الأربعاء، 10 يونيو 2009

فاستتروا..!!!(نزعته الرقابة الامنية من النسخة الورقية)



فاستتروا..!!!(نزعته الرقابة الامنية من النسخة الورقية)
كتب:صلاح الدين عووضه

ربّ البيت الذي هو بدف العيوب ضارب منع أهل الدار من أن تكون شيمتهم الرقص على إيقاع ضربه..فهو ـ حسب فلسفته ـ يريد لبيته أن يكون مستوراً وإن أُبتلي هو بما يتعارض مع دواعي الستر هذا..فهذا ابتلاء ـ هكذا يقول ـ يستوجب تطبيق الحكمة النبوية (إذا بُليتم فاستتروا)..لم يكن يسمح لأي من أهل داره بالحديث ـ جهراً أو همساً ـ عن (بلاويه) هذه حتى لا يضطَّر إلى تفعيل بنود قوانينه الخاصة الصارمة التي وضعها حرصاً على سمعة البيت..تحاشى أفراد الأسرة كل ما من شأنه أن يُغضب كبيرهم ويُهيّج الشيطان الكامن داخله..وبدا ربّ البيت سعيداً بهذا الانضباط الذي من شأنه ـ حسب ظنه ـ أن يجعل شخصيته الأخرى خارج البيت مماثلة لشخصيّات يحترمها الناس..فهو إن اُحترم ـ خارجياً ـ فلا يهم بعد ذلك ما يفعله داخلياً من اجتراح لسيئات لا يحترمه بسببها أهل البيت.. وظلّ كبير العائلة زمناً يعيش في وهم اتقان للازدواجية هذه في شخصيته لم يُحظَ بمثله حتى د. جايكل الذي هو في الوقت ذاته مستر هايد.. ظلّ يعيش زمناً في الوهم هذا إلى أن فوجئ يوماً بأنّ بعضاً مما هو مُحرَّمٌ الخوض فيه بالداخل مستباح بالخارج.. فقد ولج متجراً مجاوراً لداره على حين غفلة من صاحبه ليجده يحكي لبعض زبائنه جانباً من المسكوت عنه ـ خوفاً ورهباً ـ من تلقاء أفراد الأسرة بالداخل.. وجُنّ جنون ربّ البيت.. وطفق منذ اليوم ذاك (يُرخي أذنه) لالتقاط كل شاردة و واردة من عبارات يمكن أن يكون هو المقصود من ورائها.. وبعد عدة أيام من التنصّت في محيط الحيّ (تجمّعت) في أذنيه حصيلة من العبارات لا يمكن أن تفهم إلا في سياقات تحط من قدره ومكانته وهيبته.. فقد انكشف المستور إذن.. أو ربما هو مكشوف منذ زمن ولكنّه ـ أي ربّ البيت ـ هو الذي كان في غفلة عن ذلك.. وضرب كبير الأسرة أخماساً في أسداس بحثاً عن مخرج من انفضاح الحال هذا.. فهو لا يريد إصلاح حال نفسه ولكنه يريد أن يضع حداً لـ (شيل الحال).. لا يريد لأحد أن يتحدث عنه بما يؤلمه.. لا يريد لسمعته أن تضحى مضغة في الأفواه.. فماذا يفعل إذن؟!.. هل يمدّ من نطاق قوانينه لتشمل مظلتها الذين هم بالخارج من الجيران وأصحاب البقالات وستات الشاي وسائقي الركشات ومعتوهيّ الحي..؟! هل يهدد من لهم مصالح معه ـ من هؤلاء ـ بالمقاطعة الاقتصادية حتى يرعووا ويدعوه في حاله؟!.. هل يسدّ أذن كل فرد من أفراد أسرته بقطنة ـ حين يكون ناوياً الخروج من البيت ـ حتى لا يسمعوا الذي يسمعه هو فيتجرأون عليه بالداخل؟!.. وبعد النظر بتمحيص في كلٍّ من أوجه الحل هذا خلص ربّ البيت إلى الحل الوحيد الذي بمقدوره أن يفعله.. خلص إلى الحل العملي الوحيد.. فقد طلب من أهل البيت أن يساعدوه بأكثر من الصمت.. أن يقوموا بحملة خارجية مضادة.. فسمعتهم من سمعة كبيرهم.