السبت، 15 أغسطس 2009

النخب السودانية وإدمان الفساد السياسي (32)

النخب السودانية وإدمان الفساد السياسي (32)
(نزعته الرقابة الامنية)
خواطر ومواقف وأفكار
عبدالله محمد احمد صادق
الاستعمار الأسودالمؤتمرات واللجان القوميةإذ صح أن ذلك من علامات الساعة فإن الشعوب في النظم القمعية تلد أسيادها، وكان الغزاة في عصور الامبراطوريات هم الأسياد ومن اسرهم الروم والفرس والعرب الذين اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة أهلها اذلة، وقد رأينا في السودان الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان ويعبر السودانيون عن ذلك بعبارة (من تك الى مفك) وكان البطل في مقامات الحريري اعرابياً تفوق على اهل المدينة في المكر والدهاء وانتهاز الفرص السانحة والنقاط المثمرة الدائبة والحرة التي تلد بنتها في الحديث الشريف اشارة الى اختلال المقاييس والمعايير وتداخل الحق مع الباطل والخير مع الشر وانهيار القيم والتردي والانحطاط الاخلاقي، وكان اللص أو المرتشي في مجتمع القرية السودانية او شاذ السلوك لا يمكنه العيش بين اهله وعشيرتهولا بد له من مغادرة القرية الى المدينة ليذوب ويتلاشى في الزحام.. فالمتظاهرون في ايران هم الذين يدفعون ثمن الاحذية التي يركلون بها والرصاص والقنابل الغازية ومرتبات البيج والحرس الثوري كالعبد الذي يشتري السوط لسيده، والشعب السوداني هو الذي يسدد فواتير التمكين والألاعيب والفهلوة والبلطجة السياسية والمؤتمرات والمنظمات والتنظيمات الصورية والمواكب والمظاهرات الاستعراضية.. وقد اعترف الدكتور أمين حسن عمر ان استبدال العملة مرتين كلفنا ثلاثمائة مليون دولار.. وقال انهم لا يقولون بأن الاسلام هو الحل وانما يقصدون استعادة التمظهرات الاسلامية التي طمسها الاستعمار فكم كلفتنا هذه التمظهرات خلال العشرين عاماً الماضية لكن الناس في السودان ما يزالون يذكرون الاستعمار البريطاني بخير الكبار يحدثون الصغار فقد كان الاستعمار البريطاني أقل ظلماً وغطرسة وغلظة ووحشية واكثر عدلاً واحتراماً للشعوب السودانية ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها.. بمعنى انه كان اقرب الى جوهر الاسلام ومضامينه الاخلاقية والحضارية والانسانية.. وكان الطلاب والعمال وقود الحركة الوطنية في ساحات النضال ضد الاستعمار والمعلمون رسلها ودعاتها في الريف والحضر لتخريج اجيال لتأمين الاستقلال والانطلاق الى آفاق التقدم والرخاء والازدهار لكنهم كانوا يحذروننا من الاستعمار الاسود فليس للاستعمار دين ولا لون لأنه قهر وعبودية واستغلال وسخرة.. وأذكر اننا نعجب باغنية رمضان حسن (الحضارة وازدهارا في الحواضر والبوادي) ونتغنى بها في المدرسة وخارجها.. كم كلفتنا الألاعيب السياسية وهي في منظور الدكتور نافع علي نافع مكر ودهاء سياسي مشروع، وكم كلفتنا المواكب والمظاهرات الاستعراضية والمؤسسات والمؤتمرات الصورية عن مؤتمر السودان للقضايا المصيرية الى مؤتمر اهل السودان وهي المؤتمرات التي وصفها الدكتور منصور خالد بالعادة السرية.. بمعنى ان الانقاذ تحاور نفسها.. وكم كلفتنا اللجان القومية المزعومة التي يقصد بها الهاء الناس وصرف