الأربعاء، 10 يونيو 2009


المقال السابع أبريل 2009
ممنوع من النشر!!
كان من المفترض ان ينشر هذا المقال بصحيفة أجراس الحرية اليوم 14 أبريل 2009 ولكن أخذته الرقابة لأنه ممنوع نشر أي شيء يتعلق بقانون الصحافة!!
بسم الله الرحمن الرحيم
بيننا
ما عيب قانون الصحافة الحالي؟
المجلس الوطني سيناقش قريبا قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009م الذي يفترض أن يعدل القانون الساري حاليا للصحافة والمطبوعات لسنة 2004م، وذلك بعد أن أجازت القانون الجديد اللجنة المشتركة بين الشريكين، ووصل القانون لعدة جهات وبدأ الناس يتناولونه، وقبل الحديث عن هذه المسودة وما لها وما عليها نود أن نشارك أولا بنقطتين هامتين: الأولى ما هي المعايير التي تعنينا في حرية الصحافة؟ والثانية: ماذا أضار القانون الحالي حتى نستبدله؟ النقطة الأولى هامة لمناقشة الحريات الصحافية إطلاقا، والثانية هامة لتحيد مدى إيفاء القانون الجديد لمتطلبات التغيير.
معايير حرية الصحافة
المعايير الوطنية:
أهم المعايير الوطنية هو ما تم النص عليه في الدستور الانتقالي لسنة 2005م في المادة (39) حرية التعبير والإعلام، كالتالي:
«1» لكل مواطن الحق في حرية التعبير، وتلقي المعلومات والمطبوعات والإطلاع على الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة وذلك وفقاً لما يحدده القانون.
«2» تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى بما في ذلك حق الحصول على المعلومات في مناخ تنافسي كما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي.
المعايير الدولية والإقليمية
وهذه بدورها تعتبر معايير وطنية لنص الدستور في وثيقة الحقوق على تضمين المواثيق التي انضم لها السودان في الدستور. وتنقسم لقسمين: قسم معني بحرية الوصول للمعلومات، وقسم ينص على حرية التعبير والإعلام بشكل مباشر.
كان الحديث عن حرية الوصول للمعلومات -وحرية الصحافة ركن أساسي فيها- سابق للإعلان العالمي لحقوق الإنسان إذ تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها الأولى سنة 1946م القرار رقم (1)59 الذي ينص على أن "حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لها".
ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م) كأول الوثائق الدولية التي اهتمت بحرية التعبير في المادة 19 منه. ومع أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كقرار عام صادر عن الجمعية العامة ليس ملزما بشكل مباشر للدول، إلا أنه وعلى أية حال، بعض أجزائه، بما في ذلك المادة (19)، تعتبر بشكل موسع قد اتخذت قوة كقانون دولي عرفي منذ تبينها في 1948م. تنص المادة 19 على التالي: "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: السودان طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ICCPR (1966) فقد صادق عليه في 1986م. والعهد يحدد المعايير كما له آلية هي (اللجنة المعنية بحقوق الإنسان) لمتابعة أداء الدول الأطراف فالعهد المذكور وثيقة ملزمة قانونيا وبه عدة بنود تتعلق بموضوعنا:
المادة (19-2): "لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
المادة (19-3): "يجوز إخضاع حقوق المادة (19-2) لبعض القيود شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم.
لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة او الآداب العامة.
وق تم تفسير المادة (19-3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن القيود على حرية التعبير لا بد من أن تمر باختبار ذي ثلاثة أضلع:
أولا- يجب أن ينص القانون على هذه القيود.
ثانيا- لا يجوز أن تفرض إلا لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن العام والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة.
ثالثا- يجب أن تكون هذه القيود ضرورية لحماية مصالح الآخرين أو المجتمع ككل.
مما يعني أنه يجب أن يرتبط عدم كشف المعلومات بالهدف الشرعي المذكور في القانون (وأن يكون –أي القانون- ملتزما فقط بالقائمة المذكورة في المادة (19-3) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية باعتبارها قائمة مانعة بحيث لا يصلح اعتبار أي هدف خارجها مشروعا لفرض قيود. كما يكون القانون متاحا للجميع ومصاغا بتفصيل كاف يجعل المواطن قادرا على تنظيم الممارسة بنفسه). وأن على كشف المعلومات أن يهدد بالتسبب في إيذاء ملموس لهذا الهدف، وأن يكون التقييد ضروريا بشكل مثبت لتأمين واحد من تلك الأهداف. فكلمة "ضروري" تعني أن هنالك حاجة اجتماعية ماسة لذلك التقييد، وأن تكون الأسباب التي تقدمها الدولة لتبرير التقييد مناسبة وكافية وأن يكون التقييد بحجم يتسق مع الهدف المقصود.
