الجمعة، 28 أغسطس 2009

حول اشكالية قيام الانتخابات(1-2) (نزعته الرقابة الامنية)


حول اشكالية قيام الانتخابات(1-2) (نزعته الرقابة الامنية)

سبعة ولايات شمالية نالت 50% من الدوائر الانتخابية!!
هذه المادة.. وضعت لتعطي ولاة المؤتمر الوطني الحق في فض الليالي السياسية
مدخل:
ان الانتخابات التي اعلن عن قيامها في العام المقبل تأتي بعد اربعة وعشرين عاماً من اخر انتخابات عامة حرة اقيمت في هذه البلاد وهذا يعني ان هنالك جيل باكمله تخرج من الجامعات والتحق بالخدمة العامة دون ان يشهد طوال حياته اية عملية انتخابية حقيقية .. كما لم يشهد اي ممارسة للديمقراطية او التداول السلمي للسلطة فما هو واجب الحكومة تجاه مثل هذا الشعب قبل قيام الانتخابات؟ أليس واجبها هو ان توظف كل وسائل الاعلام لتوعية الشعب بالانتخابات واجراءاتها وقانونها وكيفية ادائها وبالتحول الديمقراطي المقبل؟ ولكن هذا لم يحدث حتى بعد ان اجلت الانتخابات مرتين.لا بد من تزييف المسرح السياسي برمته!! ولسائل ان يسأل: لماذا حكمت حكومة الانقاذ لمدة عشرين عاماً بصورة شمولية دكتاتورية صارمة دون ان تفكر في اقامة انتخابات ولمجيب ان يجيب انها كانت تخشي فقدان الكراسي والسقوط فلماذا اذاً قبلت اقامة الانتخابات الان؟ هل غير من قاموا بالانقلاب في يونيو 1989م رأيهم واقتنعوا الآن بان الانتخابات والديمقراطية هي من اسس نظام الحكم الافضل ولو ادى ذلك الى ابعادهم عن سدة الحكم؟ ام ان قناعتهم لم تتغير ولكنهم تعرضوا لضغوط دولية واقليمية ومحلية من ضمنها توقيعهم على اتفاقية السلام الشامل التي نصت على قيام الانتخابات فاذا كانت الانقاذ لم تقم في الماضي بانتخابات خوفاً من فقدان السلطة وقبلت الان ان تقوم بها فان هذا يعني انها فكرت وخططت لتجعل الانتخابات غير قادرة على نزع السلطة منها وهذا الامر يقتضي تدبيرا دقيقا يستغل كافة الامكانيات المتاحة للدولة لتحقيق ضمان فوز المؤتمر الوطني بالانتخابات. لقد دلت التجارب الماثلة في ايران وفي كينيا وغيرها على ان تزوير الانتخابات بالطرق التقليدية كالتلاعب ببطاقات الاقتراع لا يجوز على الشعوب ولهذا لا بد من تزييف المسرح السياسي برمته حتى تجئ العملية الانتخابية لقمة سائغة ولو لم يتم التلاعب ببطاقات الاقتراع ومعلوم أن أي حزب لا يمكنه ان يؤثر على الجو العام ما عدا الحزب الذي يكون في السلطة عند قيام الانتخابات قابضاً على كل مفاصلها وموظفاً كل امكاناتها لمصلحته ثم هو ينافس الاحزاب الاخرى وكأنه في نفس مستواها. ان هذه الورقة تهدف الى توضيح المسائل التي تشكل عقبة امام قيام انتخابات حرة ونزيهة في السودان في هذا الوقت بالذات وهي تدعو الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالقضايا السياسية والجهات الاجنبية ذات الاهتمام بقضية الديمقراطية بصورة عامة وتلك التي تهتم بالتحول الديمقراطي في السودان بصفة خاصة وكافة المواطنين تدعوهم جميعاً للتأمل في التفاصيل التي تثيرها والحرص والاصرار على قيام انتخابات حقيقية لا مجرد اجراء اقتراع لا يؤدي في النهاية الا الى تكريس النظام الشمولي الحاضر واعطاؤه شرعية متوهمة بمنحه فرصة الاستمرار في السلطة عن طريق الانتخابات. الوضع السياسي العام: لقد كانت فترة حكومة الوحدة الوطنية التي قامت