الأربعاء، 10 يونيو 2009

المؤتمر الدولي المصري مخرج أم تهديد للمؤتمر الوطني ...(منعته الرقابة الامنية-اجراس الحرية)


المؤتمر الدولي المصري مخرج أم تهديد للمؤتمر الوطني ...
بقلم: أبوذر على الأمين
(منعته الرقابة الامنية-اجراس الحرية)

ظل منهج المؤتمر الوطني تجاه التعاطي مع القضايا والملفات الدولية ثابتاً يبدأ بسقف رفض أومطالب عالية، ثم لايلبس أن يعود للتنازلات التي تتجاوز الخطوط التي يتوقعها أي طرف ولو مراقب!!؟. وكان آخر مثال لذلك الموقف المعلن للحكومة تجاه حركة العدل والمساواة بعد أحداث أمدرمان الشهيرة، إذ أعلنت الحكومة أنها أنتهت مما يسمى حركة العدل والمساواة، وأنها ستفاوض جميع الحركات هناك ما عدا حركة العدل والمساواة، لكن ذلك عاد ليؤكد منهج التنازلات المرتبط بمثل هذه المواقف، لتدخل الحكومة ودوناً عن حركات دارفور الأخرى في تفاوض ثنائي مع حركة العدل والمساواة تحديداً. وقبل ذلك جرى ذات السيناريو مع قوات حفظ السلام الدولية، وغيرها من الملفات والاحداث. والآن يواجه المقترح المصري بعقد مؤتمر دولي يناقش الأزمة السودانية بسقوف مطالب عالية يسبقها رفض (قاطع) لأصل الفكرة وحيثياتها. ولكن هل سيعود المؤتمر الوطني كما عودنا لتبني ما رفضه بأقوى المواقف؟!!.موقف المؤتمر الوطني يبدو حرجاً أمام الدور والتلويح المصرى بأن الثبات عند موقف الرفض قد يعزل السودان عربياً ودولياً. ذلك أن دور مصر اساسي في الدفع باتجاه مواقف وأهداف وآمال المؤتمر الوطني، أو الدفع بإتجاه التوجهات الدولية اتفق الناس حولها أو اختلفوا. كما أن دور مصر وتأثيرها لا يمكن أن يقارن بأي دولة أخرى عربية أو أفريقية، ولا مفر من تعاطي ما مع الرؤى والادوار المصرية طوعاً أو كرهاً، لان مصر بإمكانها التأثير على المواقف العربية والأفريقية وهما الجبهتان التي تستند عليها حكومة المؤتمر الوطني في التصدي والمقاومة لقرارت محكمة الجنايات الدولية. وكل ذلك يعود بالأساس لإهمال المؤتمر الوطني التعاطي الجاد حول تلك القضايا والملفات داخلياً وخارجياً، للدرجة التي ابقت اقوى كروت وملفات التأثير خارجية وليست داخلية. في حين أن المؤتمر الوطني يستند في مواجهتها على السيطرة على الداخل السوداني وأهمال القوى الاقليمية والدولية لكنه رغم ذلك يرجو منها أن تؤثر بشكل أو آخر ولكن ليس على حسابه أو اعتماداً عليه!!؟ وهنا المفارقة التي تحيلنا إلى البحث عن نقاط القوة أو الضعف التي لم يستبنها المؤتمر الوطني بعد في تعاطيه مع أزمة دارفور وتداعياتها بما فيها قرار محكمة الجنايات الدولية الأخير؟ وهل ستكون مآلات الرفض الحاسم للمؤتمر الوطني هي العودة للقبول وبلا شروط كما هو العهد والعادة؟.تبدو اقوى كروت المؤتمر الوطني والتي يلوح بها هي وحدة الجبهة الداخلية وإلتفاف الجماهير حول الرئيس. وتأكيده على السيطرة التامة على مفاصل السلطة والقرار، وأن بإمكانه فعل أي شئ بل إن شئ لن يمر أو يحدث إلا بإرادة منه وقبول. ولكن مع موقف الشريك المعلن حول ضرورة تعامل الحكومة مع محكمة الجنايات الدولية والمجتمع الدولي تجعل الجنوب بوزنه ضمن الحكومة خارج نطاق الجبهة الداخلية المتماسكة، كما أن موقف الحركة الشعبية تجاه قرارات طرد المنظمات الدولية الناشطة بدارفور في اعقاب قرار محكمة الجنايات الدولية والذي أوضحت الحركة أنه اتخذ من طرف المؤتمر الوطني دون علمها أو مشاركتها تقدح في كون الجبهة السودانية متسامكة أو ملتفه حول الرئيس. أضف لذلك دارفور بحركاتها المسلحة ومعسكرات النزوح فيها والتي تضيف جانب آخر خارج تلك الجبهة المتماسكة والملتفه حول الرئيس. ولكن لنفترض أن ذلك كله لا يقدح