الأربعاء، 10 يونيو 2009

حاصر حصارك... لا مفر..( تعدت عليه يد الرقيب باجراس الحرية)


حاصر حصارك... لا مفر..( تعدت عليه يد الرقيب باجراس الحرية)
-كتب هذا المقال على اثر تداعيات احداث 10 مايو بامدرمان

أبوذر على الأمين ياسين

مرة أخرى يتم التوحيد بين الاحزاب (الوطنية) و (المؤتمر الوطني) جرى ذلك في أعقاب غزوة أمدرمان عندما استعرض صلاح قوش بصحبة علي عثمان قواته التي تصدت للغزوة وغاب عنها الجيش (القومي)، فوصف الاحزاب التي جاءت على خط و(حدود الادانة) كما يريدها ويرجوها المؤتمر الوطني ليكون كل من لم يقف عند حدود الادانة على مواصفات المؤتمر الوطني (غير وطني). وكانت تلك لوحة وقفنا عليها في خطاب شهير لنافع على نافع بالنيل الابيض قبل شهور. والذي يبدو من تداعيات الاحداث أن هناك أصطفاف كبير مع المؤتمر الوطني والحكومة، تحدث عنه امين حسن عمر ضمن مشاركته ببرنامج ما وراء الخبر بقناة الجزيرة، صحيح أن أمين كان يتبادل المبازرة الاعلامية مع العدل والمساواة التي وجدت نصيب لها وميدان عبر أجهزة الاعلام خاصة وأن اعلام الحكومة كان حكراً لها، صور المعركة وكأنما حركة العدل والمساواة تقدم خدمة مجانية بتقديم الاسلحة والمقاتلين بلا مقابل لجنود صلاح قوش. وأن تلك القوات الغازية رغم توغلها حتى ميدان الخليفة بامدرمان وكبري الانقاذ لم تفعل شيئاً وإنما كانت هي التي فعلت بها الافاعيل أو هكذا كان شكل الشاشة وروح الحديث والخطاب الاعلامي.

والادانة المعترف بها كانت لها مواصفات محددة. تتلخص في أن تدين ما حدث بأمدرمان وتصفه بكل ما يسعك من وصف وتؤيد قوات صلاح قوش وجسارتها في التصدي للغزاة، ومن النوافل أن تذكر القوات المسلحة ولا باس بإشراك الشرطة. ولكن لا يجوز لك بالمقابل أن تدين ما يحدث بدارفور من افراط في استخدام السلاح واستهداف للمدنيين العزل، بلا يجوز مجرد ذكر لدارفور. بل الادانة لا تكتمل إلا بوصف خليل ابراهيم والعدل والمساواة بأنها لا علاقة لها بدارفور ومطالب اهل دارفور، فالمعركة والحرب هنا في امدرمان، وليس بدارفور. بل ما يحدث بامدرمان لا علاقة له بما يحدث بدارفور. وتمام الادانة يكتمل باقحام تشاد على ذات الشاكلة والقياس، فلا يجوز ذكر ما حدث بتشاد ولا شكواها وحديثها عن دور سوداني داعم للمعارضة التي اجتاحت انجمينا مرتين.

والادانة على هذا الايقاع هي التي تحدد الاصطفاف وبناءاً عليه لايوجد استصاف مقابل. بل وفقاً لهذه الادانة يتحدد موقع وصفتك بالوطنية أو عدمها. وعلى هذه القاعدة كان حزب الأمة القومي (كامل) الوطنية لأنه استوفي شروط الادانة كاملة بل اصل لها برسم الفروقات بينها وغزوة 1976م، والتي تتلخص في الآفاق المغلقة وقتها، والمفتوحة الآن. لكنك لن تستطيع التمييز بين حزب الامة القومي والمؤتمر الوطني. بل لن تستطيع أن تجد الانفتاح الذي كان مغلقاً وبرر لغزوة 76، وانتفت شروطه الآن. إلا أذا كانت مشاركة حزب الامة واتفاقاته مع المؤتمر الوطني هي قاعدة القياس للانفتاح والديمقراطية.