كما توجب جهات كثيرة شرطا إضافيا، فحتى مع تجاوز الشروط الثلاثة يجب أن يكون الضرر بالهدف أكبر من المصلحة العامة في الحصول على المعلومات وكشفها.
المادة 2-2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تعنينا أيضا لأنها تنص على أنه "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية"، بما يعني تعهد السودان بمصادقته على العهد بما أوردناه أعلاه من معايير لحماية حق التعبير، ولا يعقل أن يقوم بسن قانون جديد يتعارض فيه مع ذلك.
المقرر الخاص بحرية الرأي والتعبير: وفي عام 1993، أنشأت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مكتب "المقرّر الخاص حول حرية الرأي والتعبير". لمراقبة ضمان هذه الحقوق في العالم.
الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1981): صادق السودان على هذا الميثاق أيضا في العام 1986م. هذا الميثاق يضمن حرية التعبير في المادة (9) منه إذ تؤكد انه: (1) لكل فرد الحق في تلقي المعلومات و(2) الحق في التعبير ونشر آرائه وفق القانون. وقد اجتمعت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان في أكتوبر 2002م وتبنت: إعلان المبادئ لحرية التعبير في أفريقيا. الذي توسع في هذين البندين مع تأكيده على ضرورة أن تبذل الدول الأطراف في الميثاق قصارى جهدها لإحداث أثر ملموس فيما يتعلق بتلك المبادئ.
وضع حرية التعبير والتشريعات المتعلقة به غير مرض في أقاليمنا العربية والإفريقية ولكن حتى بالمقارنة بها نجد السودان في وضع سيء. وإن كانت الحالة في العالم العربي هي الأسوأ فنحن نستطيع القول إن الحالة في مصر أفضل مما لدينا. مثلا في مصر نجد أن محاكمة الصحافيين تتم جنائيا كما لدينا وهو شيء مذموم ولكن وكما قال الأستاذ فيصل محمد صالح في ندوة الحريات الصحافية قبل نحو عامين فإن :النص القانوني في قضايا النشر في مصر يعاقب بغرامة محددة ومعلومة هي 500 جنيها (أي أقل من مائة دولار أمريكي) وقال البعض إن هذا المبلغ بسيط وشرح د. محمد سليم العوا بأن العقوبة القصد منها تقرير المسئولية الجنائية فحسب، فإن تضرر الشخص المعني عليه أن يرفع قضية ويحصل على غرامة مسئولية مدنية لجبر الضرر الأدبي أو المادي، وفي هذا تطور أفضل من الحالة لدينا برغم أنها في الإطار الجنائي المرفوض.
كذلك أشار آخرون لأن الوضع المصري مع تخلفه أفضل من ناحية تبعية المجلس الأعلى للصحافة لمجلس الشعب وليس لرئيس الجمهورية أو الوزير كما لدينا حيث المجلس تحت إشراف الوزير المختص (المادة 6) ورئيس الجمهورية راع له (المادة 7).
قانون الصحافة والحريات الصحفية لسنة 2004م.. لماذا التغيير؟
إن النصوص والمبادئ الواردة في هذا القانون أرقت مضجع الصحافيين السودانيين بشكل كبير، فشروط العمل بالمهنة وبرئاسة التحرير والتراخيص ومتطلباتها والعقوبات على الصحفيين في القانون وإتاحته معاقبتهم عبر قوانين أخرى كلها ظلت شوكة في حلقهم ولا غرابة أن هبوا حين سنه، وقد نشر في جريدة الرأي العام السودانية عشية إجازته في المجلس الوطني (أي يوم 1 يونيو 2004م) تقرير تحت عنوان "من تحت قبة البرلمان: غدا.. هل يعدل البرلمان قانون الصحافة أم يبصم بالعشرة..؟؟" وفي ذلك التقرير ما فيه من المخاوف التي لها ما يبررها في ضوء قمع الصحفيين واعتقالهم وفقا لقانون قوات الأمن الوطني لسنة 1999م أو حبسهم وفقا للقانون الجنائي لسنة 1991م.. والحقيقة لم يكن من تحت قبة البرلمان (فكي) انتظره الصحافيون يومها بلا جدوى، ولذلك فقد أجيز القانون بصما، وبعد أن استوفى الغضب الداخلي والإقليمي من القانون حدوده القصوى –حيث انضمت وتناغمت مع الصحفيين السودانيين المنظمة العربية لحرية الصحافة- ووجد القانون غضبة مضرية من منظمة (المادة 19: الحملة الدولية من أجل حرية التعبير)، وقد أصدرت ورقة حول سياسات الإعلام في الفترة الانتقالية أكدت فيها أنه يلقي بقيود ثقيلة على حق التعبير عبر الإعلام بما يجعل الصحافة المستقلة والنقدية مستحيلة فهو يفرض تحكما شبه تجريمي على الإعلام السوداني، ثم أصدرت بعدها مذكرة تفصيلية حول القانون انتقدته في عدة نقاط مقايسة له بالمعايير العالمية لحرية الصحافة.