بموجب اتفاقية السلام الشامل فترة مضطربة يعاني فيها الشريكان: المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان من خلافات تكاد تعصف بالاتفاق في كل يوم ولقد ازداد الخلاف وتعقد حتى استدعى تدخل الوسطاء فقد دعت الولايات المتحدة الامريكية الشريكين في شهر يونيو 2009م الى واشنطن في محاولة للتوفيق بينهما وتقريب وجهات النظر حول الخلافات حتى يتم ضمان قيام الانتخابات والاستفتاء كما نصت عليهما الاتفاقية. ولعل اهم نقاط الخلاف والتي تعوق قيام الانتخابات هي نتائج التعداد السكاني الاخير التي رفضتها الحركة الشعبية منذ اعلانها ولا يزال المؤتمر الوطني يصر عليها ولقد اعتبر عدد الجنوبيين في شمال السودان بناء على نتائج التعداد 520 الف نسمة فقط وهو امر غير مقبول حتى من بعض المختصصين المنسوبين للمؤتمر الوطني ففي مقابلة صحفية مع د. عوض حاج علي والذي كان مسؤولاً عن التعداد السابق ذكر انه لا يوافق على نتائج التعداد فيما يخص الجنوبيين ويتفق معهم على الاعتراض عليها وهو يقدر عدد الجنوبيين في الخرطوم بمليون ونصف، المشكلة هي ان الدوائر الانتخابية قد وزعت على اساس هذا التعداد الخاطئ فاعطى 21% من الدوائر في محاولة ظاهرة لاضعافه في الانتخابات وفي الاستفتاء وهذا يعد خرقاً ظاهراً لاتفاقية السلام التي اعطت الحركة الشعبية مع بقية الاحزاب الجنوبية حق المشاركة في السلطة بنسبة 34%. فالمؤتمر الوطني يريد للحركة الشعبية ان تقبل هذا التقليل من حقها بدعوى انه جاء نتيجة تعداد سكاني وكأنه طرف محايد اجرى التعداد بصورة علمية نزيهة وهذا كله خلاف الواقع ولعل المقصود من كل هذا هو وضع الحركة الشعبية في موقف حرج فان هي قبلت نتائج التعداد وقامت الانتخابات والاستفتاء على اساسها خسرت الحركة وان رفضت اعتبرت رافضة للانتخابات والاستفتاء اللذين نصت عليهما اتفاقية السلام الشامل ولقد ظهر هذا الخلل في توزيع الدوائر الانتخابية اعتماداً على نتائج التعداد فقد نالت 7 ولايات شمالية 50% من دوائر الانتخابات بينما نالت بقية الولايات الـ 19 بما فيها ولايات الجنوب 50% من الدوائر!! وبالاضافة لهذه المشكلة هنالك الوضع الامني المطرب في جنوب السودان فان الحركة الشعبية قد اتهمت المؤتمر الوطني باثارة الصراعات القبلية بالجنوب عن طريق تسليح بعض المجموعات القبلية الموالية له للمؤتمر لتثير القلاقل في جنوب السودان فاذا كانت الاضطرابات قد حدثت قبل الانتخابات فانها يتوقع ان تتفاقم عند قيامها ما يؤثر على سيرها ونتائجها. ومن المسائل التي اثارتها المعارضة في الاسبوع الاول من شهر يوليو 2009م عدم دستورية الحكومة بحلول الاسبوع الثاني من شهر يوليو وذلك لان الدستور قد نص على ان تقام الانتخابات بعد 4 سنوات من توقيع الاتفاقية وهو ما قد حل في 9 يوليو 2009م فاذا اخرت الحكومة الانتخابات لتمدد من عمرها فان ذلك ما احتاطت له الاتفاقية وحددت بسببه الزمن الذي بتجاوزه تصبح الحكومة غير شرعية وغير دستورية ورغم ان الحكومة بشقيها لا توافق على ما ذكرته المعارضة الا ان الحركة الشعبية قد تعاملت معه بصورة موضوعية هادئة بينما قام منسوبون للمؤتمر الوطني بتهديد رئيس كتلة الاحزاب المعارضة التي طرحت هذا الموضوع. ولم تستطع الحكومة حتى الان حل مشكلة دارفور ولا زالت مناطق