الأربعاء، 10 يونيو 2009

سودانات تصطرع وغياب المشروع الوطني في كلٍ (2)...منعت الرقابة الأمنية نشر المقالة







منعت الرقابة الأمنية نشر المقالة
مؤيد شريف



اختطاف الدولة
تصاعدت بعد أحداث العاشر من مايو الكثير من التساؤلات الحائرة والمعلقة دون أن تجد من يُجليها ويزيل الغباش من عليها وليس أهمها التساؤل عما آلت اليه القوات المسلحة من أوضاع وكيف أن الاسلاميين وبعد تسعة عشر عاما ً من السيطرة الكاملة علي الدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية ، ربما تفاجئوا هم أنفسهم بمآلها الراهن . والسؤال يقوم علي افتراض يقول بأن القوات المسلحة هي من حملتهم للسلطة في الثلاثين من يونيو 1989م ، والحقيقة هي ان القوات المسلحة ، كمؤسسة نظامية ، ليست هي من حملتهم الي السلطة ، والحقيقة الأكثر دقةً أن المجموعة التي نفذت وقامت علي أمر الانقلاب الاسلامي من العسكريين الاسلاميين لم يكونوا يمثلون أغلبية بسيطة في القوات المسلحة وكانوا يمثلون دائرة ضيقة ولا يعود نجاحها أو افلاحها في تنفيذ الانقلاب لكثافة عددية أو تأييد داخلي كانت تحظى به كما يصورون بقدر ما يرجع ذلك للدرجة العالية من الهشاشة والضعف الذي كان يعتري جسد السلطة ومؤسساتها العسكرية والمدنية علي السواء .اذا كان ذلك كذلك فالسؤال : من نفذ انقلاب الاسلاميين 1989م؟ الاجابة علي هذا السؤال تستوجب الرجوع الي الافادات المهمة والتي أوردها يس عمر الامام (صراع الهوية والهوى) والتي تُثبت أن الاخوان كانوا دولة ، بمعنى الكلمة وكامل دلالاتها ، داخل الدولة منذ مراحل مبكرة تعود للعهد المايوي وتتصاعد عملية الاحلال والزحف مرورا بمرحلة الديمقراطية الثالثة .يقول يس عمر الامام بأن طبيعة تركيبة التنظيم الاخواني تقوم علي تشكيلات الكتائب وان عمليات التدريب وتدريبات القوة كانت تجري ، كما وأرود أن قبيل التنفيذ كانت عمليات الاشراف علي العمل العسكري تديرها بعض الكوادر الاخوانية الغير منتسبة لأي جهة عسكرية نظامية ، وأكد أن التنظيم كان يستخدم شبكة اتصالات خاصة وآمنة أشرف علي تركيبها أحد المهندسين المنتميين للتنظيم الاخواني ، والمعلومة الأهم والأخطر علي الاطلاق أن المجموعات التي تحركت ليلة الثلاثين من يونيو لتستولي علي السلطة لم تستخدم أي منها أسلحة نظامية أو رسمية ، بل اعتمدت في تحركاتها علي اسلحتها الخاصة علما بأن غالبيتها العظمى لم تكن جزء من أي مؤسسة عسكرية نظامية !! واذا ما اضفنا ما هو معلوم من اتساع نشاطهم الاقتصادي عبر البنوك المسماة بالاسلامية يتضح جليا أن الاخوان قبل الاستيلاء علي السلطة بمراحل كانوا، حقيقة لا مجازا ، دولة في داخل الدولة ؛ فلديهم وقتئذ ، والي الان ، كتائبهم المدنية شبه العسكرية ، ولديهم سلاحهم الخاص خارج اطار شرعية الدولة ، وتتوفر لهم مصادر تمويل قريبة ومتاحة ، ولديهم شبكة اتصالات خاصة وغير مخترقة ، كما ولديهم كوادرهم العسكرية في القوات المسلحة والمأتمرة بامرة الكوادر المدنية المشرفة علي الأمر العسكري .احلال التنظيماذن ، لم تكن عمليا القوات المسلحة كمؤسسة جزءا من تخطيطهم أو عملهم الانقلابي ، فما قام به البعض لا يمكن أن يُسحب علي الكل ؛ ويدلل ذلك علي أن ما قاموا به في فترات ما أسموه بالـ(التمكين) من احالات واسعة باسم الصالح العام شملت كل معارض وكل مهني لا يشتغل بالسياسة في الاصل في محاولة منهم هدفت لتخريب مؤسسة القوات المسلحة ، وقد كان . ولئلا تكون القوات المسلحة مهددا لسلطتهم ، علي الرغم من كل الاجراءات والاحالات الاحترازية التي اتخذوها .