتغير في مواقفه مع الحق ويفتخر بانتمائه للـ(نوبية) ولم يتنازل عنه، وهو حليف قضايا المهمشين والكادحين من شعوب السودان.. المهم، في زيارتي الأخيرة لمناطق الشمالية؛ كورتي، مروي، قري كجبار، الكريمة، دنقلا، دبة، قولد، الملتقى وغيرها، تفتح ذهني عن المسكوت عنه، وفهمت تماماً أن "الاستعلاء" الثقافي والاجتماعي، والتهميش السياسي لم يكن في حدود الجنوب والغرب والشرق فقط كما كنا نظن ذلك، بل يدهشك تهميش مناطق "أبناء الملوك والفراعنة" السودانيين من النوبيين أصحاب الحضارات القديمة والتي ضربت بجذورها وصداها في عمق التاريخ السوداني الازلي والمعاصر لاكثر من (خمسة) آلاف سنة، وكنا دائما (الجنوبيين) نعتقد ونرمي باتهامات الاستعلاء وتعميمها على الشماليين دون فرز لـ(كيمان)، ممن يدعي العروبة وخلافه، وبهذا كنا سندخل التاريخ من أحقر أبوابه لأننا لا نحقد على أمجاد العرب أو (العروبيين) منا.. بل لأننا كلما ابتعدنا عن نوايا أيديولوجية العروبة (السالبة!!) أنجبنا زلآت جديدة مرة أخرى.. ومثل هذا الشعور يجعل الغباء أحد قدسيات (خيبتنا) المستمرة في طريق خلق سودان المواطنة الذي يسع الكل دون أدنى اعتبارات للون أو العرق أو الديانة أو الثقافة. حين يتعلق الأمر بالقضايا الفكرية والسياسية، والتنموية، نصبح (نحن) الذين لا ندافع عن (العروبة!) نعتقد انها أيديولوجية (انبطاحية) خاطئة وستظل (أوهاماً) نفسية لبعض منا، رغم ان الواقع الملموس نفسه يقدّم دلائل صارخة على فشل أيديولوجية (العروبة!)، وفي مدخلها الأول ـ أي بلاد النوبيين. وهناك وفرة من المؤشرات التي تُظهر أنّ (العروبة!) باتت قاب قوسين أو أدنى من الموت الفعلي. كأي آيديولوجية انقسامية، واستدلت علينا (العروبة!) بواقع ما تكون نواياها إلا قاتلة ومنفرة .. وتبرأ الكل من أوهام (العروبة!)، مما جعل "المستعربون" و "العرب" يمضون لاتخاذ خيار سلاح الغصب والقهر كما يحدث الآن في كجبار. انا لست عنصرياً، ولست ضد "العرب" ومن يتمنى أن يصبح "عروبياً" لكن يبدو لـ (المستعربين) أنّهم بحاجة إلى قرابين من (لحم ودم!!).. لأنّه تحت يافطة (العروبة!) وقعت انقلابات دموية ونهضت توجهات (غوغائية!) انقض القائمون بها على السلطة وقعدوا خالدين فيها.. وباسم (العروبة!) تم تغييب الواقع وتغليب المشاريع والنوايا الباطلة على حقائق الواقع، مما حول البلاد إلى نهر من الدماء والدموع لأكثر من (51) سنة.. ولم يكتفوا بذلك هم!!.. هناك فظائع ارتكبت باسم (العروبة!) وهي كفيلة بأن تدفع المجموعات غير العربية إلى النفور منها، لكن المدافعين عن (العروبة!)، يقولون مع هذا، إنّها لا تموت. ونظل نفاخر بأمجاد وانتصارات (العروبة!) من باب الانبطاح وليس الواقع.. نواصل،،،،