السبت، 15 أغسطس 2009

علاقاتنا بمصر أحقاً أزلية ؟ أم غش بالفشفاش

علاقاتنا بمصر أحقاً أزلية ؟ أم غش بالفشفاش
(نزعته الرقابة)
عقيد ركن (م) إسماعيل البشارى زين العابدين
احتدم الصراع وتضاربت التصريحات في الآونة الأخيرة بشأن مياه النيل والتي أراها نذراً يسيراً من إرهاصات الحروب القادمة وأولاها المياه بلا منازع!! وبحثت فلم أجد سوى التقرير السنوي للعام 1960م 1961م الخاص بالهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل. وهذه الهيئة بين مصر والسودان بمحضر توقيعها والبروتوكول الخاص بها ولها اتفاق للانتفاع الكامل بمياه النيل وهذا الاتفاق تم توقيعه في 8/11/1959م بين السودان ومصر أيضاً والتقرير الذي أشرت إليه وليد ذلك الاتفاق ، ويبقي من المهم أن نعلم أن هنالك اتفاقية لمياه النيل تم التوقيع عليها في سنة 1929م ولا أدري من وقعها وما هي الأطراف وهل يجوز إبرام اتفاق مع شخص غير كامل الأهلية أو بالأصح لا يملك قراره !!؟ وفي صدر التقرير الأول هذا نقرأ من مقدمته :وقد كان هذا الاتفاق عبارة عن طيبة عبرت بها الجمهوريتان عن شعورهما بالأخاء الصادق وعن رعايتهما للروابط الأبدية التي تربط بينهما وفي قمتها النيل الخالد ، فليس غيره أخلق بأن تلتقي عنده كلمتهما ، وأن تلتف حوله الخناصر منهما . نكتفي بهذا ونعتقد أن هذا التعبير الوارد هو عين الحقيقة وعلينا ألا نغوص في المثالية والتعبيرات الهلامية كالعلاقات الأزلية فهذا تعبير موغل " في الطيبة" والسذاجة وعلى الذين يتاجرون بالمواقف التوقف برهة والرجوع إلى هذه الصفحات من التاريخ علهم يستعيدون رشدهم فالروابط بيننا ومصر منذ الفراعنة حتى استكشاف منابع النيل على قمتها هذا النهر الخالد كما قالت المقدمة وتقول الحقائق والوثائق ،" وأن ليس غيره أخلق بأن تلتقي عنده كلمتنا " هكذا وردت وعلينا أن نفهمها ونقبلها ونتعامل بها ومعها هذه الألفاظ وفق ما وردت به من صياغة وقد تمت دراسة المنابع والمصادر والروافد وكل سنتمتر يصب في هذا المجرى تمت الإشارة إليه وشملته دراسة علمية وافية لم ولن تتوفر لأجهزتنا السياسية حتى اليوم وكنا نعتقد إن معلومات بهذا الكم لو تم التعامل معها بطريقة علمية ووقف على قمتها جهاز تنفيذي قوى الإرادة لأغنانا عما بأيدي سوانا ولو تم نشرها على العامة لعلم الجميع أن مقولة " السودان سلة غذاء العالم " هي حقيقة ولكن تري من يسعى لجعل هذه الحقيقة أقرب إلى الخيال ؟! نحن أم هنالك أيدي خفية ؟! ولماذا ؟! ففي مشروعات ضبط النهر وتوزيع فوائدها بين الجمهوريتين كما ورد بالتقرير نجد : توافق الجمهوريتان – أي مصر والسودان – على أن تنشيء الجمهورية العربية المتحدة –خزان السد العالي عند أسوان كأول حلقة من سلسلة مشروعات التخزين المستمر على النيل . أما بشأن السودان في البند (2) من مشروعات الضبط يقول : ولتمكين السودان من استغلال نصيبه توافق الجمهوريتان على أن تنشيء جمهورية السودان خزان الروصيرص على النيل الأزرق وأي أعمال أخري تراها جمهورية السودان لازمة لاستغلال نصيبها . ومن الملاحظ أن الاتفاقية إن صح التعبير تتحدث عن النيل وهو يبدأ من الخرطوم بعد المقرن مباشرة ويتجه شمالاً أما ما عداه فتلك أنهر وروافد تمت الإشارة إليها وإحصائها مسبقاً فكيف يكون لمصر إقامة خزان السد العالي على النيل الرئيسي بينما تمكين السودان يكون على رافد من روافده المكونة ولمصر