عديدة ملتهبة بالمواجهات بين الحكومة والفصائل المسلحة ولقد حدث هجوم من القوات التشادية اكثر من مرة وتعذر التعداد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركات المسلحة ولعل الاسباب التي منعت التعداد هي نفسها التي ستمنع الانتخابات فهل تريد الحكومة استثناء دارفور من الانتخابات ام استثناء اجزاء منها بسبب الظروف الامنية ولقد ذكر السيد ابيل الير رئيس مفوضية الانتخابات بان هناك عدم امن في دارفور وان الانتخابات لا يمكن ان تقوم في ظروف عدم الامن (الصحافة 17/6/2009م) ان عدد سكان دارفور قد قدر بـ 7 مليون نسمة اي حوالي 17.5% من جملة سكان السودان فهل يمكن ان يستثني هذا العدد من الانتخابات العامة ثم تكون نتائجها ممثلة تماماً لاهل السودان الا يعني استبعاد اجزاء من اقليم تقطنه قبائل معينة تمييز اثني قد يفاقم من الصراعات والحروب التي لا تزال مشتعلة بسبب هذه المشكلة العرقية؟! ان ازمة المحكمة الجنائية الدولية لا تزال ماثلة ولا يكفي في مواجهتها عدم الاعتراف بالمحكمة بحجة ان السودان لم يوقع او يصادق على اتفاقية روما وذلك لأن القضية احيلت للمحكمة من مجلس الامن فلا يجوز رفضها الا اذا كانت الدولة ليست عضواً في الامم المتحدة ومن ناحية اخرى فان الحكومة لا تريد ان تقوم باجراء اي محاكمات لمرتكبي جرائم دارفور بل انها لا تستطيع ذلك في ظل القوانين الحالية التي لا تتضمن عقوبات على جرائم الحرب وجرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي كما انها تمنح حصانة لافراد جهاز الامن والدفاع الشعبي وكبار المسؤولين فلا يطولهم القانون ولم تعجز الحكومة عن المحاكمات فحسب بل عجزت عن تحقيق السلام بسبب الفشل في المفاوضات ورفض مطالب اهل دارفور التي عبرت عنها معظم مبادراتهم والمتمثلة في الاقليم الواحد والمشاركة في مؤسسة الرئاسة بنائب رئيس وتسريح الجنجويد والمحاكمات والتعويضات واعادة الاراضي .. فهل يقبل اهالي دارفور بتعليق مطالبهم واستمرار الاشتباكات وعدم الاستقرار والنزوح في مقابل اجراء انتخابات جزئية؟ ان مشكلة المحكمة الجناية اذا لم تحل ولم يتحقق السلام في دارفور فان المتوقع ان يفرض مجلس الامن عقوبات على السودان وفي تلك الحالة فان المجتمع الدولي لن يقبل الانتخابات ولن يعتمد نتائجها وما يترتب عليها وهذه احدى اشكالات الانتخابات التي لا يملك لها المؤتمر الوطني حلاً. الانتخابات والقوانين المقيدة للحريات: ولما كان نظام الانقاذ قبل اتفاقية السلام شمولياً فقد اعتمد على قوانين سافرة التقييد للحريات ولا تناسب اي وضع ديمقراطي وحين وقعت حكومة الانقاذ اتفاقية السلام الشامل قبلت بما جاء فيها من تأكيد على مبادئ الحرية وما ورد فيها من اعتبار الشرعة الدولية لحقوق الانسان التي تتضمن كافة مواثيق حقوق الانسان جزءاً لا يتجزأ من الاتفاقية ومن دستور السودان الانتقالي لعام 2005م ولذلك فقد اقرت بتعديل القوانين التي تتعارض مع الاتفاقية ومع الدستور ومع المبادئ العامة لحقوق الانسان ولكنها نكصت عند التنفيذ واجازت تعديلات اسوأ من القوانين السابقة ورفضت تعديل قوانين غاية في السوء ولقد ذكر بعض القانونيين ان القوانين التي تحتاج الى تعديل قد بلغت 61 قانوناً ونحن هنا لن نعرض لها جميعاً وانما نقف عند بعض المواد