عمدوا أيضا وبالتوازي علي خلق (أجسام) مليشيوية موازية للقوات المسلحة ووفروا لها ، وكل ذلك يجري خارج اطار شرعية الدولة ، الدعومات المالية والتشريعية (والقانونية) والمعينات العسكرية حتى فاقت القوات النظامية عددا وتجهيزا وأصبحت من حيث توافرها علي بنية سياسية واقتصادية مستقلة شبيهة بنموذج الحرس الثوري الايراني وكأني بهم قد استزرعوا النموذج الايراني دون تكبد بسيط عناءٍ من التعديلات بما يراعي خصوصية الحالة السودانية..عليه ، يتضح ومنذ مراحل مبكرة أن (الدولة) لم يكن لها وجود أو أدنى اعتبار في (عقيدتهم السياسية) ، فولائهم لمطلق يقتصر فقط علي (التنظيم الخاص) وهم عندما يتحركون خارج اطار الشرعية السياسية والمشروعية القانونية للدولة فانهم ينطلقون من تبريرات عقائدية تتصل بفهمهم الخاص لمشروعهم للسلطة والسيطرة ، وهم لا يخلطون بين التنظيم والدولة فقط كما يعتقد الكثيرون فـ(عقيدتهم السياسية) لا تفصل بينهما وتعتبر التنظيم هو الدولة وفي سبيل الحفاظ علي التنظيم تُكفل كل الوسائل ، اذ أن الحفاظ علي التنظيم عندهم حفاظا علي الدولة! ، ويتضح ذلك جليا في سياساتهم ومكاتباتهم كالتي تبادلاها د. الترابي و د. غازي في أعقاب الانشقاق الذي ضرب صفوفهم وابان وجود الاول في المعتقل ، حيث أن المكاتبات جميعها كانت ترتكز وتقوم علي البحث في السبل الكفيلة بالحفاظ علي التنظيم والمشروع واختزال الدولة فيهما ،، ومكاتبة أخرى مؤداها نفس المعنى وهي عبارة عن استقالة تقدم بها احد الوزراء بعد حادثة انهيار مبانٍ شهيرة شابتها شبهات الفساد والافساد والاهمال واللا كفاءة ، وكانت استقالته تنضح بمفردات الولاء للتنظيم والمشروع ولم ترد ولو لمرة واحدة ويتيمة كلمة (دولة) أو (سودان) !! وصُدم الكثيرون بعد ترقية صاحب الاستقالة وترفيع استوزاره وفي ذلك برهنة علي أن من يُخطئ أو يُقصر أو يُفسد في حق الدولة أو شؤون ومصالح مواطنيها الحيوية والحياتية لا تثريب عليه ولا محاسبة جدية يمكن أن تطاله من أي نوع فالدولة ومصالح الناس آخر ما يستوجب الغضبة عندهم ، ويكفي أن يكون ولاءه للتنظيم والمشروع ولاءا مطلقا ليُترك له الحبل علي القارب يُبحر به كيفما يشاء ووقتما يشاء ووجهة ما يشاء ما دام التزامه المطلق للتنظيم ولا شيء غير التنظيم منعقداً وقائما ..هكذا مشروع ، وهكذا عقيدة سياسية لا يمكن قطعا أن تُنتج مشروعا وطنيا للدولة من شأنه الاسهام في الحفاظ علي وحدة البلاد من التفتت والانهيار ، بل العكس هو الصحيح فمشروع علي هكذا شاكلة من الاحادية والاقصائية وفي واقع للتنوع الكثيف كالذي يحتضنه السودان لا يمكن الا أن يفاقم جواهر ومظاهر التأزمات ويعمق من جراحات الوطن المكلوم ويحقن المزيد من الدماء الملوثة في شرايين تعاني في الاساس من تجلط وتخثر الدماء فيها .... ويتصل_ الي من أرسل محتداً ، جارحاً ومعترضاً علي (حدة) عنوان المقالة السابقة : الأوضاع الحادة اذا ما استخدمنا معها كلمات لينة وناعمة فهذا باب من ملق وكذب علي الناس ، ابحث عنه عند أهله ، وفوق هذا وذاك مما وصفت لك احترام عجزت عن أن تمنحنا إياه ! .