الأربعاء، 10 يونيو 2009

مستشار لشئون التنفيس ! (لم ينشر)




الفاتح يوسف جبرا


لم يدر بخلدى يوماً أن أصير مسئولاً فأنا لا أحب ان أكون مسئولاً عن أحد لعلمى بأن ذلك سيوردنى مورد التهلكة يوم لا ينفع مال ولا بنون ولعهد قريب جداً كنت أتعجب لأولئك الذين هم مسئولون عن الأف (البشر) بل والملايين منهم ، حتى تم أختيارى مؤخراً

وبعد كمية من الإستجداءآت و(كسير التلج) للمسئولين ، مستشاراً لشئون التنفيس لأنضم إلى قبيلة المستشارين بالبلاد ! ولم يكن ذلك إلا لعلمى بأن ذلك المنصب (ما فيهو مسئولية) بمعنى أننى لن أكون مسئولاً عن أى شخص يعنى (إستشارات تنفيسية ساااكت وكده) !- شوف يا استاذ .. بعد الإطلاع على كل مقالاتك الإنت كتبتها سوى فى الصحف أو من خلال موقعك على الإنترنت ومن خلال دراسة قمنا بيها لقينا إنو لازم نستعين بيك كمستشار (للتنفيس) !- كيف يعنى سعادتك ما فاهم !- أيواا أفهمك يا أستاذ … بتعرف حلة (البرستو)؟- (فى تعجب) : أيواا مش الحلة بتاعت (الضغط) البعملو فيها الأكل دى !- (مبتسماً) : عليك نووور بس ياها ذاااتا- وده دخلو شنو فى مقالاتى سعادتك- أنا ح أفهمك براحة براحه بس طول ليا بالك- كويس- شوف يا أستاذ أى شعب فى الدنيا عشان حكومتو تقدر تحكمو لازم (تنجضو) شويه عشان (يتسبك) ، فى حكومات (بتسلق) الشعوب وفى حكومات (بتقليها) وفى واحدين (بيشووها) لكن نحنا لقينا طريقة (البرستو) دى أحسن طريقه وبتسبك الحلة أقصد الشعب تسبيك تمام ! بس فيها مشكلة وااااحده !- اللى هيا شنو سعادتك- مشكلتا إنو الضغط لو زاد على الشعب الجوه الحلة ده ح ينفجر وبعدين ما يحلنا إلا الحلا بله !- طيب والضغط ده بتعملو ليهو شنوووو؟ يعنى بتتحاشوهو كيف؟- بالتنفيس … كلما الضغط يزيد نخلى الحلة أقصد الشعب يتنفس شويه !- يتنفس كيف يعنى ؟- أها بقى ده شغلك .. مال نحنا جايبنك (مستشار شئون تنفيس) ساااكت- أيوااا كده فهمت والله الزول مرات بيكون بليد جنس بلاده !! – مواصلاً- أها وح أمسك الشغل متين؟- قبل ما تمسك الشغل لازم تعرف إنو أى مسئول يتعين عندنا لازم يمشى (أكاديمية إعداد المسئولين) ياخد دورة (لمدة شهر) هناك حتين بعد داك يجى يؤدى (القسم) ويمسك وظيفتو !
فى صباح اليوم التالى وهو الموعد المقرر لبدء الدورة قمت قبل وقت كاف بإرتداء (بدلة العرس) الكحلية والكرافته (لسه ما أدونا بدل لبس) وجلست منتظراً العربة الحكومية الفارهه (ما خلاص بقينا مستشارين وكده) ! والتى ما أن توقفت أمام منزلنا المتواضع فى ذلك الحى الشعبى حتى إشرأبت رؤوس الجيران من خلف الأبواب تحمل نظرات الدهشة والإستغراب والتى إزدادت حينما نزل السائق وقام بفتح باب العربه الخلفى (لسعادتى) حتى أركب ! ، فى أحد المبانى الراقية المطلة على النيل توقف السائق أمام مبنى أنيق زينته لافتة كتب عليها بخط جميل (أكاديمية إعداد المسئولين) ، هممت بفتح باب العربة والنزول (ما ما متعود وكده) غير أن السائق كان قد قام بفتحة فى همة ورشاقه ، عبر البوابة الفخمة سرت فى طريق مرصوف بالبلاط الملون تحفه شجيرات قصت بعناية أوصلنى إلى صالة أنيقه يتوسطها مكتب يجلس عليه شاب صبوح الوجه أمامه جهاز (كمبيوتر) ما أن رآنى حتى هب واقفاً :- أهلا سعادة المستشار- مرحب بيك أهلن- الحقيقة سعادة عميد الأكاديمية منتظر سعادتك من قبيل .. إتفضلتقدمنى الشاب إلى باب خشبى ذو مقبض ذهبى قام بإدارته لأجد نفسى فى مكتب غاية فى الفخامة والأناقه وشخص أربعينى يهب واقفا مرحبا- مرحب بيك يا أستاذ … مرحب بيك سعادة المستشار ..- أهلن مرحب ..- الحقيقة ذى ما عارف سعادتك الأكاديمية دى وظيفتها إعداد (المسئولين) فى كافة المناحى عشان العمل (الحكومى) يكون فيهو (هارمونى) وماشى بى أسس واحده وكده !- لا جميل والله- لو تسمح سعادتك قبل ما المحاضرات ما تبدأ بس آخدك فى جوله كده أعرفك بمبانى الأكاديمية