التي تتأثر بها الانتخابات. فمن القوانين التي اثارت جدلاً كبيراً قانون الامن الوطني والمخابرات وذلك لأن جهاز الامن قد تضخم واصبح جهاز سياسي بسلطات واسعة وحصانة تامة لكل افراده امام جميع المحاكم ومع ان اتفاقية السلام الشامل قد نصت على ان يتحول جهاز الامن الى جهاز لجمع وتحليل المعلومات ورفعها للجهات العليا الا انه لا زال يمارس كل نشاطه كما كان يفعل حين كانت الانقاذ تتفرد وحدها بالسلطة وتعمد الى ارهاب خصومها فما زال هذا القانون يعطي الجهاز الحق في الاعتقال بدون توجيه اي تهمة ويمارس واعضاؤه محميون بالحصانة القانونية. ان قانون الامن الوطني والمخابرات بما يعطي من صلاحيات واسعة لجهاز هو اصلاً يعبر عن توجه حزب المؤتمر الوطني ويعمل لرعاية مصالحه يعتبر معوقاً للانتخابات بما يهدد امن وسلامة المعارضين السياسيين خاصة اذا كان لهم نشاط فعال في التوعية او التنظيم الذي يعمل على اسقاط المؤتمر الوطني في الانتخابات فمن السهل على جهاز الامن تحت ظل هذا القانون ان يعتقل الناشطين السياسيين المعارضين ويحتجزهم بدعوى انهم يخططون لعمل ضد امن البلد ولا يطلق سراحهم الا بعد الانتخابات كما يمكن ان يفض الاجتماعات التي تقوم بها الاحزاب باي دعوى حتى يمنع التنسيق والتحالف الذي قد يؤثر على المؤتمر الوطني في الانتخابات هذه نماذج بسيطة وهنالك الالاف غيرها مما يمكن ان يرتكب من جرائم باسم الحفاظ على الامن بغرض الحفاظ على مصالح المؤتمر الوطني وتحقيق فوزه بالانتخابات ولقد اعترضت الاحزاب مراراً على هذا القانون وطالبت بتعديله ولكن المؤتمر الوطني رفض حتى مجرد طرح القانون للنقاش في المجلس الوطني. ولكن اضيفت المادة 127 التي تمنح الولاة والمعتمدين الحق في حظر وتقييد المواكب والتجمعات والتجمهر متى ما رأوا فيه اخلالاً بالسلامة العامة. ولعله من الواضح ان مثل هذه المادة قد وضعت لتعطي الولاة- ومعظمهم من المؤتمر الوطني – الحق في فض الليالي السياسية والندوات والمحاضرات العامة التي يقوم بها منافسوهم من الاحزاب الاخرى بدعوى انها تخل بالسلامة العامة .. ولن يسألهم احد كيف عرفوا ذلك وما هي السلامة العامة وكيف تؤثر ندوة سياسية عليها وذلك لأن هذا القانون العجيب الذي اعطاهم الحق في ايقاف نشاط منافسيهم حتى يتسنى لهم الفوز في الانتخابات لم يفسر كل ذلك. قانون منظمات العمل الطوعي ومن القوانين التي تمت المطالبة بتغييرها لبالغ اثرها على منظمات المجتمع المدني قانون منظمات العمل الطوعي والانساني فلقد رفع ضده طعن دستوري لما يطلق من يد مفوضية العمل الطوعي والانساني في التدخل في عمل المنظمات الطوعية الوطنية ولكن الطعن رفض بواسطة المحكمة الدستورية العليا ولعل من اسوأ تطبيقات هذا القانون طرد منظمات الاغاثة الذي جرى مؤخراً والغاء تراخيصها بناء على تهم سياسية لا علاقة لها بواجباتها. ثم انها لم تثبت بل ان بعض هذه المنظمات المطرودة لا تعمل في دارفور حتى تعطي معلومات عما يجري فيها لمدعي المحكمة الجنائية الدولية كما جرى الاتهام ولقد احدث طرد منظمات الاغاثة ضرراً بالغاً في معسكرات النازحين في دارفور وحول الخرطوم. اذ ان اثر الفجوة قد قدر بفقدان حوالي مليون شخص للغذاء والدواء بحلول الخريف ولعل هذا واضح الاثر على الانتخابات اذ ان الجوع والمرض