انظارهم عن الحقيقة.. كلجنة تقصي الحقائق وتجاوزات الحرب في الجنوب في التسعينيات من القرن الماضي ولجنة خلف الله الرشيد لاعداد الدستور ولجنة التحقيق في مجذرة طلاب الخدمة الوطنية في العيلفيون وهيئة جمع الصف الوطني ولجنة دفع الله الحاج يوسف للتحقيق في احداث دارفور وغير ذلك من اللجان التي اعلن عنها ثم طواها النسيان وكم كلفنا التعداد السكاني وكم ستكلفنا الانتخابات القادمة في غياب المؤسسية والمهنية وفك الاشتباك بين الانقاذ ومؤسسات الدولة.. التعداد والانتخابات: في تعداد 1956م كان عدد السكان 9.77 ملايين نسمة بواقع اربعة مواطنين في الكيلو متر المربع وتصل هذه النسبة الى اكثر من عشرين في كثير من الدول واذا صح ما يقول الباحثون بأن عدد السكان يتضاعف بمتوالية هندسية كل خمسة وعشرين عاماً لا يفترض ان يزيد تعدادنا الآن بالنمو الطبيعي عن ثلاثين مليوناً.. وكان خمسين في المائة التي كانت تستأثر بخمس عدد السكان وكانت نسبة العرب تسعة وثلاثين في المائة والجنوبيين ثلاثين في المائة لكن نسبة المواليد كانت خمسة وثمانين في الالف في بحر الغزال وتسعة وستين في اعالي النيل واربعة وخمسين في الاستوائية وواحد واربعين في الخرطوم.. ويفترض ان تتناقص نسبة العرب وتتزايد نسبة القبائل الافريقية بسبب تعدد الزوجات وارتفاع مستوى التعليم والهجرة من الريف الى المدينة في الشمال فكيف اصبح عدد الجنوبيين عشرين في المائة؟ سؤال يحتاج الى اجابة شافية، وكانت وما تزال الفاشية الدينية والعرقية في الشمال تعارض تنظيم الاسرة وتشجع الزواج الجماعي، وقد انفقت الكثير من المال واستغلت الأموال العامة بحكم نفوذها وتحكمها في مراكز القرار، وكان ذلك حركة محمومة انتظمت كل الولايات الشمالية وشعارها (تناكحو وتزايدوا).. والفاشية في الشمال تعاني من نفس الهواجس والمخاوف الديموغرافية التي يعاني منها اليهود في اسرائيل وهي ايضا معادية لدولة المواطنة والغاية في منظورها تبرر الوسيلة.. لذلك فإن فك الاشتباك بين الفاشية الشمالية ومؤسسات الدولة واطلاق الحريات العامة لابد ان يكون سابقاً للتعداد السكاني والانتخابات العامة لأن ذلك من متطلبات العدالة السياسية بمعنى انها تتحقق بدون ذلك ولا يجوز اهدار المال العام في اهداف غير قابلة عملياً للتحقيق ولا جدوى من الرقابة القضائية أو الدولية في غياب المؤسسية والمهنية وقد اجريت الانتخابات في عام 1953م في ظروف افضل لكنها كانت سببا في احداث مارس الشهيرة ولنا عظة وعبرة في زيمبابوي وكينيا وايران.. هيئة جمع الصف الوطني: اذكر ان الصحف طالعتنا أن والي الخرطوم تبرع للهيئة بمائة مليون جنيه والميزانية قانون وبنود محددة تقابلها اعتمادات محددة فمن أين تأتي هذه الملايين التي يتبرع بها الولاة والوزراء.. واذكر ان لدى وزارة المالية بند يعرف بالالتزامات القومية الممركزة لمقابلة الطوارئ والمصروفات غير المنظورة وفي أواخر العهد المايوي كان هذا البند يتضخم عاماً بعد عام على حساب مقترحات الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية الى ان اصبح اصلا والميزانية فرعا واذا وجد بند مماثل في الميزانيات الولائية فان ذلك يتعلق بشؤون الولاية