المكتبة :فى حجرة المكتبة الأنيقه التى يلفها الصمت جلس بعض (المسئولين) هنا وهناك وهم يمسكون بالكتب يقرأون فى نهم ، وقد كانت بعض عناوين الكتب التى بين أيديهم :
- كيفية تعلم السلوك المتعالى للمسئولين وأصحاب المعالى- كيف تواجه الكوارث وأنت مبتسم- دليل الحيران فى الهروب من المواطن الغلبان- كيف تكون رجل أعمال ناجح ومسئول حكومى فى ذات الوقت- كيف تنشئ شركة داخل وزارة فى 3 ساعات- القول المشهود فى سفر الوفودعندما لاحظ مرافقى الدهشة على محياى وأنا أطالع عناوين الكتب سألنى :- مالك يا أستاذ مستغرب كده؟- لا ما مستغرب ولا حاجه بس يعنى كنت بفتكر ألاقى كتب ذى التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي- أو الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أو المواعظ لإبن الجوزي أو الـ……- (مقاطعا) : لا الحاجات دى المسئولين بتوعننا قروها زمااان وحافظنها صم .. وهسه ما بحتاجوا ليها ! – متخارجا من السؤال- يلا يا أستاذ نفرجك على باقى المبانى حقت الأكاديمية !
حجرة جمباز :عندما أدخلنى مرافقى إلى هذه الصالة خلت نفسى داخل أحد صالات الأنديةالرياضية ، عدد لا يستهان به من المعدات والآلات الرياضية كتلك التى يتم الإعلان عنها فى شاشات التلفزيون …- شوف يا استاذ نحنا عارفين إنو (العقل السليم) فى الجسم السليم وعشان المسئول عقلو يكون شغال كويس وقراراتو تكون سليمة لازم كمان جسمو يكون سليم ومعاف خاصة وإنو مسئوليننا بكترو من أكل (اللحوم) والدهون ودى فيها طبعن (كلسترول) كتير ولازم يتحرق ويكون الجسم ما فيهو شحوم ورشيق والمسئول أول ما يدقو ليهو (النار ولعت) يقوم ينطط ويهز ذى فرخ (الأسد) ! بدون ما يتعب أو نفسو يقوم !- لا والله تمام كمان فيها إعداد بدنى ورياضى- لا وإنت شفت حاجه يا أستاذ نحنا فى الأكاديميه هنا حتى المسئولين بنوريهم يلبسو كيف ومتين يشيلو عصاية الابنوس ومتين يشيلو عصاية المحلب ومتين يلبسو مركوب النمر ومتين يلبسو مركوب الأصلة – مواصلاً- يلاك يا استاذ نفرجك على قسم (الأزياء) !دلفنا ومرافقى إلى قاعة فسيحة مكبفة الهواء تنتشر فيها (مجسمات) لأشخاص (مسئولين) يرتدون أطقم مختلفة من (الزى الوطنى) شئ (رمادى) وشئ (سمنى) وشئ (بيجى) وشئ (أبيض ناصع) شئ (زبده) وشئ (سكروته) ، العمم جميعها (توتال سويسرى) غير أن الملافح تختلف فى أشكال (النقشة) المطرزة عليها وفى ألوانها كذلك كما تختلف أنواع (العصى) وألوانها وأطوالها وأشكال مقابضها فتلك ذات مقبض على هيئة (رأس ثعبان) وتلك على هيئة (رأس صقر) أما (المركيب) فهى من الجلد الطبيعى للنمور والثعابين بأنواعها المختلفة أما الساعات (السويسرية) فعلى حسب لون (الجلابيه) فالبيضاء ذات (ميناء أبيض) و(إستيك جلدى أسود) والبيج ذات مينا ذهبى و(كتينة) جلدية بنية أو (ميتال مذهبة) !- القسم ده عملناهو يا أستاذ عشان نحنا بنؤمن إنو (الجواب من عنوانو) وإنو المسئول الما بهتم بى مظهرو وأناقتو ما بهتم بقضايا المواطنين هسه لو عاينت يا أستاذ لأى مسئول ح تلاقيهو لابس واحده من (الطقوم) القدامك دى لأنو أختاروها لينا خبراء أزياء عالميين يعنى ما جات ساكت كده !- لكن أنا ملاحظ إنو كل المجسمات دى ملبسنها الساعة باليمين- ما لازم يا أستاذ باليمين عشان ما نتشبهه باليهود والنصارى والكفار البلبسو الساعه بالشمال !
