الأربعاء، 10 يونيو 2009

رمتنا بدائها وأنسلت (نزعته الرقابة الامنية)


رمتنا بدائها وأنسلت (نزعته الرقابة الامنية)


بقلم: بروفيسور محمد زين العابدين عثمان
جامعة الزعيم الأزهري
لقد تحدث: السيد. علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية وأمين عام الحركة الإسلامية السودانية، في لقائه بقيادات وكودار الخدمة المدنية بالسودان عما أصاب الخدمة المدنية من تدهور مريع وشنيع، أدى الى تخبط شديد، وعدم فاعلية دولاب العمل بالقطاع العام والخاص. والمعروف أن الخدمة المدنية هي الأداة لتنفيذ سياسات وبرامج الحكومة والنهوض بالبلاد تنموياً.. ومتى ما أصابها اختلال فإن مخرجات سياسات وبرامج الدولة في التنمية تصبح هباءاً..

وقد حدد السيد نائب رئيس الجمهورية، أسباب إخفاق الخدمة المدنية عن القيام بدورها على الوجه الأكمل في عدم كفاءة قيادات الخدمة المدنية، والتسيب، الإداري، والمحسوبية، والفساد المالي..
إن السيد نائب رئيس الجمهورية، وهو حقيقة الرجل التنفيذي الأول في حكومة الإنقاذ ومنظّرها ومفكرها، والذي تقع تحت سلطاته كل الخدمة المدنية، والذي أعتقد أنه قد وضع أصبعه على كل العلل والأمراض والأسقام التي تشكو منها الخدمة المدنية، ولكنه وصل للحقيقة متأخراً بعد أن خرِّبت مالطا، كما يقول المثل.. ومع ذلك نتمنى أن نرى مبضعه وبأسرع فرصة في الجراحة والعلاج لهذه الأورام السرطانية، التي أصابت الخدمة المدنية السودانية، والتي كانت مضرب الأمثال في المحيطين العربي والإفريقي. والا يكون حديثاً للاستهلاك المحلي وتذروه الرياح.. والخدمة المدنية السودانية هي التي نهضت بدول عربية كثيرة، وكثير من الدول الإفريقية. بل ان كثيراً من كودارها وقياداتها الآن يتولون مناصب عليا في الدول الكبرى المتقدمة في أمريكا وأوربا.. وكل منظمات وإدارات الأمم المتحدة..
إن السيد علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية قد تعرض لكل تلك الأدواء التي أصابت الخدمة المدنية ولكنه لم يتحدث عن الأسباب التي أدت لكل تلك العلل التي أصابت الخدمة المدنية السودانية، ولا أدري لماذا تغاضى عنها لأن معرفة مسببات الأدواء والامراض هو الخطوة الأولى في تشخيص المرض ومن وصف العلاج المناسب. ومن بعد ذلك تطبيق العلاج حتى يصح جسم الخدمة المدنية السودانية من الاسقام والأمراض، التي ألمت به.. إن الإنقاذ عندما استولت على السلطة من الحكومة الديمقراطية المنتخبة بانقلاب في 30 يونيو 1989م قد وجدت الخدمة المدنية السودانية في تمام الصحة والعافية، وأن قياداتها وكوادرها يتمتعون بكفاءات علمية ومهنية وإدارية وأخلاقية عالية.. بل إن الخدمة المدنية السودانية كانت كالساعة كل تروسها تدور في تناغم وتشابك تام، لتعطي الأداء الفاعل والمتميز، والذي كما قلنا مضرب المثل في المحيطين العربي والافريقي.. وقد كانت أمثلتنا بتلك الدول من انتدبناهم لتلك الدول في تبادل بين الأشقاء العرب والأفارقة، وقد أرسوا دعائم خدمة مدنية في تلك الدول ما زالت مضرب الأمثال، بل أن هنالك منهم من تمسكت بهم تلك الدول حتى بعد انتهاء فترة انتدابهم الرسمية، وما زالوا يديرون عجلة الخدمة المدنية في تلك الدول وفي أعلى مستوياتها، بل أن بعضهم قد منحوا جنسيات تلك الدول تقديراً للأدوار التي قاموا بها..
