الأربعاء، 10 يونيو 2009

مسألة (نزعته الرقابة الامنية من النسخة الورقية)



مسألة (نزعته الرقابة الامنية من النسخة الورقية)
د.مرتضى الغالي

بعض الذين يعلقون هنا في السودان على تقرير أوضاع الصحافة في العالم والشرق الاوسط يحتاجون الي إزالة (الغشاوة) عن مناظيرهم الطبية ومعالجة (التراكوما السياسية) والجلكوما المهنية و(الكتراكت النقابي)..! فقد درجوا في وصفهم للواقع المحلى على تكرار القول بأن الهامش الموجود عندنا في السودان هو الأعلى في المنطقة العربية والافريقية.. وهذا القول فوق ما فيه من منافقة للواقع، يحمل جهلاً كبيراً بأوضاع الصحافة العربية الافريقية.. فمن يقنع هذه الأصوات بأحدي الحسنيين: اما (الصمت الجميل) القائم على احترام النفس والناس؛ واما الاطّلاع على هامش الصحافة في العالم العربي والافريقي.. و(بلاش) العالم العربي الافريقي فقط نطالبهم بمطالعة صحافة الجارة مصر والجارة كينيا- أو يوغندا- ليعلموا ما يرد في صحافة هذين البلدين من انتقاد صريح للرئاسات وما حولها، والمؤسسات وما فيها، والنافذين ومن في معيتهم، والاجهزة ومنسوبيها، و وما تسطرّه صحف هذه البلاد من ملاحقة للإختلالات المالية وغير المالية مهما كان من يقف ورءها..
وإبراز شبهات ومظاهر الفساد مهما أعوزها الدليل المادي المباشر والبرهان الورقي الوثائقي .. وهو تناول يتم يومياً في صحافة الجيران.. بل في صحف الجيران ما هو أدهي وأعلى في سلم الحريات.. وبعد ذلك يمكن لأصحاب هذه الاصوات ان تشرح لنا أسرار الحكمة في ترديد هذه المقولة القديمة منذ عهد عاد وثمود، والتي تزعم بأن هامشنا المحلي (أعرض) من هوامش كل الآخرين من حوالنا في قارتنا السمراء وفي منطقتنا العربية.. وهي مقولة (عاجزة كسول) لم تغادر المحطات القديمة ولا تستطيع أن تصمد امام الاختبار ولا تساعد المجتمع الصحفي والسياسي السوداني في العودة الي الحريات المطلوبة والمرغوبة والتي تنص عليها اتفاقية السلام الشامل ودستور السودان الحالي.. وعندما تصدر مثل هذه التبريرات الكليلة من اهل المهنة وسدنتها فلا نملك الا نقول: (يا فؤادي رحم الله الهوى)..!
وحتى لو كانت هذه المقولة صحيحة - وهذا هو عين المستحيل- فليس من الحكمة ان يقول المنافحون: اننا بحمد الله (أقل سؤاً) من الذين حولنا... فهذا هو القياس الباطل الذي لا ينبغي ان يأخذ به الذين يريدون الريادة المستحقة لحرية التعبير في بلادهم، وليس من العافية ان تقول ان (ملاريتي) أخف من (تايفود) ابن الجيران.. أو أن (أزمتي الصدرية) أرحم من (التيبى) الذي ينخر صدر ابن عمي...! حيث ان مثل هذا الاستشهاد لا يضعك في قائمة الأصحاء، إنما يجمعك في أحسن الاحوال في (عنبر واحد مع المعلولين) الذين تحاول ان تفتخر عليهم بأن علتك ليست في سؤ علتهم... وهذا لا ينقلك الي عالم الاصحاء (خارج مستشفي الدرن).. فهل هذا هو نوع العافية الذي تطلبونه بمسح (الدهن على الوبر) من باب تحريف الواقع ومداهنة من تودون مداهنته؟!! أصلح الله - جل وعلا- الأبصار والصدور..!