وعدم الاستقرار يجعل قضية الاقتراع بل قضية الانتخابات نفسها قضية ثانوية لا تمس حياة هؤلاء المواطنين كما انه وفق هذا القانون قد تم عدم التصديق لقيام منظمات وطنية كان يمكن ان تسهم في اثراء المجتمع المدني ولما كان القانون يعطي منظمة العون الانساني الحق في ايقاف نشاط اي منظمة طوعية فان المنظمات التي تختلف في رؤاها مع المؤتمر الوطني يضيق عليها بواسطة مفوضية العمل الانساني بمختلف الحجج الواهية بينما المنظمات التابعة للمؤتمر الوطني او التي تعبر عن توجهاته تجد كل الدعم والحرية ولعل اخر النماذج ما حدث بمركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية فقد اوقفت مفوضية العون الانساني ندوة عن الانتخابات بحجة ان المركز مسجل فدرالياً ويحتاج ان يسجل ولائياً قبل ان يمارس نشاطه هذا مع ان المركز قد استمر في نشاط متواصل لعامين ولم تتدخل المفوضية لايقافه لانه معلوم ان التسجيل على نطاق الوطن يعطيه الحق للعمل في اي ولاية بما في ذلك ولاية الخرطوم ولكن يبدو ان المفوضية قد وظفت سياسياً لايقاف النشاط الذي يؤثر على المؤتمر الوطني في الانتخابات ولو كان مجرد توعية المواطنين بالانتخابات خاصة اذا قامت بها مجموعات غير منسوبة الى المؤتمر الوطني. حرية الصحافة: لقد ظلت الرقابة على الصحف هاجساً يؤرق الصحفيين وغيرهم من المواطنين فقد دأبت الحكومة على ارسال رجل امن يومياً ليقرأ جميع الصحف ماعدا الصحف التابعة للمؤتمر الوطني قبل طباعتها وينزع اي موضوع يحوي في تقديرهم نقداً للحكومة او لاحد المسؤولين فلا تنشر الصحف الا ما يقبله رجال الامن ولقد اعترض الصحفيون مراراً واضربوا عدة مرات اعتراضاً على هذه الرقابة القبلية واثاروا في عدة منابر ضرورة تغيير قانون الصحافة الذي يؤسس لهذه الرقابة وبعد عدة حوارات وافق المؤتمر الوطني على تغيير قانون الصحافة وطرح قانوناً جديداً اجازه بالاغلبية رغم الاعتراض عليه ولا يختلف القانون الجديد عن القديم الا في الصياغة فبدلاً من القول بحق الحكومة في مصادرة الصحف واعتقال الصحفيين جاء القانون الجديد في المادة 5/2 ( لا حظر على الصحف الا في الحالات التي يحددها الدستور والقانون) المادة 5/3 ( لا تتعرض الصحافة للمصادرة او تغلق مقارها الا وفقاً للقانون) المادة 5/4 ( لا يجوز حبس او اعتقال الناشر الصحفي في المسائل المتعلقة بممارسة مهنته عدا الحالات التي يحددها القانون) .. ومعلوم ان كلمة قانون هنا تشمل كافة قوانين الدولة بما فيها القوانين المقيدة للحريات التي اشرنا اليها والتي لم نتطرق لها فيمكن اعتقال الصحفيين ومصادرة صحفهم وفق قانون الامن الوطني والمخابرات بينما يكون السبب الحقيقي هو نقد الصحيفة للحكومة او للمؤتمر الوطني او توعية المواطنين بما يشكل خطورة على مركز المؤتمر الوطني في الانتخابات المقبلة هذا بينما تقوم الصحف التابعة للمؤتمر الوطني مثل (الانتباهة) بنقد الاحزاب والشخصيات وتدعو للعنصرية وللانفصال وتسئ الى رموز الحركة الشعبية دون ان يحدث لها شئ. ولقد اعطى القانون الجديد لمجلس الصحافة سلطات واسعة فهو الذي يملك سلطة الترخيص للشركات الصحفية والصحف ورؤساء التحرير والصحفيين كما يملك سلطات عقابية تصل الى حد ايقاف الصحف عن الصدور وسحب تراخيصها وحرمان اي صحفي من العمل كصحفي