الأربعاء، 10 يونيو 2009

(الحُرّية) لصحافة (اللّولية)..!!!(نزعته الرقابة الامنية)



(الحُرّية) لصحافة (اللّولية)..!!!(نزعته الرقابة الامنية)

كتب : صلاح الدين عووضه


الصحافة الوحيدة التي تنجح في بلادنا هذه الأيام هي صحافة الـ (جيمات) الثلاث..صحافة الجنس والجريمة والجن..فالصحافة السياسية تراجع توزيعها تراجعاً مخيفاً بعد أن صارت أشبه بالتلفزيون (الرسمي)..فقد صارت جميعها نسخاً متشابهة كأنّما عقلية (واحدة!!) هي التي تحررها، وتديرها، وترأس هيئة تحريرها..وكذلك التلفزيون الرسمي..فهناك عقلية (واحدة!!) هي التي تنتقي برامجه، وتوجه سياساته، وتشرف على نشرات أخباره..وتماماً مثل التلفزيون أيضاً فإنّ المجال الوحيد المسموح بـ (حُرّية) التطور فيه هو مجال الإخراج..فصحافتنا كادت أن تُضاهي صحافة قطر في مجال الإخراج وجماليات التبويب..وتلفزيوننا كاد أن يضاهي فضائية قطر (الجزيرة) في مجال الإخراج وجماليات الشاشة.. بل إنّ تلفزيوننا أضحى مُقلِّداً ممتازاً لقناة الجزيرة في كل ما له صلة بـ (الشكليات!!) هذه.. ففي شعار نشرات الأخبار بالجزيرة نشاهد كرة تسقط في الماء ثم تقفز منه إلى أعلى.. وكذلك جعل تلفزيوننا لشعاره كرة تفعل المثل قبل أن تحتج الجزيرة على هذه المحاكاة (الجريئة).. وخلال نشرات الأخبار بالجزيرة نشاهد محررين يتحركون خلف المذيعين وهم يتابعون ما تعرضه شاشات قنوات أخرى.. وكذلك صار بعض محرري نشرات تلفزيوننا يتحركون بـ (افتعال) وراء المذيعين و(كام) شاشة (كدة) بجوارهم.. وفي بداية نشرات الجزيرة ترى المذيع والمذيعة يتبادلان كلمات بينهما ورأساهما متقاربان.. وكذلك صرنا نرى الآن مذيعاً ومذيعة بتلفزيوننا (يتهابلان) في بداية النشرة ورأساهما( مدلدلان).. محض محاكاة سمجة في (الشكليات) ليبدو البون بعد ذلك شاسعاً في التقديم، وفي اللقاءات الفورية، وفي (محتويات!!) النشرة نفسها.. فهو تلفزيون يراد له أن يكون (جميلاً) وهو (يمشي على العجين ميلخبطوش).. وكذلك صحافتنا يراد لها أن تكون (فاتنة) وهي تمشي ـ حياءً ـ جنب الحيط.. ولكنّ صُحفاً أخرى لا تعرف (الحياء) هي التي تنتشر في الساحة الآن (حشواً) للفراغ الذي خلّفته الصحافة السياسية.. وحشواً ـ كذلك ـ لعقول الناس بثقافة الـ (جيمات) الثلاث.. فهي صحافة (حُرّة) تماماً؛ لا (رقيب!!) عليها ولا (حسيب!!).. وصار النّاس يتحدثون عن (الجان) الذي حبس الزوجين اللذين سقطا في بئر السايفون انتقاماً منهما لانتهاك (ملكيّته).. وصار النّاسُ يتحدثون عن الزوجة التي (خمشت!!) من زوجها خلال النوم ما يجعل لسان حالها يردد: (عليّ وعلى ضرّتي).. وصار النّاسُ يتحدثون عن العريس الذي ذبح عروسه ليلة زفافهما لـ (استهزائها!!) به.. صارت هذه هي ثقافة شريحة كبيرة في المجتمع السوداني في زمان صحافة الجيمات الثلاث.. وانصرف النّاسُ عن صحافة العقلية (الواحدة) بمثلما انصرفوا عن تلفزيون العقلية (الواحدة).. والعقلية (الواحدة) هذي لا تبدو منزعجة أبداً.. بل ربما تبدو سعيدة بهذا الانجاز.. فالجيمات الـ (3) تُغني عن شر الجيم (3).