لم يقل لنا السيد نائب رئيس الجمهورية التنفيذي الأول في حكومة الانقاذ: ان الخدمة المدنية قد تفشت فيها كل تلك الأدواء والعلل والامراض التي ذكرها أنها بسبب سياسة حكومة الإنقاذ التي هو ربانها والتي قدمت الولاء على الكفاءة، وانها قامت بتشريد كل الكفاءات من قيادات الخدمة المدنية تعسفاً، بدعاوي الاحالة للصالح العام، وهي حقا الاحالة للصالح السياسي ولتمكين النظام، ليظل على سدة الحكم حتى ولو أدى ذلك الى تخريب الخدمة المدنية وتدهورها.. أحلت الانقاذ محل الكفاءات صبية ليس لهم خبرة ولم يتمرسوا ولم يتدربوا على الإدارة، ولم يصعدوا سلم الخدمة المدنية درجة بعد درجة، وليس لهم الخبرة الكاملة التي تكتسب بالممارسة، بل إن هنالك من هم أكثر ضعفاً اكاديمياً ومهنياً، وليس لهم من مميزات غير الولاء والولاء الأعمى، الذي لم يحاول أن يطور من الكفاءة حتى يغطي على السلبيات التي يتكلم عنها النائب الأول..
والانقاذ ساعدت أيضاً على فساد أبنائها من الذين أًحلوا محل الكفاءات في الخدمة المدنية بعد أن أفتت وافتى شيخها وقتها بأن السرقة من المال العام لا يقام فيه الحد بقطع اليد، وان عقوبتها تعزيرية. وبذلك حللوا له سرقة المال العام بحجة انه شريك في هذا المال العام، وله نصيب فيه. وقد يكون المسروق نصيبه دون ان يحدد كم نصيب كل فرد في المجتمع السوداني من هؤا المال العام، حتى يكون سرقة ما هو اكثر منه سرقه من الآخرين، وليس من نصيبه. وأفهمومهم ان التمكين هو بامتلاك السلطة والجاه والمال. وهذا التمكين هو أساس دولة الإسلامز وبذلك صار الإنقاذيون في الخدمة المدنية يتسابقون في نهب المال العام ـ إلا من رحم الله ـ ويتفاخرون به ويتزوجون به مثنى وثلاث ورباع أيضاً، بفتوى:( تناسلوا تكاثروا فإني مكاثر بكم الأمم!!) حتى ولو بني هذا التكاثر على المال الحرام، فعندهم جلب المصالح يقدّم على درء المفاسد .. وبذلك ينطبق على الانقاذ مثلنا العامي السوداني البسيط (رمتني بدائها وانسلت).. فالإنقاذ الآن على قمتها ممثلة في نائب رئيس الجمهورية ترمي وتتهم الخدمة المدنية بكل ذلك الاخفاق والأدواء والعلل.. ونسيت أو تناست انها هي السبب المباشر في كل تلك الأدواء والعلل والامراض، التي اصابت الخدمة المدنية بسياساتها تلك التي فرقت فيها بن أبناء الوطن الواحد فقسمتهم الى قسمين قسم الموالين وقسم غير الموالين.. يتمتع الموالون بكل خيرات الاقتصاد السوداني وخدمته المدنية، ويحرم غير الموالين من كل ذلك بل يتم التضييق عليهم.. وإذا كان السيد نائب رئيس الجمهورية يريد ان يعيد الخدمة المدنية الى نصابها وعلاج أمراضها وأسقامها، عليه اتخاذ القرار الشجاع بإرجاع كل الكفاءات العلمية والمهنية والإدارية التي تمت إحالتها للصالح العام منذ مجئ الانقاذ؛ فوراً ودونما قيد أو شرط.. ومحاسبة المرتشين والفاسدين والمتسيبين واصحاب المحسوبية، الذين هم الآن في قمم الخدمة المدنية من كودار الحركة الاسلامية، ممثلة في حزبها المؤتمر الوطني. ولتكن النظرة أن الوطن للجميع، وهنالك قوانين في الخدمة راسخة من قبل الاستقلال يمكن ان تحاسب وتحاكم من يفشل في أداء المهام على الوجه الأكمل..