في قوة الدعم الجماهيري الذي دفعت به قرارات محكمة الجنايات تجاه الرئيس وأن هناك فعلاً تحول داخلي يقوى من موقف الحكومة ويدعم مواقفها تجاه رفض كل التدخلات والحلول الدولية المطروحة أمامها، وأن كل قادة ورموز السياسية السودانية دعموا موقف الحكومة كما عبروا عن ذلك أمام الرئيس وبدعوة منه. من قبل قبلت الحكومة بالمبادرة القطرية المدعومة عربيا وأفريقياً ودولياً، مما يعني أن الحكومة لم تقدم مبادرة داخلية لحل ذو حظ وقبول. وأن التعاطي مع ملف أزمة دارفور أصبح من الثابت تجاهه أن يكون هناك طرف خارجي ما، وأن الحكومة ليست مصدر ثقة للأطراف الاخرى، لماذا اذاً ترفض الحكومة المقترح المصري؟، وما هي اتجاهات أو تفاصيل المقترح المصري؟. قد يكون هناك تنافس بين مصر وقطر. وقد تكون هناك أسباب أخرى تدفع مصر بحكم موقعها وآثرها وأطلاعها لعدم التعويل على المبادرة القطرية خاصة بعد تصريحات بعض المسؤولين السودانيين والتي تفيد بأن ما بدأ بقطر من حوار وتفاوض قد اثرت عليه قرارات محكمة الجنايات سلباً، وهذه اشارة إلى أن ذلك المشوار قد تعثر وأن فرص العودة لطاولة الحوار معدومة إن لم تكن مجرد أمنيات. وأمام هذا الوضع يبدو مثيراً رفض المؤتمر الوطني للمبادرة المصرية بعقد مؤتمر دولي يتناول كل ملفات الأزمة السودانية وفي شمولها هذه المرة وليس على طريقة ومنهج المؤتمر الوطني الثنائية غير القابلة للتنفيذ. ولكن ما هي حيثيات المبادرة المصرية؟، وإلى أي مدى كانت وراء رفض المؤتمر الوطني؟.مما نشر حول المؤتمر الدولي يتضح أن الرؤية المصرية له تأسست على أن مصر يهمها استقرار السودان وأن ذلك بالنسبة لها هدف استراتيجي يدفعها إلى مساعدة السودان، وأن المساعدة المصرية وفقاً لذلك تعمل على ألا يصل قرار محكمة الجنايات الدولية الى مجلس الأمن لخطورة ما سيترتب عليه من تداعيات، وأن أي حل مرجو يجب أن يبلغ ساحة مجلس الأمن بعد الوصول إليه وإنفاذه. والمبادرة المصرية تستند فوق ذلك على أنه ليس هناك اجماع عربي حول مبادرة أو وساطة لحل أزمة دارفور ومحكمة الجنايات الدولية. وأن أزمة السودان الحالية قد أخذت حظها من التدويل مبكراً وأنه جرى تدويلها بالفعل. كما أن مجلس الأمن هو الجهة التي أحالت أزمة دارفور لمحكمة الجنايات، ولكن ليس من اختصاص مجلس الامن سحب قرار الاحالة أو إلغاءه، ولكن فقط يؤجل التحقيقات والملاحقات والمحاكمات طبقا للبند السابع، وأن هذه هي المرحلة التي يقف فيها السودان وعليه التعامل معها ووفقاً لها.وعليه لن يفيد السودان رفع سقف المطالب (بإلغاء) قرار محكمة الجنايات الدولية، أو الادعاء بعد التدويل الحادث أن ما يحدث بدارفور شأن داخلي. بل ذلك الموقف يضعف مواقف اصدقاء السودان بصدد هذه الأزمة خاصة وأن روسيا والصين لن تتجاوبا مع الموقف السوداني على أساس أن المشكلة داخلية. وهكذا يتضح أن الموقف المصرى تجاوز كل المراحل وبلغ مرحلة النضج وتهيأ للنفاذ. ولكن بالمقابل ما يخيف المؤتمر الوطني هو أن المقترح المصري بحسب رؤية المؤتمر الوطني يعمل على تمرير كل المطالب الدولية التي رفضها المؤتمر الوطني وظل يرفضها، ويتضح ذلك من خلال التقارير التي تداولتها وسائل الاعلام حول بنود تحمل صفقة تستوجب على حكومة المؤتمر الوطني – الاسراع بوتيرة التنمية بدارفور، وفتح المجال أمام المجتمع الدولي للإطلاع على ذلك بنفسه، واعادة بعض منظمات الاغاثة التي طردها المؤتمر الوطني، وقيام الخرطوم بمحاكمة المتهمين بإرتكاب جرائم حرب امام العدالة السودانية، وأخيراً تسريع التوصل لإتفاق مع الحركات المتمردة هناك.