الأربعاء، 10 يونيو 2009

عقلنة التعاطي مع المحكمة الجنائية الدولية (نزعته الرقابة الامنية)



عقلنة التعاطي مع المحكمة الجنائية الدولية (نزعته الرقابة الامنية)

أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم




قرار المحكمة الجنائية الدولية أثار جدلاً كثيفاً حتى قبل صدوره، وما بعده، واختلف الناس في حيثياته، ودوره، وهل سوف يمثل إنقلاباً في السياسة السودانية، أم سيكون مجرد أزمة عابرة مع المجتمع الدولي، كما حدث قبل ذلك في تسعينيات القرن المنصرم، وانتهى كل شيء بعدها مع تغيير الحكومة لسياساتها، وتوقيع اتفاق السلام الشامل.هنالك عدد من التحركات والمبادرات من أجل الوصول لترضية وحل، وهناك طرح من الإدارة الأمريكية في انه يمكن أن يحل الموضوع عن طريق الانتخابات الرئاسية على ألا يترشح رأس الدولة الحالي، ويمكن النظر في تجميد القرار لمدة عام، الواضح ان قرار المحكمة سوف يستخدم كعصا لتخويف النظام من أجل إجباره على تقديم تنازلات، وبالمقابل التأجيل لمدة عام سوف يكون الجزرة التي يحاولون بها الوصول لتسويات ومساومات، والأمر في النهاية سيعتمد إلى حد كبير على قدرة الحكومة على التعاطي مع الأمر، ووحدة المجتمع الدولي، ومدى جديته في القضية.اغلب القوى السياسية طرحت موقفاً مؤيداً للشرعية ولإنصاف المظلومينن وقالوا إنهم مع العدالة، ولكنهم في نفس الوقت ضد تسليم رأس الدولة، لأن الأمر يخلق ربكة، وهو غير عملي التطبيق، حيث طرح حزب الأمة نظام المحاكم المختلطة إقليمية وعربية، على أن تكون داخلية بمشاركة خارجية للنظر في الدعاوى فيما يتعلق بقضية دارفور. المهم والأهم في الموضوع حل مشكلة دارفور، فالحل الجاد يجب أن ينظر للأمر من ناحية السبب الرئيس في كل ذلك، ومحاولة الإسراع بمعالجة قضية دارفور، ورغم أن الإشكالية ليست بهذه السهولة، لأن عدد الحركات وصل لعدد حبات المسبحة، بعد انفراط عقد الحركات من واحدة وإثنين إلى العشرات. على النظام التعقل، وعدم الرجوع للشعارات، والإفراط فيها، وعدم التهديد، سواء للمجتمع الدولي، أو للمجتمع المحلي، وعليه التعاطي بعقلانية، ومحاولة استخدام الدبلوماسية الهادئة، وعدم الوصول لمرحلة التصادم مع المجتمع الدولي، لأن الأمر سوف يكون له عقوبات، وربما تصل لمرحلة الحظر على الموانيء، وحظر طيران في دارفور إذا تطور الأمر. فكل الدول التي استخدمت الشعارات للاستهلاك المحلي انتهى بها المقام إما بالتراجع والتفاوض مع المجتمع الدولي مثل ليبيا في قضية لوكربي، أو مثلما مع حدث مع صدام فقد كان الجنوب العراقي حيث مناطق الشيعة والشمال العراقي حيث مناطق الأكراد يحلق فيه طيران حلف شمال الأطلسي بقيادة أمريكا كمرحلة أولى قبل الانقضاض على النظام، ولم يدرك صدام حسين خطورة الأمر إلى أن جاءه الطوفان العسكري، وانهارت قواته ضحى الغد، بينما كان يتحدث عن قيم الرجولة والمواجهة فإذا بجنرال من الجيش الأمريكي يرد عليه:( بأن الحرب لم تعد كما كانت، بل، إن أي مخنس يجيد اللمس على الأزرار يمكنه أن يهزم جيش صدام)، أو كما قال، فالحرب لم تعد بالطريقة القديمة في الفروسية باستخدام شعر عنترة بن شداد: يدعون عنترة والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم فسياسة عنترة بن شداد لم تعد تتماشى مع عصرنا، حيث تبدأ الحرب السايبرية، والإلكترونية، والضرب من على البُعد وبشكل دقيق ومحكم قبل اشتباك الجند، بينما حرب عنترة تبدأ بالكلام حول الشجاعة، والرقص على الأناشيد، وأغاني الحماسة، والهز بالعصا، في إشارة إلى إن العصا لمن عصا من أهل المجتمع الدولي، وأهل المجتمع الدولي يدركون ماذا يريدون، وبنفس طويل، وبتخطيط إستراتيجي متأنٍ، ويا ليت قومي يعلمون. أيضاً هناك تقارير عن طرد المنظمات الخيرية العاملة في دارفور، والتلويح باستضافة أو البدء في استضافة بعض الحركات المتطرفة كما حدث في بدايات التسعينيات، واضطرت الحكومة لطردهم بعد أن تم إحكام العزلة الدبلوماسية والإقتصادية عليها، لا يجب الاعتماد على الصين وروسيا فلهما مصالح مع الغرب، أهم من مصالحهما مع السودان، وسوف يجاملون الحكومة لمدة من الزمن، ولكن في لحظة الجد سوف يتناسوا الموضوع كما حدث مع صدام، وقد خرج الخبراء الروس عشية الحرب بعد أن علمت روسيا بجدية الأمر، وقد أخبروا صدام بمواعيد الحرب. أيضاً طرد المنظمات الإنسانية كعامل ضغط على المجتمع الدولي بطاقة غير رابحة، وسوف تجلب للحكومة السخط، وسوف توصف بعدم الجدية، وبأنها لا تهتم بالمدنيين، وحتى لو كانت هذه المنظمات صغيرة أو غير ذات تأثير كبير، ولكن سوف تستخدم كبطاقة ضغط ضد الحكومة، وعليهم ادراك ذلك. الحديث عن الاستعمار غير دقيق، فما حرك الغرب هو العامل الإنساني، وهذا شيء جديد في اطار العولمة، نعم الحركات تشنّ هجوماً، والحكومة تستخدم الأسلوب المضاد في حرب العصابات بعصابات، وهذا يولد انتهاكات وفظائع، وهذا هو الأمر في دارفور بكل بساطة، هذه الفظائع هي التي جلبت للحكومة المشاكل، وقد حركت دموع النازحين، واللاجئين، والثكالي، والمرضى، المجتمع الدولي، فالضمير الإنساني العالمي اصبح يقظاً لا يتحمَّل ذلك. الآن الفرصة أمام الحكومة في الاسراع بحل قضية دارفور، والمواصلة في مبادرة قطر، وادخال كل الأطراف، حتى الأحزاب السياسية السودانية، والتفكير في عقد مؤتمر جامع يؤمن على اتفاق السلام الشامل، وينظر في كيفية تطبيق ما تبقى منه، والاتفاق على التحول الديمقراطي والانتخابات، على أن يكون ذلك بشكل جاد وسريع، فإذا رأى المجتمع الدولي جدية، فربما تستطيع الدبلوماسية السودانية الرسمية والشعبية حينها ايجاد فرصة لتأجيل القرار، وترك أهل السودان يحلِّون مشاكلهم، فإذا واصلنا في سياسة تحدي المجتمع الدولي على طريقة عنترة، فالتاريخ يقول إن نهاية ذلك معروفة لكل من قرأ التاريخ وعقِله، ولابد من عقلنة التعاطي مع المحكمة الجنائية الدولية.. ويا ليت قومي يعقلون.