الأربعاء، 10 يونيو 2009


هذا التقرير نزع عن صحيفة أجراس الحرية – صفحة الجمعة الجامعة- في يوم الجمعة 29 مايو 2009
محاولة اغتيال عرمان في كفة الإسلام
علماء السودان يرمون عرمان ويحرضون عليه ويرد قائلا: إنهم علماء المؤتمر الوطني
الحركة من أجل حرية الضمير: الرئاسة عليها أن تدرأ خطر الجماعات المتفلتة وأذاها على الدين والدنيا معا
مكي علي بلايل: الهيئة إما جاهلة لو لم تكن تعلم أن الدستور يستثني غير المسلمين أو غير أمينة لو كانت تعلم ذلك وأثارت ما أثارته
محمد المهدي حسن: غلبنا التخيير في تطبيق الشرع على غير المسلمين
حتى المرتد هناك فقهاء لا يقولون بقتله وقتله في زماننا الحاضر هزيمة للنهج المقاصدي
الجمعة الجامعة- صحف- وكالات
تعرض الأستاذ ياسر عرمان القيادي بالحركة الشعبية لمحاولة اغتيال حيث ضبطت قنبلة بمكتبه بمقر الحركة الشعبية بأركويت فجر الاثنين الماضي، وكان عرمان قد تحدث في المجلس الوطني في أبريل الماضي متحفظا على تطبيق العقوبات الحدية على غير المسلمين مؤكدا أن تطبيق حد الزنا لا يجب أن يكون على بعض الجماعات التي تبيحه أعرافها. وقد أثار حديثه لغطا داخل المجلس وأعقب ذلك إصدار بعض الجهات والأفراد لتصريحات تكفر عرمان وتهدر دمه. ولأهمية هذه القضية من ناحية حرية الفكر من جهة ومن ناحية الاهتمام بنفي الإرهاب عن ديننا الحنيف فإننا نقوم باستعراض بعض المواقف والآراء حول الأمر. خاصة وأن حادثة محاولة الاغتيال مربوطة ربطا حيويا بالآراء والتحريضات التي سبقتها.
كانت هيئة علماء السودان قد أصدرت بيانا بعنوان (بيان من هيئة علماء السودان حول مفتريات ياسر عرمان) عرض البيان بعرمان باعتباره ممن (تربوا في أحضان الكفر ورضعوا من ألبان الجهل حيث خرجوا على الناس بأعظم فرية وأقبح قولة أن تطبيق حدود الله وإقامة شرع الله إهانة للإنسان السوداني).. رصد البيان عددا من الآيات التي تصف الذين يسارعون في الكفر والكافرين والذين لا يحكمون بما أنزل الله، معقبا بتحريض السلطات والشعب ضده. وبالرغم من حدة لغة البيان وعنفه وإساءته البالغة لعرمان إلا أن كاتبا مثل الأستاذ إسحق أحمد فضل الله رآه دون المطلوب وكتب معرضا بالهيئة وعلمائها ومحرضا على عرمان ما عرضه للمساءلة والإيقاف عن الكتابة. أما عرمان فقد رد على البيان بعنف وقال: هم في الحقيقة علماء المؤتمر الوطني وليسوا علماء السودان، ودرجوا على التدخل في العمل السياسي ولا أحد يحفل بالفتاوى السياسية الصادرة عنهم، ليس أنا فحسب بل حتى رئيس الجمهورية، حينما أفتوا بعدم سفره إلى الخارج. وقال إن البيان الذي أصدروه بيان سياسي من الطراز الأول لا علاقة له بالدين ومحاولة لحجر الرأي الآخر وهو خرق فاضح للدستور ولائحة البرلمان اللذان يمنعان أي جهة من تعويق عمل النواب أو محاسبتهم عن قول أو فعل صادر أثناء أداء أعمالهم. فهو محاولة لتكميم الأفواه واستخدام الدين في عمل سياسي مفضوح في الانتخابات ووقف تنفيذ اتفاقيات السلام، وعلماء السلطان ظاهرة قديمة.
