الأربعاء، 10 يونيو 2009

لغة التفجيرات (نزعته الرقابة الامنية)



لغة التفجيرات (نزعته الرقابة الامنية)
كتب : خالد فضل




أياً كانت الجهات التي زرعت القنبلة الموقوتة في المبنى الذي يشغله القطاع الشمالي بالحركة الشعبية لتحرير السودان ويضم مكاتب نائب الامين العام للحركة للقطاع الشمالي القائد ياسر سعيد عرمان، واياً كانت دوافع منفذي تلك الجريمة البشعة التي شاءت ارادة الله عز وجل ان يبطل مفعول اكتمالها فحدث الانفجار المحدود الذي لم يخلف لحسن الحظ أية ضحايا في جانب الارواح البشرية إلا ان دخول لغة التفجيرات والمتفجرات والسيارات المفخخة وعمليات الاغتيالات للزعماء والناشطين السياسيين، وفي هذه الفترة الحرجة من تاريخ بلادنا، مما يؤشر صراحة الى خطر داهم يتهدد وجود الحياة في بلادنا واذا كانت بلادنا قد شهدت وعاشت فيها اجيال واجيال منذ منتصف الخمسينيات حيث مولد السودان المستقل في 1/1/1956م، وقبله بشهور، حيث اندلعت شرارة الحرب الاهلية الاولى في العام 1955م، واستمرت لفترة 17 سنة حتى العام 1972م، حيث ابرمت اتفاقية اديس أبابا والتي استمرت حتى مطلع1983م، حينما نقض الرئيس الاسبق نميري الاتفاقية لتندلع من
ثم حرب التحرير الوطني الطويلة بقيادة الحركة الشعبية ورئيسها الراحل د.جون قرنق ديمبابيور منذ 16 مايو 1983م وحتى تاريخ توقيع اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير 2005م لتنتهي اطول الحروب الاهلية الافريقية واشدها مأساوية حيث خلفت ملايين القتلى والمعاقين واللاجئين والنازحين والحقت دماراً شاملاً بالنبى التحتية في الاقليم الجنوبي ومناطق جبال النوبة وابيي وجنوب النيل الازرق وخلفت آلاف المواقف التراجيدية المفجعة، وعانى ملايين السودانيين في جنوب السودان والمناطق الثلاث من افرازات تلك الحرب اللعينة التي كانت تدور بين ابناء الوطن الواحد حيث الطرف الحكومي وقواته الرسمية ومليشياته الموالية وجانب الجيش الشعبي لتحرير السودان. وسط كل هذه الاجواء الملبدة بغيوم الغبن والبيئة المهيأة لنمو الحق والضغائن لم تخرج الحرب في مأساويتها من نطاق الميدان الحربي او تضرر المدنيين في مناطق النزاع بشكل مباشر او غير مباشر لكن، لم يكن اسلوب الاغتيال والتفجير وزرع القنابل في المكاتب او على الطرقات والسيارات قد اتخذ كطريق لتحقيق الانتصارات الميدانية، لقد كانت حرباً نظيفة اذا جاز وصف الحرب بالنظافة، وظل الميدان هو المكان الرئيس لحسم الاختلافات الدامية، فسقط الشهداء من جانب جيش التحرير وترملت نساء وتيتم اطفال وتشرد الملايين دون ان يمارس أيٌ من المنتمين للحركة/ الجيش الشعبي فعلاً انتقامياً على شكل عبوة ناسفة في حافلة او مكتب او سوق وحتى في الحالات النادرة التي وقعت فيها احداث مفجعة وسقط فيها ضحايا ابرياء كانت معظمها عن طريق المواجهة والرمي بالرصاص في اتون او من خلال المعارك. وقد دهش المراقبون حقاً لكون ان السودانيين على علاتهم الكثيرة وعلى مأساوية اوضاعهم وسوء احوال معيشتهم وضنك سبل حياتهم إلا انهم ظلوا بجميع تعددياتهم الاثنية والدينية