اما هيئة جمع الصف الوطني فأمرها يخص الحكومة المركزية، وفي عهد الانقاذ اصبحت الميزانية كلها حبرا على ورق فالانقاذ امتداد مايوي بدليل اننا لم نشاهد وزير المالية امام المجلس الوطني مطالباً باعتماد اضافي.. لجنة جمع الصف الوطني كما يفهم من الكلمة الافتتاحية التي قدمها محمد عيسى عليو تتزعمها شخصيات معروفة بتعاطفها مع الانقاذ او الانتماء اليها.. ولا يمكن اقناع القوى السياسية بحياد الهيئة واستقلالها فقد اهدر الكثير من المال في حيلة سياسية مكشوفة لكن ذلك كان يقصد به تحسين صورة الانقاذ في الخارج.. اما الرأي العام في الداخل فيجري التعامل معه من منطلق الوصاية الدينية.. وسياسة العصا الغليظة عند اللزوم وخير دليل على عدم الموضوعية والحياد والاستغلال ما قالوا عثمان عبد الله مدعياً بانه قرأ مشروع الجبهة الاسلامية ولم ير فيه استثناءً للجنوب او الشرق او الغرب.. وهذا الكلام تكذبه اقوال زعماء الحركة الترابية وافعالها وشعارات الحرب وأدبياتها السياسية.. وقال الشيخ حافظ الزاكي لمجلة الدستور اللندنية انهم سيطبقون الشريعة الاسلامية حتى ولو أدى ذلك لفصل الجنوب.. وقال الترابي ان الجنوب ليس سوى امتداد للشمال بمعنى انه ليس طرفا اصيلاً والحرب في الجنوب دفاع عن ثغور العروبة والاسلام.. ولم تتبلور الحدود الجغرافية لمعظم الدول إلا في النصف الاخير من القرن العشرين لكن السودان بحدوده الحالية كان معروفاً بأملاك الخديوي في افريقيا منذ القرن الثامن عشر وكان وحدة ادارية في التركية الاولى والحكم الثنائي وقد تجاهل الترابي قرار منظمة الوحدة الافريقية الصادر في عام 1965 وبموجبه اصبحت الحدود التي ورثتها الدول الافريقية من الاستعمار حدودا نهائية.. التحقيق في أحداث دارفور: كانت لجنة دفع الله الحاج يوسف للتحقيق في احداث دارفور لجنة صورية كلجنة خلف الله الرشيد الاولى لم ينشر تقريرها والثانية لم ينشر دستورها ومن معايير القومية ان يكون للجنة الحق في نشر تقريرها.. ويفترض ان يكون ذلك شرطاً في قبول التكليف بعدا عن شبهة الانحياز وتضليل الرأي العام والتزاما بالامانة العلمية والشرف المهني وقد ثبت في الحالتين التزام اللجنة بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية والامانة العلمية والمهنية والا لما وجد مبرر للتعتيم ولا شك ان لجنة دفع الله الحاج يوسف انطلقت من تقارير الاستاذ كمال الصادق مدير تحرير جريدة الايام الذي كان حاضرا في مؤتمر الفاشر التداولي في عام 2003م عندما كانت القيادات التنفيذية والشعبية ما تزال في حالة من الارتباك والصدمة والذهول فتبادلت الاتهامات وهي نفس الاتهامات التي تداولها المجتمع الدولي.. فالحل في دارفور يبدأ بنشر تقرير لجنة دفع الله الحاج يوسف والغاء قانون الدفاع الشعبي الذي كان خطيئة ارتكبتها حكومة الصادق المهدي حتى يكون كل من يحمل السلاح في دارفور خاصة والسودان عامة خارجا على القانون وتتساوى في ذلك المليشيات الحكومية وغير الحكومية وقد اعترف قادة الجنجويد بانتمائهم الى الدفاع الشعبي وتظاهرت مليشيات اخرى احتجاجا على تأخر صرف المرتبات ونشرت وثائق تتعلق بذلك في الداخل والخارج وهذا أو الطوفان..