إن الانقاذ منذ أن جاءت ينطبق عليها القول (اسمع كلامها أصدقا أعاين افعالها اتعجب)!! فالانقاذ تكاد تكون النظام الوحيد منذ استقلال السودان الذي طرح كل القضايا السودانية التي تحتاج الى علاج، بل اشرك فيها كثير من العلماء والإداريين والمهنيين والكفاءات من غير المنتمين للحركة الاسلامية او الجبهة الاسلامية سابقاً، ابتداءاً من المؤتمر الاقتصادي الاول الذي اقيم عام 1990م في بدايات حكومات الانقاذ، والذي طرح معالجات جادة للاقتصاد السوداني، ولكنها ضاعت أدارج الرياح... وأيضاً كانت الخطة العشرية المعروفة باستراتيجية التنمية الشاملة 1992 – 2002م والتي حوت معالجات ناجحة وخطوات جادة للنهوض بالسودان تنموياً، في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. لو طبق 10% من تلك الخطة لكان السودان بغير هذه الحالة ولخمدت كل المعارك وفوهات البنادق الجهوية والاقليمية والعنصرية، والتي أساسها الاهمال التنموي.. وهذا هو ديدن الانقاذ، تقول وتكتب أحسن الحديث وتطرح أعظم الخطط ولكنها دائماً تنفذ ما لم تقله. ما أظهرها بأنها تمارس تخدير الشعب السوداني وجعله يعيش في الاحلامـ بدلاً عن الواقع.. وتأتي الأيام وتكذب تلك الاحلام الانقاذية وبذلك تحاول أن تلهيه بهذه الأماني في كل خططها ومشاريعها وفي النهاية تنفِّذ ما يمليه عليها انغلاقها الفكري الأيدوليوجي العقائدي وليس أين تمكن مصالح الأمة.. وأيضاً يقف المال دون تنفيذ تلك المشاريع حتى بعد مال البترول، لأن المال ينفق بصورة بذخية في المهرجانات السياسية والتهريج السياسي، وفي الأمن وفي الحروب، التي كان يمكن حلها بالحوار.. هذا غير الفساد المستشري بشهادة المراجع العام، والذي لا يجد من يحاسب عليه..
ونختم ونقول للسيد نائب رئيس الجمهورية السيد علي عثمان محمد طه: إنك الآن قد وضعت يدك وأصبعك على داء ومرض الخدمة المدنية السودانية، ونريد ان نرى خطوات العلاج الجاد، والا يكون كلام الليل الذي يمحوه النهار، ونكون[ كأننا يا عمرو لا رحنا ولا جينا..]
ويقيني: أن لا علاج الا بقرارات شجاعة وصرامة شديدة للخدمة المدنية نرجعها الى نصابها، لأنه لا يمكن إصلاح الخدمة المدنية بمن أفسدوها واصابوها بكل هذه الأورام السرطانية، وفاقد الشئ لا يعطيه.. ولا بد من إرجاع كل كفاءات الخدمة المدنية الى مواقعها حتى ولو تجاوزت سن المعاش، للاستفادة من خبراتهم لبناء الخدمة المدنية معافاة من جديد والرجوع للحق فضيلة.. ونختم بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مغتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون).. صدق الله العظيم..ونرجو أن تخرجوا أنفسكم من المقت الأكبر...