في المقابل دعت «الحركة من أجل حرية الضمير» الرئيس السوداني عمر البشير ونائبيه سلفا كير ميارديت وعلي عثمان محمد طه إلى اتخاذ إجراءات في مواجهة «هيئة علماء السودان»، التي اتهمتها بأنها تستنفر المجتمع إلى العنف والعنف المضاد، وإيقاف الفتاوى التي تكفر المواطنين. وطالبت الحركة، التي كونت إثر موجة تكفيرية عريضة سبقت في عام 2003م والتي تضم شخصيات حقوقية وسياسية مستقلة، وحزبية من قوى سياسية مختلفة معارضة ومشاركة في الحكومة، طالبت الرئيس بالعمل على صون وحدة السودان وكفل الحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية الضمير داخل البرلمان وخارجه. كما طالبت مؤسسة الرئاسة بالعمل على لجم من وصفتهم «بالجماعات المتفلتة ليكف أذاها عن المجتمع ويدرأ خطرها الفادح يقينا على الدين والدنيا معا»، وتنظم الحركة كرنفالا للتضامن مع عرمان ورفض الإرهاب في مقر الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمقرن مساء الأربعاء القادم.
من جانبه كتب الأستاذ مكي علي بلايل القيادي بحزب العدالة بهذه الصحيفة تحت عنوان (رفقا بهذا الدين: محنة الإسلام مع المتعالمين المتقحمين باسمه) مستحضرا الضجة التي أثارتها السلطة عام 2003م إثر توصل كل من السادة الزعيم الراحل جون قرنق، الإمام الصادق المهدي ومولانا محمد عثمان الميرغني لتفاهم في العاصمة المصرية كان ضمن بنوده اتخاذ ترتيبات تضمن قومية العاصمة في إطار تسوية النزاع في السودان. ومذكرا بأن ذلك الاتفاق يشابه ما تم الاتفاق عليه من قبل السلطة نفسها في اتفاقية السلام الشامل في 2005م مع الزعيم قرنق نفسه. والتدابير فيها بشأن العاصمة القومية التي ضمنت في الباب العاشر (المواد 152-158) من الدستور الانتقالي لعام 2005م. ومستنكرا أن تثير هيئة علماء السودان الضجة التي أثارتها حول إفادات عرمان في البرلمان وفحواها عدم تطبيق العقوبات الحدية على غير المسلمين. وقال: إن الهيئة ستكون بلا شك جاهلة إذا كانت لا تعلم أن الدستور الذي يحكم البلاد يمنع تطبيق العقوبات الحدية على غير المسلمين ويعتبر ذلك مبدأ راسخا في الشريعة بغض الطرف عن أي خلاف ففهي حول هذه النقطة. وهي ستكون غير أمنية إذا كان تعلم ما ينص عليه الدستور ومع ذلك أثارت ما أثارته حول تصريحات لا يخرج مضمونها عن فحوى نصوصه. واعتبر أن القضية هي مشكلة استغلال الدين كأداة إرهاب ضد الخصوم السياسيين من كل ألوان لطيف.
ويقول الشيخ محمد المهدي حسن عضو لجنة العلماء بمجلس الحل والعقد لهيئة شئون الأنصار هناك ثلاثة أنواع من الأديان: المسلمون، وأهل الكتاب واللادينيون أو أصحاب كريم المعتقدات كما سماهم المرحوم جعفر محمد علي بخيت. ونحن كأنصار حينما ناقشنا مسألة تطبيق الأحكام في العاصمة القومية داخل هيئة علماء السودان طرحنا رأيا واضحا. كان السؤال هل يكون التطبيق على أساس شخصي للمسلمين في كل مكان أم جغرافي للشمال؟ تكلمنا حينها عن مبدأ التخيير الوارد في الآية لدى التعامل مع أهل الأديان: {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } أي يتركهم لديانتهم وتحدثنا عن ترك أهل الأديان لديانتهم والمشرع راعى ذلك حينما صاغ قوانين شخصية لغير المسلمين من أهل الكتاب أو أهل الأعراف فلم يفرض عليهم قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين. اتفقنا على ذلك مع هيئة علماء السودان في منزل دكتور محمد عثمان صالح بالمهندسين وأجيز هذا الكلام بوجود الجميع وخاطب الأستاذ علي عثمان في كينيا وقال له الآن العلماء معي اتفقنا على هذا الرأي. فمبدأ التخيير هو الذي أخذ به. أما حول إهدار الدماء حتى لو صح التكفير يقول الشيخ محمد المهدي: إن إهدار الدماء أصلا غير وارد لدى كثير من الفقهاء ومنهم الإمام إبراهيم النخعي قال إن المرتد حتى لو ثبتت عليه الردة يستتاب أبدا ويظل يستتاب ولا يقتل، صحيح موضوع قتل المرتد واردة فيه نصوص ولكن هناك أسباب كثيرة للقتل فرضتها السياسة الشرعية حينها، ولكن الفهم المقاصدي للإسلام يقول إن تطبيق حد الردة الآن فيه إشكاليات كثيرة يتضرر منه الإسلام أكثر مما ينتفع.