تخزين ولنا استغلال نصيب أم استغلالنا نحن !! وإذا كانت هنالك دول منبع فنحن دولة مجرى وأطول مجرى ومصر دولة مصب ولدينا العديد من الروافد بالاستوائية وبحر الغزال فلماذا يكون نصيب مصر 48 مليار من الأمتار المكعبة ونصيبنا 4 فقط كحقوق مكتسبة حاضرة كما جاء بالباب الأول في اتفاق الانتفاع الكامل بمياه النيل وليس النيلين الأزرق والأبيض كل على حده ؟! ثم إن تخزين مصر المائي خصماً على أرض سودانية وتهجير لمواطن سوداني باقتلاعه من جذوره ويقيني أن أولئك القوم قد ذرفوا الدموع دماً !!! ماذا جني السودان من تلك الاتفاقية والتي تتحدث عن النيل وتفصل لنا فرعاً منه كحق؟! للأسف الشديد كانت قيمة حلفا الأرض وحلفا التاريخ والوطن 15 خمسة عشر مليون جنيه مصري ، حشفاً وسؤ كيلة حتى هذا المبلغ الزهيد كان على أربعة أقساط سنوية على التوالي 3، 4 ، 4 ، 4 ويشير التقرير لهذا المبلغ باعتباره تعويضاً !! أهو للأرض أم للمواطن أم الوطن كما أسلفت لا أدري وعلى أي أساس تم حساب هذه الكمية ؟؟ ، عموماً بيعت حلفا بالأقساط " أو بالقل " كما يقول جوكية هذا الزمان ولو كان التوليد الكهربائي على السد قدم كهرباء للولاية الشمالية حتى حدودها مع الخرطوم كنوع من التعويض لاعتبرناه أمراً مقدراً ولكنه لم يحدث . نعم أخطأ أولئك وكانوا " أكثر الناس طيبة " فهل يجوز لنا أن نخطئ مثلهم ؟! علينا أن نعلم بأن هذا " النهر " هو قمة العلاقة وليس غيره " أخلق" بأن تلتقي عنده الكلمة !! السابقون اخطأوا ولكنهم دونوا في محاضرهم الحقائق الحقة والمغلوطة وعلينا ألا ننساق وراء العواطف ويجبرنا الغير على خوض معاركه وقد قلت في غير هذا المقال أن المياه ستجرنا لصدام مسلح! لماذا لا يعاد حساب إيراد كل النهر عند نقطة معينة وإيجاد معامل حسابي يعطي كل ذي حقٍ حقه ؟ فالعالم به العديد من الأمثلة وهنالك هيئات ومنظمات مختصة في هذا المجال لماذا لا تستشار ونأخذ برأيها فقد لجأنا لها في العديد من المواقف !! ولماذا يكون موقفنا مع مصر دون توضيح للأسباب وما هي الفوائد التي تعود علينا والمضار إذا لم نقف هذا الموقف وماذا نخسر وما هي مطالب دول المنبع؟. إن المواقف المرتبطة بمصائر الشعوب أو الأمور الإستراتيجية في شأن أمة بأكملها يجب ألا تحكمها العواطف بل المصالح المشتركة ، الآنية والمستقبلية والمكاسب الآنية إن كانت لها تداعيات مدمرة في المستقبل يجب الوقوف ضدها بصلابة ، ليس من الحكمة أن تكون لنظام مثلاً مصلحة مع جهة ما فيرهن بعض المواقف التاريخية لها مهما كانت التضحيات ، فالأنظمة لزوال وستبقي الأوطان والشعوب والتاريخ وذاكرته التي لا تبلي لا يعقل أن يكون موقفنا منسجماً متحداً مع مصر بل ومتفقاً في (المتغير) وهو الماء ويظل اختلافنا تحت الإصرار المصري في الثابت وهو الأرض (حلايب) والمؤسف حقاً أن تكون الخريطة المرفقة في التقرير السنوى المشار إليه موضحاً بها تبعية حلايب لمصر!! وأخيراً نوجه سؤالنا لكل الجهات ذات الصلة لماذا لا يتم التحقيق في أمر " موت " مشروع الجزيرة هذا العملاق المسموم ؟ ألا يمكن أن يتعالج من دائه العضال هذا؟ ومن المستفيد من هذا الموقف ؟ وهل الخصخصة علاج أم إضافة للداء ؟ أري أن علاقاتنا مع كل العالم يجب أن تحكمها المصالح لا أن يغشونا بالفشفاش باعتباره كبد ويلوذ الآخر بالكبد الحقيقي مدعياً أنه نوع من الإيثار ويا سلااااااااام ... ع الطيبة ... وكفي