الأربعاء، 10 يونيو 2009

سلاح العقل (نزعته الرقابة)



سلاح العقل (نزعته الرقابة)


خالد فضل




في كلمة بعمود (جرس أخير) ـ أجراس الحرية 7 مايو 2009م، أشار الاستاذ دينق قوج، عضو المجلس الوطني الانتقالي عن حصة الحركة الشعبية لتحرير السودان، الى واقعة تذكير احدى عضوات المجلس لرئاسة الجلسة بأن بعض أعضاء المجلس يحضرون الجلسات وهم مدججون بالسلاح. ثم استطرد الاستاذ قوج، وبحكم مشاهدته لما يحدث في المجلس، حيث ذكر أن العضو يس محمد علي هو من دخل المجلس بسلاحه متباهياً، بل انه ظل يحشو خزنة سلاحه بالرصاص وهو جالس في مقعده البرلماني وسط نواب حزبه المؤتمر الوطني.* صورة النائب البرلماني المحترم يس، وهو يعبئ الرصاص في خزنة بندقيته أو مسدسه، كما أوردها الاستاذ الاستاذ دينق، مقروءة مع (4) مقالات مميزة كتبها الزميل عبد المنعم سليمان ضمن عموده (صدى الأجراس) بعنوان كانجورا السودانية، وخلاصة تلك المقالات ان (كانجورا) بلغة (الكينيا رواندا) التي يتحدث بها شعب الهوتو، تعني (الانتباهة)، وقد استعرض الأستاذ منعم ما ظلت تلك (الانتباهة) الرواندية تنشره من تحريض على التطهير العرقي للتوتسي، وهي المجازر المعروفة والتي حدثت في أواسط العقد الأخير من القرن الماضي، وسببت ألماً بالغاً وحرجاً عظيماً للضمير الانساني في الكرة الأرضية قاطبة. ولعله من نافلة القول التذكير مراراً وتكراراً الى خطورة نهج (الانتباهة) السودانية، ومنبرها العنصري الذي يقود دون أدنى شك الى نتيجة محتومة هي حدوث انفجار سوداني متعدد الأطراف على أسس عرقية ودينية وجهوية، فيصبح مستقبل السودان عرضة لصراع وقتال الكل ضد الكل، وبالطبع فان (البوم وحده هو ما يعجبه الخراب) كما في القول السائد. فعند لحظات الانفجار والغضب الجارف يغيب صوت العقل، ويصبح الانسان إما قاتلاً او مقتولاً، وكلا الخيارين مما لا يمكن قبوله واستساغته هكذا بكل سهولة، فهل ذنب السودانيين انهم ولدوا على هذه الأرض، لذلك فانهم امام هذين الخيارين العصيبين، واذ أذكر هنا، انه في يوم اعلان رحيل د.جون قرنق، واندلاع حالة فلتان وغضب عارم، اتخذ في بعض جوانبه وجهة عرقية بحتة، كنت في اللحظات الأولى في الخرطوم وتحديداً في شارع القصر، وعندما حاولت تهدئة خواطر بعض الهائجين، وتذكيرهم بألا يمارسوا التخريب للسيارات التي صدف وقوفها في الشارع في تلك اللحظات، أذكر ان مجموعة من الغاضبين كادت تفتك بي لمجرد طرحي لصوت العقل ذاك، فانسحبت من تلك المواجهة لأنني أيقنت ان لحظات الانفجار تلك مما لا يمكن ضبطها بالعقل، وبالفعل حدث ما حدث مما هو معلوم للكافة، وما من عاقل يريد تكرار ما حدث اللهم إلا إذا كان ذلك الشخص مجنوناً لا يعقل عواقب فعله، ولهذا السبب ظل صاحب هذا القلم يدعو ـ كلما سمحت له ظروف الرقابة الأمنية بالكتابة ـ لإعمال العقل، وافساح المجال بحرية للتداول السلمي للأفكار والآراء وحتى التشنجات، فمن أفضل الوسائل للوقاية من العنف والانفجار، اتاحة الفرصة للحوار وللعقل، وحتى لا نندم فيما بعد على ما أضعناه من فرصة لتجنب الكارثة. * ان مسلك ذلك النائب البرلماني يجب ان يجد المنع الحاسم من رئيس المجلس الوطني ومن رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الوطني، بل من أمن المجلس، ومن الشرطة، وللمقارنة فقط، فقد تم اعتقال عشرات الصُحفيين قبل عدة أشهر من أمام أسوار المجلس الوطني وهم يحملون لافتات قماشية، وأقلاماً كانوا يريدون التعبير بها عن موقفهم من قانون الصحافة، فبأي منطق ومسوغ، وتحت أية عدالة ومساواة وحكم رشيد يستمد كما يزعم أصوله من شرع الله، يحدث هذا التناقض، بحيث يسمح لنائب برلماني حزبي، وأمير سابق لإحدى مليشيات الحرب الأهلية، بحمل السلاح وحشو خزانته داخل قاعة الجلسات، وخطورة ذلك الفعل، اذ من الجائز جداً ان تنطلق رصاصات من ذلك السلاح عمداً او سهواً، فتصيب من تصيب من نواب المجلس الآخرين او حتى ترتد لتصيب حامل السلاح نفسه. واذا كنا جميعاً نحرص على ابعاد اطفالنا في المنازل عن الموقد وانبوبة الغاز، واسلاك الكهرباء، ونحرص على عدم وقوع الآلات الحادة في أياديهم ناهيك عن الاسلحة النارية، كل ذلك يتم حرصاً وحفاظاً على حياتهم وحياة الآخرين في المنزل والممتلكات، فما بال السادة في رئاسة المجلس الوطني، وفي أمنه، وفي الحزب إياه، والأجهزة النظامية الأخرى، ما بالهم يسمحون بعبث نائب برلماني بالسلاح الناري داخل أروقة البرلمان؟! * إن أخطر ما تحمله، حكاية النائب المسلح، والصحيفة التي تحض على الفتنة والتطهير العرقي والانفجار العنصري والديني والجهوي، أخطر تلك المعاني، انها تشيع أجواء من البلبلة والاضطراب والارهاب والتشويش، وفي مثل هذه الأجواء لا تعمل العقول بكفاءة ولا تتاح الفرصة لاعمال أهم وأقوى سلاح يمتلكه الانسان وهو سلاح العقل، فقل لي بربك، الى أي مصير يقودنا هؤلاء القوم، وهل نقف مكتوفي الأيدي تجاه تلك الألاعيب الصبيانية، فيندلق الكوب وساعتها لن يجدي الندم، فالمسؤولية واضحة ومباشرة وهي واجب على كل انسان عاقل راشد في هذه البلاد، فالخيارات واضحة وضوح الشمس، إما وطن وبلد وحياة تسعنا جميعاً، أو الموت والدمار والارهاب، الذي يدعو له أولئك الصنف من أبناء جلدتنا بأسلحتهم النارية والعنصرية.