الأربعاء، 10 يونيو 2009

الوهم..!!! .. حجبته الرقابة الامنية من النسخة الورقية



الوهم..!!! .. حجبته الرقابة الامنية من النسخة الورقية
كتب : صلاح الدين عووضه


أحد الظرفاء من الذين (نزلوا الشارع !!) حديثاً بعد نيل (الترخيص!!)- أي الرخصة الشرعية والقانونية التي تعصم حاملها من المساءلة- درج على أن يأتينا بصحيفة (الرأي الآخر) من حين لآخر عارضاً بضاعة بـ (بلاش)..وحين نسأل ظريفنا هذا عن كيف تكون البضاعة ببلاش يرد علينا بعبارة حفظناها عن ظهر قلب: (هو في وهم بفلوس؟!)..فقد كان يسمى بضاعته (الوهم!!)..كان يقول لنا في كل مرة وهو يبتسم ابتسامة ساخرة:( تشتروا وهم ؟!)..والبضاعة هذه كانت صنفاً واحداً لا يتغير حتى حفظناها هي نفسها عن ظهر قلب..فقد كان يكفي أن نسمع صوت ظريفنا وهو يجلجل داخل صالة الاستقبال حتى تتهيأ أعيننا للاكتحال بلون (الوهم) الأبيض..فقد كان (وهماً) ناصع البياض يرتسم على الأعين التي تبحلق نحوه في لحظة واحدة لتغدو كل واحدة منها إطاراً لـ (وهم)..أمّا (الوهم) هذا فلم يكن سوى خوذة من شاكلة التي يضعها رجال المرور على رؤوسهم حين يقودون دراجاتهم النارية..أي كأنّما أُعطى ظريفنا خوذة إلى جانب الرخصة حتى (ينزل الشارع) بأمان.. ومثل وهم صاحبنا هذا هو ما تعرضه الحكومة على الناس بين تارة وأخرى مع فارق جوهري هو أنّه ليس بـ(بلاش).. ثم هو فضلاً عن ذلك تترتب عليه تبعات مالية تجاه من يشتريه وهو يقول في نفسه (يا بلاش).. وبالأمس قال مزارعو الجزيرة إن الوعد الذي باعتهم إياه الحكومة تحت مسمى (دعم المدخلات) هو مجرد (وهم).. فقد اشتروا وهماً حكومياً (مدنكلاً) جعلهم يصرفون (الوراهم والقدامهم) على موسمهم الزراعي الماضي ليكتشفوا أنّهم حصدوا قليلاً من القمح.. كثيراً من السراب.. وفي إطار المجال الزراعي نفسه كان هنالك وهمان كبيران اسمهما (النفرة الخضراء).. و(النهضة الزراعية).. والأسبوع الماضي شهد شريان الشمال انسداداً مرورياً بقفل الشاحنات للطريق بعد أن اشترى أصحابها (وهماً) حكومياً بُشّروا عبره بأنّهم ومحاصيلهم الطلقاء.. فقد بدا لهم الوعد الحكومي بإلغاء جبايات الطريق سراباً يترقرق إلى جانب ما يترقرق على الأسفلت من سراب طبيعي اعتادوا عليه دون أن يحسبوه ماءً.. وطلاب دارفور بالجامعات لا يزالون يعضون كل يوم بنان الندم على شرائهم (وهم) الوعد الحكومي لهم بمجانية التعليم مراعاة للظروف الإنسانية التي يعيشها أهلهم.. والمعلمون يكاد كل منهم (يقرص) نفسه ليجعله الألم يفيق من وهم تصديق (وهم) الوعود الحكومية المتكررة له بتحسين أوضاعه، ودفع متأخراته، وصرف أجره له نهاية كل شهر.. والشعب السوداني كله ما زال يدفع فاتورة شراء (وهم) الوعد الإنقاذي له بتمزيق فاتورة القمح مصحوباً بنشيد (ما دايرين دقيق فينة قمحنا كتير بكفينا).. دقيق الفينة الذي بسبب ارتفاع أسعاره (عالمياً !!) الآن ارتفع لدينا سعر الرغيفة.. والقمح الذي بسبب ارتفاع مدخلات زراعية (محلياً !!) قال مزارعو الجزيرة أمس إنهم لن يزرعوه. ولم يبق أمامنا سوى أن (نترخّص!!) جميعاً ثم نحمل (خوذاتنا!!) و(ننزل الشارع!!).. ثم يعرض كلٌ منّا خوذته على الحكومة وهو يقول لها: (تشتري وهم).. أو يعرضها عليها ببلاش- مثل ظريفنا - وهو يقول لها: (هذه بضاعتك رُدّت إليكِ).. بضاعة اسمها (الوهم).