الأربعاء، 10 يونيو 2009

دارفور العصية والعقلية الأمنية(1)..حذفته الرقابة الامنية من النسخة الورقية


دارفور العصية والعقلية الأمنية(1)..حذفته الرقابة الامنية من النسخة الورقية


عبد الوهاب الأنصاري
تقديم:
الخلفية التاريخية، والموقع الجيوسياسي، والجيوديمغرافي، مع دول الجوار ـ ليبيا ـ تشاد ـ افريقيا الوسطى، مع عدم الاستقرار السياسي الذي لازم هذه الدول، اضافة لقلة الموارد الطبيعية داخل الاقليم المنكوب نفسه. مما حتم صراع الموارد؛ بسبب التهميش والاهمال التاريخي من قبل حكومات المركز المتعاقبة. وحجر الزاوية في استفحال الأزمة حتى باتت كارثة بحق وحقيقة: هو اننا ومنذ بزوغ فجر الاستقلال لم نواجه المشكلة التي نعانيها بحزم وجدية، ولم نطرح هويتنا وتراثنا السودانوي طرحاً تاريخياً جدلياً، ولم نكتشف أسس وحدته وثراء تنوعه التاريخي والمعاصر، ولم ننقب في تراكماته الكَمَّية، وتغييراته الكيفية.
وبالتالي لم نتعرف عليه بفعل مناهج سياسية، اعلامية، تعليمية، ثقافية صماء ومتحجرة، ومشاريع استعلائية، وهيمنة بصلف وجبروت القوة لا الحق، من المركز. وعليه لم نلم ونتعرف على ما يمكن ان يشكل لنا عناصر التحدي اللازمة والمتلازمة، لمواجهة ميلاد الأمة السودانية (Nation State) ومن وراء أنف الفضاءات الممتدة سطعت رؤية القائد الفذ، والمناضل الحاضر، والسياسي المفكر، د ـ جون قرنق دي مبيور، الذي نحت بأظافره محارباً من أجل بناء وحدة سوادنية، على أسس جديدة وطوعية. وحتحت الصخر لينطق التاريخ ويوثق في ذاكرة الأمة رؤية لسودان جديد، وبمفاهيم جديدة، تعالج التهميش السياسي والاقتصادي والتنموي والجهوي. بحيث يكون وطناً يسع كل شعوبه من (حلفا لنمولي ومن طوكر للجنينة) وبشكل طوعي.. فالتحية له وهو يحتضن معشوقته الأرض مؤطراً كل العلاقة معها.
مقدمة.
تحمل سكان ـ اقليم دارفورـ عبء تسديد الفاتورة كاملة. "تقتيلاً، واغتصابا،ً وتشرداً في معسكرات اللجوء. وافقاراً واضطهاداً. ثمناً لهذا التداخل البالغ التعقيد. وديمغرافياً مع دول الجوار، أضف الى ذلك الجغرافية الطبيعية لأرض منبسطة خالية من الموانع الطبيعية، مع هذه الدول المجاوره، الفاقدة أصلاً للاستقرار السياسي. وما شهدته تلك الدول من أحداث وصراع شرس وضار نحو مركز السلطة فيها. مع ملاحظة التداخل الاثني المشار اليه أعلاه، والمعقد. (الصراع الليبي ـ التشادي) وصراع الأخوة الاعداء (التشادي التشادي) وكانت أرض دارفور هي المسرح لكل الأحداث. وهي القاعدة للوثبة والانطلاق نحو مركز السلطة، وسدة الحكم. وفي نفس الوقت هي الملجأ الآمن والملاذ للمنسحب المهزوم، ليعيد الكرة للانقضاض على الخصم بعد الارتكاز، واعادة رص الصفوف بعد تجميعها (معارك "حبري/دبي) منطقة ـ كتم ـ معسكرات ابن عمر، في وادي ، ومنطقة ـ الردوم ـ في الحدود مع افريقيا الوسطى. وبالتالي تدفق السلاح بجميع أشكاله وأنواعه، وسهل امتلاكه لانسان بطبيعته مقاتل وشرس، ويمتلك مواهب ومهارات قتالية عالية، وإرثاً ثقافياً ممزوجاً بتلك الجدية العالية الهمة، والطيبة السودانية، نواة تشكل الامَّة، وقبول الآخر. هذه هي السمات الشخصية لهذا الانسان الرائع، والتي كانت تشكل سياجاً منيعاً للتعايش السلمي المثالي وتقبل الآخر، لكافة الاثنيات المكونة لاقليم دارفور. ومتعايشة عبر تاريح ضارب في الجذور، وتملك تراكم تجارب اورثت انسانه الحكمة، وعلمته الحذر، واكسبته الخبرة.