محاضرات :بعد خروجى ومرافقى من صالة الأزياء أتجه نحونا ذلك الشاب الصبوح وهو يشبر إلى مبنى قريب منا وهو يقول :- يا أستاذ المحاضرات ح تبدأ عاوزنك- ده المبنى الفيهو قاعات المحاضرات أنا أسيبك يا أستاذ تمشى تخش المحاضرة وفى وكت تانى أفرجك على بقية مبانى الأكاديمية
أتجهت وأنا أحمل دفترى وقلمى إلى القاعه التى وجدت بداخلها عددا لا يتجاوز أصابع اليدين معاً من الطلاب (المسئولين) ، ألقيت عليهم التحية وجلست بينما كان المحاضر منهمكاً فى كتابه إسم الدرس الأول على (السبورة) وهو (فقه الأولويات)- طبعا يا جماعه إنتو ح تكونو مسئولين وكده وح تقابلكم (حاجات) كتيرة مفروض تنفذوها بس السؤال البفرض نفسو هو : شنو المفروض يتنفذ قبل التانى؟ يعنى البحكم قصت الأولوية شنو؟ يعنى بمعنى تانى شنو المعايير البنحدد بيها (الأولويات بتاعتنا) !- مواصلا- ممكن واحد فيكم يتكرم يجاوب؟- (1) : أنا بفتكر الأولوية بتحددها (الأهمية) بمعنى إنو كلما كانت الحاجه مهمة كلما كانت هى عندها أولويه- (2) : أنا بفتكر إنو الأولوية بتحددها (الحوجه) بمعنى كلما كانت الحاجه (محتاجين) ليها أكتر كلما كانت الأولويه ليها- (3) ممكن يا دكتور تدينا مثال؟- كويس لو فرضنا إنو عندنا أربعه مليون دولار نشترى بيها 250 مكنة بتاعت غسيل كلى وإلا نشترى بيها (يخت) ؟ ياتو العندو أولويه !- (الجميع) : طبعن مكنات غسيل كلى !- ليه؟- مش قلنا ليك يا دكتور إنو (الأهمية) و(الحوجه) هم البحددو (الأولويات) ؟- كلامكم صاح- وتيب !- بس فيهو حاجه واااحده غلط- اللى هيا- إنو (الأهمية والحوجه) دى بتحددهم (الحكومة) !
كانت تلك أولى المحاضرات والتى أعقبتها محاضرات أخرى فى عدد من المواد التى المختلفة التى شملت سايكلوجية (التطنيش) ، (فن التصريحات) ، (فرز العطاءآت) ، (فقه العقود) ، (فقه الإتفاقيات) ، (تجاهل الإشاعات) وأبواب لمواد أخرى لا يتسع المجال لذكرها .
توزيع الشهادات :بعد إنتهاء الدورة تم عقد (إمتحان) لنا ثم بعدها بأيام وفى إحتفال صغير حضره لفيف من كبار المسئولين تم توزيع الشهادات حيث ولدهشتى العارمة قد جئت (أول الدفعة) ، إنتهى الإحتفال وجدت السائق فى إنتظارى ، فى المسافة إلى المنزل سرحت بخيالى بعيداً تخيلتصورتى تحتل مكانها فى الصفحة الأولى وأنا أؤدى القسم وتحتها بالبنط العريض (الفاتح جبرا مستشاراً لشئون التنفيس) والتهانى تنهمر إنهمارأ شئ مسجات وشئ إيميلات وشئ مكالمات و(الحاقدون والحاسدون) وهم يهمهمون تحت تحت (إشتروهو … إشتروهو .. هو قايلنا ما عارفين) ، لم أفق من سرحانى هذا إلا والسائق يفتح لى باب العربة بعد أن وصلنا للمنزل الذى ما دخلت إليه حتى قابلتنى زوجتى قائلة :- فرحان على شنو؟- كيف ما أفرح جيت أول الدفعه وح أكون سعادة المستشار وإنتى ح تكونى زوجة سعاده المستشار !- (فى برود) : ما ظنيت !- كيفن ما ظنيتى يعنى؟- ما سمعت الرادى ؟ شالوك هسه فى نشرة تسعه !!- (بدون تفكير) : معقول ؟ يشيلونى كيف وأنا لسه ما سافرت ماليزيا !