الأربعاء، 10 يونيو 2009

في رحاب حرية الفكر والنشر (نزعته الرقابة الامنية)



في رحاب حرية الفكر والنشر (نزعته الرقابة الامنية)

خالد فضل


ربما كان اسحق احمد فضل الله في تلك الأيام، في الضفة الأخرى، مناصراً للجهات التي قادت التحريض والفتنة وطالبت بقصف المرحوم الاستاذ/ محمد طه محمد أحمد، اذ أن اسحق ما فتأ منذ أن عرفناه كاتباً في صحافة الخرطوم، محرضاً على الفتنة، مشتاقاً للقتل، متباهياً بأنه أرسل كذا نفس بشرية الى الجحيم.. لم يكتف بالمباهاة بقتل أنفس بعض بني وطنه في الحرب الأهلية، بل قرر وهو ما يزال يعيش في الحياة الدنيا، أنه أرسلهم الى الجحيم، لقد تعدت قدراته وصلاحياته حدود البندقية الكلاشنكوف أو غيرها من عدة القتل وعتاده الى التدخل في صلاحيات الإله وشأنه في ادخال من يشاء الى الجحيم أو رزق من يشاء بالجنة والنعيم..لذلك لا يبدو غريباً أو مفارقاً للمنطق أن نرى رئيس تحرير صحيفة الوفاق يحرض على القتل، ولم تكن هذه هي المرة الأولى في دعواته تلك، وظل ياسر عرمان يشكل قلقاً وبعبعاً مخيفاً لاسحق وأمثاله، أولئك الصنف من كتاب صحافة الغفلة والاستعلاء الزائف، انهم يرون في ياسر عرمان سمات القائد الملهم لقوى وقواعد التغيير في البلاد، لذلك يقصفونه براجماتهم ويصبون عليه حمم غلوائهم، وفي كل مرة يتقدمهم ياسر بسعة أفقه، وعمق فكره، وأصالة معدنه وانسانيته. قلتُ اسحق كان في الضفة الأخرى يومذاك، إذ أذكر أنه في إبان الفتنة باسم الدين التي تزعمتها جماعة من المتشددين ضد الاستاذ المرحوم/ محمد طه محمد احمد على خلفية نشر مقال منقول من الانترنت، حمل بعض الاساءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبالطبع فان صاحب كل فكر مستقيم وعقل صحيح غير سقيم ووجدان انساني صافٍ، لا يمكنه ولا يستسيغ الاساءة لأي معتقد أو تحقير أي نبي او رمز ديني لأية جماعة كانت. يحدث هذا من جميع العقلاء من مختلف الديانات والملل والثقافات، لذلك، كان من رأي جماعة من السياسيين والكتاب والصحفيين، ان الحملة المسعورة ضد الاستاذ المرحوم/ محمد طه لم تكن غيرة على الدين، أو جهاداً في سبيل نصرة نبيه الأمين، بقدر ما كانت احدى استعراضات العضلات لجماعة من السياسيين الذين يلحتفون الدين عباءة، حتى يشيعون جواً من الترهيب الفكري والتخويف السياسي، مما يقود الى انحسار إعمال العقل وسيادة الغوغائية وهدم نسيج المجتمع وإثارة الفتنة الدينية، واعاقة سير تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل، وهدم الدستور، وسيادة الفوضى، وأخذ القانون باليد، مما يؤدي الى تدمير البلاد وتفتيها. فقد رأت تلك الجماعة من المواطنين السودانيين أن الغوغائية ودعوات القتل والتحريض ضد محمد طه، لم تتوقف عند ذلك الشخص أو في تلك الحادثة، انما ستتعداها لتشمل كل صاحب رأي آخر يخالف رأي تلك الجماعة الارهابية. ومع التأمين التام على خطأ نشر أية اساءة للمعتقدات، بيد أن الناس يعلمون ان ذلك كان خطأً فنياً غير مقصود، بل ان الاستاذ محمد طه لم يعلم به إلا وهو منشور، مثله مثل أولئك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها. ولكن شجاعة المرحوم، وثباته على الموقف جعلته يتبنى الخطأ الذي وقع في صحيفته بكل شجاعة وفدائية. المهم، ضمت تلك المجموعة كما ذكرت عدة أسماء سياسية وصحفية منهم غازي سليمان المحامي، الذي استضاف الاجتماع في منزله، للنظر في كيفية مواجهة موجة التطرف والمكارثية الجديدة التي استغلت عواطف الناس ومحبة المسلمين السودانيين للنبي محمد (ص) فحاولت إثارة الفتنة وازهاق روح محمد طه، وكان من ضمن المشاركين في الاجتماع الاستاذ مصطفى أبوالعزائم، والاستاذ ياسر عرمان، وغيرهم، عدد كبير من المحامين والسياسيين والكتاب