الانقاذ [ فرق تسد] وصلف المركز:
ـ
محاولات رتق النسيج الاجتماعي للاقليم (مؤتمرات، مصالحات، مبادرات..ألخ):
منذ فجر الاستقلال وبرزغ شمس الحرية في الفاتح من يناير 1956م كانت محاولات رتق النسيج الاجتماعي وبناء الروابط الاجتماعية في مؤتمرات الصلح والتوفيق بين القبائل القاطنة لوضع حجر الزاوية لاستقرار اجتماعي منشود عقده في الفترة من العام 1956م ولغاية ابريل 1989 ـ أي قبل مجئ انقلاب الانقاذ للحكم بحوالي ثلاثة أشهر ـ أكثر من عشرة مؤتمرات صلح آخرها في ابريل 1989م في حاضرة الاقليم الفاشر آنذاك قبل تقسيم دارفور من قبل الانقاذ لثلاث ولايات بحيلة متقنة قصد منها ضرب التماسك الوجداني لشعب دارفور وتفتيت وحدته، وللتاريخ والحقيقة حتى ذلك التاريخ أي (ابريل 1989م) مؤتمر الفاشر كانت السيطرة والاستقرار النسبي بكارزما الادارات الأهلية والتي كانت تمثل عظم الظهر لنجاح مؤتمرات الصلح والتوفيق.. وفقاً للأعراف والتقاليد المرعية الراخسة والتي مكنتها من ايجاد حلول مرضية وممكنة ومقنعة لحد ما في قضايا القتل والاتلاف وغيرها مثل (الرواكيب ـ الديات ـ التعويضات).
ساقية انتاج الكارثة ومؤتمرات صلح (الانقاذ):
قامت حكومة (الانقاذ) باقامة ستة مؤتمرات صلح مؤسسة جميعها على العقلية الأمنية لا السياسية لمشكل في الأصل هو سياسي ـ اجتماعي ـ اقتصادي ـ تنموي قتعمقت الفتنة وغرست حصرم البغضاء بين سكان الاقليم بوهم الحسم العسكري بعيد المنال وفي كل مرة تعيد استنساخ سيناريوهات سابقة ومستحدثة بمنهج (هيبة الدولة ـ فرض قوة الدولة ـ اظهار القوة..الخ) لتصبح الدولة وأجهزتها هي الأداة التي يستخدمها المركز لاضطهاد الهامش والا ما هو حصاد مؤتمرات الانقاذ الآتية الفاشر: يوليو 1989، كتم: اكتوبر 1994م، الجنينة: نوفمبر 1996م، الضعين: مارس 1997م، نيالا: مؤتمر الأمن الشامل ديسمبر 1997م. نتيجة كل هذه المؤتمرات وآخرها مبادرة أهل السودان بكنانة وهي تظاهرة تمثل وجهاً أحادياً هو أهل السلطان والمتوالين معه والمتراضين والتي تحمل بذرة فشلها في جوفها تحليلاً منطقياً في غياب الحركات الحاملة للسلاح وهي طرف في أصل الصراع فلا يستقيم ان نصل الى حلول في غياب أحد الأطراف الأممية. لذا تظل مثل هذه المحاولات ما هي الا (ساقية جحا تشيل من البحر وتدي البحر). وها هي النتائج على الأرض تفصح والشرر يتطاير فقد رمت الانقاذ في بداية عهدها بأغلظ غلاتها آنذاك العميد/ الطيب ابراهيم محمد خير (سيخة) أحد حكامها في سنوات البطش والقمع والتي ما انفكت قائمة وظلت سنة قائمة حتى احداث معسكر (كلمة) الأخير 2008م والتي أزهقت فيها الانفس وانتقصت الثمرات.