والثقافية يتمسكون بالحد الادنى الذي يحفظ لبلادهم تماسكها الاجتماعي ويقيها شرور التشرذم والتبعثر على اسس عريقة او دينية او جهوية محضة. لقد مارس السودانيون في الجانبين الحكومي الرسمي او الشعبي الثائر اوفر قدر من ضبط النفس تجاه خصومهم الاخرين من ابناء الوطن، ولكأن نداء خفياً كان يناديهم دوماً، بان بعد العسر يسرا، وان الصراع والنزاع الى نهاية، وان ارض بلادهم تسعهم جميعاً، وان لحظات السلام آتية، وساعة احقاق الحقوق المتساوية قادمة لاريب، فتمسك الاحياء منهم بخيوط الامل، ولم يسعوا في اقسى اللحظات لقلب الطاولة ودك العرش على طريقة نيرون روما او شمسون الجبار او وفق مقولة (عليَّ وعلى اعدائي) فقد ظل الخيط الذي يقود الى التلاقي مهما تباعدت الخطوط موصولا، وبالفعل، فانه وفي لحظة استقبال الراحل د.جون قرنق ذهل العالم كله على مقدرة هذا الشعب على التجاوز والمسامحة والعفو وتأكدت جميع شعوب الدنيا ان الامل موجود وسط السودانيين طالما ظل هذا ديدنهم. وحتى عندما رحل د.جون قرنق وفي ردة فعل عفوية انفجرت الاوضاع بصورة دامية تم تداركها سريعاً، وعاد الناس في الخرطوم وجوبا وغيرها من المناطق الى جادة الطريق واستعاد الناس الوعي بعد هول الصدمة فعادوا يمارسون حياتهم الاولى وكأن تلك الحوادث كانت كابوساً في ليل مدلهم ومرة اخرى ازدادت القناعة ان بهذا الشعب سر عجيب.
* أما ان يحدث ما حدث في مكتب الحركة الشعبية القطاع الشمالي بحي اركويت حيث يقع المكتب على شارع رئيس ويجاور مباني برنامج الغذاء العالمي، وطلمبة وقود، ومستشفى القلب، وشارعاً تجارياً مأهولاً بالحركة الدائبة والنشاط اليومي، فان الامر يتطلب اكثر من وقفة والتحقيق يجب ان يطال اكثر من جهة، مهما كانت مكانتها او حصانتها او قربها من السلطة وعلى أي مستوى، لأن ما وقع ليس حادثاً معزولاً او جريمة جنائية عادية او حتى جماعة ارهابية او متعصبة فحسب، ما حدث يشير ضمناً الى مخطط مرسوم بعناية ودقة في التنفيذ لتحقيق غاية بائسة، فالقائد ياسر عرمان ظل في ساحات الوغى منذ العام 1987م ومآثره في الميدان مما شهد بها من كتب تحت عنوان (عدواً احببناه) اما بصماته السياسية ونشاطه الدفاق وشعبيته الجارفة والكاريزما الجبارة التي يتمتع بها فانها من مقومات تتويج الزعماء الشعبيين حقاً لذلك فان أي مساس بياسر عرمان لا ينبغى ان يؤخذ باعتباره الفردي بل يجب ان يؤخذ في موضعه الطبيعي كرمز لملايين المهمشين والفقراء والمعذبين الذين ظلوا يلوكون الصبر ويكتمون آلامهم واوجاعهم ويأملون في تغيير لصالح اغلبيتهم على شرط ان يكون التغيير سلمياً فقد رغب الناس في السلام ورغبوا عن الحرب واذا كان البعض تحت اية لافتة يريد القضاء على ما تبقى من اوجه الحياة في بلادنا فهو دون شك عدو مبين لكل الشعب وليس لياسر عرمان او الحركة الشعبية وحدها لذلك فان واجب كل الشعب السوداني ان يقف بحزم امام مثل هذه الالاعيب البائسة ويردع بحسم الايادي التي تريد تمزيق البلاد ونشر الفوضى وإثارة الضغائن والفتن في البلاد فالمسؤولية جماعية وواجب المهمشين اخذ الحيطة والحذر.