والاصطفاف خلف ومع المؤتمر الوطني سار فيه على ذات الايقاع والخطوات محمد عثمان الميرغني، و عبد العزيز خالد والاثنان دعامتان للتجمع الوطني الذي تكاملت وطنيته الآن فصار التجمع المؤتمر الوطني. وآخرين عددا ساروا على هذا المنوال لا نحسب من بينهم بالطبع أحزاب المؤتمر الوطني الاتحادي الهندي والامة الاصلاح والتجديد (مسار) و (الزهاوي) .. وهلم جرا فهؤلاء مؤتمر وطني من الياقين والسباقين. ذلك أن كل هؤلاء لم يدن منهم أحداً ما يحدث بدارفور، ولم يستشعر أحداُ منهم أن ما حدث بأمدرمان كان من أثر ما يحدث بدافور. وبقي المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي أحزاب غير وطنية فقط لآنها خرجت على مواصفات الادانة تلك وأدانت ما يحدث بدارفور لأن ذلك سبب ما حدث بامدرمان. لكن السؤال هل كان ذلك الاصطفاف الذي ربحه وضمنه بعد أن نظمه المؤتمر الوطني وقوات صلاح قوش هو الاصطفاف الوحيد؟.
على ارض الواقع نضع اليد مباشرة على جملة اصطفافات جاءت كلها على اثر وتداعيات غزوة أمدرمان. اهمها على الاطلاق ذلك الاصطفاف حول حركة العدل والمساواة التي حظيت به ضمن ووسط حركات دارفور. وهو اصطفاف غير مسبوق وسط الطابع الانقسامي الذي كان سائداً ومائزاً لحركات دارفور. بل إن الاصطفاف الدارفوري الدارفوري سيغير خارطة وطبيعة الصراع ضد الحكومة والمؤتمر الوطني التي ستواجه جبهة أكثر تماسكاً بدارفور مما كان عليه الوضع هناك بين الحركات بدارفور. كما قدمت قوات قوش أرضية أكثر قوة ودفع لتوسيع قاعدة حركة العدل والمساواة، باستهدافها لكل من هو من اهل دارفور بالعاصمة الذين تركزت عليهم حركة المراقبة والاستهداف حتى على المركبات العامة من دون المواطنيين الاخرين من جهات وشعوب السودان الاخرى الذين تجمعهم ولاية الخرطوم ومدنها الثلاث في اوسع حملة تطهير عرقي لولاية الخرطوم ومدنها الثلاث.
ومن الاصطفافات الخطيرة التي افرزتها غزوة أمدرمان اصطفاف (قوات الأمن الضاربة) ضد القوات المسلحة والعكس. والتي ظهرت في معركة البرلمان ضد وزير الدفاع وغيابه عن المعركة هو وجيشه، في حملة تستهدفه مباشرة. ولكن للحق الاستهداف يحظى بتأييد من داخل القوات المسلحة نفسها كما يبدو من أثر غياب القوات المسلحة عن مسرح صد الغزوة . لكن وبالمقابل هناك اصطفاف من القوات المسلحة ضد قوات الامن الضاربة التي يستغرب لها حتى من لا علاقة له بالقوات المسلحة أو القوات النظامية عموماً. ذلك ان الأمن جهاز محدود الدور واذا كانت اتفاقية نيفاشا قد حددت دوره في الاستقصاء والتحليل إلا انه تجاوز حتى حق ألقاء القبض على المشتبه بهم إلى تكوين قوات ضاربة هي أفعل وأكثر تسليحاً وحضوراً وحركة من القوات المسلحة المفترض أنها من يحتكر السلاح وممارسة العنف المسلح بصلاحيات وضوابط المؤسسة المسلحة في الدول الحديثة.