أهم مؤتمرات الانقاذ كان مؤتمر الآمن الشامل والذي استخلص توصياته وأجمل مفردات المشاكل في النقاط التالية والتي سريعاً ما طرحت جانباً بعد أن سودت بها وريقات المؤتمر كالعادة واضحت تظاهرة سياسية اعلامية.
- احترام الحق التاريخي للقبائل في حواكيرها.
- احترام الأعراف القبلية في الاستضافة او الاستجارة لقبيلة او عشيرة أخرى.
- اضافة لخلاصة اتفاقية عام 1980م من مخاطر انشاء كيانات ادارية جديدة دون مراعاة النزاع على ملكية الأرض.
- مخاطر شطر أو تجزئة ادارات أهلية معارضة وفرض ادارات اهلية موالية.
- مراعاة الأعراف القبلية.
- الالتزام بسداد الديات والتعويضات.
- مخاطر التمييز بين القبائل في جمع السلاح أو توزيعه.
هذه هي مفردات وقائع الأزمة ومحضر الواقعة وجدلية التناقض مع حماية المصالح والتحليل المنطقي والنتائج الكارثة الماثلة الآن تمثل عقلية (الانقاذ) في كيفية ادارة الأزمة المتلازمة للدولة السودانية ودورة الفشل في تكرار التجارب التي لا تورث حكمة وتعيد نفسها وتخرج من رحمها الفشل كـ(D.N.A) متوراث لنخب ساسة المركز الذي تجلى وبلغ أشده في عهد (الانقاذ) وأوصل الوطن حافة الكارثة والشتات وتناسل الأزمات حتى بلغت سقف العالم مجلس الأمن وعواصم الدنيا ـ انجمينا ـ طرابلس ـ أبوجا ثم جاء دور الدوحة علها تفي.
روما تحترق بأيدي سودانية:
بأيدي سودانية مصنوعة بمنهج وفقاً لمشروع أعد بمهارة بهدف الانقضاض على الهامش ونهب ثرواته بأنامل وعيني قط بري وتطلعات مستندة على واقع مجتمعات أخرى مختلفة عبر تبني أجندتها تعمقت الأزمة وها هي روما تحترق وأصبحت مفردات الابادة الجماعية ـ التطهير العرقي ـ انعدام العدالة ـ الشك في مهنية القضاء وحيدته ـ عدم جدية الحكومة في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ـ الاغتصاب.
الجنجويد الاثني والعقائدي المؤدلج والمسيس والمنظم ـ تصك الآذان وتصدم البصر فالمشاهد المقززة عبر شاشات القنوات الفضائية والعمالية عبر التلفاز والتي تنقل مناظر حية لأبشع كارثة انسانية في العصر الحديث على حد تعبير السيد/ كوفي عنان الأمين السابق للأمم المتحدة وبالتالي اصبحت مأساة انسانية مدولة بامتياز.
وتظل معها مفردات اللغة عاجزة عن الوصف رغم ثرائها لعيب فيناً قطعاً في وصف ظلم الانسان لأخيه وبني لجلدته كماركة انقاذية مسجلة بامتياز انتجتها عقلية المؤتمر الوطني الفكرية بجدارة وفقاً لثوابتها، وشوكتها، وجنجويدها، الاثني والسياسي والمؤدلج والمنظم، وقسمها المثلث والمغلظ، ومؤتمرات المداقرات لأهل السلطان والصولجان والتوالي والتراضي. كل هذا في لقطات تناقلتها أجهزة ووسائط الاعلام المشاهدة والمسموعة.. صدم .. وذهل أهل كوكب (الأرض) ودهش البعض فكان لابد للمكون الاخلاقي والضمير الحي المرتكز والمستمد من شريعة السماء وقوانين الأرض والحق الانساني وآليات العدالة الأممية وقواعد القانون الدولي الانساني ان يتدخل وتوالت القرارات الاممية وكان أخطرها 1593م الصادر من مجلس الأمن وتحت الفصل السابع والذي بموجبه تمت احالة الانتهاكات التي حدثت في الاقليم لمدعي المحكمة الجنائية الدولية في (لاهاي) والذي أصدر بموجب هذه الاحالة أوامر قبض ضد الوزير/ احمد هارون وأحد قادة المليشيات علي عبد الرحمن (كوشيب) تم طلب أخيراً اصدار أمر توقيف آخر ضد الرئيس عمر حسن احمد البشير نفسه في سابقة لم تخطر على بال بل هي الأولى من نوعها.
