الأربعاء، 10 يونيو 2009

أدب التكلم..!!(نزعته الرقابة الامنية)



أدب التكلم..!!(نزعته الرقابة الامنية)
كتب : صلاح الدين عووضه


قبل خمسة عشر عاماً أي عام 1994م وسلطة الإنقاذ في عنفوان شبابها وفي جلسة إخوانية حوارية عن الراهن السياسي آنذاك، انبرى أحد منتسبي النظام وهو على قدر مناسب من التعليم وفي تحدٍ سافر ليقول لنا: " ألا قوة على وجه الأرض تستطيع إزاحة الإنقاذ عن السلطة وأنّهم- أي الإنقاذيون- سيسلمونها (السلطة) لسيدنا عيسى عليه السلام"..اعتقدت في بادئ الأمر أنّ الرجل يمزح معنا وأنّ ما قاله لا يعدو أن يكون من باب (كيتاً لنا) كما يقول السودانيون، إلا أننا لمسنا الجدية في حديثه وموقفه وعليه اتفقنا على وقف النقاش حتى لا نخوض أكثر في أمور تكون نتائجها غير مرغوبة للجميع في الدنيا والآخرة.ظهور المسيح عليه السلام كما يعلم المسلمون من أشراط قيام الساعة (يوم القيامة)، وهذا اليوم من الغيبيات العلمية التي خص بها الله سبحانه وتعالى نفسه، قال تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها، قل إنّما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو"- الأعراف، وقال تعالى: "إنّ الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إنّ الله عليم خبير"، لقمان. إذاً ما قاله صاحبنا يعد تجاوزاً صريحاً لأدب التكلم وما درى أنّ الله سبحانه وتعالى أمر المسلم أن يتأدب في حديثه عندما يريد أن يتكلم في أمر يتعلق بالمستقبل، قال تعالى: "ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غداً* إلا أن يشاء الله.." الكهف، ذلك لأنّ إرادة الإنسان وقدرته في تنفيذ المراد محدودة لذلك كان من الواجب عليه أن يستعين بإرادة الله وقدرته المطلقة. وبعد مرور عشرين عاماً على الإنقاذ والذي تحولت سلطته إلى المؤتمر الوطني، فبعد هذه المدة نسمع تصريحاً آخر عن عضو نافذ (كما يقولون) في السلطة وصاحب درجة علمية معتبرة نسمع منه تصريحاً يؤكد فيه ترشيح الحزب للمشير البشير لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة قائلاً: "إن انطبقت السماء على الأرض لن نرشح شخصاً غيره". قد يرى القارئ أنّ هذا التصريح عادي لا شيء فيه يدعو إلى الحرج أو الاستغراب، فنقول له: إنّ هذا الحديث فيه تجاوز لأدب التكلم لأنّ الأمر يتعلّق بالمستقبل الذي تكون فيه الأمور بمشيئة الله تعالى وليس بمشيئة البشر، ثم أنّ هذا التصريح سيجعل الحزب يفقد حقه في ترشيح شخص آخر إذا حدث أمر قدري للبشير أو انتهى أجل حياته بالموت (وهو حق) قبل أوان الانتخابات. أمّا انطباق السماء على الأرض فهذا يتعارض مع الحكمة التي خلق الله سبحانه وتعالى السماء من أجلها، يقول الله سبحانه وتعالى: " أو لم ير الذين كفروا أنّ السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون"، ويقول سبحانه وتعالى: ".. ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إنّ الله بالناس لرؤوف رحيم". ويقول الله سبحانه وتعالى: "إنّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن امسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً"، ويقول الله سبحانه وتعالى: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض". من هذه الآيات نعلم أنّ الله تولى أمر إمساك السماء بعد فتقها من أن تقع على الأرض رحمة بالناس ولأنّ إدارة شؤون الخلق على الأرض تكون من السماء، فستظل السماء بناءً و سقفاً محفوظاً بإذن الله إلى ما شاء هو، أمّا حالها يوم القيامة كما ذكرت في الآيات، فإنّها تتشقق بالغمام وتضطرب وتتحرك وتذوب كالمعدن المنصهر و يطويها الله سبحانه وتعالى والله أعلم. ختاماً نقول إذا كان الهدف من مثل هذه التصريحات التقرب من السلطة والتمتع بالكيل فلتكن بأدب التكلم، فبئس الكيل والقربى إذا تعارضت وسائله مع أدب التكلم الذي يرضي الله سبحانه وتعالى: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب". صدق الله العظيم. أ: الزبير عثمان توتو موجه تربوي- بحري