فاذا علمنا ان مجلس الصحافة هذا يعين السيد رئيس الجمهوية 40% من اعضائه ويشرف عليه وزير الاعلام ومن ثم يحق له تغيير بعض من بقية عضويته المنتخبة رأينا كيف ان الصحافة بعيدة من ان تكون حرة ومستقلة وبدلاً من ان يرفع قانون الصحافة الجديد الرقابة القبلية عن الصحف قننها واضاف لها مسببات غير مجرد الاعتماد على قانون الامن الذي يصادر بدعوى خشية اثارة الامن جاء في المادة 28/1/ب ( لا تنشر اي معلومات سرية تتعلق بامن البلاد او بالقوات النظامية من حيث الخطط والتحرك). المادة 28/1/ث (ان يلتزم بعدم الاثارة او المبالغة في عرض اخبار الجريمة او المخالفات المدنية) المادة 28 /1/ح( الا ينشر اي امر يتعارض مع الاديان او كريم المعتقدات او الاعراف او العلم مما يؤدي الى اشاعة الدجل) ولم يحدد القانون او يفسر المرجعية لكل هذه الممنوعات التي فرضها بل تركها للتقدير الشخصي وهكذا يمكن ان تستغل هذه الاشياء لتمنع اراء دينية مخالفة لرؤية المؤتمر الوطني وافكاره وتحظر اخبار وتحجب مقالات ويكون الهدف النهائي من كل ذلك هو حراسة مفاهيم المؤتمر الوطني من النقد واضعاف خصومة لضمان فوزه في معركة الانتخابات بالاضافة للقوانين المقيدة للحريات فان قانون الصحافة نفسه يمثل اثقل القيود لانه يملك ان يوقع عقوبات كافية لارهاب الصحفيين وتقييد اقلامهم والحد من تفكيرهم فالعقوبات في قانون الصحافة الجديد نوعان: جزاءات يوقعها مجلس الصحافة: وتشمل التأنيب والزام الصحيفة بالاعتذار والانذار ولفت النظر وايقاف الصحيفة لمدة لا تزيد على 7 ايام او ايقاف الترخيص وعقوبات توقعها محكمة بنص المادة 37 وتشمل: الغرامة التي لا تزيد على 50 الف جنيه سوداني وايقاف الصحيفة لمدة لا تزيد على شهرين والغاء الترخيص ومصادرة المطابع والمطبوعات اذا حكم عليها بالايقاف مرتين مثل هذه العقوبات الرادعة كفيلة تجعل الصحفى يتردد في كل ما يكتب خاصة اذا اراد ان ينقد الحكومة التي لديها بجانب قانون الصحافة قوانين اكثر ردعاً يمكن ان تحركها ضده. ان عدم وجود صحافة حرة يمثل اشكالية حقيقية امام قيام انتخابات ديمقراطية وان اصرار المؤتمر الوطنى على مثل قانون الصحافة هذا يعني حرصه على ان تقوم الانتخابات في جو لا يمكن لخصومه ان ينقدوه فيه بينما ينقد هو خصومه كما يشاء من خلال وسائل الاعلام التي يحتكرها ومن خلال صحفه التي لا تطالها الرقابة ولا يحرك ضدها قانون الصحافة. قانون الانتخابات: ان قانون الانتخابات لسنة 2008م والذي كان من المفترض ان يكون قد وضع لتوجيه مسار الانتخابات حتى تتم بشفافية كاملة وحياد ونزاهة تجعلها تؤدى الغرض منها وهو اختيار حكومة تمثل الشعب وتعبر عن اماله وتطلعاته يمثل في حد ذاته احدى الاشكالات التي تواجه قيام الانتخابات ان اول ما تجب الاشارة اليه هو ان المفوضية العليا للانتخابات والتي انشأت بموجب هذا القانون واوكل اليها بناء عليه كل عمل الانتخابات ليس من حق الحركة الشعبية لتحرير السودان كشريك في الحكومة ولا من حق الاحزاب المشاركة او المعارضة ان تعين ايا من اعضائها فقد جاء في المادة 6 (أ) (تتكون المفوضية من تسعة اعضاء يتم اختيارهم وتعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية بموافقة النائب الاول وفقاً لاحكام المادة 58/2/ج من الدستور وموافقة