وتوالت القرارات وطاش صواب (المنتفذين) في الانقاذ ولاحت شخوص الكارثة ومكوناتها والتي حبكت بصنعة، التمييز بين القبائل في جمع السلاح وتوزيعه بعض أفراد القوات النظامية يشاركون مع قبائلهم في القتال القبلي بمباركة ومشاركة الدولة ورسم الخطط العسكرية، الأسلحة التي يعود بها ما سمي (بالمجاهدين) من أرض القتال المؤدلج في الجنوب (غنيمة)، (فئ) مما أضعف نفوذ الادارة الأهلية التاريخي صمام أمان السلم الاجتماعي التقليدي ثم تسييسها، وابتداع البيعة للانقاذ باسم القبيلة لحماية مصالح (الانقاذ) وتوترت الاجواء بممارسات حكام الاقليم وولاته بمكأفاة القبائل الموالية للنظام بمنحها النظارة أو المحافظة في مناطق ادارية تتبع تاريخياً لحواكير أخرى (أمراء في دار مساليت ـ محافظة عديلة وتداعياتها ومآلاتها "عديلة بتبقى عوجة" شعارات قيادات وكوادر الانقاذ الخاوية وهي متوهمة بنشوة نصر لفجر كاذب).
(كل الأرض ملك الدولة وللدولة الحق في أن تعيد توزيعها لتحقيق العدالة المتوهمة والمجروحة ـ الأرض لمن يفلحها) دون تعمق وتفكر وتدبر في البعد الثقافي والواقع الاجتماعي للاقليم والأعراف السائدة والراسخة عندهم ضف الى ذلك الصخب والتظاهرات السياسية والاعلامية الممزوجة بالقبضة الأمنية وحالات الطوارئ وحظر التجوال والقوانين الاستثنائية وانشاء آليات القهر والتسلط بصلاحيات سيادية لغرض ما سمي بضبط الأمن وفرض الأمن، وهيبة الدولة وغيرها من المترادفات لعدة مرات في الاقليم المنكوب في محاولات يائسة للسيطرة الاحادية على الاقليم الثائر ضد المركز والعصي الاخضاع بامتلاكه لحيثيات ودفوع قوية للقضية.
توهجت وتوهمت عقلية الانقاذ وحزبها الحاكم المؤتمر الوطني في انها ستعيد صياغة وهندسة وبناء انسان دارفور وانشائه وفق ما تهوى وتنظم نسيجه الاجتماعي وأعرافه وتقاليده حسب قوالب (المشروع الحضاري) المفترى فيها على مفردة (حضارة) لحماية مصالحهم الاحتكارية بقبضتهم الأمنية وتقوية استلاب وسيطرة المركز في جهل فاضح وعدم دراية وقراءة لجغرافية وتاريخ الاقليم الثائر العصي على الترويض.
فاقليم دارفور بمكوناته البشرية المميزة وحراكه السياسي كان دائماً طليعياً وذا علاقة وثيقة بمكوناته الاجتماعية بعضها البعض وفي مشاركته على مستوى الاحداث الوطنية القومية ويمكن متابعة ذلك من خلال ان لم تخضع دارفور للحكم التركي المصري دولة محمد علي باشا 1821م في السودان الا في العام 1874م بعد معركة (منواشي) والتي قادها تاجر الرقيق الزبير ود رحمة وكانت لحساب الحكم التركي ثم لم ينضم الاقليم للحكم الانجليزي المصري 1898 الا في العام 1916م عند استشهاد السلطان علي دينار آخر سلاطين مملكة الفور 1916م في معركة (دم جمد) ثم الانضمام وبشكل طوعي لسلطنة المساليت، بموجب اتفاقية قيلاني 1919م ثم على المستوى القومي الوطني ثورة الفكي السحيني نيالا 1922م وحرق العلم الانجليزي بالفاشر ثم جاء دور المتعلمين من ابناء الاقليم ولعبوا دوراً جوهرياً في التوعية والاستنارة عندما كونوا جبهة نهضة دارفور في العام 1964م والتي أضحت معلماً مهماً في مسيرة التطور والحراك السياسي والمدني والمجتمعي لابناء اقليم دارفور في المستقبل وآفاقه ومآلاته.