الخميس، 25 يونيو 2009

مستقبل السودان أهم من مستقبل البشير




مستقبل السودان أهم من مستقبل البشير
صلاح شعيب
ممنوع من النشر بامر الرقيب الأمني

الآن وصلت بنا سياسة الديكتاتورية وحدها إلى هذا الدرك الأسفل وسط العالمين وإستحق البشير بجدارة أن يقع في شرك القضاء الدولي. ولا بد أن تدفع الحكومة الثمن، ولا بد للأحزاب المعارضة جميعها أن تتحمل مسؤولية مهادنة الديكتاتورية والضحك معها في بيوت الأفراح في شكل من أشكال التطبيع الإجتماعي الذي وظفته الإنقاذ لإستمراريتها. قادة الأحزاب لا يحتاجون لأن يذكرهم أحد أن سياسة رجل في الحكومة وأخرى في المعارضة لا تبني وطنا في ظروف كهذه، ولا يحتاجون أيضا لأن يدركوا خطورة الوضع وإذا لم تقم السلطة بتسوية أمرها مع الشعب والعالم، وإذا لم يكن قادة الأحزاب وجمهرة المثقفين في المستوى المطلوب لقراءة الظروف المحيطة بالسودان والإلتفات إلى تكوين جسم سياسي قومي للتعامل بجدية مع الأزمة الوطنية التي وصلت إلى ذروتها فإن تفكك السودان سيصير قاب قوسين أو أدنى.



لا شك أن حاضر ومستقبل البشير اصبح بلا فاعلية في تحقيق الإستقرار للبلاد وعليه أن يفدي بلاده وتنظيمه ويذهب إلى لاهاي ليواجه بنفسه مصيره، فهو المسؤول الأول الذي ظل يناور ويلتف حول المستحقات الوطنية، ولكنه لم يكن ليدري أنه يضيق في كل مناورة للغش الحبل على رقبته، ويحقق الإحراج لمواطنيه. إنه، بخلاف مسؤوليته عن العار الذي جلبه لتاريخ البلاد، ساهم في الآتي:



1ـ حطم بسياسة التمكين المتحقق النسبي من النسيج الإجتماعي وقاد البلاد إلى طريق الإثنية، في المركز ودارفور، ظنا منه أن ذلك هو الطريق الوحيد الذي يساعد في تدعيم سلطته. بل واصبح البشير في تصريحاته ضد العالم كمن أفلس كرئيس دولة، والعقلاء في الحكومة والمعارضة يدركون أن لا بد أن يكون لهذه التصريحات ثمنا باهظا، ولا بد لصمتهم عن سياسة البشير من عار على جبينهم.



2ـ أحاط نفسه بأسوأ الوزراء الذين لا يدركون خطورة ما أتوا بها من سياسات، وظلوا يقدمون في كل خطواتهم مصلحة تنظيم المؤتمر الوطني وليس السودان، وبخلاف ذلك ظنوا أن تصريحاتهم لتخويف أهل البلد هو السبيل الوحيد للنجاة من مأزق المحكمة الجنائية، وما التصريح الأخير لصلاح غوش إلا الرعونة والغباء وعدم الكياسة والتطرف، وإتضح أن الأهم لصلاح غوش في المقام الأول التصريح بتقطيع أوصال مواطنيه قبل مجابهة المجتمع الدولي. أما بقية الوزراء من أمثال نافع وعبد الرحيم محمد حسين فقد أنتجوا دبلوماسية جديدة في التعامل مع المكون الوطني والعالمي وظلت تصريحاتهم العنترية الكاذبة ليست سوى سبب لجلب المزيد من المتاعب لمن وزرهم ولمواطنينهم المغلوب على أمرهم. الشئ الآخر أنه قد إختلط الحابل بالنابل في مسألة التصريحات الصحفية حول ما يتعلق بالأمر الخارجي وصار للحكومة أكثر من عشرة متحدثين رسميين وغير رسميين، وهذا أضعف إهمية وجود وزير خارجية أو دبلوماسية تتعامل مع العالم وفق الأعراف المتبعة، ومهما كان الموقف المناقض للمحكمة الدولية فإن الإكثار من كل انواع الشتائم نحو أوكامبو (الموظف الدولي) ليس هو الطريق المثلى، وإذا كانت الشتائم توجه صباحا ومساء لمجلس الأمن فالمسألة يمكن أن تكون مبلوعة ولكن أن يصبح أوكامبو هو القضية الأساسية بينما يتلاقى الرئيس ضاحكا مع الدبلوماسيين الأممين الذين حولوا سلطاتهم إلى أوكامبو فذلك ما يدعو للسخرية. الأكثر من ذلك أن عبد الباسط سبدرات ترك مهمته كوزير وصار هو الذي يجيب على أسئلة الصحفيين الأجانب. لقد غابت الدبلوماسية وأصبح الحماس في إثبات الولاء للدايرة الضيقة هو السبيل للدفاع عن البشير ومحاشاة العار لتاريخ البلاد، ولكن الحماس وحده لم يكن يوما معينا في هذه القضايا الدولية ألم يسعفنا التاريخ القريب في المنطقة من الإعتبار؟.
3ـ راهن البشير بغباء لا مثيل له على الرؤساء العرب والأفارقة لفك ورطته وأثناء ذلك قاده المستشارون إلى التورط في الخلافات العربية ووقف مع معسكر (حماس وحزب الله وسوريا) ويدرك البشير تماما أن رؤساء المعسكر الآخر هم الذين يتم الإعتماد عليهم لتخليصه من الجنائية، وعبر ذلك خلق جفوة في العلاقة مع مصر ما إضطرت صحيفة الإهرام أن تهاجمه وتصفه أنه مطلوب القبض عليه من دول العالم.