ثلثي اعضاء المجلس الوطني مع مراعاة اتساع التمثيل ليشمل ممثلين للمرأة والقوى الاجتماعية الاخرى) فاعضاء المفوضية يعينهم رئيس الجمهورية ويمكن للنائب الاول ان لا يوافق على احدهم فيتم تغييره ولكن ليس له الحق في اقتراح بديل.. وانما كل الاسماء التي تتكون منها المفوضية يجب ان يختارها السيد رئيس الجمهورية . والسؤال هو: اذا كان هنالك شخص مؤهل ووطني غيور ولكنه ضد المؤتمر الوطني وكثير النقد له فهل يمكن ان يعينه السيد الرئيس في هذا المنصب الهام؟! إضافة الى ان القانون قد نص على ان يكون اعضاء مفوضية الانتخابات مستقلين فقد جاء عن اعضاء المفوضية في المادة 6 (ب) (ان يكون من المشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد) ولقد تم خرق هذه المادة منذ الان وقبل قيام الانتخابات اذ نجد في بعض الاقاليم رئيس مفوضية الانتخابات هو نفسه نائب الوالي وممثل المؤتمر الوطني في المنطقة كما حدث في جنوب دارفور وفي ولاية النيل حيث احتجت الاحزاب بمذكرة رفعت للسلطات وحتى يتضح لنا اهمية وخطورة مفوضية الانتخابات نقرأ في المادة 18/1 (تقوم المفوضية بتكوين اللجان العليا وتعيين روؤساء واعضاء اللجان العليا على مستوى جنوب السودان والولايات) المادة 18/3 ( اللجان العليا مسؤولة لدى المفوضية عن ادارة الانتخابات والاستفتاء والاشراف على ذلك على مستوى الجنوب والولايات) المادة 20/1 (تقوم المفوضية بتعيين ضباط الانتخابات على مستوى جنوب السودان وكل ولاية وضابط انتخابات على مستوى كل دائرة جغرافية للقيام بتنظيم ومراجعة السجل الانتخابي) المادة 20/2 (يقوم كبير ضباط الانتخابات على مستوى جنوب السودان وفي كل ولاية وضباط الانتخابات في الدوائر الجغرافية بتنظيم عمليات الاقتراع والفرز والعد والانتخابات والاستفتاء وفقاً لاحكام هذا القانون والقواعد وتوجيهات المفوضية).. ان المفوضية هي المشرف العام على كل هذه اللجان التي تقوم بكافة العملية الانتخابية فهل يتمتع عضو المفوضية بما يضمن لنا تأهيله الاخلاقي لهذه المهمة الصعبة جاء في المادة 6/2 عن الشروط التي يجب ان تتوفر في عضو المفوضية (الا يكون قد ادين خلال السبع سنوات السابقة في جريمة تتعلق بالامانة او الفساد الاخلاقي او مخالفة السلوك الانتخابي ولو تمتع بالعفو).. فماذا لو كان العضو المذكور قد ادين اخلاقياً قبل ثماني سنوات ؟ هل فرق السنة هذه يكفي ليجعله شخصا ذا اخلاق مأمون على رعاية الانتخابات ؟ ان قضية الشرف والامانة وحسن الخلق يجب ان الا تحدد بوقت معين لأن الزمن لا يسقط هذه التهم المتعلقة بالاخلاق ولعلنا نستغرب ان هؤلاء الاعضاء الذين لا تضمن اخلاقهم الا لمدة سبع سنوات فقط قد منحوا حصانة غريبة جاء في المادة 14 ( حصانة رئيس المفوضية ونائبه والاعضاء) : ( فيما عدا حالات التلبس لا يجوز اتخاذ اي اجراءات جنائية في مواجهة رئيس المفوضية او الاعضاء عن اي فعل يتعلق باداء واجباتهم الموكلة اليهم بموجب احكام هذا القانون الا بعد الحصول على اذن مكتوب من رئيس الجمهورية) وهكذا يعطي القانون اعضاء المفوضية حتى لا يقوم احد بمقاضاتهم لو لاحظ بوجود قرائن انهم ينحازون لصالح حزب الحكومة الا اذا حصل على اذن مكتوب من رئيس الجمهورية!! وهل يأذن رئيس الجمهورية بمقاضاة الذين اختارهم ووضع ثقته فيهم؟