الأربعاء، 10 يونيو 2009

مقال مكي علي بلايل.... حذفته الرقابة الامنية



مقال مكي علي بلايل حذفته الرقابة الامنية


ودونما تشكيك في حسن نوايا الكثيرين ممن إشترك في فعاليات الملتقى فقد كانت خيبة المسعى واضحة لنا من المقدمات التي لا تفارقها النتائج عادة . وموقفنا مما سمى بمبادرة أهل السودان قديم فصلناه في مقال كامل بعنوان ( مناورة أهل السلطة بإسم أهل السودان ) وقد نشرته هذه الصحيفة قبل زهاء الشهرين . وقلنا يومئذ إن هذه المبادرة تفتقد الحد الأدنى من مقومات النجاح وإنها تجافي ابجديات منطق المبادرات في مثل هذه الحالات . فبالنظر إلى بون إنعدام الثقة الشاسع بين أطراف النزاع فإن أهم عنصر لنجاح أية مبادرة هو درجة معقولة من حياد الجهة التي تتبناها . وإذا كانت الحركات المسلحة قد تحفظت حتى على دور جامعة الدول العربية في المبادرة القطرية ، فهل يعقل أن تستجيب لمبادرة يرأسها الطرف المقابل في النزاع ويحدد المشاركين فيها ويحدد محاور أجندتها ؟!هذا هو اللامعقول بعينه ولا يغير من ذلك شيئاً ما يردده البعض من أن الملتقى أصبح سيد نفسه بعد إلتئامه وحدد الأجندة حسب ما أراد ، فهذا ليس إلا حديثاًًً دعائياً لا يقدم ولا يؤخر . إضافة لما تقدم فإن أحداً ممن تحمس لذلك الإحتشاد لم يحدثنا عن مدى إلزامية ما يخرج به لأية جهة . والواضح أن مقررات الملتقى لا إلزامية لها بل إنه في موضوعات الخلاف الحساسة لم يخرج بآراء محددة . وكان الأمر سيكون أكثر أمانة وصدقية لو أن شق المؤتمر الوطني في الحكومة كطرف في النزاع ،قد دعا لملتقى تشاوري تطرح فيه القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات الأخرى رؤاها حول أزمة دار فور لتستأنس بها الحكومة في المفاوضات وفي مساعيها الأخرى لحل الأزمة . كان ذلك سيكون سوقاًًًًًًً للكلام يطرح فيه كل من شارك ما يشاء لتأخذ الحكومة من كل ما قيل ما تشاء دون أن تترتب على ذلك مظنة الإصطفاف معها . ولكن المؤتمر الوطني لم يشأ أن يطرح الأمر بهذا الشكل وإنما طرحه في شكل مبادرة وهو يعلم أنه لا يحمل شيئاًً من مقومات المبادرة . ليس هذا فحسب بل إنه إختار لهذه المحاولة إسم مبادرة أهل السودان لإيهام الناس بإجماع وطني غير متحقق للإيحاء بأن من يرفضها إنما يرفض إجماع أهل السودان . وهناك مسألة أخرى تتصل بتوقيت تفعيل هذه التي سميت بمبادرة أهل السودان . لقد طرحت هذه المبادرة لأول عهدها في خطاب رئيس الجمهورية عند زيارته لدار فور بعد مذكرة أكامبو بدون معالم محددة . وفي الأسابيع التالية كاد الناس ينسوها . ولكن ما أن أخذت المبادرة القطرية تكسب الزخم وبدلاً من إفساح المجال لها لتمضي لغايتها بسلاسة نشطت الحكومة في تفعيل محاولتها الغريبة . فهل أرادت ضمن أشياء أخرى التأثير على المبادرة القطرية بتقديم مقررات الملتقى بإعتبارها إجماع أهل السودان ؟ إن مقاطعة الملتقى أو المبادرة لا فرق فيما نحسب كان موقفاً صائباً وموفقاً نقول طوبى لأصحابه عكس ما روجت أقلام الدعاية الموالية للمؤتمر الوطني . ونقول للذين تطوعوا بغير أهلية لإلقاء دروس في الوطنية وإتهام المقاطعين بضيق النظرة والتعصب الحزبي ، إن رص الألفاظ في المدح أو القدح لا يغني عن الحق شيئاً . فليتجردوا أولاً ويقلعوا عن التطبيل للسلطان على حساب الحق حتى يكونوا مؤهلين لإلقاء دروسهم . ولو كان الملتقى مجرد سوق للكلام إنتصب ثم إنفض تحدث فيه المتحدثون وإستمع المستمعون بدون ضرر سياسي لكان حسبه من الخيبة إهدار الوقت والمال . ولكن الأضرار السياسية لما جرى لا تخفى نذكر منها : أولاً إهدار الجهد في مناورات عقيمة كسباً للوقت على حساب العمل الجاد لوضع حد للأزمة . ثانياً تمليك الحكومة كرتاً سياسياً للمزايدة به بزعم إصطفاف القوى السياسية معها من خلال توصيات ومقررات الملتقى التي نراهن على أنها لن تخالف مواقف الحكومة في موضوعات الخلاف الجوهرية . ثالثاً إفراغ الشعارات من محتواها إضعاف الثقة فيها . رابعاً إرسال إشارات سالبة لأطراف النزاع المقابلة للحكومة أي الحركات المسلحة بعدم أهلية القوي المعارضة للإسهام الجاد في حل الأزمة طالما أصبحت من أدوات مناورة الحكومة . أخيراً نقول أن إحتشاد كنانة لم يكن ملتقى لأهل السودان وإنما لبعض أهله . ليس ذلك لأن أغلب القوى السياسية قد قاطعه بل أيضاً لأن الحركات المسلحة التي لم تشترك ولم يكن من إمكانية أن تشترك فيه ، تضم جزءاً من أهل السودان بل أصحاب الشأن الذي تناوله الحشد الحقيقيين . ومرة أخرى طوبى للمقاطعين .