4ـ ظن البشير أن سياسة دعم الجنجويد عبر إستيعابهم في الجيش حتى بعد تحقيق أبوجا هو السياسة التي تقنع الناس والعالم بأنه سعى لتسريحهم، كما عمل من خلال وكلاء حكوميين في المركز ودارفور على إتباع سياسة تمزيق الحركات المسلحة كسبيل وحيد لحل قضية دارفور، وهي سياسة مستندة على الإنتصار الوقتي الذي حققه في أبوجا بتمزيق حركة تحرير السودان إلى جناحين، جناح وقع معه الإتفاقية وفشلت أبوجا كنتيجة حتمية لسياسة غير جادة لحل المشكلة من جذورها، بل وساهم تجاهل تنفيذ بنود الإتفاقية في إضعاف شريكه مناوي في المركز والميدان، وتلك المحصلة أغرت الحركات الأخرى في الإبتعاد عن التفاوض مع الحكومة، وبالتالي عادت هذه الحركات أكثر قوة وكادت أن تطيح بحكومة البشير إبان دخول حركة العدل والمساواة إلى أمدرمان، وبدلا من الاستفادة من الفرصة الأخيرة التي لاحت عبر ما يسمى بمبادرة أهل السودان، وإعطاء الأحزاب فرصة حقيقية للمساهمة في حل المشكلة، أصر البشير أن تمارس سياسته التغبيش والغش وإظهار المبادرة بأنها جهد كل السودانيين، بينما ظل حزبه هو الذي يحرك آلياتها ويحدد شروط الحل ما أدى ذلك إلى تصريح الصادق المهدي بأن صقور النظام خطفوا إتفاقية التراضي. فضلا عن ذلك أن الطريقة التي تم بها الإعلان والتخطيط للمبادرة أدت إلى عدم مشاركة المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي وممثلين للحركات المسلحة التي لم توقع على أبوجا. والمؤلم أكثر أن البشير وزمرته لم يستجيبوا للأصوات الوطنية الحادبة بإعطائها فرصة لحل مشكلة دارفور وأصبح بحث نظام البشير عن وسطاء من الخارج وسماسرة سياسة في عواصم عربية وأفريقية ودولية هو السبيل الوحيد لحل المشكلة، ومع ذلم لم يجن النظام حلا قد ترك مؤشراته وفرصه في الخرطوم ووسط الغيويرين من أبناء السودان.



إن القضية التي تواجه السودانيين جميعا لا تحتاج إلى التعامل العاطفي أو مسك العصا من النصف أو الإنسحاب عن تسجيل المواقف الشجاعة التي يتطلبها حبنا لبلادنا، وقوفا مع النظام المتهالك ورئيسه أو إتخاذ مواقف ضدهما. إن تهاوننا أجمعين لترك هذه السلطة الغاشمة لقيادة البلد أفرز هذه النتيجة المنطقية التي أصبحنا في يوم الرابع من مارس لنجدها أمامنا، فلا بد لـلهــ(1)ــوس الديني أن يثمر عن فشل وطن لا تسامحه، ولا بد لـلديـ(2)ــكتاتورية أن تحصد الشوك لا العنب، ولا بد للفكر الإثنـ(3)ــــي أن يقود الناس للتمترس مع عاطفتها لا عقلانيتها، ولا بد لسياسة المـ(4)ـراوغة الحزبية أن تجني لصاحبها قدرا من الإهانة ولأهله نوعا من الإحباط، ولا بد لمـ(5)ـهادنة القادة والمواطنين لمثل هذه السياسات التي تضخها الديكتاتورية أن تملكهم نوعا من الإحباط وإشانة السمعة لوطنهم بين العالمين. ومع ذلك فإن هناك فرصة لكل عقلاء السودان أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية وأن يوقفوا هذه الديكتاتورية البشعة التي أتت ببيوت الأشباح وسياسة الصالح العام وتمزيق الخدمة العامة وتدعيم أسس الفساد بكل أنواعه وقتل المواطنين وحرق القرى وإغتصاب الفتيات وتهجير المواطنين غصبا عنهم إلى الصقيع.