ووفقاً للمبادرة المصرية سيكون أطراف المؤتمر الدولي اضافة لمصر الدول العربية والاتحاد الافريقي والأمم المتحدة وروسيا والصين. بل تدفع مصر بأن تنفيذ تلك المقترحات او البنود سيدفع بواشنطون وباريس ولندن للإنضمام لروسيا والصين للمطالبة (بتجميد) مذكرة الاعتقال أمام مجلس الأمن. ويبدو من النظر للاطراف المشاركة أن الدول الداعمة لقرار المحكمة الدولية (أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا) خارج منظومة المؤتمر الدولي المقترح، بل إنها تنتظر نتائجة إن لم تكن وراءه لتحدد من بعد ذلك موقفها. وهذا واحداً من أسباب الممانعة السودانية الواضحة. ذلك أن كل الجهود والأدوار الدبلوماسية التي اضطلع بها السودان أو المجموعات الداعمة لموقفه الاقليمية العربية والافريقية وحتى عدم الانحياز لم تستطع تجاوز هذه الدول أو تحريكها بإتجاه أهداف المؤتمر الوطني والسودان القاضية بالإلغاء أو التأجيل، وأنها تدفع بمطالب بعينها لمساندة السودان وفقاً للمادة (16) و التي حدودها التأجيل فقط. يتضح ذلك من خلال التبرير الرسمي لرفض المقترح المصري الذي عزاه مسؤول سوداني إلى أن ما تم الاتفاق عليه هو ما يجري بالدوحة وأن ذلك "هو تفسير لما كانت قد دعت إليه الجامعة العربية والحديث عن أي منبر آخر شيء جديد باعتبار أن ما تم الاتفاق عليه في الجامعة العربية هو مشاركة إقليمية ودولية تحت السيطرة وليست دعوات لدول بعينها بريطانيا، وأميركا وفرنسا، التي يمكن أن تقرر في مسائل لا ترضى بها الحكومة السودانية". (السوداني عدد 2009-03-15) والمسائل التي لا ترضي الحكومة السودانية هي ما سربته بعض وسائل الاعلام المصري التي تناولت (تقارير الصفقة) التي عرضنا بنودها أعلاه.والواضح من خلال كل هذا السرد أن المؤتمر الوطني يعرف أن لهذه الدول شروط ومطالب بعينها، وأن تلك المطالب تمثل كل التهديد للمؤتمر الوطني. كونها تتضمن محاكمات داخل السودان ولكنها تشمل كل من ورد أسمه بقائمة الاتهام أو في حدودها الدنيا الأسماء التي أعلنت عنها محكمة الجنايات الدولية، وهو الأمر الذي ظلت تسكت عنه كل الدول والمنظومات الاقليمية الداعمة لموقف السودان رغم تأكيدها جميعاً على عدم الافلات من العقاب.وما تزال المواقف تراوح مكانها بين رفض قوى ومعلن من قبل المؤتمر الوطني، ومجهود مصري ما يزال يحمل أمل القبول السوداني بالمؤتمر الدولي. لكن أكثر ما يخشاه المؤتمر الوطني هو مقترح الحكومة الانتقالية المناط بها إكمال العبور والخروج من الازمة الحالية بمراقبة وإجراء الانتخابات خاصة وأن الطرف الشريك للمؤتمر الوطني ما يزال لا يثق بل يقر بأن المؤتمر الوطني يريد انتخابات بلا قوانين يضمن بها ترسيخ سلطته وإعطاءها الشرعية التي ظلت تفقدها طيلة سني حكمها الطويلة بدون تقديم حلول عملية للأزمات المتطاولة والمتكاثرة التي تهدد وحدة القطر والاقليم من حوله.حتى الان من غير المنظور من أين سيأتي الحل خاصة أمام دفع المؤتمر الوطني بترهيب الداخل السوداني بكل الوسائل، والتلويح بذلك لتهديد المجتمع الدولي وتحديه. لكن بالمقابل تظل المعادلة الداخلية هي الاخري واحداً من المهددات التي قد تدفع بالمؤتمر الوطني لقبول أي مقترح وإن أعلن رفضه الآن وبإصرار وتحدي. وعليه تبقى كل الاحتمالات مفتوحة ورغم ذلك يصعب التكهن من إين يأتي الحل خاصة وأن الداخل حتى الآن خارج ملعب المبادرات بلا دور سوى (إظهار) رفض تسليم الرئيس، وإن كان يحمل رؤى للحل كثيرة وذات إعتبار لكنها ظلت من المهملات. ورغم ذلك ليس من المستبعد أن يأتي الحل من الداخل ولكنه رغم ذلك لن يراوح المقترحات التي يجري تداولها بين القوى الدولية والاقليمية الان ومهما يكن من أمر تبقى لكل بداية نهاية.