ومن الاصطفافات الملموسة اصطفاف ضد الرئيس ومجموعته، وعلى عثمان ومجموعته عكسته بوضوح ظهور على عثمان بصحبة صلاح قوش وسط قواته (يعرض) الانتصار على الغزاة، والقوة على (الصف) الآخر الذي سنده ودعامته القوات المسلحة التي لم يكن لها دور أو حضور، والآن يستهدف رمزها (وزير الدفاع) الذي كان عنوان الفشل الذي ظل يلازمه أينما حل بكل المواقع الوزارية والدستورية، والذي ظل يستفيد من كونه رجل الرئيس البشير باكثر من كونه ذو قدرات أو كفاءة.

وخارج هذه اللوحة لعبت الحركة الشعبية الشريك في السلطة ورقتها بمهارة فأدانت أحداث أمدرمان بمثل ما ادانت أحداث دارفور، موضحة أن منهج الصراع المسلح لن يحل المشكلة، وأن الحوار والتراضي على الحلول هو الأنسب، بعد أن ترحمت على القتلي من الجانبين. فلم تفقد برقيها و لا دورها ولا حضورها المتميز واقبالها على التحديات. لتكون بذلك الأقرب لقوى الهامش والانسب بطرحها ونموذجها الذي وقعته اتفاقاً بنيفاشا، ليكون هو الهادي لكل اهل الهامش. وتكون هي قاعدة المبادرة بعد أن كسبت بالموقف الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي، في اصطفاف غير محسوب وربما غير مرغوب فيه من قبل المؤتمر الوطني لكنه الآن يمثل قاعدة الانطلاق الاقوى نحو التسوية السلمية المرجوة لمشكلة السودان بكل ابعادها وآثارها. لكنها ستعاني من الاصطفاف الآخر الذي ضم الصادق المهدي وحزبه، ومحمد عثمان الميرغني وآخرين الذين ظهروا برؤية المؤتمر الوطني وعلى خطه فلم يدينوا ما تفعله الحكومة وقواتها بدارفور وأهل دارفور، ولم يروا ما حدث بأمدرمان بأنه من آثر أو رد فعل على ما يحدث بدارفور . لكنهم أدانوا ما فعلته قوات خليل بأمدرمان

ويبقى منهج السلاح والبندقية ولعبة الصراع بالقوة هي محور الاختلاف في التعاطي مع الازمة السودانية بكل ابعادها بين المؤتمر الوطني والحكومة التي تعتمد القوة في التعاطي مع كل من خالفها الرأي أو عارضها، بل بلغ استخدام القوة المسلحة والتهديد باستخدامها أن صار واحدا من أقوى أدوات المؤتمر الوطني والحكومة في تحديد العلاقات الدولية خاصة مع دول الجوار، كما عكس ذلك تصريح الرئيس البشير بعد اتهام تشاد و(الاحتفاظ بحق الرد)، برغم من أن تسلسل الاحداث يوضح أن غزوة أمدرمان كانت هي الرد (الافتراضي) بأن الغزوة كانت تشادية مباشرة أو كما جري تصويرها حتى يثبت العكس.
وبدلاً من أخذ فوائد الدرس وعبره التي أوضحته تداعيات غزوة أمدرمان بأن القوى السياسية الحزبية الموالية للمؤتمر الوطني أو الطامعة في كسب موالاته أو تلك التي تعارضه تماماً، بأنها كلها ضد استخدام القوة والسلاح والسلطة في مواجهة المنافسين والأزمات التي تواجهها البلاد. أعادت تداعيات عزوة امدرمان ابراز وتأكيد المؤتمر الوطني والحكومة على اعتماد القوة المسلحة والسلطة منهجاً وقاعدة في التعاطي مع القوى السياسية بالخرطوم، والتصدي لمشاكل السودان في أمرى أو كجبار أو دارفور بالقوة المسلحة المباشرة. والآن تعلن الحكومة والقوات الأمن تحديداً أن كل من يعارضها في الحسم المسلح للقضايا والازمات غير وطني. ويالها من نهاية ودرس. وياله من منهج. كما أوضحت غزوة أمدرمان أن الصراع داخل المؤتمر الوطني والحكومة سيكون حسمه ايضاً بالاستخدام المباشر للقوة المسلحة، وبعد غزوة امدرمان اصبح ذلك وشكياً.