وفقا للتجربة المرة التي عايشناها مع قانون الصحافة الحالي فإن مشاكله تكمن في:
استخدام العقوبات الجنائية في مواجهة قضايا الرأي: الحبس والغرامات الباهظة للمكروهين من السلطة والمخففة للمحاسيب كعقوبات لنفس المخالفات عملت كسوط تخويفي.
مصاريف التسجيل المتروكة للوائح صارت آلية للتحكم في الصحافة ومعلوم أن المصاريف المرتفعة قيد على حرية التعبير.
اشتراط عدد كاف للصحافيين قيد غير مأذون وهو قيد على حرية التعبير، كذلك شرط تسجيل الصحفيين غير مقبول.
التعامل مع المتطلبات بمرونة (مثل المبالغ المطلوبة للتسجيل) مما يتيح للمجلس هامشا واسعا لرفض أو قبول المتقدمين مما يمكنه من إقصاء قطاعات كبيرة من المجتمع السوداني من حق التعبير ويتيحه لآخرين. في حين أنه يجب أن يصاغ القانون بعبارات واضحة محددة تنطبق على الجميع بدون فرز.
الشروط لرئاسة التحرير مثل العمر والمؤهل الجامعي غير مشروعة ولا مقبولة دوليا، وخاضعة أيضا لتحكم المجلس (باستثناء من تتوفر له الميزة النوعية).
التوسع في حجب المواد السرية، إذ يجب حدها وتعريفها بدقة، مع السماح بطغيان المصلحة العامة في النشر حتى لدى توفر شروط السرية. (والقانون الجديد أضل سبيلا).
النصوص التي تمنع نشر المعلومات الكاذبة وكل النصوص حول نشر المعلومات الصحيحة ومراعاة القيم وسائل للحد من حرية التعبير.
إذا كان هناك من داع لمجلس للصحافة فيجب أن يدار ذاتيا بشكل كامل، وتكون مهمته تشجيع حرية الإعلام وتأكيد الثقة في الصحافة عبر استقبال الشكاوى من الجمهور والبت فيها، ولا يكون هناك أي تداخل حكومي معه وتعاد تسميته ليكون (المفوضية المستقلة للصحافة) واختيار المجلس يجب ألا تدخل فيه أية جهة سياسية كالمجلس الوطني أو تنفيذية كالمجلس القومي للتعليم العالي أو رئيس الجمهورية، بل يكون كامل الاستقلالية.
مر القانون الحالي وكان مغضوبا عليه في سنة 2004م، وبلا أب حيث تبرأ منه الجميع حينها ورافقته حملة ضخمة كان لها صدى إقليمي، واعتبره البعض إجراء استباقيا لاتفاقية السلام ونصوصها التي تتضمن الالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتعالت الأصوات الداعية لاستبداله وقد نصت اتفاقية السلام على ذلك في 2005م وسماه اتفاق التراضي في 2008م كقانون واجب الاستبدال الفوري. وقدمت له أكثر من مسودة كان أكثرها ذيوعا مسودة العام 2007م التي نوقشت على مستوى يمكن وصفه بالعريض.. ثم جاء قانون 2009م.
ونحن نزمع بإذن الله أن نتطرق للقانون الجديد تفصيلا ولكنا نكتفي الآن بالقول: إن قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2004م يتناقض مع المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التي انضم لها السودان، ويتناقض مع الدستور الانتقالي لسنة 2005م ومع اتفاقيات السلام لحجره على حرية التعبير وتكبيله للعمل الصحفي في عدة بنود، وأي حديث عن قانون جديد لا جدوى له إلا بإزالة هذه التناقضات وسن قانون يتناغم مع ما التزمنا به من مواثيق ومع (المجتمع الديمقراطي) الذي نسعى له، وأية خطوة مخالفة تأتي بقانون من قبيل أحمد وحاج أحمد لن يوصلنا إلا لحالة (ساقية جحا، الله ينجحها.. تشيل من البحر وتخت في البحر) ولات حين نجاح!
وليبق ما بيننا
تقرير نزع في مايو 2009م