السبت، 15 أغسطس 2009

مسالة (نزعته الرقابة الامنية)


مسالة

(نزعته الرقابة الامنية)

د. مرتضى الغالي


هل الدولة السودانية (دولة متقشفة)؟! أنظر حولك وسوف ترى.. ونحن على يقين بأن (مستشار واحد) في سلك الوظيفة العامة بلغت نفقة أسفاره ما يمكن ان ينشئ مشروعاً مثل (سد مأرب) أو أن يشق قناة بحجم نهر ليبيا العظيم في وجه الصحراء..! وقد يكون في ذلك مبالغة ولكن ما يشاهده الناس فقط من الاسفار المعلنة والخفية للشخوص والوفود المتتابعة الي بلاد الدنيا، وتكلفة تخصيص السيارات (ذوات الدفع الرقمي) العديدة للواحد من الدستوريين أو المستوزرين لا يقنع العالم بأن السودان (في ضائقة) أو أنه يحتاج الي عون دولي لتمويل غذائه وإنتخاباته..!هذه لمحة واحدة من انماط الانفاق البذخي في السودان، ولم نتحدث عن الحج المجاني أوالسياحي، ولم نذهب الي حيث قصور ماليزيا وأبعاديات دبي.. ولكن القصة الأخطر الآن تتمثل في التقارير التي صدرت بشأن تآكل احتياطي السودان من العملات الاجنبية.. وأقل هذه الأخبار هولاً ان هذا الاحتياطي قد انخفض من بليوني دولار في منتصف العام الماضي 2008 الي ثلاثمائة مليون دولار فقط.. دعك من الاثار المترتبة على ذلك من شح في مقابلة الاحتياجات النقدية.. حتى أن رئيس اتحاد كرة القدم حكى عن عجزهم من توفير (فقط الف ومائتي دولار) لمصيبة من مصائب إلتزامات الكورة.. (وعلى ذلك قِسْ).. دعك من تبعة الواردات وهبوط سعر العملة السودانية مقابل الدولار، ودعك من معدلات التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة وماشئت من تعقيدات اقتصادية..! فهذه المسألة (ليست لعب) خاصة بعد أن تأكدت إصابتنا بـ(المرض الهولندي) -أي الاعتماد الكامل على عائد البترول- فقد كان ظن (الأحبار) أن السودان قد اصبح دولة بترولية عظمى، ولا داعي لعذاب لقيط القطن أو (طق الصمغ) وحق للاصحاب الوجاهة ان يبحبحوا ما شاءت لهم البحبحة.. وفي هذا الكرنفال تم الإهمال الجسيم لصادرات السودان الأخرى من قطن وصمغ وفول وكركدي وماعز وضان وبقر وجمال، وتعاظمت الواردات و(أطنان التفاح) وأرتال السيارات من كل جنس ولون، وعندماء جاءت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي أنّت وقنَتتْ وشكت وبكتْ منها اقتصاديات الدول الصناعية العاتية ودول الخليج (المبسوطة) قال أحبارنا ان السودان بمنجاة من هذه الأزمة، وانها لن تحرك شعرة من رأس الاقتصاد الوطني، فكاد رأسنا يدور وقال كل من سمع ذلك: هل نحن حقيقة جادون في ما نقول وفي ما نفعل ؟ وتلك جملة قالها أحد الاخوة العرب لسوداني عندما كانا في حفل لأحد مطربينا من ضخام الاجسام ومكتنزي الشحم عندما سمعه يردّد: (والنحول على جسمي ..يا حبايب ظاهر)..فقال له: والله انتو يا سوادنه غير جادين..!