والصحفيين، اتفقوا جميعهم على ضرورة التصدي للفتنة، وعلى ضرورة ان يتخذ القانون عبر القضاء مجراه في أية قضية لأن ذلك أسلم طريق للحفاظ على البلاد وتماسك شعبها وكان المرحوم الاستاذ/ محمد طه على معرفة تامة بما يقوم به اولئك النفر من المواطنين، تضامناً، ليس مع الاساءة للرسول او تحقيره، ولكن تضامناً مع الاستاذ محمد طه في اتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه، ومحاكمته عبر الوسائل القضائية والقانونية ان كان هنا ما يوجب المحاكمة، وكان اجماع المجتمعين على رفض الأساليب الهجمية. يومها لم أدرِ إن كان الاستاذ اسحق أحمد فضل الله يتفق مع تلك المجموعة أم يناصر مجموعة البغضاء والفتنة.. لكن، ولاحقاً، لقي الاستاذ محمد طه ربه في الحادثة المشؤومة المعروفة، وتمت محاكمة لبعض الاشخاص بتهمة تورطهم في تلك العملية الخسيسة، واعدموا قبل أيام، وصاروا جميعهم في رحاب العدل المطلق والحق المطلق، في رحاب الله، فهو وحده العالم بكل الأسرار والمطلع على ما تخفى وما أخفت الصدور. برحيل الاستاذ محمد طه، خلفه اسحق على رئاسة تحرير الزميلة الوفاق. وقد كان أمراً شاذاً وغريباً بالنسبة لي على الأقل، ان اسحق رئيس تحرير الوفاق، يكتب عموده في (الانتباهة) في ذات اللحظة، ولا أدري كيف يمكن فهم تلك الحالة من ناحية أدبية، اذ لدي شك معقول بأن اسحق وفئته مرفوع عنهم القلم من ناحية ادارية او قانونية.. إذ انهم يقدمون خدماتهم الجليلة في مناصرة الطغيان والاستبداد واثارة الفتنة والترويج العنصري الفج، ولكن قل لي بربك، ومن ناحية اخلاقية وأدبية، ألا يجوز التساؤل عن مغزى كون رئيس تحرير صحيفة، يكتب عموداً في صحيفة أخرى تصدر مع صحيفته وتوزع من ذات المنافذ والمكتبات. هل هو عدم اقتناع بالصحيفة التي يرأس تحريرها، أم ان الصحيفتين في نظره عبارة عن نشرة واحدة بعنوانين مختلفين فقط، أم انه وفي سبيل توسيع قاعدة نشر الأفكار المسمومة وإثارة الفتنة العنصرية والدينية يجوز ما لا يجوز في ظروف نشر الحكمة والعقلانية ومناصرة حقوق الانسان والالتزام بالدستور، ودعم اتفاقية السلام ونشر ثقافة التعددية والتسامح؟ لقد حاق بالوفاق ما حاق من أمر الايقاف، وحسناً فعل الاستاذ ياسر عرمان، وهو يصرح ـ أجراس الحرية 28/4/2009 ـ ان جريدة الوفاق ورئيس تحريرها اسحق احمد فضل الله يجب ان يوقفوا عبر القضاء.. إن من حق الاستاذ ياسر ان يطالب بمعاقبة من يراه متجاوزاً ومتعدياً ومثيراً للفتنة ومحرضاً على القتل، ولكن لأن ياسر متسق مع أفكاره ومبادئه فانه بالمثل طالب بأن يتم ذلك عبر القضاء وليس عبر أية جهات أخرى خارج نطاق القضاء، فانظر عزيزي القارئ وقارن بين فكر يشر به ياسر عرمان، ومنهج يتبناه، يدعو الى الاحتكام للقضاء في مواجهة من يحرض ضده بالقتل والتشهير والتشنيع، انه أدب السودان الجديد، وانه مشروع الأمل الوحيد المتبقي لقيادة السودان الى بر الأمان بعد ان اتضح عجز كل مشاريع الاقصاء والاستعلاء والتهميش عن قيادة البلاد الى شواطئ الأمان. إن دولة القانون واحترام المؤسسات والانصياع للدستور، وغيرها من أدبيات لا يفهمها اسحق وفئته الضالة، ومع ذلك، فان ياسراً يترفع عن الصغائر، والحركة الشعبية بحكم مسؤوليتها تتبنى موقف ان تتم المحاسبة والعقاب عبر المؤسسات العدلية والقضائية حتى لا تسود الفوضى من أية جهة جاءت، من جماعة متشددة أو من مؤسسة قابضة، فكلا الجهتين ليس من حقهما احلال محل القضاء ليقول كلمته.. وهنا يكمن الفرق الجوهري بين داعية الحرب والمحرض على الفتنة وبين دعاة السلام ذوي الأفق الأرحب والصدر الأوسع والفكر الأرجح.. هنا يكمن الفرق بين مشروع ومشروع فاختر عزيزي القارئ الكريم موقعك كيفما تشاء.. إذ لك وحدك مطلق الحق في الاختيار.